يصنِّف بعض الباحثين عمليةَ اتخاذ القرار ضمن إستراتيجيات التفكير التي تضم حل المشكلات وتكوين المفاهيم بالإضافة إلى عملية اتخاذ القرار، ويتعاملون مع كلٍّ منها بصورة مستقلة؛ لأنها تتضمَّن خطوات وعمليات متمايزة عن بعضها البعض.

بينما يرى آخرون أن عملية اتخاذ القرار متطابقة مع عملية حل المشكلات، باعتبار أن المشكلات في حقيقة الأمر ليست سوى مواقفَ تتطلَّب قرارات حول حلول لهذه المشكلات.

والحقيقة أن عملية اتخاذ القرار تتطلَّب استخدام الكثير من مهارات التفكير العليا؛ مثل: التحليل، والتقويم، والاستقراء، والاستنباط، وبالتالي فقد يكون من الأنسب تصنيفها ضمن عمليات التفكير المركبة مثلها مثل التفكير الناقد والتفكير الإبداعي وحل المشكلات.

وقد عبَّر عددٌ من الباحثين عن هذا الاتجاه بدمج عملية حل المشكلات ضمن إطار عملية اتخاذ القرار.

ويمكن تعريف عملية "اتخاذ القرار" بأنها عملية تفكير مركَّبة، تهدف إلى اختيار أفضل البدائل أو الحلول المتاحة للفرد في موقف معين؛ من أجل الوصول إلى تحقيق الهدف المرجو.

وتنقسم عملية اتخاذ القرار إلى عدة مراحل، هي:


• تحديد الهدف أو الأهداف المرغوبة بوضوح. • تحديد جميع البدائل الممكنة والمقبولة.

• تحليل البدائل بعد تجميع معلومات وافية عن كل منها باستخدام المعايير العامة الآتية:


♦ درجة التوافق بين الأهداف التي يحققها البديل وأهداف الفرد.

♦ المنفعة المتحقِّقة من اختيار البديل، ودرجة المخاطرة التي ينطوي عليها.

♦ المجهود اللازم لتنفيذ البديل.

♦ قيم الفرد ومحددات المجتمع.

♦ ترتيب البدائل في قائمة أولويات حسب درجة تحقيقها للمعايير الموضوعة.
• إعادة تقييم أفضل بديلينِ أو ثلاثة في ضوء المخاطر التي ينطوي عليها كل بديل، والنتائج المحتملة التي ظهرت بعد مرحلة التحليل الأولي. • اختيار أفضل البدائل من بين البديلينِ أو الثلاثة التي أُعِيد تقييمها في الخطوة السابقة واعتماده للتنفيذ.

وتتضمن معظم التعريفات المفيدة لعملية اتخاذ القرار القواسم المشتركة الآتية:


• وجود سلسلة من الخطوات.

• توليد بدائل أو قرارات مؤقتة.

• تقييم البدائل باستخدام معايير محددة سلفًا.


إن عملية اتخاذ القرار عند مواجهة موقف معين تهدفُ بصورة أساسية للإجابة عن السؤال: "ما الذي يجب عمله؟ ولماذا؟".

وإذا كانت إجابة الشق الأول من السؤال تعتمدُ بدرجة أكبر على المعلومات والقوانين والمبادئ ذات الصلة بالموقف، فإن الشق الثاني يعكس بدرجة كبيرة قيم الفرد متَّخِذ القرار، وربما كانت القيم تلعب دورًا أكبر من المعلومات في اتخاذ القرار عندما يتعلق الأمر بالقضايا الاجتماعية والشخصية، ومع أننا لا نُعير اهتمامًا كبيرًا للدور الذي تلعبه القيم في حل مشكلاتنا وقراراتنا، إلا أن هذا لا يقلل من قيمة الرغبات والآمال والأهداف كقوى محركة للتفكير. تصنيف القرارات وإستراتيجياتها: مهما تكن العوامل المؤثِّرة في عملية اتخاذ القرار، فإنه يمكن التوصل إلى ضبط هذه العملية بشكل منطقي ومعقول إذا توافرت فرصٌ لتدريبِ الطلبة على مواجهة مواقف متنوِّعة تستدعي اتخاذ قرارات وَفْق خطوات مدروسة وفي ضوء المعلومات أو المعطيات المتاحة.

ويمكن الافتراض بأن هناك خطأ متصلاً من العقلانية أو المنطقية في اتخاذ القرارات، بحيث يقع في أحد طرفي الخط المتصل تلك القرارات التي تُؤخَذ بشكل منطقي على أسس التقييم الموضوعي لعناصر الموقف أو المشكلة، بينما يقع على الطرف الآخر تلك القرارات التي تؤخذ بصورة اعتباطية أو لمجرد نزوة شخصية أو هوى، وعلى أي حال إذا استثنينا القرارات اليومية ذات الطابع الروتيني كاختيار كتاب، أو لباس، أو شراب، أو طعام، فإن أي قرار يحمل في طياته قدرًا من المخاطرة.


إن القليل من القرارات التي يتَّخِذها الإنسان في حياته تحمل درجةً عالية من اليقين حول نتائجها، بل إن معظم القرارات المهمة تُتَّخَذ في ظل حالة تجمع بين ظروفٍ من الشك والمخاطرة واليقين.

وقد صنَّف بعض الباحثين (Hayes, 1981; Pietrofesa & Splete, 1973) القرارات التي يمكن أن يتخذها الإنسان في الظروف المختلفة على النحو الآتي:

• قرارات تؤخذ في حالة من اليقين، وذلك إذا كان كل اختيار يؤدِّي إلى نتيجة معروفة على وجه التأكيد.

• قرارات تؤخذ في حالة من المخاطرة، وذلك إذا كان كل اختيار يقود إلى عدة نتائجَ احتمالاتُها معروفة أو متوقعة.

• قرارات تؤخذ في حالة من الشك، وذلك عندما يقودُ كل اختيار إلى عدة نتائج ممكنة، ولكن احتمالاتها غير معروفة.


• قرارات تؤخذ في ظل حالةٍ من الجمع بين الشك والمخاطرة، وذلك عندما لا يكون الشخص متأكدًا من ردَّة احتمالية النتائج المترتِّبة على اختياراته، ولكن تتوافر لديه بيانات تمكنه من تقدير نسبة نجاح كل اختيار.

ويترتب على هذا التصنيف وجود أربع إستراتيجيات لاتخاذ القرارات في ضوء الأهداف والمعلومات المتوافرة والقيم الشخصية ودرجة المخاطرة، هي:


أ- إستراتيجية الرغبة، ويقصد بها التوجه لاختيار ما هو مرغوب فيه أكثر من غيره.

ب- الإستراتيجية الآمنة، وذلك باختيار المسار الأكثر احتمالاً للنجاح.

ج- إستراتيجية الهروب أو الحد الأدنى، وذلك باختيار ما يجنِّب الوقوع في أسوأ النتائج.

د- الإستراتيجية المركبة، ويقصد بها اختيار ما هو مرغوب وأكثر احتمالاً للنجاح، وهي أصعب الإستراتيجيات عند التطبيق؛ لاشتمالها على متغيرات عديدة لا بد أن تدرس بعناية قبل اتخاذ القرار.


إن التربية التقليدية في البيت والمدرسة لا يمكن أن تنمِّي مهارات اتخاذ القرار عند الناشئة، ولأنه لا يُوجَد ما يبرِّر الافتراض بأنهم يستطيعون أو أنهم سوف يتعلَّمون كيف يُصبِحون صانعي قرارات مَهَرة بالاعتماد على أنفسهم، فإن تعليمهم مهاراتِ اتخاذ القرار، وتدريبهم على ممارستها خلال سنوات دراستهم المبكرة - تبدو في غاية الأهمية دون شك، ولا سيما في عصر لم تَعُدِ الاختيارات فيه محصورة بين "أبيض وأسود" فقط، بالإضافة إلى كونه عالمًا سريعَ التغير.

إن عملية اتخاذ القرار تنطوي على عناصر إبداعية، يمكن تلخيصها فيما يأتي: • توليد البدائل، وبخاصة بالنسبة للقرارات الصعبة أو المصيرية. • التنبؤ بالآثار المترتبة على اختيار بديل معيَّن دون غيره في ضوء الاتجاهات السائدة في الحاضر. • إدراك القيم والأولويات الشخصية قبل كل شيء؛ لأنها تشكِّل عاملاً مؤثِّرًا في كل القرارات التي نتخذها، بغضِّ النظر عن الأسلوب أو الإستراتيجية المتبعة في اتخاذ القرار (de Bono, 1994). إن القرارات التي يتخذها الفرد قد تكون اعتباطية، وقد تكون منطقية ومدروسة في ضوء المعلومات المتوافرة، وإذا كان المعلِّم يريد مساعدة طلبتَه على اتخاذ قراراتٍ منطقية بأنفسهم، فعليه بدايةً أن يعرضَ عليهم البدائل التي يمكن أن يفهموا مترتباتها؛ لأنهم دون ذلك الفهم لا يتخذون - حقيقة - قرارًا منطقيًّا، ومع استمرار التدريب يمكن زيادة عدد البدائل ودرجة تعقيدها، بحيث تتعزز ثقتهم بأنفسهم وبقدرتهم على اتخاذ القرارات. العلاقة بين عمليتي اتخاذ القرار وحل المشكلات: هناك أوجه شبه عديدة بين عمليَّتي اتخاذ القرار وحل المشكلات، فكلاهما تتضمَّن سلسلة من الخطوات تبدأ بمشكلةٍ ما وتنتهي بحل، وكلاهما تتضمن إجراء تقييم للبدائل أو الحلول المتنوعة في ضوء معايير مختارة بهدف الوصول إلى قرار نهائي، والفرق الأساسي بينهما هو إدراك الحل؛ ففي عملية حل المشكلة يبقى الفرد دون إجابة شافية، ويحاول أن يصل إلى حل عملي ومعقول للمشكلة، وفي عملية اتخاذ القرار قد يبدأ الفرد بحلول ممكنة، وتكون مهمته الوصول إلى أفضل هذه الحلول المحققة لهدفه.

وهناك فروق أخرى من بينها ما يأتي:


• تلعب القيم دورًا أكبر في عملية اتخاذ القرار، وبخاصة عند تحليل البدائل وتقدير أهمية المعايير.

• يتم تقييم البدائل في عملية اتخاذ القرار بصورة متزامنة أو دفعة واحدة، وليس خطوة خطوة كما هو عليه الحال في حل المشكلات.

• تُستخدم في عملية اتخاذ القرار معاييرُ كمية ونوعية للحكم على مدى ملاءمة البديل.

• لا يوجد في عملية اتخاذ القرار بديل واحد صحيح من الناحية الموضوعية، وقد يكون هناك أكثر من بديل واحد مقبول.