يبدو أن قصة الاستحواذ الهائلة لفيسبوك على واتساب ستشغل الدنيا وعالم ريادة الأعمال لفترة قادمة لا بأس بها.


قيمة صفقة الاستحواذ الإجمالية حوالي 19 مليار دولار، وميزانية دولة اليمن لعام 2014 هي 14 مليار دولار. مثل قصص النجاح الخرافية الحجم كهذه نادرة جداً، واحتمال تكرارها بهذه الضخامة نادر جداً إذا ما قارنا ذلك مع عدد المحاولات. وفي الحقيقة لا تطربني مثل هذه القصص كثيراً.


ما يثير حماسي هو قصص الشركات الناشئة الواقعية، ربما ذكر قصة اطلعت عليها مؤخراً يوصل فكرة ما أود قوله.


آشوين و روبيرتو مؤسسي شركة ناشئة Startup ذات قصة مثيرة للتأمل لواقعيتها الرائعة. المدون الرائع تركي فهد كتب عن قصتهما قبل شهور، ولكن هناك مستجدات حصلت قبل أيام حولها نشرها ستيف بلانك.


تبدأ قصة آشوين و روبيرتو عندما كانا طالبين في جامعة ستانفورد، وقاما بالتفكير في إطلاق مشروع يستخدم روبوتات طائرة Drones يتم تركيب كاميرات عليها لتقوم بالتقاط صور لحقول المزارعين، ثم قراءة وتحليل هذه الصور باعتماد معادلات ولوغاريتمات رياضية ابتكراها لاستخراج بيانات ومعلومات تهم المزارعين عن حقولهم.


هذه الصور ستظهر للمزارع الوضع الصحي لأشجار حقولهم بشكل عام. أي مجموعة أشجار في الحقل يبدو من درجة لونها الأخضر (وعوامل أخرى) تحتاج لمعالجة ورش كيميائي، وأي منها سليم؟.


إذن، الفكرة تتكون من: صناعة/تجميع/تطوير روبوتات طائرة Drones + تركيب كاميرات عليها + اطلاقها فوق حقول المزارعين وتصوير الحقول + استيراد الصور إلى الحواسيب وتحليلها آلياً واستنتاج الوضع الصحي للحقل والأشجار وبيع البيانات على المزارعين. لتنفيذ فكرة المشروع، احتاج المؤسسين إلى استثمار أولي، وتوجها لاستشارة الخبير والمستثمر والريادي الشهير د. ستيف بلانك.


فكرة الدرونز جميلة ولطيفة ومحمسة ولكن ستيف بلانك قال لهما بأن جوهر مشروعهما (Minimum Viable Product) هو البيانات والتحليل وليس طائرات الدرونز.


ولذلك، اقترح عليهما أن يقوما بتجريب استئجار طائرة هيلوكبتر وتركيب الكاميرات عليها، وتصوير الحقول، ثم استخراج البيانات من الصور، ثم محاولة بيعها على مزارعين لكي يعرفا إذا كان المزارعين فعلاً سيتحمسون لاستئجار هذه الخدمة منهم في المستقبل أم لا؟ وبالتالي، يعرفون الخطوة التالية.


بعد شهور، التقى بلانك مع المؤسسين لمعرفة ماذا حصل، وإذا كان هناك تغير في فكرة جوهر المشروع؟


يقول بلانك، بأن المؤسسين اكتفشا أن المزارعين لا يهتمون كيف يتم تصوير حقولهم، أكان ذلك بطائرات الدرونز أم بغيرها، كل ما يهم المزارعين كان الصور والبيانات (المنتج النهائي) لكي يعرفوا وضع حقولهم.


أحد المزارعين منحهم فكرة لم تخطر على بالهم مطلقاً من قبل لا هم ولا ستيف بلانك العظيم وهي: لماذا لا تركبون الكاميرات على طائرات رش المبيدات الحالية التي تطير فوق حقولنا؟


اكتشف المؤسسان أن هناك أكثر من 2400 شركة لديها أكثر من 5000 طائرة رش مبيدات فوق الحقول. كل الذي عليهما فعله هو التعاقد مع هذه الشركات لتركيب الكاميرات عليها وتصوير الحقول وبيع الصور والبيانات النهائية عن وضع الحقول على المزارعين! فجأة، لم يعد المؤسسان بحاجة لاستثمار كبير ليقوما بتطوير طائرات الدرونز.


قام المؤسسان بتوقيع اتفاقية مع شركات تملك طائرت رش مبيدات لاختبار المشروع مع المزارعين. كل الأمور حتى الآن تقول بأن مشروعهما سيلقى نجاح كبير. متوقع بأن شركات الرش ستأخذ نسبة من رسوم الخدمة وشركة المؤسسان الناشئة باقي النسبة.


يبدو أن المؤسسان قررا التنازل عن فكرة طائرات الدرونز اللطيفة والحماسية، مقابل تركيب الكاميرات على طائرات رش موجودة في كل أمريكا وتعمل منذ عقود، وهذا يعني بأن شركات طائرات الرش ستكون شريكة في الربح. يبدو أن الشريكان قبلا بذلك أيضاً.


الواقعية تفوز هنا بعيداً عن الأحلام والرغبات الشخصية. وإذا أردت النجاح فعليك غصب نفسك على التنازل عن بعض الأمور أمام الواقعية ومشاركة الغير.


إذا أردت أن تستشعر الإلهام من قصص نجاح شركات ناشئة، فإن مثل هذه القصص الواقعية أرى أنها أكثر قابلية للنجاح في منطقتنا، وبالنسبة لي أكثر إلهاماً بمراحل من واتساب.


أما قصة رفض تويتر وفيسبوك لتوظيف مؤسس واتساب، ثم قيامه بتطوير واتساب وبعد سنين بيعه على فيسبوك -وهي قصة حقيقية- فهي بالنسبة لرواد الأعمال ستصبح قصة تاريخية يستأنس بها مثل قصة سندريلا والجزمة والأمير لدى البنات.

فؤاد الفرحان