يتألف المجتمع من شخص وأكثر مؤلِّفين جماعة تعيش ضمن قوانين ومبادئ وقيم وأخلاق خاصة بهم، ومع اختلاف المجتمعات وتنوع خلفياتها، إلا أن هناك مجتمعات غير صالحة أخلاقيًا ولا إجتماعيًا، مع أنَّ العالم بأسره قد ينظر لها بأنها متحضرة ومتقدمة.
سيسأل البعض وهل تقصد مجتمعا خاصًا أم أنك تعطي مثالا، فأجيب إنني أقصد بعض المجتمعات التي قيل فيها الكثير من المدح والرفعة، وغُنِّيَ لها الشعر، وحكا عنها الحالمون بالهجرة، لكنها بالوقت ذاته ليست كذلك. فبالوقت الذي قيل عن بعض البلدان أنها بلد الحضارة والاخلاق والقيم، نجد عندهم التفكك الأسري والمجتمعي وأن الطلاق عندهم كأنه أمر عادي، فتذهب الفتاة مع عشيقها بل وترغم بالعمل وذلك كي تعيش، فأي كرامة وأي عيش وأي مجتمع هذا؟ فهل تنطبق فيه معايير المجتمع أصلًا إذا اتفقنا على أن المجتمع ما اجتمع به الناس؟ فهل هم مجتمعين فعلًا؟
لا أذكر أنني قد سمعت من أحدٍ عاش في بلاد الغرب أن الحياة هناك مسلية وفيها مرح وفرح وعطاء، في الوقت الذي سمعت فيه الكثير يذكر أن كل اللذين يعرفهم قالوا له " إن الحياة هناك مملة، لا يوجد حياة".
لن أغرق في سلبيات المجتمعات هناك، فَهُم أيضًا لهم إيجابياتهم، بعض الشعوب الغربيين عندهم الإنسانية والعطف على بعضهم، أو إن صح القول فهو طيبين القلب وإنسانيين ويشفقون على المخلوقات الأخرى، عندهم قوانين نظمت حياتهم بشكل جيد، فقانون السير هناك يسمح للكلب أن يعبر الطريق بأمان، وأمَّا بالنسبة للعمل، فإن حكوماتهم ودولهم مسؤولة عن كل مواطن لا يعمل، ناهيك عن الفرص التي تؤمن لهم وغير هذا الكثير.
ولكنني إلى الآن لم أذكر ما هو المجتمع الصالح ففي الفقرة الأولى ذكرت ما هو المجتمع وفي الفقرات التي تلته ذكرت بعض السلبيات والإيجابيات عند المجتمعات الأخرى،ولكنني الآن سأسرد هدفي من كتابة المقال، وهو تبيان ما هو المجتمع الصالح.
إن المجتمع الصالح هو ذاك المجتمع الذي يعيش الناس فيه بهناء ونعيم، بحب وتسامح، بالعطاء والتبادل، والعطف والإشفاق، إنه المجتمع الذي يحب الشخص فينا لنفسه ما يحبه لغيره، ويرضى لنفسه ما يرضاه لغيره، إنه المجتمع الذي لا يعرف الكره ولا الحقد، إنه المجتمع الذي إذا أصابته مصيبة صبر، وتكاتف ليحلها، وإذا هوجم اتَّحد، إنه المجتمع الذي إذا مرض فيه شخص ذهب الناس ليطمئنوا عليه، هذه الرحمة التي لا يستطيع أحد على وجه هذه الأرض امتلاكها إلا من كان قلبه رقيق، فأينَ ستجد قلبًا رقيقًا اليوم؟
إن هذا المجتمع الصالح هو ذاك المجتمع الذي كان يعيش فيه نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، بل هو ذاك المجتمع الذي كوَّنه النبي وأسَّسه، قالوا إن الكذب عيب يدمر المجتمعات، ونبينا أمرنا على ترك الكذب، وقالوا إن السرقة شيئ شنيع، ونبينا قال لنا إن السرقة حرام فلا تسرقوا، قالوا إن انتشار الفاحشة والزنى قد دمر بيوتًا وفرَّق شعوبًا، ونبينا قال لنا إن هذا الأمر من أشد الحرام، قالوا إن الغضب يهدم المجتمعات، ونبينا أوصى "لا تغضب" قالوا الكثير ونبينا قال أكثر.
هذا هو المجتمع الصالح الذي أقصده، ليس خطأً أن تعيش في مجتمع ليس مجتمعك، ولكن الخطأ أن تندرج فيه ومن الخطأ أن يغيرك،كن أنت ولا تكن هو، فهو ليس أنت، وأنت ليس هُوَ، كن مصلحًا لمجتمعك وابتعد عن اللذات التي تؤدي بك إلى الفجور، إنه أنت إذا صلحت صلح المجتمع، وإذا فسدت فسد المجتمع، فلا تعتبر نفسك محركًا صغيرًا في ماكينة كبيرة لا تنفع فإنَّك إن وقفت وقفت الماكينة، بل أنت كحلقة إذا فقدت صار الباقي غامضًا.