ما المقصود بالاستراتيجية؟

الاستراتيجية هي (متتالية من أفكار محددة وتصورات داخلية وخارجية لتجارب معينة تؤدي إلى نتيجة محددة، فالشخص الذي يقول إنه مصاب بالصداع عندما يستيقظ في الصباح فهو يستخدم متتالية من الأفكار والتصورات الداخلية التي بدورها سببت له الصداع) [قوة التفكير، د. إبراهيم الفقي، ص (32)].

والمشكلة أن معظم الناس يستخدمون الكثر من العبارات والكلمات السلبية، ولا يدرون أنهم باستخدام هذه العبارات والكلمات يكونون استراتيجيات عقلية لكنها سلبية، والمشكلة أن هذه الاستراتيجيات السلبية لا تكون وقتية وإنما يتم تخزينها في العقل اللاواعي وتكون النتيجة: مشاعر وأحاسيس سلبية يشعر بها الإنسان ويقاومها ويحاول دفعها لكنه لا يستطيع، وبعد الناس يبذل مجهودًا كبيرًا في ذلك دون جدوى.
ونرى الكثير يهرع إلى الأدوية ولكنها لا تجدي نفعًا، لماذا؟! لأن المشكلة في كثير من الأحيان ليست عضوية بل هي أساليب استخدمها الشخص فكونت لديه استراتيجيات عقلية سلبية دون أن يشعر.
ومن الأمثلة على ذلك تجد شخص يستيقظ كل صباح من نومه متكاسلًا، وغير راغب في الذهاب إلى العمل ويقول: أشعر بتعب وإرهاق علي أن أشرب المزيد من القهوة حتى أشعر بالنشاط.
وشخص آخر يقول كل يوم جمعة بالذات أصاب بحساسية شديدة تستمر معي طوال اليوم.
هؤلاء الأشخاص وغيرهم من الأمثلة في الأغلب أنهم كونوا استراتيجيات عقلية سلبية دون أن يشعروا وتم تخزينها في العقل اللاواعي، ومن ثم ستظل هذه المشاعر والأحاسيس السلبية مصاحبة لهم، إلى أن يمتلكوا قوة التفكير التي تمكنهم من تغيير تلك الاستراتيجيات العقلية السلبية وتبديلها باستراتيجيات أخرى إيجابية.
يحكي الدكتور إبراهيم الفقي عن تجربة شخصية فيقول: (أتذكر في وقت كنت فيه في لويزيانا بالولايات المتحدة الأمريكية وكنت أحاضر في فندق هيلتون لافاييت عن فلسفة النجاح وهناك اقترب مني رجل في الأربعينات من عمره، وكان واضحًا أنه مصاب الإنفلونزا وقال لي: في كل سنة يا دكتور وفي شهر أغسطس أصاب بإنفلونزا حادة تستمر معي طوال الشهر...
فسألته: منذ متى وأنت مصاب بهذه الحالة؟ فقال: منذ أكثر من عشر سنوات، فسألته: هل كنت قبل ذلك الوقت في صحة جيدة؟ أجاب نعم، فسألته: هل تتذكر كيف حدث ذلك؟ فقال: لا، ولكن عمومًا عندما أعرق بسبب الرطوبة العالية أصاب ببرد شديد وبعدها مباشرة أصاب بالإنفلونزا.
في كل سنة (هنا هو وضع الزمان المستمر).
في شهر أغسطس (هنا هو وضع تحديدًا للوقت الذي يصاب فيه، وهذا التحديد مستمر في الزمن ويحدث كل سنة).
أصاب بإنفلونزا (هنا هو حدد نوع المرض الذي يصاب فأصبح المرض مرتبطًا بالشهر والزمن).
عندما تكون الرطوبة عالية أعرق وأصاب ببرد شديد (هنا هو حدد السبب والنتيجة).
بعدها مباشرة أصاب بالإنفلونزا (هنا هو وضع النتيجة النهائية والواقع الذي يعيش فيه سنويًا).
ما استخدمه هذا الرجل ليس إلا أفكارًا متتالية محددة مرتبطة بالزمان والمكان ومدعمة باعتقاد وتوقع حتى أصبحت حقيقة وواقعًا به وينتظره كل عام في نفس الوقت... هذه هي الاستراتيجية العقلية.
وفي الواقع إن كل حياتنا وتصرفاتنا ليست إلا استراتيجيات عقلية ونعيش بها في أي مكان أو زمان؛ فعندنا استراتيجية للنوم نستخدمها للنام أو نستمر مستيقظين، واستراتيجية للتعامل مع الناس سواء كانوا أقارب أو زملاء أو غرباء عنَّا، واستراتيجية للأكل وتناول الطعام فهناك من يأكل بسرعة وهناك من يأكل ببطء، وهناك من يأكل وهو فعلًا جوعان وآخر يأكل وهو غير جوعان فهو يأكل لأنه جوعان شعوريًا لكي يشعر بالسعادة والبهجة) [قوة التفكير، إبراهيم الفقي، ص (32ـ33)].
توقع الأفضل واظفر به
إن الكثير منا قد كون استراتيجيات عقلية كثيرة بناء على تجارب معينة أو اعتياد سلوكيات معينة حتى أصحبت معتقدات بالنسبة له مؤثرة بالسلب على حياته ومستقبله، يقول في كتابه : (تساءل الأب متحيرًا بخصوص ابنه البالغ من العمر ثلاثين ربيعًا: (لماذا يفشل ابني في كل عمل يعهد به إليه؟)، وكان من الصعب فعلًا أن ندرب أسباب فشل هذا الشاب لأنه حسب الظاهر، كان يملك كل مقومات النجاح، إذ كان ينحدر من أسرة طيبة، وكانت ثقافته وفرص العمل العمل المتاحة له فوق ما يطمع فيه الشخص العادي، ومع كل ذلك فقد كانت لديه نزعة مؤسفة نحو الفشل، وكل ما لمسه باء بالخذلان، ولقد حاول جهده ولكنه لم يصب نجاحًا، أما الآن فقد عثر على حل بسيط غاية البساطة، ولكنه ذو تأثير عجيب، وبعد أن مارسه ممدة من الزمن، تخلت عنه النزعة إلى الفشل واكتسب بدلها سر النجاح، وهكذا برزت قوة شخصيته وبدأت قدراته تؤتي ثمارها.
وفي إحدى المآدب، منذ مدة ليست ببعيدة، لم أستطع إلا أن أبدي إعجابي بهذا الشاب ذي الحيوية الدافقة، فقلت له: (إنك حيرتني، فمنذ سنوات قلائل كنت عنوان على الفشل في كل شيء، ولكنك الآن كونت فكرة أصيلة لعمل ممتاز، وقد أصبحت قائدًا وسط الجماعة التي تعيش بين ظهرانيها، فهلا شرحت لي سبب هذا التغير العجيب؟)
فأجابني: الواقع إن الأمر في غاية البساطة، فكل ما هنالك أني تعلمت قوة الإيمان، فلقد اكتشفت أنك إذا توقعت السوء فستحصل عليه، وإذا توقعت الأفضل فستظفر به، إن قناعتي الجديدة بهذا هي سر النجاح) [قوة التفكير الإيجابي، نورمان فنسنت بيل، (105) بتصرف].
ما المقصود بالاستراتيجية العقلية؟
(هي مجموعة من الأفكار المتتالية والمحددة يربطها الإنسان بزمان أو مكان ويدعمها باعتقاد وتوقع حتى تصبح حقيقة وواقعًا ينتظره في نفس الزمان والمكان) [قوة التفكير، د. إبراهيم الفقي، ص (33)].
أسئلة تحتاج لجواب:
ما هي استراتيجيتك في النوم؟
ما هي استراتيجيتك في التعامل مع شخص تحبه وفي التعامل مع شخص لا تحبه؟
ما هي استراتيجيتك في التعامل مع التحديات والمؤثرات الخارجية؟
وما هي استراتيجيتك الروحانية والصحية؟
كما ترى: كل شيء في الحياة يتكون من استراتيجيات تتكون من أفكار محددة ومتتالية تؤدي إلى نتيجية يستخدمها الإنسان في حياته.
والخلاصة..
(إذا كان الإنسان كائن مستدل عقلاني فإن نمط حياته العام يتشكل حسب نوعية الحركة المعرفية التي يتخذها وحسب أساليبه الاستدلالية، وقد يتخذ شخص أو أمة كاملة منهجاً استدلاليًا ومعرفيًا خاطئًا يقودها إلى اتجاه معاكس ولا يوصلها إلى أهدافها.
إن تغيير كثير من الأخطاء التي نعيشها وتغيير واقعنا إلى واقع جديد سليم يعتمد بشكل كبير على كشف الأسلوب الذي نفكر به، فإذا كان واقعنا سيئًا ومريرًا فهذا يعني أننا نفكر بأسلوب خاطئ ولابد من أن نغير أساليبنا الفكرية والاستدلالية لتغيير هذا الواقع المتخلف) [ملاحظات منهجية لاستكشاف آفات التفكير، مرتضى معاش، بتصرف يسير].
وللحديث بقية حتى نصل إلى أعلى أفق من آفاق التفكير الإيجابي، إلى أعلى نقاط قوة التفكير.