قد يؤدي التركيز على النقاط المضيئة إلى نتائج غير متوقعة في عالم الأعمال, وهذا هو ما اكتشفته " ريتشارد باسكال" - أحد أمثال " جيري ستيرنين" - عام 2003 عندما قبل تكليفًا استشاريًّا من شركة " جينينتك" للأدوية. وكانت الشركة قد أنتجت عقارًا جديدًا اسمه " زولير" Xolair, وكانت تعتبره " دواءًا معجزة" للربو. وقد أثبت ذلك الدواء كفاءة في منع أزمات الربو لدى العديد من المرضى, ومع ذلك فقد ظلت مبيعات الدواء أقل من المتوقع حتى بعد ستة أشهر من إنتاجه وإدخاله السوق.
وقد طُلب من " باسكال" وفريقه اكتشاف أسباب عدم الأداء الجيد للدواء الجديد، فبدأوا في البحث عن النقاط المضيئة بسرعة, وهي: كان اثنان من العاملين بمبيعات العقار في منطقة " دالاس فورت ورث" يبيعان من العقار عشرين ضعف ما يبيعه زملاؤهما. وأوضح المزيد من البحث أن هذين العاملين يستخدمان أسلوبًا تسويقيًّا مختلفًا للغاية، وبدلًا من أن يروجوا للمزايا الطبية للدواء- وهو ما كان الأطباء يعرفونه جيدًا- فقد ساعدا الأطباء على معرفة كيفية وصف استخدام الدواء للمرضى. لم يكن " زولير" أقراصًا، أو بخاخة للاستنشاق، بل كان يُحقن في الوريد. وكان أسلوب الحقن غير شائع (ولذلك كان العقار يخيف الفيل) لدى أطباء الحساسية، أو أطباء الأطفال الذين يتعرضون للدواء أكثر من غيرهم.وكان هذا موقفًا مرجعيًّا بالنسبة للنقطة المضيئة، فمثلما فعلت الأمهات الفيتامينات بمزجهن الأرز الذي يأكله أبناؤهن بأوراق البطاطا، كان هذان العاملان بالمبيعات يحققان نتائج رائعة رغم أن الموارد لديهما لا تزيد عن الموارد لدى بقية زملائهما. وبعد أن اكتشف العاملون بشركة " جينينتك" النقطة المضيئة, شرع مدراء الشركة في نشر الفكرة المبدعة بين العاملين بالمبيعات بها.ولكن هذا لم يحدث، فقد حدث شيء أعاق قصة النجاح التي بصددها، حيث كانت النظرة للنتائج الرائعة التي حققها هذان العاملان بالمبيعات نظرة تكتنفها الريبة والشك. لقد ظن المدراء أن هذين العاملين بالمبيعات بحاجة لمراجعة (وقد أوضحت الأبحاث التالية أن هذين العاملين بالمبيعات يتعاملان مع نفس النوعية من العملاء التي يتعامل معها بقية زملائهما).وحتى لا نظلم مدراء الشركة، فعلينا أن نعترف بأن هذين العاملين بالمبيعات كان من المحتمل أن يكونا حالة شاذة. ومع ذلك، فقد كان أول رد فعل من المدراء على الأخبار الجيدة هو أنها لابد أن تكون أخبارًا سيئة! وهذه النوعية من ردود الأفعال تذكرنا بقوة بأن الراكب في حالة تحليل لا ينتهي, حيث قد يبدو النجاح نفسه كما لو كان مشاكل بالنسبة للراكب النشط المبالغ في التفكير.لنعد إلى " بوبي" - الطالب المشاغب- حيث نستطيع الآن فهم التحول شبه الفوري في سلوكياته. وإليك وصفًا سريعًا لإحدى جلسات الاستشارة النفسية التي حضرها " بوبي" . لاحظ كيف يبدأ " ميرفي" - الإخصائي النفسي في المدرسة- بسؤال الاستثناء:
" ميرفي" : " أخبرني بالأوقات التي لا تثير فيها مشاكل في المدرسة" .
" بوبي" : " أنا لا أثير مشاكل أبدًا... حسنًا, لا أثير الكثير من المشاكل في حصة الأستاذة " سميث" على الأقل" .
" ميرفي" : " وما المختلف في حصص الأستاذة " سميث" ؟" .
" بوبي" : " لا أعرف. إنها أكثر لطفًا, وأنا أرتاح لها" .
" ميرفي" : " وما الذي تفعله بالتحديد, وتراه أنت أكثر لطفًا؟" .
لم يكن " ميرفي" راضيا عن الاستنتاج العالم لـــــ" بوبي" بأن الأستاذة " سميث" (أكثر لطفًا)؛ لذلك واصل الأسئلة حتى تحدد " بوبي" عدة أشياء عنها وعن حصتها يبدو أنها تساعده على السلوك القويم. وعلى سبيل المثال, فقد كانت الأستاذة " سميث" تحييه بمجرد أن يدخل الفصل (وكان من الواضح أن باقي المدرسي يتجنبونه), وكانت تكلفة بعمل سهل تعرف أنه يستطيع أداءه (وكان " بوبي" يعاني صعوبات في التعلم). وكانت كلما بدأ تلاميذ الفصل أداءه مهمة معينة, تناقشها معها حتى تتأكد من فهمه للمطلوب.كانت حصة الأستاذة " سميث" نقطة مضيئة, وكما رأينا فإن مهمتك عندما تحدد النقطة المضيئة هي أن تبدأ في استنساخها. استخدام " ميرفي" نموذج حصة الأستاذة " سميث" ليقدم لباقي مدرسي " بوبي" نصائح محددة بشأن كيفية التعامل معه: " حيوا" " بوبي" عند دخوله الفصل، واحرصوا على أن تكلفوه بمهام مدرسية يستطيع أداءها، وتأكدوا من أنه يفهم تعليمات المهام والمطلوب فيها" .ولم يقترب " ميرفي" من التنقيب، حيث لم يحفر في طفولة " بوبي" المضطربة، ولم يحاول الكشف عن مصادر غضبه وعناده، وكان يرى أن كل تلك المعلومات مهمة لكنها غير مفيدة- كما يقول " ستيرنين" . وقد تجنب " ميرفي" أيضًا الاستجابة الشكاكة مثل تلك الصادرة عن إدارة شركة الأدوية. كان من السهل للغاية أن تحدث مراوغة عقلية هنا كأن يقول " ميرفي" لنفسه: " إن الأستاذة " سميث" - ببساطة- أكثر لطفًا من باقي المدرسين" ، أو حصصها أسهل من حصص المدرسين الآخرين، أولا ينبغي للمدرسين- أن يطبقوا أسلوبًا واحدًا على كل الطلبة، بمن فيهم من يعانون مشاكل" - لم يفعل " ميرفي" هذا، وإنما وجد نقطة مضيئة، ووثق بها.ابتهج مدرسو " بوبي" عندما قدم لهم " ميرفي" التوجيه المحدد، ووعدوه بأن يحاولوا تنفيذ توصياته، وطلب " ميرفي" منهم أن يساعدوه على معرفة ما إن كانت هذه الحلول ناجحة من خلال تقييم أداء " بوبى" بمعايير ثلاثة محددة هي: (1) الوصول للفصل في الموعد المحدد، و(2) إنجاز التكليفات المحددة له في الفصل، و(3) التصرف اللائق في الفصل. وفي خلال ثلاثة أشهر- وكما سبق أن أوضحنا- قل إرسال " بوبي" لمكتب مدير المدرسة بسبب مشاكل كبرى بنسبة 80%، وحقق " بوبي" تحسناً هائلًا في سلوكه اليومي على المعايير الثلاثة السابقة. وقبل خضوعه للعلاج المركز على الحلول، كان المعتاد أن يشخص المدرسون سلوكياته على أنها مقبولة في حصة أو حصتين من كل ست حصص يوميًّا، أما بعد العلاج، فقد أصبحت النسبة أربع أو خمس حصص من كل ست حصص يوميًّا - لم يصبح " بوبي" طالبًا مثاليًّا، ومع ذلك فقد تحسن كثيرًا.لاحظ وجود شيء مميز في الدراسة عن أطفال فيتنام، و " بوبي" ؛ ففي كلتيهما أدت تغيرات بسيطة نسبيًّا-استخدم أوراق البطاطا في الطهي، وتحية " بوبي" عند دخوله الفصل- إلى ترك أثر كبير على مشكلة كبيرة. ثم عدم تناسب واضح بين حجم المشكلة وحجم الحل, فكلما زاد حجم المشكلة, كان حجم حلها بسيطًا.وهذه ملحوظة ستتكرر كثيرًا، فقلما احتاجت المشاكل الكبيرة إلى حلول كبيرة, بل غالبًا ما تحلها مجموعة من الحلول البسيطة التي تستغرق أسابيع أحيانًا وعقودًا في أحيان أخرى. وعدم التماثل هذا هو سبب ميل الراكب إلى التحليل الذي قد يؤدي إلى عكس المرغوب منه بسهولة.عندما يحلل الراكب مشكلة، فإنه يبحث عن حل يتناسب حجمه مع حجمها، وإذا وجد فراغًا في المشكلة فإنه يملؤه؛ لذلك فإذا وجد فراغًا نصف قطره 24 بوصة فسوف يبحث عن حل بحجم 24بوصة، ولكن هذا التفكير خاطئ. وعلى سبيل المثال، فقد استفاض الخبراء في تحليل مشكلة سوء التغذية في فيتنام، وحللوا كل القوى المنهجية المسئولة عنها: تدنى مستويات الصحة العامة، والفقر، والجهل، وعدم وجود مياه شرب نظيفة. ولا شك في أنهم أيضًا خططًا كبرى للتعامل مع تلك القوى، ولكن لم يفكر أحد إلا " ستيرنين" في إيجاد إجابة عن السؤال: " ما الذي يحقق نتائج جيدة الآن؟" .وأثناء مراجعة موقف " بوبي" في مدرسته, كان المدرسون وإداريون المدرسة يتساءلون عن كل الأشياء المعطوبة مثل: التفكك الأسري, وصعوبات التعلم, والدوافع الخارجة عن السيطرة. إن أي شخص طبيعي يحلل موقف " بوبي" سيبحث عن حل معقد مكثف ليتوافق مع المشكلة المعقدة المكثفة, ولكن لم يفكر أحد إلا الأخصائي النفسي في المدرسة عن إجابة عن السؤال: " ما الذي يحقق نتائج جيدة الآن؟" .