أيّها الطلبة: ضعُوا أقلامكم جانباً، ودَعْكم من الحصص الصفية؛ إذْ لن تجدوا دروس محمد الفايد التي لا تُشترى بالمال في صفحات الكتب المقرّرة أو المراجع الأكاديمية التي عفا عليها الزمن. فقد تنقَّل الفايد في أعمال كثيرة: من طالب مدرسة يبيع عصير الليمون في مهد طفولته الإسكندرية، وصولاً إلى مالكٍ لواحد من أشهر المتاجر الكبرى في العالم (هارودز) قبل أن يبيعها لشركة (قطر القابضة)، واستطاع رجل الأعمال الأسطوريّ البالغ من العمر 84 عاماً تحقيق إنجازات غير مسبوقة بالكفاح والعَرَق والدموع. بدأ الرياديّ المصريّ مسيرته المهنية عام 1955 بتأسيس شركة شحن تُدعى الشركة العامة للملاحة (جينافكو- Genavco) مع إخوته، ومن ثَمّ انطلق في رحلة عمل امتدت 6 عقود ولا تزال قوية حتى اللحظة.
بعد انتقاله إلى المملكة المتحدة في الستينيات، شرع الفايد في الإشراف على تنظيم البنية التحتية لإمارة دبي، ومِن ثَمّ ألقى بثقله في قِطاعي الضيافة والتجزئة مُستحوذاً على (فندق ريتز- L’Hotel Ritz) في باريس والمتجر اللندنيّ المعروف (هارودز- Harrods) وهي أسماء باتت اليوم مرادفة للنجاح تماماً كاسمه.
بالنظر إلى مسيرته الحافلة في الماضي وإلى العمل الواجب استكماله في المستقبل، يُقدّم محمد الفايد خلاصة تجربته الحكيمة للجيل الجديد من الرياديين الصاعدين الطامحين إلى بلوغ النجاح في عالم مليء بالتحديات.
ما النصيحة التي تُسديها للرياديين الشباب في دنيا الأعمال حالياً؟
أدعو الشباب المقبلين على إقامة مشاريع تجارية، كما فعلت قبل أعوام عديدة، إلى التحلِّي بالإرادة والتصميم في سبيل اكتشاف قدراتهم الذاتية التي حباهم الله بها. إذا كان المرء مُخلصاً ونزيهاً وحريصاً على تقديم ما ينفع الناس، سيَقْدر على التصدِّي لتحديات الحياة والتغلُّب عليها.
ينبغي للشباب أن يدركوا منذ البداية أهمية مَدّ يد العون لمن حولهم، جاعلين هذا المبدأ ركناً أساسياً في علاقاتهم العملية. إذا تعاملت مع غيرك وشعر بالفائدة من هذا التعامل، فلا شكّ في أنه سيعود لك مجدداً من أجل المزيد. أمّا إن حدث العكس، فلن يرجع مُطلقاً. إذا اعتقدتَ أن بمقدورك إحراز نجاح هائل بالاعتماد على صفقة واحدة فقط، تكون حينذاك واهماً، فالأعمال التجارية تنمو بإقامة العلاقات المبنية على الثقة والأمانة. لقد أتاحت مشاريعي آلاف الوظائف، وقدَّمت فرصاً لأشخاص آخرين كي يُرسِّخوا مكاناتهم في قطاع التجارة والصناعة، وأنا فخور جداً بذلك.
أنصح أيّ شاب يسعى لتحقيق نجاح طويل الأمد بأن ينخرط فيما يحب ويحرص على أن تكون طموحاته كبيرة لأنه سيُحقّقها لا محالة.
من كان مَصدر إلهامك أثناء نشأتك في مصر؟
تعلمتُ كلّ ما أعرفه الآن عن عالم الأعمال من مراقبة جَدّي والاستفادة من خبراته. فقد كان لديه مُستودع في الإسكندرية وكنتُ أحب الذَّهاب إليه في الصغر كي أشاهد كلاً من جَدّي والتاجر صاحب المخزن المجاور. أحببت معاونة كلا الرجلين اللَّذين ساعداني بالمقابل في إدراك أن التعامل بنزاهة في الأوقات جميعها واحترام توقُّعات الطرف الآخر من الصفقة سيضمن لي نمواً ثابتاً ورضا عن النفس. حظي هذان الرجلان باحترام الناس في الإسكندرية قبل 70 عاماً، بفضل أمانتهما وأسلوبهما اللطيف في التعامل مع الآخرين. إذا أبديتَ اهتماماً حقيقياً بالناس، فلابُدّ من أنهم سيُقدِّرون لك ذلك. ينبغي للمرء ألا يبخل بالمعلومة على غيره وأن يتعامل بنزاهة تحت أي ظَرف.
ما أهمّ الصفات التي ينبغي للشباب التمتّع بها في عالم الأعمال؟
الوفاء مفهوم تجريديّ لكنه أساسيّ في نجاح المشاريع. حباني الله دوماً بموظفين غاية في الوفاء، لكنني لم أنسَ أبداً أن الوفاء يكون متبادلاً. فقد حرصتُ بدوري أن أكون وفياً للأشخاص الذين عملوا لديّ طوال السنين. الأشياء الأهمّ ثلاثة: الزبون والمنتَج وطاقم العمل. فالعديد من شركات قطاع التجزئة تغفل عن الضلع الثالث لهذا المثلث السحريّ.

ما النصيحة التي تُسديها لجيل اليوم من الرياديين الصاعدين، من وحي إدراتك لمتجر (هارودز؟
طيلة فترة ملكيتي لمتجر هارودز التي امتدت ربع قرن، كان الناس يُثنون عليّ دائماً نظراً للخدمة رفيعة المستوى التي يُقدِّمها المتجر. وتقديم الخدمة المتميزة لا يكون إلا بوجود موظفين ممتازين ومتحفزين، وبوسعك الحصول على مثل هذا الكادر الوظيفيّ حين تعاملهم معاملة جيدة وتهتمّ بشؤونهم وتضرب لهم مثالاً حسناً. كُنتُ أعرف في (هارودز) كل شِبْر من المتجر بطوابقه السبعة وأدواره السفلية أيضاً. وكُنتُ أعرف أيضاً العديد من الموظفين بالاسم. لم يكن أسلوبي في الإدارة مرتكزاً على مجرد التجوّل في أقسام المتجر، بل حرصتُ على الاهتمام بكل جانب من جوانب عملي والأشخاص المشاركين في هذا العمل. إذا لم تحبَّ شركتك وموظفيها المتكاتفين لإقامة مشروع عظيم، فاعلم أنك تسير في الاتجاه الخاطئ. أعتبر نفسي محظوظاً جداً لأني أحببتُ العمل الذي كنتُ أزاوله دائماً.
ما أعظم الدروس في حياتك؟
أعظم الدروس التي تعلمتُها في حياتي تتلخّص في الوفاء وتكريس الاهتمام للعائلة وأهمية التعامل النزيه بقلب ويد مفتوحتين. عائلتي منحتني الحب والدعم لأبلغ غاياتي القصوى في حياتي الشخصية والعملية. هذا شيء حرصتُ كلّ الحرص على نقله إلى أولادي وأحفادي. فقد أتيت من عائلة مُكوَّنة من 3 إخوة وأُختين، لكن أمّي تُوفّيت في ريعان الشباب، ومن ثَمّ تحمَّل أبي مسؤولية رعايتنا جميعاً. أشعر بالامتنان طوال الوقت لعائلتي على حُبّها ودَعمها. كان يقيني بأن حُبّ عائلتي غير المشروط لن يضعف، وأنه مصدر راحة كبيرة لي حتى في أصعب الظروف.
ومن دواعي امتناني أيضاً أن لي أخوَيْن يدعمانني وقد كان لهما فضل كبير فيما وصلت إليه اليوم. أظن أن تشجيع الآخرين من أهمّ ما يمكن فعله، لاسيما إن كانوا شباباً يسعون إلى شقّ طريقهم في الحياة. نظرتي للأشياء إيجابية دائماً، حتى وإن كان مَن حولي يشعرون بالقلق أو الإحباط. أؤمن بأن الله معي دائماً، وبمعونته أدرك أن لي أعظم حافظ وحارس.
بالإضافة إلى دعم العائلة، ما العوامل الأخرى التي تراها أساسية للنجاح في الحياة؟
محاولة اكتشاف الخصال الحسنة في الناس تُشبِه ملاحظة الفُرَص الكامنة في مشروع مُعيَّن. مثلما تستطيع رعاية الأفراد بتشجيعهم على التميُّز في أيّ ظرف كان، يمكنك أيضاً رؤية الفرص الكامنة في عقار ما أو مشروع تجاريّ أو صفقة بسيطة عند التحلِّي بالنزاهة والنيّة الحسنة. هذه الصفات تُساوي المال في الأهمية، إذا كان الغَرَض تحقيق النجاح في الحياة. ما يثير إعجابي وأقتنع به تمام الاقتناع أنك كلما فعلتَ أموراً جيدة فستنال نعماً أكثر.
نصيحة أخيرة للشاب الذي يطمح للنجاح في دنيا الأعمال: حين تُقابِل أحدهم، اسألْه عن اسمه وصافحْ يده. تذكّر اسمه وانطقه كلما تلاقيتما أو تحدَّثْتما عبر الهاتف. فاسم المرء أغلى شيء عنده، وتلفّظك به سيحسّن رأيه فيك. أنا فخور باسمي، وأجزم بأنّ كلّ إنسان يفخر باسمه أيضاً.