لقد أصبح من الضروري التوجه إلى التخطيط المستدام الذي يهدف إلى تحقيق استدامة استخدام الموارد الطبيعية بالشكل الأنسب والتفكير في حق الأجيال القادمة من هذه الموارد الآخذه في النفاذ إذا لم يحسن استخدامها.

من هذا المنطلق لم تعد الحماية والحفاظ على الموارد الحضارية والثقافية أمراً كافياً, بل اتجه التفكير إلى تحقيق إستدامة هذه الموارد على المدى البعيد والاستفادة منها من الناحية الاقتصادية كذلك، وذلك لأنها تشكل ثروة قومية لجميع الأجيال الحالية واللاحقة، وهي ملك لهم جميعاً تقع عليهم مسؤولية حمايتها والحفاظ عليها.
ولتحقيق الحماية والحفاظ على الموارد الحضارية والثقافية لا بد من اتباع سياسات واستراتيجيات خاصة. يمكن تصنيفها على النحو التالي:

أولاً : الناحية القانونية والتشريعية
1. إصدار قانون يوضح مفهوم التراث الثقافي والحضاري ومدلولاته ويحدده، وذلك باعتبار أن حمايته والحفاظ عليه منفعة عامة، مما يخول الجهات المختصة أخذ الإجراءات التي تراها مناسبة وفق القانون للحفاظ على الموارد الحضارية والثقافية من أعمال التخريب والإهمال ممن يمتلكون المباني من القطاع الخاص وإعطاء حق التصرف بها للقطاع العام بهدف تحقيق المنفعة العامة بعيداً عن المصالح الشخصية.
2. إعادة النظر في القوانين والتشريعات الخاصة بالبناء والإسكان بما يتناسب مع الحفاظ على الموارد الثقافية والحضارية.
3. ضرورة خضوع أية عملية صيانة أو ترميم أو حفاظ على الموارد الحضارية والثقافية إلى القانون القومي للدولة الذي يحدد سياسة وتوجهات وأهداف الدولة والتي تعمل البلديات لتحقيقه من خلال خطط على مستوى البلديات تلزم من خلالها الأفراد بتنفيذها.
4.ضرورة استملاك البلديات للأبنية المهجورة والأبنية ذات القيمة الأثرية والتاريخية المميزة، وذلك لحل مشكلة المباني (المشاع)، ومن ثم ترميمها وإعادة إحيائها.

واجب الحفاظ على الموارد الحضارية والثقافية
5. العمل على وقف الزحف العمراني الحديث باتجاه المناطق التاريخية والأثرية الذي من شأنه أن يحدث تشويهاً جراء اختلاط الطراز المعماري الحديث بما يتمتع به من الوسائل التكنولوجية في المواد والخصائص بالبناء الأثري والتاريخي بطراز معماري ذو خصائص مختلفة .
6. تحديد إرتفاعات المباني المحيط بالمناطق الأثرية والتاريخية بما تناسب مع الطابع العام للمنطقة .

ثانياً: الناحية المعمارية
1 . إجراء إحصاء شامل وتوثيق لجميع المباني التاريخية والأثرية والتراث الفكري والثقافي بشكل كامل قبل البدء بعملية الحفاظ عليه.
2. الإسراع في معالجة وترميم المباني ذات الحالة المتردية.
3. الحماية والحفاظ على المباني التاريخية والأثرية والعمل على إعادة استخدامها بشكل يتناسب مع طبيعتها وخصائصها والبيئة المحيطة بها.
4. المحافظة على الطابع التاريخي والأثري للمناطق التاريخية والأثرية والبلدة القديمة عند القيام بعمليات الترميم والتجديد والصيانة والالتزام بالشروط والمعايير المعمارية الخاصة بذلك والتي تتضمن مراعاة مايلي :
* نوع الحجر المستخدم والنقوش والواجهات الخارجية للمباني..
* أشكال أقواس النوافذ والأبواب .
* طراز تصميم نوافذ وأبواب المباني.
* الحفاظ على الفراغات والساحات القائمة.
* الحفاظ على صورة خط السماء (Sky Line) للبلدة القديمة وذلك بعدم بناء مبانٍ بطوابق مرتفعة مما يؤدي إلى تغيير المظهر التقليدي للبلدة القديمة .
* إزالة ما علق بالمبنى من الشوائب وما دخل عليه من عناصر أو إضافات لحقت به.
* إكمال العناصر المفقودة من المباني.
5. العمل على تسهيل الوصول إلى المناطق التاريخية والأثرية مع الحرص على عدم اختراقها بطرق مرور، وفصل حركة الإنسان عن حركة المركبات.
6. التعامل مع المناطق التاريخية والأثرية كنسيج عمراني متكامل بما يحويه من ساحات ومناطق خضراء ومبانٍ وممرات .

ثالثاً: الناحية الاقتصادية
1. قيام البلدية، كجهاز للحكم المحلي بعمل خطط تهدف إلى إنعاش البلدة القديمة من مختلف الجوانب ولاسيما الناحية الاقتصادية.
2. العمل على تشجيع المهن اليدوية والتقليدية التراثية من خلال تخفيض الضرائب والرسوم .
3. توفير متطلبات الجذب السياحي في البلدة القديمة من خلال توفير الأبنية الأثرية والتاريخية التي يمكن تحويلها إلى مطاعم وفنادق وغيرها من المتطلبات السياحية، والتي من شأنها أن تكون من أهم مناطق الإستثمار الإقتصادي, كما تعود بالفائدة على سكان المدينة بشكل عام وسكان البلدة القديمة بشكل خاص .
4. تنفيذ برامج دعائية لتشجيع النشاط التجاري في البلدة القديمة من حيث قيام المهرجانات والمعارض والندوات التي تهتم بالتراث الشعبي والحرف التقليدية واليدوية الشعبية.
5. تخصيص بعض المباني ذات القيمة التاريخية والأثرية المميزة لاستخدامها لعرض الأعمال الفنية والأشغال اليدوية والقطع الأثرية والمتاحف…. الخ .
6. من أجل توفير التمويل المالي المطلوب للقيام بعملية الحفاظ على الموارد البشرية والثقافية باعتبار الحفاظ عليها مصلحة قومية، لذا يجب تخصيص ميزانية سنوية من الميزانية العامة للدولة، كذلك القيام بإنشاء جمعيات تهدف إلى جمع التبرعات المحلية والدولية، كما يمكن توفير التمويل المالي بإصدار طابع بريدي قومي يخصص ريعه لميزانية الحفاظ على الموارد الثقافية والحضارية.
رابعاً: الناحية البيئية
1. توفير شبكة كهرباء بشكل منظم لا يعمل على تشويه المباني من خلال عدم تمديد أسلاك الكهرباء بين المباني وتسلقها عليها بشكل غير منظم.
2 توفير شبكة مياه وصرف صحي بحيث تعمل على تصريف مياه الأمطار ومنعها من التسرب إلى أساسات المباني كما يتوفر من خلالها جوّ صحي ونظيف.
3. العمل على حماية المناطق الأثرية والتاريخية ولاسيما البلدات القديمة من مصادر التلوث البيئي والكوارث الطبيعية.

خامساً: الناحية الاجتماعية
1. العمل على نشر التوعية الشعبية وتعريف المجتمع بمفهوم المحافظة على التراث الثقافي والحضاري للمدينة وأهميته على مختلف المستويات التعليمية والفكرية والثقافية، ابتداء من المدارس الابتدائية وحتى التعليم الجامعي بالعمل على تعديل المناهج الدراسية بإدخال مواد خاصة بذلك، بالإضافة إلى الشرائح الأخرى من المجتمع.
2. الحرص على المشاركة الشعبية في ما يخص المشاريع التي تنوي البلدية تنفيذها في البلدة القديمة من خلال تشكيل لجان من سكان المدينة، ولاسيما البلدة القديمة وعقد الندوات وأخذ مقترحات وأراء السكان في هذه المشاريع .
3. إنشاء المعاهد الفنية لتدريب الكوادر الفنية والمتخصصة في الحفاظ على الموارد الثقافية والحضارية.
4. تشجيع المؤسسات التي تعنى بالاهتمام والمحافظة على التراث الثقافي والحضاري من مختلف المجالات مثل إجراء الدراسات والأبحاث، وجمع التبرعات، ونشر الوعي الشعبي، وتنظيم المعارض والندوات، وتدريب الأفراد على طرق توثيق وصيانة العناصر التاريخية والأثرية والثقافية.