منقول

يخضع ميعاد طلب إلغاء القرارات التأديبية بالجزاء للقاعدة العامة في ميعاد رفع دعوى الإلغاء وهي ستون يوماً من تاريخ نشر القرار المطعون عليه أو إعلان صاحب الشأن أو علمه به.
مع ملاحظة أنه بالنسبة لقرارات الجزاء الموقعة على موظفي القطاع العام فإنه بداهة لا يتم نشرها أو إعلانها لذلك كان لزاماً على جهة الإدارة أن تُعلم الصادر ضده القرار بفحواه ومحتواه بطريقة يثبت بها علمه اليقيني لا الإحتمالي إذ أنها في حالة ما أغفلت ذلك وطعن الصادر ضده القرار فيه بعد ستين يوماً من تاريخ صدوره فإن الدفع بعدم قبول الطعن لانقضاء الميعاد يضحى غير مقبول وفي غير محله.
وقد تواترت أحكام المحكمة الإدارية العليا على أن
"العلم الذي يبدأ منه سريان ميعاد الطعن هو العلم اليقيني لا الافتراضي وأن ينصب ذلك العلم على جميع العناصر التي يمكن لصاحب الشأن على أساسها أن يتبين مركزه القانوني بالنسبة لهذا القرار"
فمثلاً ،،
إعلان أشقاء الصادر ضده القرار بذلك القرار .. أو منع الصادر ضده القرار من دخول الشركة
أمور لايستفاد منها علم صاحب الشأن يقيناً بالقرار الصادر ضده
إرسال صاحب الشأن خطاباً لجهة الإدارة يحوي علماً كافياً بماهية العقوبة الموقعة عليه وأسبابها ... خفض أجر الصادر ضده القرار ... مضي مدة طويلة على نشر القرار وتوزيعه على جميع الأقسام
كلها أمور يستفاد منها علم صاحب الشأن يقيناً بالقرار
وأخيراً فتقدير ما إذا كان العلم يقينياً أم لا من مسائل الموضوع التي تخضع لسلطة المحكمة التقديرية.

وقف الميعاد وانقطاعه

التحدث عن وقف ميعاد الطعن على قرار الجزاء يفترض أصلاً توافر علماً يقينياً بالقرار وبالتالي بدء سريان ميعاد رفع الطعن أمام المحكمة ثم حدوث أمر عارض في الفترة الواقعة بين بدء سريان الميعاد وقبل إنقضاءه هذا الأمر العارض من شأنه أن يؤثر على سريان الميعاد إما بالوقف أو الإنقطاع.
والوقف معناه أنه أثناء سريان الميعاد حدث أمٌر أدى إلى وقف ذلك السريان بحيث ما إذا استأنف الميعاد سريانه بزوال الحادث الموقف فإنه يسري بالمدة الباقية من الميعاد وليس بمدة الميعاد كاملة.
أما الإنقطاع فمعناه إستئناف الميعاد سريانه بزوال الحادث الذي قطع السريان وإنما يسري بمدة الميعاد كاملة وليس بالمدة الباقية فقط من الميعاد.
وأهم أسباب وقف الميعاد هو مرض العامل مرضاً يمنعه من مباشرة الطعن على القرار سواءاً بالتظلم من القرار أمام جهة الإدارة أو برفع دعوى إلغاء أمام المحكمة التأديبية ... والأمراض النفسية والعقلية هي أظهر الأسباب التي أقرتها المحكمة الإدارية العليا كمبرراً للوقف، كذلك تعرض العامل لما هو مقيد لحريته من سجن أو إعتقال.
وعموماً، فميعاد الطعن في قرار الجزاء يخضع للقواعد العامة الخاصة بوقف المواعيد الإجرائية من حيث كونها تقف بكل ما يمثل قوة قاهرة تمنع المتظلم من مباشرة حقه في التظلم أو الطعن .. وهي أمور تخضع لتقدير المحكمة من حيث كون سبب الوقف المتذرع به يمثل قوة قاهرة أم لا ،، وهذا فيما يخص الوقف.
أما الإنقطاع فأول أسباب إنقطاع ميعاد رفع دعوى الإلغاء هو تقديم تظلم من القرار إلى الجهة الإدارية مصدرته أو إلى الهيئات الرئاسية فهو أمر يقطع الميعاد بحكم المنطق ويبدأ سريانه من جديد من تاريخ البت في التظلم.
كذلك ذهبت المحكمة الإدارية العليا إلى أن
"رفع الدعوى الإدارية إلى محكمة غير مختصة يقطع الميعاد كما يقطع ميعاد التقادم ويبقى ذلك الأثر القاطع قائماً إلى أن يصدر الحكم بعدم الإختصاص"
وبالقياس على ذلك فإن التظلم من قرار الجزاء المقدم لجهة غير مختصة ينقطع به أيضاً ميعاد رفع دعوى الإلغاء.
إلا أن هناء استثناء هام أرسته المحكمة الإدارية العليا بهذا الخصوص وهو حالة رفع دعوى الإلغاء أمام محكمة غير مختصة ويحكم في الدعوى بعدم القبول، ففي تلك الحالة لا يعتبر رفع الدعوى أمام تلك المحكمة غير المختصة قاطعاً للميعاد .. ومبنى ذلك من وجهة نظر المحكمة الإدارية العليا أن الدعوى يجب أن تنعقد على أساسها خصومة قضائية صحيحة وإغفال ذلك يؤدي إلى عدم وجود دعوى قضائية من الأصل مما يضحى معه التحدث عن إختصاص المحكمة من عدمه أمر غير ذي جدوى.
وأعتقد - وهو رأي شخصي - أن عدم القبول الذي قصدت إليه المحكمة الإدارية العليا هو عدم القبول الذي مبناه عيب شكلي لا موضوعي، وذلك لكون عدم القبول المبنى على إغفال شكل أو إجراء لا مناص فيه من الحكم بعدم القبول ولا رقابة موضوعية او سلطة تقديرية للمحكمة في هذا الشأن .. أما عدم القبول الموضوعي فهو يخضع لرقابة المحكمة وسلطتها التقديرية ومثاله دفع الدعوى بعدم القبول لرفعها على غير ذي صفة، فمحكمة الموضوع في هذا الصدد تتمتع بسلطة تقديرية في تحديد ما إذا كان المرفوعة عليه الدعوى صاحب صفة من عدمه إذ لا يوجد في القانون تعريف ومعيار مانع جامع بشأن الصفات الإجرائية في التقاضي، وبهذا النظر يصير من غير المقبول توحيد المعايير بشأن عدم القبول الشكلي والموضوعي إذ أنه حيث يتعلق الأمر بإغفال شكل فمن المناسب إعتبار الخصومة غير منعقدة إذ ان الحكم بعدم القبول في هذه الحالة لا مناص أو مفر منه ولا سلطة تقديرية للمحكمة بشأنه، فالدعوى تصير بحالتها وبوصفها غير مقبولة شكلاً وتستعصي على التأويل لكون عدم إنعقاد الخصومة مجزوماً به في هذه الحالة ومن ثم لا يصح التحدث عن انقطاع الميعاد ولم تنعقد خصومة من الأصل.
أما عدم القبول الموضوعي فهو أمر يخضع للسلطة التقديرية للمحكمة فلها ان تقبله أو ترفضه حسبما ينتهي إليه استخلاصها وفهمها للموضوع، فلو انتهت إلى قبول الدفع أو عدم قبوله لا يصح وصف الخصومة بأنها منعقدة أو غير منعقدة تبعاً لذلك، فانعقاد الخصومة من عدمه هو وصف يلحق بالخصومة من بدايتها ولا يعتمد على إجراء آخر أو أمر إحتمالي لتحققه .. فالرأي عندي .. أن معيار إنعقاد الخصومة من عدمه هو حالة الخصومة ووضعها الحقيقي الذي يلحقها من بدايتها لا الحكم الصادر فيها لكون الحكم الصادر بعدم القبول الشكلي ما هو إلا حكم يظهر ذلك الوصف وتلك الحالة للخصومة وكونها غير منعقدة، أما عدم القبول الموضوعي فيعتمد على تقدير المحكمة لا على حقيقة الخصومة ووصفها وهو بالتالي حكم لا يصح أن يترتب عليه ضرراً بالطاعن أو يوفت عليه رخصه استمدها من المبادئ التى أرستها المحكمة الإدارية العليا ذاتها والتى مؤداها أن الميعاد ينقطع برفع الدعوى إلى محكمة غير مختصة ... إنتهى.
ويلاحظ أنه فيما يتعلق بانقطاع الميعاد وفي حالة تقديم عدة تظلمات لجهة الإدارة فالعبرة في هذا الصدد بأول تظلم مقدم في الميعاد.
وقد أرست المحكمة الإدارية العليا مبدءاً في غاية الشفافية والعمق في ذات الوقت .. وتفصيله
فوات ستون يوماً بعد تقديم تظلم من الجزاء لجهة الإدارة دون أن تجيب عنه الأخيرة بقرار واضح يعتبر بمثابة رفض للتظلم وبالتالي يبدأ سريان ميعاد رفع دعوى الإلغاء من جديد بعد زوال سبب وقفه بفوات الميعاد المحدد لإصدار قرار في التظلم دون أن تحرك جهة الإدارة ساكناً وبزوال سبب الوقف يكون صاحب الشأن مقيداً برفع دعوى الإلغاء خلال الميعاد وإلا سقط حقه في رفعها، فما الحل أمام مقدم التظلم أن هو رأى في جهة الإدارة ميلاً لقبول تظلمه ورفع الجزاء إلا أنها وهي بسبيلها لفحص التظلم إستغرقت أكثر من ستين يوماً مما يضع المتظلم بين شقي رحى فإما أن يرفع الدعوى بعد فوات ستين يوما من تقديم تظلمه وخلال فترة ستين يوماً أخرى خشية فوات الميعاد وبالتالي يقضي على الأمل في قبول تظلمه ورفع الجزاء .. وإما أن يساير جهة الإدارة في إتجاهها والتي من الممكن أن يسفر قرارها في النهاية عن رفض التظلم وبالتالي يعرض نفسه لخطر فوات ميعاد رفع الدعوى!!
هنا تدخلت المحكمة الإدارية العليا وقررت أن
"الرفض الحكمي للتظلم يقوم على قرينة فوات فاصل زمني كافي دون أن تجيب جهة الإدارة على التظلم إلا أن تلك القرينة لا تقوم إذ لم تهمل الإدارة التظلم وإنما اتخذت مسلكاً إيجابياً في سبيل الإستجابة إليه ففي هذه الحالة يتعين حساب ميعاد رفع الدعوى من التاريخ الذي تكشف فيه الإدارة عن نيتها الصريحة في رفض التظلم"
مع ملاحظة أنه لا يمنع سلوك الإدارة مسلكاً إيجابياً من أن يقوم المتظلم برفع الطعن أمام المحكمة التأديبية حال فوات ميعاد الستون يوماً حتى وإن أسفر التظلم عن تخفيض الجزاء أثناء نظر الطعن أمام المحكمة إذ يظل الطعن قائماً بالنسبة لما لم يتم سحبه من القرار ويحق للمتظلم أن يعدل طلباته أمام المحكمة تبعاً لذلك.