(في كل يوم, وبشتى الطرق, أتحول نحو الأفضل فالأفضل)
إيميلي كو
في سن الخامسة والثلاثين, كان "بيل جيتس" قد كون ثروة تزيد عن 5 بلايين دولار, أما اليوم فإنه يعد من أغنى الرجال في العالم, وتقول صحيفة "نيويورك تايمز": (كشاب صغير تمكن بيل جيتس من رؤية المستقبل وأصبح مليونيرًا).
تخلف "بيل جيتس" عن دراسته في جامعة "هارفارد" لكي يتمكن من كتابة برنامج كمبيوتر لجهاز "ألتير 8800", وكانت هذه هي بداية شركة "مايكروسوفت" العملاقة.
الكثيرون من الناس لا يعرفون أن "مايكروسوفت" لم تكن شركته الأولى, فقد قام بإنشاء شركتين قبلها عندما كان في الرابعة عشر من عمره, لم تدم هاتان الشركتان سوى القليل, ولكن اليوم ورغم أنه لا يزال بدون شهادة جامعية فإن "بيل جيتس" هو رئيس أسرع شركات البرامج نموًا في العالم, والتي يعمل بها أكثر من 8000 موظف.
إنه يعمل الآن ليس على التنافس في سوق اليوم بل في سوق الغد!
ما هي المبادرة؟
قبل أن أجيبك عن هذا السؤال أطلب منك أن تجيب على الأسئلة الآتية بحيادية وموضوعية وهذا عهدنا بك:
· هل تقضي كثيرًا من الوقت في مهام صغيرة تافهة؟
· هل تبقى في نفس الوظيفة المملة لأنك اعتدت عليها؟
· هل ترسل بطاقات التحية في المناسبة بعد مرور وقتها بفترة كبيرة؟
· هل تترك مكتبك وغرفة نومك في حالة من الفوضى برغم عزمك على ترتيبهما منذ فترة طويلة؟
· هل تؤخر العمل في مشروعاتك للحظات الأخيرة؟
إذا كانت أغلب إجاباتك بـ"نعم" على هذه الأسئلة فيمكننا أن نستنتج بأنك تعاني من نقص المبادرة.
هذا ليس قدحًا في ذاتك, أو تقليلًا من قيمتك, لكنها وقفة صادقة لاستدراك ما مضى من عمرك دون أن ترفع للخير راية.
ولا عجب أنني أخاطبك الآن بهذا الكلام, فأنت تمتلك الكثير من القدرات العظيمة التي تؤهلك لأن تكون قائدًا عملاقًا, إلا أن هذه القدرات العظيمة قد استنفذت في المماطلة, ولن يتمكن أحد من إحيائها إلا أنت.
روح المبادرة:
يعرف لنا "ستيفن كوفي" روح المبادرة فيقول: (إنها تعني أننا بصفتنا من بني البشر, فإننا مسئولون عن حياتنا, إن سلوكنا هو تعبير عن قراراتنا وليس عن ظروفنا، إننا نستطيع أن نخضع المشاعر للقيم إننا نملك المبادرة والمسئولية لصنع الأحداث.
تأمل كلمة "مسئولية" أي القدرة على الاستجابة القدرة على اختيار استجابتك، ويدرك الأشخاص الذين يملكون روح المبادرة العالية هذه المسئولية، إنهم لا يلقون باللوم على الملابسات أو الظروف أو التكيف لتبرير سلوكهم، إن سلوكهم هو نتاج خيارهم الواعي المرتكز على القيم أكثر من كونه ظروفهم المرتكز على المشاعر).
أما الشخص الانفعالي ـ وهو على عكس الشخص المبادر ـ فهو يرى نفسه دائمًا ضحية الظروف والأوضاع الخارجية، إنه يرى نفسه مجبورًا على ما هو فيه، لا يملك من أمر نفسه شيئًا ولا يستطيع أن يصنع شيئًا تجاه الأحداث، إنه يرى أن التغيير يأتي من الخارج لا من الداخل، إنه يريد أن يهرب من الواقع ومن الحياة بأن يعلق شماعة فشله عليها.
أحوال الناس مع المبادرة:
ولكن هل كل الناس مبادرون؟ بالطبع لا، فالناس في تعاملهم مع المبادرة أنواع، ويفسر علماء النفس ذلك بأن الإنسان يسعى إلى التأقلم مع ما يحيط به من مشاكل وتحديات، ولكن يختلف البشر في استراتيجيات التأقلم الخاصة بهم، وذلك كما يلي:
1. استراتيجية تشويه الحقائق المتعلقة بالمشكلة أو التحدي.
2. استراتيجية البحث عن الدعم العاطفي وتقمس دور الضحية.
3. استراتيجية التعامل مع المشكلة وتفنيد أسبابها وتحمل تبعات حلها، ويمكننا استنتاج أن هذا النوع هو الأقرب إلى التحلي بروح المبادرة.
ولنضرب على ذلك مثالًا يقرب لك ـ عزيزي القارئ ـ مفهوم تلك الاستراتيجيات، وليكن الحدث السلبي أو المشكلة هي احتمال الرسوب في امتحانات نهاية العام:
1. صاحب استرايتيجة التشويه: سيعمد إلى إلصاق التهمة بالمناهج الدراسية البالية، وطريقة التدريس العقيمة.
2. صاحب استراتيجية الضحية: سيعمد إلى الاكتئاب والحزن الشديد؛ لاستجلاب عطف ودعم المحيطين به.
3. صاحب استراتيجية حل المشكلة: سيبدأ في تحمل مسئولية أفعاله والتفكير والبحث عن حل لها.
استراتيجية المبادرين:
وعلى أساس التقسيم السابق، فإن صاحب استراتيجية حل المشكلة، هو الأقرب إلى الوصول إلى المبادرة، وهذه الاستراتيجية ينقسم البشر إزائها إلى أقسام أربع، وهي:
1. الشخصية المتسرعة أو "الرد فعلية": وهي التي تعمد إلى اتخاذ ردود أفعال سريعة للسيطرة على المشكلة.
2. الشخصية الوقائية: وهي التي تتخذ إجراءات من شأنها الوقاية من آثار المشكلة ومظاهرها الخارجية دون السعي في إنهاء المشكلة من جذورها.
3. الشخصية المتوقعة: وهي التي تسعى إلى توقع بعض آثار المشكلة وتعمد إلى الحد من حدوثها.
4. الشخصية الاستباقية أو المبادرة: وهي التي تسعى إلى وضع نظام واضح لمنع حدوث المشكلة من أساسها.
وعلى نفس المثال السابق، احتمال الرسوب في امتحانات نهاية العام، فإن تعامل الأقسام السابقة سيكون على الشكل التالي:
1. الشخصية المتسرعة: سيبدأ في تأنيب نفسه، واتخاذ إجراءات غير فعالة، كأن يلتحق بكلية أو جامعة أخرى أو غيرها من القرارات الانفعالية.
2. الشخصية الوقائية: سيتركز تفكيره على كيفية إبلاغ الأهل بذلك الخبر السيئ إن حدث، وسعمد إلى البدء بالمذاكرة دون تخطيط جيد؛ عله ينتهي من تلك المشكلة، دون النظر في الأسباب الحقيقة والجذرية التي قد تؤدي إلى رسوبه.
3. الشخصية المتوقعة: سيبدأ في توقع الأسباب التي قد تفضي إلى الرسوب، مثل عدم حضور المحاضرات أو عدم حل نماذج الامتحانات السابقة، ويبدأ في اتخاذ تدابير وقائية.
4. الشخصية الاستباقية أو المبادرة: سيشرع منذ بداية العام الدراسي في حضور المحاضرات والمتابعة المستمرة للدروس التي تعطى، ووضع خطة من بداية العام للنجاح بتقدير جيد جدًا.
وختامًا:
وتتبقى الأسئلة عن صفة المبادرة كثيرة وعلامات الاستفهام عديدة وهامة: ما هي فوائد المبادرة؟ وماذا سأنال من كوني مبادرًا؟ وماذا سأخسر إن كنت شخصية انفعالية وردفعلية وليست مبادرة؟ وما هي قوانين المبادرة