في العقود الماضية، تسببت الأزمات في خسائر كبيرة وفي أضرار اقتصادية جسيمة مما أثر على حياة مئات من المنظمات في جميع أنحاء العالم. وتعد هذه الأزمات بلا شك عقبات رئيسية في طريق تنمية هذه المنظمات و تطورها . ويتطلب التصدي لهذه الأزمات أن تدرج إدارة الأزمات والمخاطر في الخطط التنموية للدول و المنظمات على حد سواء بالاعتماد على قاعدة معرفية متطورة و وعي من صانعي القرارات. إن إدارة الأزمات هي إدارة ما لا يمكن إدارته و السيطرة على ما لا يمكن السيطرة عليه و بذلك نرى التحدي الحقيقي للمنظمات في سبيل تبني إدارة الأزمات لا لترف فكري و إنما كخيار استراتيجي مهم بدافع الحاجة الملحة للأخذ بهذا المفهوم و تحويل نظرياته لواقع يُطبـّق مما يعود بالفائدة للمنظمات و بالتالي تسهيل عملية المحافظة على فرص بقائها و تحقيق أهدافها. و في هذه الورقة سوف نسلط الضوء على مفهوم الأزمة و سمات الأزمة ثم ماهية إدارة الأزمات و المراحل الخمس لنظام إدارة الأزمات . بعد ذلك نعرض متطلبات إدارة الأزمات و أزمات المكتبات و مراكز المعلومات ثم نختم هذه الورقة بعرض أزمة الحج كنموذج .

مفهوم الأزمة
أورد جبر تعريفاً للأزمة أنها "تعني تهديداً خطرًا متوقعًا أو غير متوقع لأهداف و قيم و معتقدات و ممتلكات الأفراد و المنظمات و الدول و التي تحد من عملية إتخاذ القرار"(81). تعريفًا آخر للأزمة أوردته منى شريف بأنها موقف ينتج عن تغيرات بيئية مولدة للأزمات و يتضمن قدرًا من الخطورة و التهديد و ضيق الوقت و المفاجأة و يتطلب استخدام أساليب إدارية مبتكرة و سريعة. أيضًا عرّفها عليوه بأنها توقف الأحداث في المنظمة و اضطراب العادات مما يستلزم التغيير السريع لإعادة التوازن. من خلال استعراض التعاريف السابقة لمفهوم الأزمة نجد أنها تعني اللحظة الحرجة و نقطة التحول التي تتعلق بالمصير الإداري للمنظمة و يهدد بقائها و غالبًا ما تتزامن الأزمة مع عنصر المفاجأة مما يتطلب مهارة عالية لإدارتها و التصدي لها. سمات الأزمة: أورد جبر عدة سمات للأزمة منها:
الإدراك بأنها نقطة تحول .
تتطلب قرارات سريعة.
تهدد أهداف و قيم الأطراف المشاركة بها.
فقدان السيطرة أو ضعف السيطرة على الأحداث.
تتميز بضغط عامل الوقت و الشعور بالضبابية و الاضطراب مما يولد القلق.
و أضاف عليوه سمة عنصر المفاجأة بها و نقص المعلومات و التعقد و التشابك في الأمور أثناء حدوثها. إدارة الأزمات: أوردت الموسوعة الإدارية تعريفاً لإدارة الأزمات بأنها "المحافظة على أصول و ممتلكات المنظمة و على قدرتها على تحقيق الإيرادات و كذلك المحافظة على الأفراد و العاملين بها ضد المخاطر المختلفة، و تشمل مهمة المديرين المسؤولين عن هذا النشاط البحث عن المخاطر المحتملة و محاولة تجنبها أو تخفيف أثرها على المنظمة في حال عدم تمكنهم من تجنّبها بالكامل و الأفضل هو نقل احتمال تعرض المنظمة للمخاطر إلى جهة متخصصة في ذلك مثل شركات التأمين"(46). أما عليوه فعرّفها بأنها "تعني بالأساس كيفية التغلب على الأزمات بالأدوات العلمية و الإدارية المختلفة و تجنب سلبياتها و الاستفادة من ايجابياتها فعلم إدارة الأزمات هو علم إدارة التوازنات و التكيف مع المتغيرات المختلفة و بحث أثارها في كافة المجالات"(25). و عرفها أبو قحف بقوله " إنها عملية الإعداد و التقدير المنظم و المنتظم للمشكلات الداخلية و الخارجية التي تهدد بدرجة خطيرة سمعة المنظمة و بقاءها في السوق"(20). و عرّفتها منى شريف بأنها العملية الإدارية المستمرة التي تهتم بالأزمات المحتملة و إعداد الموارد للتعامل مع الأزمات بكفاءة و فاعلية و دراسة أسباب الأزمة لاستخلاص النتائج لمنع حدوثها أو تحسين طرق التعامل معها مستقبلاً. من خلال استعراض المفاهيم المختلفة لإدارة الأزمات نرى أنها تنطوي على عملية تحديد و تنبؤ المخاطر المحتملة ثم إعداد الخطط لمواجهة هذه المخاطر لمجابهتها و تقليل خسائرها بأقصى درجة ممكنة ثم تقييم القرارات و الحلول الموضوعة. المراحل الخمس لنظام إدارة الأزمات: أورد الأعرجي في دراسته إدارة الأزمات بين (الوقائية و العلاجية): دراسة مسحية في المصارف الأردنية المراحل الخمس لنظام إدارة الأزمات و هي:
اكتشاف إشارات الإنذار و تعني تشخيص المؤشرات و الأعراض التي تنبئ بوقوع أزمة ما.
الاستعداد و الوقاية و تعني التحضيرات المسبقة للتعامل مع الأزمة المتوقعة بقصد منع وقوعها أو إقلال آثارها.
احتواء الأضرار و تعني تنفيذ ما خطط له في مرحلة الاستعداد و الوقاية و الحيلولة دون تفاقم الأزمة و انتشارها.
استعادة النشاط و هي العمليات التي يقوم بها الجهاز الإداري لغرض استعادة توازنه و مقدرته على ممارسة أعماله الاعتيادية كما كان من قبل.
التعلم و هو المرحلة الأخيرة و هي بلورة و وضع الضوابط لمنع تكرار الأزمة و بناء خبرات من الدروس السابقة لضمان مستوى عالي من الجاهزية في المستقبل.
من خلال الشكل السابق يتبين لنا الفرق الشاسع ما بين الإدارة السبّاقة المبادرة المعتمدة على التخطيط قبل حدوث الأزمات و الإدارة التي تنتظر وقوع الأزمات لتتعامل معها بمنطق رد الفعل كحال الإدارات العربية. فغياب عنصري اكتشاف إشارات الإنذار و الاستعداد و الوقاية يكاد يكون المسيطر على واقع المنظمات كما سوف يتضح لاحقًا من خلال الدراسات المتخصصة.

متطلبات إدارة الأزمات
أورد الباحثون في إدارة الأزمات عدة متطلبات منها:

سجل الأزمات Crisis Portfolio
يقول الحملاوي أنه لابد من وجود سجل للأزمات crisis portfolio توثق به المنظمات كل المواقف التي تعتبرها أزمات من شانها تهديد كيان المنظمة و يكون بمثابة ذاكرة للمنظمة.

فريق إدارة الأزمات
تكوين فريق لإدارة الأزمات يكون كما يقول الحملاوي تمثيلاً لأعلى سلطة لأن الأزمة تتطلب ردود أفعال غير تقليدية مقيدة بضيق الوقت و ضغوط الموقف. هذا وتعتبر طريقة فرق العمل كما أوضح الوكيل من أكثر الطرق شيوعاً واستخداماً للتعامل مع الأزمات وتتطلب وجود أكثر من خبير ومختص وفني في مجالات مختلفة وحساب كل عامل بدقة وتحديد التصرف المطلوب بسرعة وتناسق وعدم ترك الأمور للصدفة. و الجدير بالذكر أنه في دراسة لجبر بعنوان إدارة الأزمات: نظرة مقارنة بين النموذج الإسلامي و النموذج الياباني أوضح جبر "إن المفهوم الياباني في معالجة الأزمة يقوم على أساس أن الأشخاص الأقربون للأزمة هم الأقدر على حلها أو توفير الحل المناسب لها و عليه نرى معظم الشركات اليابانية تتجه نحو اللامركزية في عملية اتخاذ القرارات. كما أن الشركات اليابانية تفضّل دائمًا استخدام الاجتماعات كوسيلة لحل الأزمات و يطلق على هذا النوع من هذه الاجتماعات بحلقات الجودة اليابانية و التي تعتبر بدورها واحدة من المهام المستخدمة في تحديد الأزمات و المشاكل و كيفية تحليلها"(96). لذا نرى أهمية تبني المنظمات لعملية اللامركزية عند تكوينها لفرق إدارة الأزمات.

التخطيط كمتطلب أساسي
تبني التخطيط كمتطلب أساسي مهم في عملية إدارة الأزمات. يقول الحملاوي أفعالنا ما هي إلا رد فعل و شتّان ما بين رد الفعل العشوائي و رد الفعل المُـخطط له فمعظم الأزمات تتأزم لأنه أخطاء بشرية و إدارية وقعت بسبب غياب القاعدة التنظيمية للتخطيط و يستطرد الحملاوي قائلاً إن لم يكن لدينا خطط لمواجهة الأزمات فإن الأزمات سوف تنهي نفسها بالطريقة التي تريدها هي لا بالطريقة التي نريدها نحن. من خلال ما تقدم يتضح لنا أن التدريب على التخطيط للأزمات يُـعد من المسلّمات الأساسية في المنظمات الناجحة فهو يساهم في منع حدوث الأزمة أو التخفيف من آثارها وتلافى عنصر المفاجآت المصاحب لها. أيضًا يتبين لنا أن التخطيط يتيح لفريق عمل إدارة الأزمات القدرة على إجراء رد فعل منظم وفعّال لمواجهة الأزمة بكفاءة عالية الاستعداد لمواجهة المواقف الطارئة غير المخطط لها التي قد تصاحب الأزمة و في ذلك أوضحت دراسة جبر التجربة اليابانية في هذا الشأن. أشار جبر في دراسته إدارة الأزمات: نظرة مقارنة بين النموذج الإسلامي و النموذج الياباني إلى كيفية معالجة الأزمات وفق نظام كانبانKANPAN الياباني. يوضح جبر ذلك بقوله "إن المفهوم الجوهري لنظام كانبان يقوم على أساس تحفيز الأزمة Stimulate the crisis و خلقها لكي يبقى الإداريون و العمّال دائمًا في حالة التأهب جاهزين لعمل ما بوسعهم سواء أكانت هناك أزمة حقيقية أم لا, أي أنهم مستعدون على قدم و ساق مفعمين بالنشاط و الحيوية لمواجهة الاحتمالات غير المرغوبة. فقد تدرب المدراء على تخيل أسوأ أنواع الاحتمالات مثل تذبذب المبيعات, و انقطاع التجهيز بالمواد الأولية, إضراب العمال و الحرائق"(92). و يستطرد جبر قائلاً " و هذا النوع من الأزمات قد يرتبط أو لا يرتبط بتهديد حقيقي, حيث يُـلاحظ أن رد الفعل المتولد عن تحفيز الأزمة ما هو إلا رد فعل إيجابي و نادرًا ما يؤدي إلى مخاوف تؤثر على الإنتاج أو تقلل الرغبة في العمل لدى العاملين"(93). أيضًا في دراسة لدقامسة والأعرجي إدارة الأزمات: دراسة ميدانية لمدى توافر عناصر نظام إدارة الأزمات من وجهة نظر العاملين في الوظائف الإشرافية في أمانة عمّان الكبرى كشفت الدراسة عن "وجود خلل في نظام إدارة الأزمات في أمانة عمّان الكبرى, حيث وُجد هناك تباينًا في درجة توافر العناصر الأساسية التي تتصف بها الإدارة الناجحة للأزمات في مراحل النظام الخمس التي تمثل المنظور المتكامل لإدارة الأزمات و كانت توفر هذه العناصر بدرجة أعلى في المراحل التنفيذية و العلاجية (احتواء الأضرار و استعادة النشاط) منها في المراحل الوقائية و التخطيطية (الاستعداد و الوقاية و اكتشاف الإشارات)، مما يعني أن جهود إدارة الأزمات في أمانة عمّان الكبرى هي جهود علاجية و رد فعل في معظم الأحيان لما يحدث من أزمات مختلفة و بدرجة أكبر من كونها جهودًا وقائية و استعدادية لما يمكن حدوثه من الأزمات"(798-799). و عزى دقامسة و الأعرجي وجود هذا الخلل في هذه المنظمة و معظم المنظمات العربية إلى الثقافة السائدة بأن إدارة الأزمات هي مجابهة الأزمة عند حدوثها و ليس الاستعداد لها قبل حدوثها و بالتالي اندفاع الجميع للحل أثناء الأزمة على طريقة "نظام الفزعات" بحسب تعبير الباحثان. بعد استعراض ما تقدم نجد الاستنتاج الذي توصلا له دقامسة و الأعرجي بخصوص غياب التخطيط و الوقائية يجسد الواقع المقلق لدى معظم منظمات العالم العربي فلا وجود للفكر التنبؤي كما في الشركات اليابانية الذي يصيغ منظومة وقائية معتمدًا على الابتكار و الحلول الجذرية و مستخدمًا الطرق العلمية كالسيناريو و المحاكاة و يكون هدفه تجاوز الأزمة أو التقليل من أخطارها على اقل تقدير.

وسائل علمية للتعامل مثل المحاكاة و السيناريو
استخدام وسائل علمية في التعامل مع الأزمات مثل المحاكاة و السيناريو. فالسيناريو كما عرّفه حواش هو مجموعة من الافتراضات المتعلقة بالموقف في مجال محدد يقوم فيه النظام بتحليله و دراسته مما يساعد على وضع تصورات للأزمة و أيجاد بدائل عديدة للحلول الموضوعة. من خلال ما تقدم يتضح لنا أهمية السيناريو و كما أتضح لنا من دراسة جبر استخدام الشركات اليابانية للسيناريو من خلال تدريب موظفيها على تخيل أسوأ المواقف و هو ما يُـعرف بأسوأ سيناريو .worst case scenario المحاكاة virtual reality و هي تقليد لظاهرة ما بهدف التفسير والتنبؤ بسلوكها أو هي أسلوب كمي يهدف إلى وصف النظام الحقيقي من خلال تطوير النموذج الذي يوضح كيف تتداخل العوامل المؤثرة في المشكلة و ما هو تأثير تلك العوامل مع التركيز على الكيفية التي يمكن بها أن يقلد هذا النموذج حركة النظام الحقيقي. فيما يتعلق بأهمية عنصر المحاكاة كمتطلب أساسي فعّال في إدارة الأزمات سوف يتضح لنا لاحقًا مدى فعاليته في التجربة الماليزية مع كوارث الحج و أثره في التقليص في عدد وفيات الحجاج الماليزيين.

نظام اتصالات داخلي و خارجي
أهمية وجود نظام اتصالات داخلي و خارجي فعّال يساعد على توافر المعلومات و الإنذارات في وقت مبكر. ورد في مقال بعنوان مواجهة الأزمات والكوارث باستخدام نظم المعلومات الآتي " والجدير بالذكر أنه قد انتشرت تكنولوجيا نظم المعلومات الجغرافية انتشارًا واسعًا وسريعًا على المستوى العالمي، خاصة في الدول المتقدمة خلال السنوات القليلة الماضية، كإحدى الوسائل الهامة المستخدمة في دعم اتخاذ القرار في المجالات المختلفة. فعلى سبيل المثال يمكن الاستفادة من جميع هذه الجهود والإمكانيات في بناء نظام معلومات متكامل للإنذار المبكر والتنبؤ بمخاطر السيول، حيث تعتبر السيول وما يترتب عنها من أخطار من أهم مشاكل البيئة الطبيعية في الصحارى العربية بصفة خاصة". تعقيبًا على المقال نرى أنه في الوقت الذي يتحدث فيه العلماء عن دور نظم المعلومات الجغرافية في التقليل من كوارث السيول عن طريق تنبئها بأحوال الطقس و بالتالي تفادي الكوارث الطبيعية لدى المنظمات و عن وجود مراكز التنبؤ والإنذار التابعة للمنظمات و وجود نظام الاتصالات السلكية واللاسلكية الواسع النطاق الذي يسمح لجميع المنظمات بتبادل البيانات و المعلومات من الأرصاد الجوية والذي يضمن التأهب ونشر التوقعات والإنذارات في توقيت مناسب لتفادي الأزمات, في هذا الوقت نفسه تطالعنا صحيفة الوطن في عددها( 2019) يوم 10 أبريل 2006 عن وفاة خمسة من المواطنين و عمال في شركة اسمنت تهامة من جراء السيول التي اجتاحت المنطقة و أدت إلى قطع التيار الكهربائي وشبكات الاتصال الهاتفي سواء الثابت أو الجوال وتعطيل أجهزة الصرافة الآلية وانهيار العديد من الطرق و سقوط عدد من أعمدة الكهرباء و اجتراف مزارع وأغنام في عدد من القرى والمحافظات. هذه السيول سنوية و لا وجود لعنصر المفاجأة بها إلا إننا لا نحرك ساكناً إلا عند حدوث الأزمة مما يعني غياب تطبيق التخطيط العلمي و غياب إخضاع الأزمة للمنهجية العلمية تمامًا. أضف إلى ذلك التجربة اليابانية في النجاح و التغلب على أقسى أنواع الكوارث الطبيعية و هي الزلازل تثبت فعالية و أهمية إدارة الأزمات و الكوارث. فاليابان تتغلب على الزلازل و نحن نعاني من سيول خطورتها ليست أخطر من الزلازل و بالتالي تعزيز الفجوة العلمية بيننا و بين الدول المتقدمة فلا مكان للتخطيط العلمي لإدارة الأزمات و الكوارث في العالم العربي و لا مجال لإخضاع الأزمات للمنهجية العلمية أيضًا. أيضاً تطالعنا الصحف بعد كل فترة عن وفاة موظفين في شركة أرامكو بسبب تسرب غازات سامة مما يدل على غياب تبني إدارة الأزمات كخيار استراتيجي.

التنبؤ الوقائي
يجب تبني التنبؤ الوقائي كمتطلب أساسي في عملية إدارة الأزمات من خلال إدارة سبّاقة وهي الإدارة المعتمدة على الفكر التنبؤي الإنذاري لتفادي حدوث أزمة مبكراً عن طريق صياغة منظومة وقائية مقبولة تعتمد على المبادأة و الابتكار و تدريب العاملين عليها. في دراسة للأعرجي بعنوان إدارة الأزمات بين (الوقائية و العلاجية): دراسة مسحية في المصارف الأردنية ثبت صحة فرضية هذه الدراسة القائلة بأن طبيعة و مستويات الجاهزية في المنظمة تجاه الأزمات تتناسب طرديًا مع واقع الاتجاهات الوقائية أو العلاجية لدى العاملين في تلك المنظمة. ففي هذه الدراسة أثبت الأعرجي التناسب الطردي بين الحل الوقائي للأزمات و القدرة على مواجهة الأزمات بمستوى جاهزية عال. أيضًا كانت من توصيات الدراسة الحاجة لبلورة و تنفيذ برامج توعوية وقائية و علاجية و تدريب للعاملين في المصارف في مجال إدارة الأزمات على هذه البرامج. مثال ذلك مشكلة الجراد الأخيرة وأثره التدميري إنما يعكس تفادي الفكر التنبؤي تمامًا لدى المتعاملين والمتخصصين في المجال الزراعي ولو تطور الأمر بنفس الفكر المتعامل معه فسوف يصبح أزمة موسمية مثل أزمة رمي جمرات الحج. أيضًا أشارا دقامسة و الأعرجي في دراستهما إدارة الأزمات: دراسة ميدانية لمدى توافر عناصر نظام إدارة الأزمات من وجهة نظر العاملين في الوظائف الإشرافية في أمانة عمّان الكبرى إلى أن النجاح في عملية إدارة الأزمات يتطلب عدة عوامل منها:
إيجاد و تطوير نظام إداري مختص يمكّن المنظمة من التعرف على المشكلات وتحليلها ووضع الحلول لها بالتنسيق مع الكفاءات المختصة .
العمل على جعل التخطيط للأزمات جزءًا هامًا من التخطيط الاستراتيجي.
ضرورة عقد البرامج التدريبية وورش العمل للموظفين في مجال إدارة الأزمات .
ضرورة التقييم و المراجعة الدورية لخطط إدارة الأزمات واختبارها تحت ظروف مشابهة لحالات الأزمات وبالتالي يتعلم الأفراد العمل تحت الضغوط .
التأكيد على أهمية وجود نظام فعّال للإنذار المبكر.
و الجدير بالذكر أن الدراسات الثلاث المُستشهد بها في هذه الورقة اشتركت في توصية و هي ضرورة عقد البرامج التدريبية و ورش العمل للموظفين في مجال إدارة الأزمات. دعنا نري مذا سيفل الناس في المستقبل

إدارة أزمات المكتبات و مراكز المعلومات
لم و لن تكن المكتبات و مراكز المعلومات في يوم ما بمنأى و معزل عن احتمالية وقوع كوارث أو أزمات بها. فالمكتبات على اختلاف أنواعها و مراكز المعلومات شأنها شأن أي منظمة أو مؤسسة في المجتمع معرّضة لحدوث أزمة أو كارثة و لكن يبقى السؤال هل المكتبات و مراكز المعلومات على استعداد لمواجهة احتمالية تعرضها لأزمات أو كوارث. تقول صادق "إن تحديد الاستراتيجيات الوقائية من الكوارث أو الأزمات هو مماثل تمامًا لما يتم في المكتبة من تحديد مسبق لسياسة التزويد للمقتنيات، أو سياسة خدمات المعلومات التي سوف تقدمها للمستفيدين. فإن كل هذه السياسات تعتبر ناقصة، إذا لم تلحق بها سياسة خاصة بالكوارث و الأزمات و خطة مفصلة للتعامل معها، و إجراءات تنفيذية واضحة"(59). و تستطرد صادق "لا تتوقف الاستراتيجيات الوقائية على الأفراد العاملين في المكتبة، بل تشمل أيضًا تأمين الأثاث و الممرات و المخارج و الفهارس و قواعد البيانات و النسخ الاحتياطية البديلة، مع تأمين خاص بالمقتنيات. و الإستراتيجية الحقيقة لوقاية المكتبة من الكوارث و الأزمات يجب أن تشمل رؤية واضحة للتأمين على جميع مكونات المكتبة، من خلال عقد تأميني شامل، يحقق تعويضًا مناسبًا للخسائر، التي يمكن أن تقع على المكتبة في حال وقوع كارثة ما"(85). و في دراسة للسريحي و القبلان بعنوان أمن المكتبات السعودية : دراسة مسحية توصلت الدراسة إلى أن هناك ضعفا في البنية الأمنية لدى المكتبات المشاركة وذلك عبر غياب السياسات المكتوبة والممارسات المهنية المتخصصة في مجال أمن مرافق المعلومات. فقد تبين غياب السياسات والخطط المكتوبة لدى كثير من المكتبات ومراكز المعلومات التسع وعشرين التي شاركت في الدراسة، حيث أوضحت ست مكتبات فقط أن لديها سياسات أمنية معتمدة، في حين تعتمد المكتبات ومراكز المعلومات التي ليس لديها سياسات وخطط أمنية على عدد من الأساليب عندما تواجه مشكلات أمنية منها الاتصال بالجهات ذات العلاقة بحسب موضوع المشكلة التي تواجهها أو تترك التصرف لإدارة المكتبة لحل المشكلة في حينها، بجانب بعض الممارسات والإجراءات المتعارف عليها بين العاملين ولكنها غير مكتوبة. كما كشفت الدراسة عن تدني مستوى كفاءة الإجراءات الأمنية في المكتبات ومراكز المعلومات المشاركة في الدراسة من وجهة نظر العاملين بها، حيث أفادت نسبة تصل إلى(72.4%) بعدم رضاها عن كفاءة الإجراءات الأمنية التي تتخذها هذه المرافق. كما تبين أن أبرز المشكلات والمعوقات الأمنية التي يعاني منها مجتمع الدراسة بحسب رأي العاملين هي التخريب المتعمد لمقتنيات المكتبة ومجموعاتها من قبل الرواد، وتعرض المقتنيات للسرقة، وجود تسربات مياه تؤدي إلى تعرض مقتنيات المكتبة للتلف، ووجود قوارض وحشرات تسببت في تلف مقتنيات المكتبة وأجهزتها، بجانب مشاكل التسليك الكهربائي. وأعاد المشاركون في الدراسة أسباب تلك المشكلات الأمنية إلى قلة عدد الموظفين المخصصين للمهام الأمنية، ونقص التجهيزات والوسائل الأمنية الآلية، وضعف المخصصات المالية، وضعف الاختبارات الدورية لإجراءات الأمن والسلامة في المكتبة، وقلة وعي المستفيدين من المكتبة وعدم التزامهم بالتعليمات، مع صعوبة التغيير في المكتبة والتوسع في بعض مرافقها لتلبية حاجة المستفيدين. وقد أوصت الدراسة بضرورة الحرص على إتباع سياسات أمن مكتوبة ومدروسة تتلاءم مع طبيعة العمل في المكتبة واحتياجاتها الخاصة، والسعي لتخصيص ميزانيات كافية للمتابعة الدورية للمكتبات وصيانتها وإعطاء موضوع الأمن والسلامة في المكتبات أهمية خاصة. تعقيبًا على الدراسة يتبين لنا مدى أهمية وضع الخطط الأمنية التي تحصر جميع الأزمات و المشكلات الأمنية التي من الممكن أن تتعرض لها المكتبات و مراكز المعلومات فالنسبة التي أشارت لها الدراسة 72.4% و التي تعبر عن عدم رضا العاملين هي نسبة كبيرة و يتطلب الأمر إعادة نظر. أيضًا يتبين لنا غياب السياسات الأمنية في مجال مرافق المعلومات مما يدل على غياب أهم عنصر و متطلب في مجال إدارة الأزمات و هو التخطيط التنبؤي الذي يتيح تدريب العاملين في هذه المرافق على أفضل الطرق العلمية لمجابهة الأزمات المحتملة. فهذه المكتبات و مراكز المعلومات تكون في خانة رد الفعل التقليدي و لا وجود للفكر المبادر المُـخطط للأزمات قبل حدوثها. يقول محمد صدام في دراسة بعنوان الإدارة المعتمدة على القيم: اتجاه إداري حديث لمديري القرن الحادي و العشرين أن الإدارة العربية "هي منظمات تحاول تجنب المخاطر أو محاولة منعها فهي عبارة عن إدارة مهمتها منع وقوع المخاطر risk avoider و ليس على الاستعداد و التهيؤ و امتلاك روح المبادرة و المجازفة لمجابهتها risk taker أي إدارة المحافظة على المكاسب و تجنب المخاطر"(37).

إدارة أزمة الحج
في دراسة مقدمة من رجاء الشريف لمعهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج بعنوان "دور التوعية في منع الزحام أولويات التنفيذ" في الملتقى العلمي الخامس لأبحاث الحج، تنص مشكلة الدراسة على أن البحوث والدراسات العلمية والتجارب والتقارير المبنية على الملاحظات الميدانية أثبتت أن توعية الحجاج من بلادهم يعتبر أحد الحلول الإستراتيجية للقضاء على أزمة الزحام عند رمي الجمرات. أشارت الشريف إلى أن ظاهرة الزحام في الحج, وخاصة أثناء رمي الجمرات ما زالت تتكرر بشكل سنوي تقريبا ويذهب ضحيتها العديد من الحجاج كل عام و أكثر من 362 لقوا حتفهم في العام المنصرم. و أوضحت الشريف أن نسبة الحجاج الذين قدموا من ماليزيا بلغت خلال عام 1423هـ (4%) من إجمالي حجاج القارة ونسبة (3%) من إجمالي حجاج القارة عام 1424هـ. وقد أصيب منهم خلال نفس الفترة حاج ( واحد ) فقط أثناء رمى الجمرات. وهذا يعني أن حجاج ماليزيا من أكثر الحجاج تجنباً لمواقع وأوقات الزحام نتيجة لبرامج التوعية والتدريب العملي التي يتلقونها في بلادهم وبوقت كافي قبل وصولهم إلى المملكة لأداء الحج . أيضاً أوضحت الشريف أنه من خلال المقابلات الشخصية مع بعض المسئولين أشاروا إلى أن الحجاج الماليزيين من أكثر الحجاج تنظيماً والتزاماً بتعليمات وزارة الحج ومؤسسات الطوافة. تستطرد الشريف من خلال دراسة وتحليل محتويات برامج التوعية والتدريب المنفذة في ماليزيا، أتضح أن ماليزيا أنشأت مؤسسة خاصة لشئون الحج عام 1959 حيث يقوم كل مواطن ماليزي مسلم منذ ولادته بدفع مبلغ معين لهذه المؤسسة سنوياً. على أن تقوم هذه المؤسسة باستثمار هذه المبالغ والصرف منها على الحاج الماليزي عند رغبته في أداء الحج، وجزء من هذه الأموال يصرف على توعية الحاج وتدريبه على أداء مناسك الحج بشكل آمن وصحيح . أيضاً كما أوردت الشريف إن برامج التوعية والتدريب هذه تشتمل على محاضرات وندوات نظرية عن أنظمة وتعليمات الحج متضمنة تدريب الحجاج على أداء مناسك الحج من خلال استخدام نظام المحاكاةvirtual reality tour) ) حيث تم تجهيز مواقع مماثلة تمامًا للمواقع التي يمر بها الحاج منذ وصولة لأداء فريضة الحج وحتى عودته إلي بلده. فمثلاً تم بناء مجسم للكعبة وتدريب الحجاج على كيفية الطواف وكذلك موقع رمي الجمرات لتدريب الحجاج على الطريقة الآمنة والسليمة لرمي الجمرات وكيفية تجنب مواقع وأوقات الزحام. كما يتم اختبار الحجاج بعد تدريبهم لمعرفة مدى الاستفادة من تلك البرامج. أي أن الحاج الماليزي يأتي إلى المملكة العربية السعودية وقد تدرب عمليًا على كيفية أداء الحج . هذه البرامج التوعوية ساهمت مساهمة فاعلة في جعل الحجاج الماليزيين أقل عرضة للموت أو للإصابة أثناء أداء فريضة الحج و أثناء كوارث الزحام التي حدثت خلال السنوات السابقة موضع الدراسة فهم أكثر الحجاج تنظيماً وتنفيذاً للتعليمات وعلى وعي تام بجميع المراحل التي يمر بها أداء الحج . ومن خلال جمع البيانات والمعلومات التي حصلت عليها الشريف لم تجد تجربة مماثلة للتجربة الماليزية لدى أي دولة من الدول. تعقيباً على دراسة الشريف يتضح لنا مدى أهمية تطبيق إدارة الأزمات في الحج و التجربة الماليزية خير مثال على ذلك. نجد في هذه التجربة استخدام و تطبيق عنصر المحاكاة مع الحجاج الماليزيين و أثر ذلك في زيادة الوعي لديهم و بالتالي التقليل من مخاطر حدوث وفيات بينهم أثناء الحج. لذا يتضح لنا أيضًا أنه لا مجال للعشوائية و التخبط في جميع أمور حياتنا و بالأخص تلك المناسبة الدينية السنوية التي تعاني منها الأجهزة الحكومية المختلفة بسبب الزحام الشديد و غياب التنظيم و التوعية الوقائية في مثل هذه الأزمات. أيضًا نرى أنه يجب عدم النظر إلى هذه الأزمة من منظور لوم الدفاع المدني و المطالبة بضرورة نشر الفتاوى التي تجيز الرمي بعد الزوال فقط، فالأزمة هذه يجب النظر لها على أنها الأزمة التي يجب إدارتها بإيجاد الحلول الجذرية لها ليس على مستوى المملكة بل على مستوى العالم الإسلامي وبالأخص عندما ندرك أن هذه الأزمة سنوية متكررة أي بمعنى غياب عنصر المفاجأة بها.

ختامًا
ورد في مقال إدارة الأزمات:الفن الصعب عندما يحدث ما لا تتوقعه كيف تواجه المواقف والأحداث التي لم تخطط لها؟ أن جيري سيكيتش لخص أهمية تخطيط إدارة الأزمات في كتابه (كافة المخاطر) حين كتب "لا تختبر أي إدارة اختبارا جيدا إلا في مواقف الأزمات". أيضًا يُـعتبر الإنسان أهم مورد في المنظمات لذا نرى أنه لا يوجد بديل لوجود أشخاص أكفاء لديهم خبرات عالية يمكنهم التصرف بسرعة وجدارة لإيجاد حلول جذرية لحل المشاكل الناتجة عن الأزمات. يجب على المدير التوجّه مباشرةً إلى العاملين في المنظمة و تقديم خطة الأزمات لهم طالبا دعم كل فرد منهم و عليه أن يدرب العاملين معه لاختبار واقعية الحلول الموضوعة، بحيث يتعود العاملون بمرور الوقت على التعامل مع الأزمات باعتبارها أحد مواقف العمل العادية ولا يركزون على الأزمة ذاتها مثل التجربة الماليزية و اليابانية السابق ذكرها. إن أزمة إداراتنا هو عدم تبني إدارة الأزمات و تفعيلها كأحد الحلول الجذرية و المهمة للمنظمة في العالم العربي و الإسلامي إلا في ما ندر. أيضًا عدم تأصيل العلمية المنهجية قبل و أثناء التعامل مع الأزمات. تقول منى شريف هناك نوعان من المنظمات منظمات مستهدفة للأزمات CRISIS PRONE و أخرى مستعدة لمواجهة الأزمات CRISIS PREPARED . جملة القول من خلال ما تقدم يتضح لنا النوعان في المنظمات و رب سائل يسأل هل منظماتنا في حال الاستعداد أم الاستهداف لكن المتابع يجيب أن أي استعراض للأزمات المتكررة و المتعددة في واقعنا يبين لنا أنها في حال الاستهداف إلى أجل غير معلوم.