مفهوم الاستدلال: الاستدلال لغةً معناه تقديمُ دليلٍ أو طلبُه لإثبات أمر معين أو قضية معينة. وأما اصطلاحًا، فهو عملية تفكيرية تتضمن وضع الحقائق أو المعلومات بطريقة منظمة، بحيث تؤدي إلى استنتاج أو قرار أو حل لمشكلة، وتشير عدة موسوعات علمية ومراجع في علم النفس المعرفي إلى أن لفظ "الاستدلال" يستخدمُ للدلالة على معانٍ مختلفة؛ من بينها:
التعقل أو التفكير المستند إلى قواعد معينة، مقابل العاطفة والإحساس والشعور. الدليل أو الحجة، أو السبب الداعم لرأي أو قرار أو اعتقاد. العملية العقلية أو المَلَكة التي يتم بموجِبها التوصُّل إلى قرار أو استنتاج. الإقناع مقابل الإيمان الفطري أو الأعمى في اللاهوت. القدرة على الاستنباط والاستقراء في المنطق والفلسفة. أحد مكونات السلوك الذكي أو القدرة على حل المشكلات. توليد معرفة جديدة باستخدام قواعد وإستراتيجيات معيَّنة في التنظيم المنطقي لمعلومات متوافرة. ويعرِّف باير (Beyer, 1987) الاستدلالَ بأنه: مهارة تفكيرية، تقوم بدور المسهِّل لتنفيذ أو ممارسة عمليات معالجة المعلومات التي تضم التفسير والتحليل والتركيب والتقييم، ويضعه في المستوى الثالث من عمليات التفكير المعرفية بعد إستراتيجيات التفكير المعقدة، (وهي حل المشكلات، واتخاذ القرار، وتكوين المفاهيم)، ويصنف الاستدلال ضمن مهارات فرعية؛ هي: الاستدلال الاستقرائي، الاستدلال الاستنباطي، والاستدلال التمثيلي، وهناك مَن يضيف مهارة رابعة هي الاستدلال السببي؛ (أي إظهار العَلاقة بين السبب والنتيجة) كأحد أشكال الاستدلال العقلي. يَرِدُ تعبير الاستدلال في مراجع علم النفس المعرفي مرتبطًا بصفات عديدة؛ من بينها: الاستدلال اللفظي - الاستدلال الرياضي/ الكمي - الاستدلال المجرد/ البصري - الاستدلال التحليلي - الاستدلال الارتباطي - الاستدلال الأخلاقي - الاستدلال الإكلينيكي - الاستدلال الصوري وغير الصوري، إلى غير ذلك من الأوصاف. ويرتبط الاستدلال اللفظي والاستدلال الكمي بالتعلم، وبالتالي، فإنهما يعكسانِ ما سمِّي بالذكاء المتبلور Ceystalized Intelligence، بينما ترتبط القدرة على الاستدلال المجرد بالذكاء التحليلي المجرد أو الذكاء الفطري Fluid Intelligence) بأنه مجموع العمليات العقلية المستخدمة في تكوين وتقييم المعتقدات، وفي إظهار صحَّة الادِّعاءات والمقولات أو زيفِها، وتتضمن هذه العمليات العقلية ما يأتي: • توليد وتقييم الحجج والافتراضات. • البحث عن الأدلة. • التوصل إلى نتائج. • التعرف على الارتباطات والعَلاقات السببية. ويرتبط الاستدلال بعدد كبير من الموضوعات؛ كالتفكير الناقد، والمنطق، واللغة، والمعرفة، وغيرها، ونظرًا لأهمية فهمِ طبيعة العَلاقة بين الاستدلال وكل من هذه الموضوعات؛ فإننا نستعرضها بإيجاز فيما يأتي: الاستدلال والتبرير: يُتَّخذ لتبريرِ Rationalization شكل الاستدلال وصورتِه في الغالب، إلا أن هناك فرقًا رئيسًا بين الاستدلال والتبرير يرجعُ إلى هدف كل منهما، فالاستدلال يهدفُ إلى توليد معرفة جديدة عن طريق إعمال الفكر في المعلومات والأدلة المتوافرة، وتقليب الأمر على وجوهِه، واستخدام قواعدَ وإستراتيجيات عملية معقولة للوصول إلى نتائج صحيحة. أما عملية التبرير، فإنها تهدفُ إلى بلوغِ استنتاج يتَّفق مع رغبات صاحب العَلاقة وتفضيلاته، عن طريق إخفاء الدوافع الحقيقية والأسباب الخفية لعملٍ ما، واختلاف أسباب تبدو مقنعةً ومقبولة لتبرير العمل، ومن الأساليب المستخدمة في عملية التبرير ما يأتي: • تركيز الاهتمام على جميع المعلومات المؤيِّدة للقرار أو الاستنتاج المرغوب فيه وتجاهل أو إهمال المعلومات التي لا تدعمه أو تضعفه. • إعطاء أهمية أكبر لمصدر المعلومات المؤيدة، والتقليل من قيمة أو مصداقية مصدر المعلومات غير المؤيدة للنتيجة المرغوبة. • استخدام محكات متناقضة في تفسير الأدلة والحكم عليها. • لوم الآخرين ونقدُهم وتشتيتُ الانتباه والابتعاد عن لب الموضوع. • تصيُّد الأخطاء والهفوات في حجج وعروض الآخرين، بهدف كسب النقاش أو دحض النتيجة دون اكتراث لتحري الحقيقة.