استخدم الغربال بدل المدفع الرشّاش

ترشيق العمالة الذكيّ
استخدم الغربال بدل المدفع الرشّاش

الدكتور ويندل ويليامس
قبل التخلّص منهم سل نفسك
هل أحتفظُ بموظّفيّ السيّئين وأستغني عن الجيّدين؟
أيُّ مديرٍ يوجّه نظراً منصفاً إلى الأداء الفرديّ لكل موظفيه يعرف أن الموظفين لم يُخلقوا سواسية. نحو 20% من الموظفين يشكّلون نخبة الكومة، وعشرون بالمئة يشكّلون قاعها، والبقية تتراوح في الوسط بين هذين الطرفين بأداءٍ عاديّ.

تفاوت الإنتاجية الفردية بين العاملين كان ومايزال ينال نصيباً وافراً من الدراسة والبحث، و يتفق معظم هذه الدراسات على أنّ النصف الأعلى من العاملين تفوق إنتاجيّته إنتاجيّة النصف الأدنى بضعفين 1:2 (ولا يختلف الأمر سواءٌ أكان هؤلاء الموظفون يوزّعون أوراق اللعب أم يصنعون آلاتٍ دقيقة) وعندما تتوجّه الملاحظة إلى زمرة المديرين والموظّفين المعرفيين وحدها فإن نسبة الفرق في الإنتاجية تكبر لتصبح بمقدار ثلاثة أو أربعة اضعاف وربما أكثر (الوظائف ذات المسؤوليات الأكبر تكبر فيها هذه النسبة أكثر)

إنتاجية المرء Productivity شيءٌ أكثر من تمرين أو ممارسة عقليّة*. إنّها تتجسّد في صور التغيّب المتكرّر، والأخطاء، والحصيلة المتدنّية، وتقلّب العمالة، والمعنويات المتدهورة، والحاجة الدائمة إلى مراجعة المنجزات بالتفتيش والتصحيح، وزيادة عدد الموظّفين عن الحاجة، وما أشبه ذلك من مظاهر.

*(التمرين العقلي mental exercise هو القيام بمهمةٍ مستحثّة محرّكة للفكر مثل حل لغز أو الانخراط في لعبة ذهنية أو تعلّم لغةٍ جديدة. بعضُ صور الإنتاجية تتكوّن من تركيزٍ حاد للتمرين العقلي مثل البرمجة الحاسوبية، أو إنشاء وتحليل النماذج الرياضيّة)

والخسائر الناجمة عن مشكلات إنتاجية الموظّفين الأفراد مريعةٌ كريهة لأنّها تتخفّى وتتعسّر ملاحظتها. ويمكن تبيينها مترجمةً بلغة الأرقام الماليّة إلى حقيقة أنّ مابين 20 بالمئة من جدول الرواتب السنوية في شريحة العاملين العاديين، و50 بالمئة في شريحة المديرين والموظفين المعرفيّين المهرة يتبدّد هباءً دون مقابل. وهو مقدار يكفي لتمييز المؤسسة الناجحة المزدهرة عن المؤسسة المتهالكة.

وتحويل الضياع في جدول الرواتب إلى ما يكافئه من مبيعات إجماليّة يمكن أن يكون أكثر تنبيهاً وتوضيحاً لحجم المسألة. إنّ تبدّد عشرين بالمئة من جدول الرواتب لدى مؤسسة تدفع خمس مبيعاتها الإجمالية من أجل الرواتب والمزايا سوف يستدعي زيادةَ 500% في المبيعات حتّى تتوازن القيود. هل تريد المزيد من الحسابات المرعبة؟ إذاً احسب الآن تصاعد المبيعات اللازم لتعويض التبدّد المسجّل بمقدار 50% في شريحة المديرين والموظفين من أصحاب المهارات العالية!

أهلاً بك في عالم الفوضى المالية وانعدام اليقين! فماذا أنت فاعل!؟
إنّنا نمرّ في فتراتٍ مالية عصيبة. تتراوح الآراء والتوقّعات، ولكنّ كثيراً من الخبراء يجمعون على أن الضغوط المالية سوف تتواصل خلال العام 2010 . لقد انتهت حفلة الرخاء، وتغيّر وجه العالم بين عشيةٍ وضحاها مثلما حدث عند انفجار فقاعة الإنترنت قبل عقدٍِ من الزمن تقريباً.

ليس في يد أي مدير منّا أن يفعل شيئاً إزاء العوامل الاقتصاديّة المحيطة سوى أن يزرع زرعه وينتظر. ولكن بإمكاننا أن نقوم –ربما بالكثير- في قضية إنتاجية الموظفين، وخاصةً في تقليص العمالة –أو الترشيق- الذكيّ smart downsizing.

الترشيق بطريقة رامبو:
هناك طريقتان لتقليص عدد العاملين في المؤسسة. الطريقة الأولى التي يألفها كثيرٌ –أوغالبية- من المديرين هي طريقة "رامبو". اقتحم أبواب المؤسسة مسلّحاً بالرشاشات والقنابل ثمّ امضِ في حصد كلّ من يضعه حظّه في وجه المدفع.

أجل، في نهاية الهجمة ستجدُ جدول الرواتب أصغر، ولكن بما أنّ كلّاً من الموظّفين ذوي الإنتاجيّة العالية وذوي الإنتاجيّة المتدنّية قد تعرضوا لهجوم الرشّاش سواءً بسواء دون مراعاةٍ للمهارات فإنّ المنظّمة سوف تستمرّ في معاناة ما كانت تعاني منه أصلاً، أي نزيف العشرين والخمسين بالمئة الضائع من الرواتب الذي تحدّثنا عنه.

وماذا لو استكشفنا أداء الموظّفين قبل صنع قرارت الفصل؟ دع عنك ذلك! كلّنا يعرف أن توصيات الأداء نصفها حقيقة ونصفها خيال. وأنّ تقديرات الأداء والترقيات إنّما تكادُ تعتمد كلياً على الشخصية والقبول وليس على مهاراتٍ معيّنة.

وبعد انتهاء هجوم التقليص تأمّل الآن في المؤسسات التي رشّقت عمالتها بطريقة رامبو، ماذا جنت من مكاسب غير إجبار عددٍ أقلّ من الناس على إمضاءِ وقتٍ أطول في العمل؟

إنّ قرارات تقليص العمالة بطريقة رامبو المتخذة دون تخطيطٍ مسبقٍ للمستقبل هي أشبه ما تكون بالممارسات القديمة الجاهلة القائمة على بزل شرايين الجسد وتركه ينزف من دمه كي يتخلّص من الأخلاط الضارّة. ممارسةٌ احتمال أذاها يفوق احتمال منفعتها أضعافاً مضاعفة.

التخطيط للمستقبل علاجٌ ووقاية:
إن أخذت إدارة المؤسسة وقتها الكافي، وكان قسم الموارد البشرية متمكّناً من تولّي الحل بالكفاءة والرشاد اللازمين، فإنّ ترشيق العمالة سيساعد المنظمة فعلاً على أن تسترجع صحّتها وتحافظ عليها عمراً مديداً. إنّه مسلك "مستر سبوك*" الأبعد عن مسلك "رامبو".

*(مستر سبوك شخصية تلفزيونية من مسلسلات حرب النجوم. إنّه كائنٌ تحليليّ يقوده المنطق، ويعتقد اعتقاداً جازماً بوجود طريقةٍ مثلى وحيدة للقيام بأي شيء بل ويعرف هذه الطريقة أيضاً)

إن هذا المسلك الذكي في الترشيق مسلكٌ منطقي يبدأ بتحديد المهارات التي تريد الشركة تركها في الماضي واكتسابها في المستقبل.

فلنفترض مثلاً: شركة "نحن أو لا أحد" أسطورة بحد ذاتها. يرغب الموظفون في العمل هناك لأنّهم يستطيعون الافتخار بذلك الاسم الكبير. لكن لسوء الحظ يسود لدى الناس (الزبائن تحديداً) خارج المنظمة رأي مختلف. إنّ موظفي هذه الشركة كثيراً ما يعاملون الزبائن بجفاء وباستخفاف. مثلاً حتى لو كان نظام المحاسبة المختلّ لدى شركتهم شركة يحمّل أحد الزبائن أربعة أضعاف فاتورته الحقيقيّة فإنّ الموظّفين يعاملون المشتكي وكأنّ الغلط غلطه.

والآن، بسبب الظروف الاقتصاديّة، تريد شركة "نحن أو لا أحد" أن تقلّص حجم قوّتها العاملة.

هل عليها القيام بالترشيق على طريقة رامبو؟ أم عليها اللجوء إلى استفتاء آراء المديرين الذاتيّة حول من ينبغي أن يبقى ومن ينبغي أن يرحل؟ هل تُلغي أقساماً بحالها؟ وبما أن شركة "نحن أو لا أحد" ذات أقدمية فإنّ غالبية العاملين المستغنى عنهم سيكونون فوق الأربعين وهو أمرٌ يزيد احتمال تعرّضها لدعوى قضائية جماعيّة باهظة التكاليف، فما العمل؟

إن الترشيق بطريقة رامبو سيكون غلطةً فادحةً بعيدة المدى. أجل سيتقلّص جدول الرواتب ولكنّ الموظفين أصحاب المهارات وعديميّ المهارات سيلقون المصير ذاته. الموظفون المهتمّون بالعملاء والموظّفون غير المهتمّين بالعملاء سيرحلون معاً. سيتقلّص جدول رواتب "نحن أو لا أحد" ولكن النزيف المنهك سيستمرّ مثلما كان أو أشدّ.

والآن كيف يختلف الترشيق الذكيّ عن ترشيق رامبو؟
أولاً، ستبدأ شركة "نحن أو لا أحد" بتمحيص نفسها وأن تحسب حساباً منصفاً دقيقاً التبعات الماليّة التي يلحقها تردّي خدمة الزبائن بعملها المستقبليّ.

بعد ذلك تقوم برسم مخطّطات وظائف أساسية key job profiles تضمّ المقدرات التقنية اللازمة للقيام بالوظيفة وكذلك مقدرات خدمة العملاء التي تريد اكتسابها والمحافظة عليها. وبعد إنجاز ذلك تتقدّم إلى الخطوة التالية.

تقييم كل فردٍ من الموظفين على ميزانٍ موضوعي واحد:
استخدم الغربال بدل المدفع الرشاش
بعد مرحلة الإعداد السابق ذكرها من تمحيص المؤسسة لنفسها ووضع مخطّطات الوظائف key job profiles المبيّنة للمقدرات والمؤهلات المطلوبة الآن ومستقبلاً، سيتم تقييم أداء كل فردٍ من الموظفين تقييماً موضوعياً باستخدام قائمة المؤهلات المطلوبة كمعيارٍ مستهدف. مثلاً: يمكن أن تقيّم المهارات الخاصة بمعاملة الزبون من خلال جمع نماذج سابقة من الخدمة (تشبه هذه العملية ما يجري في مقابلات الأحداث أو المواقف السلوكيّة behavioral event interviewing)، ومراجعة تقييمات الأداء performance appraisals (حسب ما تحتويه من معلومات تخدم الغرض المطلوب)، وإجراء اختبارات، ومسوح استطلاعية، إلى غير ذلك.

سر النجاح يكمن في تقييم مجموعة مهارات كل موظف باستخدام معيار موضوعي يستند إلى خطة المؤسسة التكتيكيّة. والنتائج الخاصة بكلٍ من الموظفين ستقدّم بعد إخفاء الأسماء إلى ثلّة من المديرين ذوي المقدرة والخبرة كي يراجعها كلٌ منهم مستقلاً. بعد ذلك، الموظّفون الذين يلبّون المخطّط سيُحتفظ بهم. وأمّا الذين لا ينطبق ما لديهم على المخطّط فإمّا أن يعاد تعيينهم في مواقع اخرى وإمّا أن يُستغنى عنهم.

يمكن إجراء الترشيق الذكيّ استناداً على مهاراتٍ مختلفة، كالمهارات التحليلية من أجل تعزيز حضور الموظفين المهرة في حل المشكلات، أو على المبادرة من أجل تعزيز تحسين العمليّات، أو على عمل الفريق لتطوير علاقاتِ عملٍ داخليةٍ افضل، أو على الإبداعية لاستحثاث الأفكار والتصميمات الجديدة... وتستمر القائمة وتتنوع بتنوّع احتياجات وظروف المؤسسات.

لا ماذا تعمل، بل لماذا وكيف ستعمل، ذلك هو السؤال:
النتائج الباهرة المفترضة للترشيق الذكي ينبغي أن لا تنسينا أن هنالك ثمناً لا بد من دفعه. ينبغي على قسم الموارد البشرية أن يكتسب ويعزّز المهارات اللازمة لمساعدة المديرين في تحليل وتوضيح المهارت التي تشتدُّ الحاجة إليها. ينبغي أن يصبح القسمُ مقتدراً محنّكاً في القياس الدقيق للكفاءات (الكفاءات الحقيقيّة اللازمة لكل حالة، وليس المجمّعة كيفما اتفق) وأن يدير العملية بمهنيّة عالية.

و على المدراء ثمنٌ لا بدّ من دفعه أيضاً. ينبغي أن يتحلّوا بالصبر على الخوض في تفاصيل الترشيق الذكيّ، وأن يخصّصوا جزءاً من طاقتهم والتزامهم لضمان سير العملية كما ينبغي، وأن يكونوا قادرين على رسم المستقبل بوضوح على مستوى الموظفين الأفراد.

حصيلةُ كل الاستعدادات والخطوات المذكورة هي عمليةُ ترشيق ذكي. وبكلماتٍ اخرى:
مهارات الموظفين يتمّ تنسيقها بذكاء لتكونَ مواتيةً لأهداف المؤسسة. وفي المحصلة النهائية يؤدّي هذا المسلك إلى عددٍ أقلّ من الموظفين المضغوطين بأعباء مضاعفة (لأنّ كل موظفٍ يتمتع بمهارةٍ عالية)، وتقلّب عمالة أقلّ (لأنّ مستوى الرضا الوظيفي مرتفعٌ لدى الجميع تقريباً)، وأخطاء أقل وجودةٍ أعلى.

والسؤال النهائي الذي ينبغي على كل المعنيين بالعملية الإجابة عليه هو التالي:
هل توفير ما بين 20% و 50% من جدول الرواتب يستحقّ عناء التحوّل من تقليص العمالة بأسلوب رامبو إلى أسلوب الترشيق الذكيّ؟