الخطوات الأولية في إصلاح الإدارة العامة السورية الجديدة
: إقامة جهة للتنسيق والاداة الدائمة المتخصصة على المستوى الكلي نواتها خريجي المعهد الوطني للادارة
عبد الرحمن تيشوري
إن الطبيعة الشاملة للطموحات الإصلاحية الواردة في الخطة الخمسية، وكذلك نمط التنفيذ متعدد الأبعاد الذي يجمع بين المنهجين الأفقي والرأسي من خلال التنفيذ من القاعدة إلى القمة ومن القمة إلى القاعدة يطرح تحدياً ضخماً.
فحتى الحكومات التي تتمتع بآليةٍ متطورة جداً لصنع القرار وتحظى بخبراتٍ خارجية فيما يتعلق بالتحليل والبرمجة، وتملك سجلاً في مجال التنسيق داخل الحكومة وفي مجال التنفيذ السليم، يمكن أن تجد صعوبةً في متابعة جدول أعمال بهذا الشمول ضمن الزمن الذي تحدده الخطة الخمسية.
إن الحكومة التي تجد نفسها بين حدين يتمثل أولهما في الإنجاز المتميز، ويتمثل الآخر في الفشل المخزي، بحاجةٍ إلى وضع منهجية إصلاحية ثابتة سليمة التسلسل، وذلك بالاستناد إلى أساليب ومناهج مستقرة، وعبر الاعتراف بالنجاحات (وخاصةً المبكرة منها)، وكذلك عبر تبادل الأفكار العملية وتشجيع المواهب مع الاستخدام الأمثل للخبرات المتوفرة، وهي محدودةٌ أصلاً ورغم المحدودية لا نستثمرها ونهمشها وخير مثال خريجي المعهد الوطني للادارة.
ومنذ البداية، نوصي بأن تنشئ الحكومة جهةً تنسيق (مكتباً، أو هيئةً، أو أمانة عامة، أو أي اسم مناسب) وسوف يكون لهذه الجهة مهام كثيرة متداخلة.
إبلاغ المواطنين
يمكن أن تكون المنهجيات المستخدمة في إحدى الوزارات ملهمةً للعمل الجاري في وزاراتٍ أخرى. وفي حين يمكن لتبادل الأفكار أن يجري على نحوٍ غير رسمي (نعلم أن هذا ما يجري حالياً)، فإن هذه العملية تقتصر على العلاقات الشخصية وتتعلق بالمصادفة. وتبين الخبرة أن الشبكات غير الرسمية مهمةٌ من أجل تسهيل عملية التغيير في أي كيانٍ ضخم. لكن، وإذا كانت الثقافة الإدارية المتمثلة في "الحجرات الرأسية" للتفكير قائمةً فعلاً كما يزعم البعض (وكما تقول الخطة الخمسية أيضاً)، فإن ثمة خطر في أن تقع هذه المنهجية غير الرسمية رهينة قوى العشوائية والمصادفة. ولهذا السبب، يمكن أن تستفيد الحكومة كثيراً إن هي جعلت من بين مهام هذه الجهة التنسيقية مسألة توثيق "الأفكار الملهمة" وتعميمها، سواءٌ على شكل مبادرات محددة، أو باستخدام منهجيات توضع لهذه الغاية.
التقارير
ثمة آراء متضاربة بشأن امتلاك كل وزارة من الوزارات قدرات داخلية كافية للشروع في مختلف النشاطات المطروحة والنجاح فيها. لكن تقييم هذه الآراء خارجٌ عن نطاق مهمتنا، كما أنه خارجٌ عن موضوعنا أيضاً. والحقيقة أن المهام المطروحة تظل جسيمةً بالنظر إلى أفق التنفيذ المقرر أن يمتد حتى عام 2010، وذلك أيضاً لأن الوزارات يجب أن تحرص على متابعة العمل اليومي في أية مؤسسةٍ حكومية. وعلى هذا الأساس، تقوم الخبرة إن بوسع الحكومة أن تستفيد جيداً من امتلاك هذه الجهة التنسيقية مصادر استشارية قادرة على العمل ضمن كل وزارة تحت إشراف الوزير بحيث تساعد (حسب الطلب) في إعداد مختلف الخطوات الإصلاحية وتنفيذها.
وبما أن مشاريع الإصلاح تشمل كثيراً من الميادين وتشمل عملياتٍ كثيرة، فمن المستحسن أن تضم الحكومة إلى هذه الجهة تلك المعارف والخبرات التي تتصل مباشرةً بجوهر هذه الجهود، من قبيل التحليل التنظيمي مثلاً، أو التقييم القانوني، أو تنمية الموارد البشرية، أو تبسيط سير العمل، أو تقديم الخدمات. ومن شأن تزويد هذه الجهة بهؤلاء العاملين أن يدعم إدارتها وأن يمثل "شريكاً مؤهلاً للحوار" في مجالاتٍ بعينها؛ لكن لا يجوز لذلك أن يكرر الجهود التي تقوم بها الوزارات، ولا أن يلغي مسؤولية "الإدارات المعنية". ولهذا السبب خاصةً، لا يجوز لهذه الجهة أن تنشغل "بصغائر الأمور".
أما من حيث مشروع هذه الجهة أو طبيعة مهمتها، فقد يكون تعيين بعض العاملين فيها أمراً مؤقتاً. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يعين فيها موظفٌ (من وزارة المالية مثلاً) لسنةٍ أو سنتين قبل أن يعود إلى وزارته. ومن المرجح أن يكون لهذا التعيين المؤقت أثرٌ يدعم الإصلاح في الوزارات المعنية، كما أنه يمنع أيضاً تفشي موقف "نحن، وهم".
ومع الترسخ التدريجي للجهود الإصلاحية، يمكن أن ينفصل قسمٌ من هذه الجهة ليشكل جهةً أو هيئةً مستقلة من أجل الوظائف العامة. وعند هذه اللحظة الزمنية يمكن لإنشاء كثيرٍ من الجهات الأفقية أن يكون عاملاً مشوشاً، وقد يثير "شيئاً من الخلاف" فيستنفذ الموارد المحدودة أصلاً.
اذا ما زلنا ننتظر ولادة هيئة الوظيفة العامة التي يكون نواتها خريجي الادارة