المفهوم:
تشير الأخلاقيات ETHICS بشكل عام إلى القيم والمعايير الأخلاقية التي يستند لها أفراد المجتمع لغرض التمييز بين ما هو صحيح وما هو خطأ ويبدو أن المجتمعات قد طورت هذه القيم والمعايير لتشكل وعاء حضاريا لها عبر فترات زمنية متعاقبة وفي هذا الإطار يمكن أن تنظر للمجتمعات البدائية ومعاييرها الأخلاقية الصارمة ثم المجتمعات الصناعية ومعاييرها الأخلاقية المتجددة المرنة وأخيراً المجتمع العالمي المعرفي ومعاييره الأخلاقية النسبية التي تستوعب هذا التطور الهائل في مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية غيرها.
وتتعدد المصادر التي تستند عليها الأخلاقيات في أي مجتمع من المجتمعات كما أن أهمية هذه المصادر النسبية وقدرتها على تشكيل المعايير والمبادئ الأخلاقية تختلف من مجتمع إلى آخر ومن فترة إلى أخرى ، أن الدين والتاريخ والتقاليد والأعراف والثقافة القومية والوطنية والتكوين القبلي والعائلي وظهور الجماعات المرجعية والقادة والأحزاب السياسية ووسائل الإعلام وتطورها والخبرة العلمية والعملية للمجتمع تعتبر كلها مصادر تساهم في تشكيل أخلاقيات الأعمال في أي مجتمع من المجتمعات.
وأن تطور مفهوم الأخلاق في مجال الأعمال قد نحى منحيين :
الأول وفيه تم الاهتمام بالمعايير والقيم الأخلاقية للأهداف و الغايات المعلنة من قبل منظمات الأعمال بمعنى هل أن هذه الأهداف تأخذ بنظر الاعتبار مصالح جميع الأطراف ولا تخرق القواعد العامة والناموس الأخلاقي للمجتمع
وضمن نفس المنحى يمكن أن يكون المبدأ الميكافيلي ( الغاية تبرر الوسيلة)
هو السائد بحيث تستخدم وسائل وأساليب وطرق غير أخلاقية وغير مشروعة في تحقيق أهداف مشروعة وأخلاقية وصحيحة.
أما المنحى الثاني هو أن تشمل المعايير الأخلاقية والسلوكية الصحيحة بالإضافة إلى الغايات و الأهداف و الوسائل المستخدمة لبلوغ هذه الأهداف .
والأمر الأكثر تعقيدا هنا هو كيفية إيجاد معايير قياس موضوعية للاعتبارات غير المالية و السلوكية في قرارات منظمات الأعمال خاصة وأن العديد من هذه القرارات لا تحتمل أن تحلل فقط بمعايير الكلف و العوائد المصاحبة لمثل هذه القرارات .
ويمكن أن نتصور ما ذكر أعلاه من خلال الشكل التالي(1) الذي يوضح كون الفرد يمتلك معايير شخصية يحكم من خلالها على الفرصة المتاحة أمامه وفي ضوء محددات المجتمع الأخلاقية أيضاً،التي يمكن أن تقوي من دوافعه لاقتناص الفرصة بالرغم من عدم أخلاقيتها أو الأحجام عنها.


الأهمية:
إن الالتزام بالمبادئ والسلوك الأخلاقي سواء على صعيد الفرد في الوظيفة أو في مهنة معينة أو مجموعة أو منظمات الأعمال يعتبر ذو أهمية بالغة لمختلف شرائح المجتمع حيث أن هذا الأمر يقوي الالتزام بمبادئ العمل الصحيح والصادق ويبعد المنظمة عن أن ترى مصالحها بمنظور ضيق لا يستوعب غير معايير محددة تتجسد في الاعتبارات المالية التي تحقق لها فوائد على المدى القصير ولكنها ستكون بالتأكيد ذات أثر سلبي في الأمد الطويل .
وفي مجتمعاتنا النامية والإسلامية بشكل خاص فإن الإسلام يعتبر الوعاء الحضاري والإنساني الذي يطرح مفاهيم أخلاقية راقية ، في مختلف مناحي الحياة استمد منها الأفراد والمنظمات قواعد عمل ومدونات أخلاقية نظريا على الأقل مقبولة وجيدة في حين يشير واقع الحال الى وجود فجوة كبيرة بين هذا الوعاء الحضاري وبين الممارسات الفعلية لهؤلاء الأفراد و المنظمات ، ولو أننا قد نجد ممارسات مشابهة في العالم المتقدم ولكن على نطاق أضيق .
وإذا ما أردنا الإشارة إلى أهم الفوائد التي يمكن أن تحصل عليها منظمات الأعمال جراء التزامها بالمنظور الأخلاقي القيمي في العمل والتي تعطي أهمية لهذا الالتزام فإننا يمكن أن نؤشر التالي :
1- لا يمكن القبول بالمنظور التقليدي للعمل والذي يرى تعارضاً بين تحقيق مصالح منظمة الأعمال المتمثلة بالربح المادي وبين الالتزام بالمعايير الأخلاقية والتي عرضت وكأنها تقلل من الكفاءة ضمن هذا المنظور التقليدي ففي إطار المنظور الحديث نجد ارتباطاً إيجابياً بين الالتزام الأخلاقي والمردود المالي الذي تحققه المنظمة وإن لم يكن ذلك على المدى القصير فإنه بالتأكيد سوف يكون واضحاً على المدى الطويل .
2- قد تتكلف منظمات الأعمال كثيراً نتيجة تجاهلها الالتزام بالمعايير الأخلاقية وهنا يأتي التصرف اللاأخلاقي ليضع المنظمة في مواجهة الكثير من الدعاوى القضائية بل والجرمية في بعض الأحيان خاصة إذا ما تمادت المنظمة وأخذت تركز كثيراً على مبدأ الرشد والنموذج الاقتصادي بعيداً عن التوجه الاقتصادي الاجتماعي الأخلاقي.
3- تعزيز سمعة المنظمة على صعيد البيئة المحلية والاقليمة والدولية وهذا أيضاً له مردود إيجابي على المنظمة.
4- أن التوجهات الحديثة ترى أن تجاهل الأخلاقيات في العمل هو نزوح نحو المصلحة الذاتية الضيقة في حين أن الالتزام بالأبعاد الأخلاقية للعمل يضعها في إطار المصلحة الذاتية المستنيرة ومن المعلوم أن ردود فعل سلبية على التصرف اللاأخلاقي قد تنشأ من قبل المنافسين والحكومة وباقي فئات المجتمع وهذا يؤدي إلى الإضرار بسمعة المنظمة على المدى البعيد.
5- إن الحصول على شهادات عالمية وامتيازات عمل خاصة يقترن بالالتزام المنظمة بالعديد من المعايير الأخلاقية في إطار الإنتاج والتوزيع والاستهلاك والاستخدام و الاعتراف بالخصوصيات والعمل الصادق والثقة المتبادلة ودقة وصحة المعلومة .