السعودية تضيق الخناق على «تجار التأشيرات»
وزارة الإعلام تحظر إعلانات البيع والتنازل عن العمالة


الرياض: شجاع البقمي
لم يتوقع شريف إقبال، وهو عامل آسيوي جاء إلى السعودية حديثا، أن تكون تأشيرة العمل التي قدم إلى البلاد عليها للعمل سائقا خاصا، مجالا للمتاجرة والوسطاء والبحث عن الأرباح السريعة غير المشروعة، إذ اكتشف أن تأشيرته التي علق عليها أحلاما كبيرة بأسعار بدأت بسبعة آلاف ريال، وصولا إلى 12 ألف ريال، في فترة لم يمارس فيها العمل، أو حتى أدنى درجات الاستقرار.يحمل إقبال الذي يعيش ربيعه السابع والعشرين في نفسه طموح المثابرة والقدرة على التكيف مع الغربة، بحثا عن لقمة العيش، تاركا خلف ظهره أسرته الصغيرة المكونة من زوجة وطفلتين ما زالتا في السنوات العشر الأولى من العمر.
استشعرت وزارة «الإعلام» خطر ظاهرة الإعلان عن بيع التأشيرات أو التنازل عن العاملين والعاملات، وقررت عقب تلقيها محضر اللجنة المشكلة من عدة وزارات حكومية، قصر الإعلانات عن العمالة وخدماتها على الجهات المصرح لها بذلك من شركات ومكاتب استقدام، بشرط أن يتضمن الإعلان اسم المنشأة ورقم تصريح وزارة «العمل» ومعلومات الاتصال بها.
كما أشارت الوزارة في خطاب (حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه) إلى قرار آخر يقضي بحظر إعلان أي جهة كانت عن بيع التأشيرات أو التنازل عن العاملين والعاملات، في الوقت الذي أكدت فيه الوزارة أن مثل هذه الإعلانات تسيء بشكل كبير لصورة المملكة في الداخل والخارج.
وتأتي هذه التطورات في وقت أشارت فيه تقارير اقتصادية إلى أن استقدام الأفراد في البلاد قارع استقدام الشركات والمؤسسات والمحال التجارية وخطف قرابة نصف من استقدموا عام 2011، في مؤشر يدل على أن استقدام الأفراد للعمالة الأجنبية ما زال يعيش مستويات مرتفعة.
فيما كشف تقرير نشرته «الشرق الأوسط» نهاية أغسطس (آب) الماضي، عن وضع وزارة العمل السعودية 700 ألف تأشيرة تحت الرصيد، تمهيدا لانطلاق شركات الاستقدام في حال بدئها رسميا مهام أعمالها، وذلك في خطوة تسعى من خلالها الوزارة إلى تنظيم أكثر اتساقا لسوق العمالة المنزلية في البلاد.
ووفقا لمعلومات «الشرق الأوسط»، فإن مندوبي عشر شركات للاستقدام اجتمعوا مع ممثلين في وزارة العمل، وجرى إبلاغهم بإصدار التأشيرات اللازمة لاستقدام العمالة، وكان النصيب الأكبر منها لمهنة الخدمة المنزلية، إلا أن الوزارة طالبت الشركات، في الوقت ذاته، بالإسراع في تجهيز إداراتها تمهيدا لتدشين الأعمال.
وتضمن هذه الخطوة قدرة وزارة «العمل» السعودية على ضبط تأشيرات العمالة المنزلية بشكل أكبر حتى لا تتحول إلى سلعة تجري المتاجرة بها، في وقت يبلغ فيه عدد العمالة المنزلية في السعودية نحو 1.3 مليون عامل، وهو رقم قابل للزيادة بنسبة 50 في المائة خلال السنوات الثلاث المقبلة.
وفي منتصف يوليو (تموز) الماضي أجرت وزارة «العمل» السعودية تعديلا على لوائح نظام العمل في البلاد للحد من استخراج التأشيرات التي تمارسها بعض المنشآت من خلال تقديم معلومات غير دقيقة لمنحها تأشيرات عمالة دون استحقاق فعلي.
وأوضح الدكتور مفرج بن سعد الحقباني، نائب وزير العمل، وقتها بالقول إن وزارته «بعد اطلاعها على نظام العمل الصادر بالمرسوم الملكي، وجهت بإضافة حالة من حالات رفض طلب الاستقدام إذا تقدمت المنشأة أو سبق لها التقدم للوزارة أو لمكتب العمل ببيانات أو معلومات أو تأييدات غير صحيحة»، فإنه يترتب على اكتشاف عدم صحة البيانات أو المعلومات أو التأييدات إيقاف جميع الإجراءات المتعلقة بالاستقدام وإلغاء التأشيرات الصادرة للمنشأة بموجبها، وعدم إصدار رخص عمل للعمالة المستقدمة على تلك التأشيرات لصالح المنشأة، وتتخذ بحق المنشأة الإجراءات النظامية لتطبيق ما يقضي به نظام التزوير والأنظمة الأخرى ذات العلاقة.
وبين نائب الوزير أن هذا التعديل جاء للحد من استخراج التأشيرات من خلال التلاعب في المعلومات والتضليل في البيانات المقدمة من بعض المنشآت للحصول على تأشيرات لاستقدام عمالة، مضيفا أن هذا التعديل يأتي في إطار سعي وزارة العمل لتحسين البيئة العمالية في سوق العمل.
وتأتي هذه المستجدات في وقت انتشرت فيه سوق سوداء تتضمن بيع التأشيرات والتنازل عن العاملين والعاملات، وهو الأمر الذي دفع عدة وزارات حكومية ذات علاقة إلى السعي للحد من هذه الظاهرة السلبية من خلال منع إعلانات بيع التأشيرات أو التنازل عن العمالة.
وتعليقا على عمليات بيع التأشيرات في السعودية، يقول فهد المشاري، الخبير الاقتصادي، لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف هذا النوع من التجارة يسيء إلى سوق العمل في المملكة، وبالتالي يجب أن يكون هناك تكاتف من الجميع لوقف مثل هذه الظاهرة السلبية وغير المفيدة على الإطلاق».
ولفت إلى أن خطوة وزارة «الإعلام» السعودية المتعلقة بمنع إعلانات بيع التأشيرات أو التنازل عن العاملين، خطوة «موفقة»، مضيفا: «حان وقت التوقف عن مثل هذه الإعلانات، كما أنه من الضروري أن تقوم العمالة الوافدة بأعمالها التي استقدمت من أجلها حتى يكون هناك إنتاج مفيد يعود على الاقتصاد السعودي بالنفع».
يشار إلى أن وزارة «العمل» نفت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» منتصف مارس (آذار) الجاري، ما أثير حول إمكانية إيقاف مبادراتها الموجهة لضبط سوق العمل في البلاد إلى حين انتهائها تماما من الحملات التصحيحية للعمالة الوافدة، مؤكدة في الوقت نفسه أن مبادراتها التطويرية قائمة ولن تنتهي إلى حين الانتهاء تماما من ضبط وضع سوق العمل المحلية في جميع مناطق البلاد.
بدوره، أكد عبد الله العليان، مدير عام فرع وزارة العمل بمنطقة الرياض، لـ«الشرق الأوسط»، أن المبادرات التي يعمل عليها جهازه والرامية لضبط السوق المحلية قائمة ولن تنتهي، مبينا أن هناك مبادرات بشكل يومي تعمل عليها الوزارة، إضافة إلى خروج وزارة العمل بـ27 مسودة قرار طرحتها الوزارة بين أيدي رجال الأعمال وأصحاب العمل لأخذ مرئياتهم واقتراحاتهم عبر هذه البوابة للوصول إلى قرار صحي وسليم يكون إضافة للعملية التصحيحية، عادًّا أن جهازه ينظر إلى القطاع الخاص باعتباره شريكا استراتيجيا في العملية التطويرية لسوق العمل السعودية.
وأضاف: «لن نتخذ أي قرار إلا بعد الأخذ برأي شركائنا، وهناك أيضا إدارة تشاركية موجودة في الوزارة لدعم بوابة (معا) أطلقتها الوزارة قبل ثلاثة أشهر لطرح جميع القرارات التي تقوم بها الوزارة في هذه البوابة، وبإمكان أي رجل أعمال المشاركة والدخول في البرنامج وإعطاء رأيه بالقرار، وهل هو سلبي أو لصالح السوق»، مفيدا بوجود مبادرات جديدة لم يفصح عنها إلى حين الانتهاء من آلية اعتمادها بشكل رسمي.
وقال مدير عام فرع وزارة العمل بمنطقة الرياض في الوقت ذاته: «من يقول إن المبادرات في وزارة العمل من الممكن أن تتوقف أو أنها انتهت، فأقول له لن تتوقف ولن تنتهي، وهذا لمصلحة الوطن والمواطن وسوق العمل، ولن نألو جهدا في هذا الشأن إلى حين الانتهاء تماما من ضبط وضع سوق العمل المحلية في جميع المناطق، وإن الوزارة لن تتوقف عن مبادراتها إلا بعد الانتهاء والقضاء تماما على أي فرد مخالف لسوق العمل والعمال».