الهدف من العمل هو تحصيل السعادة وتحسين مستوى الحياة والاحساس بلذة الانتاج وتحقيق الذات..
فوق ان أداء العمل على ما يرام، وبإتقان، هو هدف ورسالة وجزء من المسؤولية الاخلاقية والاجتماعية، وقد ورد في الحديث الشريف: "ان الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه".

وانطلاقاً من هذا الحديث العظيم فإن إتقان العمل أهم من أداء الكثير من الأعمال بدون إتقان، وبمعنى آخر فإن (الكيف) في آداء العمل أهم من (الكم) بكثير.

ومن حيث تحقيق النجاح، ومن الناحية الإنسانية والوصول للسعادة المحنكة، فإن العمل وقتاً أقل، ولكن بذكاء وتمييز، أهم بكثير من العمل المتواصل الشاق الخالي من الذكاء، والمسلوب من التمييز، والذي يجعل صاحبه - صاحب العمل الشاق الغبي - يكاد يدور في حلقة مفرغة، ويذهب الى الهدف المنشود من أبعد الطرق وأكثرها وعورة، مع أن قليلاً من التفكير والتمييز يختصر عليه الطريق نحو الهدف المنشود، ويجعله يحقق في وقت قصير ما لا يحققه صاحب العمل الشاق بغباء، في أوقات طويلة.. وفوق أن العمل بذكاء وتمييز، ينجز الأمور بشكل أفضل، وأسرع، فإنه يجعل صاحبه يعشق عمله ويكون مولعاً به مستمتعاً بأدائه، ومع المزيد من التمرين والابتكار والاتقان يصبح مبدعاً في عمله، يحقق في ساعة ما لا يحققه العامل بمشقة وغباء، في أيام أو شهور، ويمنحه الاحساس بالنجاح، والثقة في النفس، والقدرة الذاتية على الانجاز، والاجمل من هذا أنه يعطيه مساحات رائعة لتلوين لوحة السعادة بما يحب، فيكون أكثر لقاءً بزوجته وأطفاله، وأقدر على الاستمتاع بوقت الفراغ، وأجدر بالطمأنينة وراحة البال.. لماذا؟!.

لأن الذي يعمل بذكاء وتمييز يبدع أكثر، وينتج أكثر، ويتقن عمله أفضل من البليد الذي يصارع الأعمال طوال الوقت بغباء.

فوق هذا فالعمل بذكاء يجعل صاحبه يربح أكثر، وينجح بشكل أسرع، فوق ما يوفره من وقت طيب يقضيه مع عائلته، ويستمتع فيه بهواياته الأخرى، ويعنى فيه بصحته وحياته الخاصة، وينعم - وقد أدى عمله على ما يرام وبإتقان، برضا الضمير وراحة البال، وما السعادة في الواقع إلا (رضا الضمير وراحة البال).

@ @ @

ومع أن العاملين على مكاتبهم يبدون متشابهين من الخارج، وللرائي، الا أنهم في الواقع مختلفون جداً، فواحد منهم قد يساوي عشرة من زملائه في الانجاز والاتقان لأنه استخدم ذكاءه وأشعل تفكيره، بينما يعمل الآخرون ببلادة العادة، ودون تفكير أو تمييز، ويعملون كثيراً وهم يعملون كثيراً وهم لعملهم كارهون، وفي الانتاج حقيقي مقلون، سواء أكانوا يعملون في القطاع العام او الخاص.

بل إن العمل في القطاع الخاص بالذات، وخاصة حين يكون الإنسان هو رب العمل وصاحب المنشأة، هو أحوج ما يكون للذكاء والتمييز وتقديم الأهم على المهم والفطنة الى الطريق الصحيح، في الوقت الذي يتيه فيه الأغبياء بين الطرق، وقد يسلكون طرقاً خاطئة طويلة تأكل أوقاتهم وتقطع أنفاسهم ولا تصل بهم الى نتيجة.

وقديماً قال الشاعر:

"وللزنبور والبازي جميعاً

لدى الطيران أجنحة وخفق

ولكن بين ما يصطاد باز

وما يصطاده الزنبور فرق"

كما أن المثل الشعبي لدينا يقول:

(كثر التعب مازاد في رزق الخواطيف) والخواطيف نوع ضعيف من الطيور، واحدها خاطوف، وهي دائمة الطيران من قيامها من النوم إلى أن يحين موعد النوم الإجباري، والخاطوف من هؤلاء يطير ويدور ويبحث عن رزقه بدون هدوء ولا راحة ومع ذلك لا ينال إلا النزر اليسير الذي لا يكاد يسد رمقه، ولهذا فهو طائر نحيل ضئيل بائس تبدو عليه علامات المجاعة والإجهاد..

بينما نجد طائراً آخر، كالصقر مثلاً، لا يطير إلا قليلاً، وفي الوقت المناسب، فله عينان لماحتان (بمثابة الذكاء لدى الإنسان) فإذا رأى فريسة تستحق حلّق عاليا وانقض عليها بسرعة وفاز بها فوراً، ليصيد في يوم ما لا يصيده الخاطوف في عام، مع الاختلاف الكبير في الصيد، فالصقر صيده ثمين: غزال سمين أو حبارى شهية أو على الأقل أرنب شهي، أما الخاطوف فهو دؤوب في ملاحقة حشرات صغيرة لا تكاد تُرى، ولا يصطاد منها إلا أقل القليل رغم طيرانه المتواصل الطويل، لأنه اختار من الصيد أصعبه وأصغره وأسرعه في الطيران والفرار والروغان..!

@ @ @

إذن فإن العمل بذكاء أهم من العمل الشاق بغباء كثيراً وأكثر عطاء ومتعة وأجدر بتحقيق سعادة الإنسان ورضائه عن نفسه وقدرته على تطوير مواهبه واختصار وقت العمل.. والعمل بذكاء يقتضى:

1- ان يلم الإنسان بالعمل الذي يقوم به بشكل كامل..

2- أن يتابع ما يستجد في عمله من بحوث ووسائل للانتاج..

3- أن يفكر كثيراً ويعمل قليلاً..

4- ان يُقدِّم الأهم على المهم باستمرار..

5- وأن يعتبر العمل وسيلة لتحقيق السعادة وراحة البال، وليس واجباً ثقيلاً وعبئاً وبيلاً ابتلاه الله به..

وما التوفيق إلا من الله عز وجل..