هدد والده بالعمل في "بار" فمول دراسته.. فشل طبيبا ونجح تاجرا



قبل طفرة العقار.. كان لسان حاله حفنة من الملايين، أما اليوم فتتجاوز استثمارات شركاته مجتمة 115 مليار درهم، معظمها للذارع العقارية في مجموعته "داماك القابضة "، التي تقبض في كفها على شركات عدة، تعمل في حقول الاستثمار والصناعة والخدمات المالية والتأمين والنفط، وتتوزع أعمالها على عشرات الدول حول العالم.
هذه الاستثمارا ت فعلها حسين سجواني من 100 الف درهم كسبها من عمولة إحدى الصفقات التي غيرت مجرى حياته إلى الابد .
ومع أنه كان من أكسل طلاب المدرسة الإبتدائية ، تخرج من جامعة امريكية , ورغم خساراته المتواصلة في عالم التجارة ، اختار له القدر ان يمتلك اليوم واحدة من كبريات الشركات العقارية الخليجية ‘ فعندما لاتعرف طعم اليأس يقول حسين "ستواص ل المسير ، وعندما يواجهك جدار صد يستحيل إزاحته ، غير المسار ".
إلى رئيس داماك القابضة الإماراتية حسين سحواني وأبرز مححطات حياته .

الوالدان: بائعا قماش وأقلام
صرخته الأولى كانت إماراتية ضمن أسرة ضمته وأختين وأخين. عائلة فقيرة الحال، تكدح لأجل لقمة العيش، الوالد تاجر، والوالدة كذلك، إلا أن الأم هي الأكثر تأثيراً في الطفل حسين سجواني. فيذكر سيرتها بدقة وهي بنت خمس عشرة فيقول عنها:
"مارست والدتي الأعمال التجارية منذ الخامس عشرة من عمرها وكانت تقوم ببيع الأقمشة بالمفرق لأنها كانت ترفض أن ينام الصغار من دون عشاء، وسرعان ما نجحت في تحويل المنزل إلى "ورشة خياطة"، فدفع نجاحها اخواتها البنات ثم الجيران إلى تقليدها، حيث امتهنوا الحرفة نفسها، الأمر الذي دعا والدتي إلى استيراد القماش من ابن عمتها في قطر لتحافظ على الصنعة، وتفردت بالسوق من خلال نوعية القماش المستورد وجودته وعملت "قرشين حلوين".

المعلم الآخر في حياة حسين رجل أمي لايجيد القراءة ولا الكتابة، هو والده: عسكري بطبعه، صارم، دقيق، يعمل من السابعة صباحا وحتى منتصف الليل، تتخللها فترة قيلولة لا تتجاوز 25 دقيقة، ويقول فيه الابن:
"بدأ والدي بتجارة الأقلام والساعات، ومن محل واحد امتلك في فترة وجيزة أربعة محال تجارية، وعندما بدأت طفرة النفط عام 1971 تحول للعمل في العقار والأسهم ، واستمر في هذه الطريق حتى وفاته عام 2001 . خلال تلك الفترة كان ينتهج طريق شراء الأراضي ويشيد عليها مباني مؤلفة من أربعة طوابق، يبيعها أو يؤجرها، وجمع ثروة كبيرة بهذه الطريقة توزعت من بعده على الورثة.

موقع الطفل في العائلة
في هذه الأسرة العاملة كان حسين أمام تحديين، الأول العمل ومساعدة الوالد لكونه أكبر إخوته، والثاني مواصلة التعلم بموازاة العمل، وربما في هذه الصورة التي يرصدها حسين مؤشر على هذين التحديين:
"عملت في طفولتي بأحد المحال التجارية التابعة لوالدي، أمسك الكتاب بيدي وعندما افرغ من تقديم المساعدة لزبون ما، أقلب إحدى الصفحات واستمر على هذا المنوال حتى يمضي النهار ، أعمل واقرأ ، إلا انني كنت من أكسل التلاميذ وأتذكر أن ترتيبي من بين ثلاثين تلميذا في صفي كان الـ 26 ، وذلك لمدة ثمان سنوات متواصلة، وكنتيجة لذلك طالبني والدي بترك المدرسة والعمل معه في محاله التجارية، إلا انني رفضت، ووقتها بدأت بوادر أزمة وخلاف كبير تجتاح علاقتي مع الأب. وفي المرحلة الثانوية حققت قفزة نوعية على مستوى الدراسة انتقلت من خلالها إلى المراحل الثلاث الأولى وأنهيت الثانوية بتفوق".

بين دبي وعاصمة الرشيد وأمريكا
توجه السجواني بعد الثانوية إلى عاصمة الرشيد بغداد ، وهناك فشل في دراسة الطب البشري، ومن أسباب فشله وصوله متاخراً عن افتتاج الجامعات لمدة شهرين كما أن لغته الإنكليزية خانته فشطبت الحكومة الإمارتية اسمه من بعثتها فعاد الى دبي.
يقول حسين "كان في انتظاري شيء واحد هو طلب والدي مني ترك الدراسة والانخراط في عالم التجارة، فرفضت وحزمت أمري بمغادرة البلد واتمام دراستي في امريكا.
1000 دولار أمريكي وتذكرة سفر على الدرجة السياحية ورفض من الوالد، هذا كل رصيد حسين قبل ساعات من سفره، ثم فجأة يحصل على التمويل المطلوب بخطة ذكية.
حاور الأب ابنه في تلك الليلة سائلا إياه: ماذا ستفعل لتمويل دراستك، فأجابه بكل سرعة وحزم، سأعمل في أحد "البار ات" فما كان من الوالد إلا أن قدم لابنه مايلزمه خشية انزلاقه لهذه النوعية من الأعمال.
يعلق حسين "إن فكرة أن تدرس بـ1000 دولار في أمريكا جنونية للغاية، وكان لابد أن احتال بكلامي على والدي لأحصل على ما أريد، خاصة أني ادرك نقطة ضعفه جيدا وأعرف أيضا مستواه الديني وعمق إيمانه ".
في الولايات المتحدة (لأنه يدرك تماما أن اللغة افشلته في بغداد)، اجتهد حسين في دراسة اللغة الإنكليزية حتى اختصر المدة المطلوبة، كما أسهب في الدورات الجامعية التدريبة فاختصرها هي الأخرى من 9 أشهر إلى ثلاثة وبنتائج لافتة، ما دفع بسفارة بلاده إلى تقييد اسمه في سجل بعثاتها في أمريكا.
درس في كلية الهندسة الصناعية، وتخرج منها ثم ذهب الى العاصمة الإماراتية أبو ظبي وعمل كموظف عادي لمدة سنتين في شركة "غازكو م" ، وبعد صفقة مثيرة استقال، وأسس شركة خاصة.
الدراسة والعمل مهدا للثورة الدولارية
يصف حسين سجواني حالات عمل مهمة في حياته، من بينها عمله في المحل التجاري لوالده عندما كانت العائلة تخرج في اجازتها الشهرية، وهذه كانت تصادف المرحلتين الابتدائية والاعدادية .
أما عن أيام الثانوية فيقول حسين: "كنت أبيع الشوكولاته للأولاد، اشتري كرتونة بعشرة دراهم وأبيعها ب 12 درهما بالمفرق، أما في بغداد وأثناء الجامعة فكان النظام الاشتراكي يمنع تداول بعض المواد في السوق المحلية، وكانت متوفرة في الكويت، وقد طالبني بعض الأصدقاء باحضار بعضها: كماركات خاصة من الصابون والعطور ومعجون الأسنان وكان يسمح لي بادخالها لكوني طالبا أجنبيا ووجدت في تلك التجارة ما يعينني في دراستي، ووسعت العمل من خلال مستحضرات تجميل للنساء".

من بائع قطع شوكولاته إلى ملياردير
في آخر سنة من الدراسة في الولايات المتحدة عُرضت على حسين فكرة نظام "المشا ركة بالوقت" في العقارات، وحصل على وكالة من إحدى الشركات الأمريكية، على إثرها، و في صيف 1981 زار الإمارات ليجرب الفكرة على أرض الواقع. طرق العشرات من أبواب المنازل في منطقة الجميرا بدبي وأقنع الناس بها، وكسب منها عمولة 100 ألف درهم كانت أساس ثروته القائمة اليوم.
اشترى حسين بهذا المبلغ أسهما في عدد من البنوك المطروحة للاكتتاب تلك الأيام ونمت ثروته إلى 180 ألف درهم فأسس بعد التخرج شركة (كترين) لخدمات شركات النفط، وسلم إدارتها إلى شركة بريطانية لكنها أفشلته وفتحت في جسد شركته نزيفا من الخسائر كان على حسين أن يتصدى له فاستقال من "غازكو م" وجاء لترتيب شركته من الداخل فطرد الإنكليز وقلص النفقات وخلال سنة استردت الشركة عافيتها وبدأت تربح حتى صارت لها فروع عدة سنة 1988 في عدد من الدول الخليجية.
نزيف الوجبات السريعة

يقول حسين "بعدها قمت باستقطاب وكالات لأربعة مطاعم للوجبات السريعة من أمريكا إلا أن دخول شركات كبيرة وضخمة (ضربت) أعمالنا حيث جاءت شركة "موارد " السعودية وضخت 500 مليون درهم في السوق وكان رأسمالنا وقتها 20 مليون درهم ، لم نستطع الصمود ولم افضل المناطحة لانني أعرف تماما وزني وثقلي وغيرت الدفة للسير على وجهة اخرى، كلانا خسر نحن والأمير السعودي، أغلقنا المحال وأرجعنا الوكالات لأصحابها.
وتضحك الظروف في وجه حسين من جديد.. ففي عام 1994 بدأت دبي تسجل تحركا سياحيا كبيراً بفضل عائدات النفط، وكانت العمالة الأجنبية فيها ترسل برسائل وتعطي انطباعات ممتازة للساكنين في بلادهم، فبدات موجة سياحية كبيرة نحو البلاد، استغلها سجواني في بناء فنادق3 نجوم تركزت معظمها في ديرة ، وكان يبيعها بسهولة، حتى ضمن من خلالها ثروة جيدة. وأعطته أرباح تلك الفنادق بطاقة الدخول إلى سوق الأسهم حيث كانت عيناه عليها دائما.
الكر و الفر

ويقول سجواني السوق العمانية حظيت باهتمامي عام 1996 فدخلتها واضفت على ثروتي المزيد هناك ، فقد عرفت كيف العب أوراقي ، بعت كل شيء وخرجت نهاية 1997 ، وأنهارت السوق بعدها بأشهر ، وحولت أموالي إلى سوق الأسهم الإماراتية وكان الوقت مناسبا للغاية فالطفرة هنا كانت في بدايتها وربحت الكثير" .
ويسرد "عدت إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأغراني عالم الإنترنت الذي كان يعيش مجده خليجيا وعربيا ، ففي عام 2000 التقيت كبريات الشركات، وبدأت العمل في تجارة الإنترنت، وأسست مكتبا في سان فرانسيسكو ، وآخر في لندن وفي أول سنتين "طاح " الإنترنت وخسرت، وعرفت حينها ان الاستثمار في هذا القطاع ليس ذا جدوى. أغلقت مكاتبي وعدت أدراجي".
عام 2001 توفي والد حسين، وورث منه مالاً وفيراً ، يرفض حسين تحديد قيمته، إلا انه يؤكد أن تلك الثروة لم تساو إلا جزءا بسيطا مما كان عنده.
العقار .. لعبة حسين الأكثر إثارة

في عام 2002 بدأت "اعمار " العقارية ببيع الشقق وكان الإقبال على المشاريع العقارية لافتا للغاية، ويتم بيع أي مشروع في ساعات مهما بلغ من الكبر والقيمة، فعرف حسين رجل الكر والفر انه وقت العقار بامتياز : "أعجبن ي هذا النوع مباشرة، وأدركت أهمية هذه السوق، وعملت سنة كاملة حتى حصلت على أراضي في دبي، وكنت أول من دخل السوق، وأنت تعرف اليوم أين موقعنا في العقار " .
يعرف المهتمون والمراقبون جيدا موقع حسين سجواني وداماك العقارية في سوق العقار فالشركة لديها أكبر استثمارات القطاع الخاص في دولة الإمارات إذ تبلغ 100 مليار درهم، وليس فيها شريك واحد، وهي شركة خاصة لاينوي مالكها طرحها للاكتتاب في الوقت الراهن، وتتوزع أبرز مشاريعها على الإمارات، السعودية، قطر، الأردن، مصر وغيرها

عاطفته وأطفاله
سؤال يأخذنا بعيدا عن عالم المال والأعمال، قصدت منه الإمساك بطرف الخيط الذي يقودني إلى الجانب العاطفي في حياة مضيفي، إلا أن حسين (يلف ويدور حول السوؤال باجابة دبلوماسية) فليس في قلب الرجل كما قال امراة ، قلبه مليء بحب الله لا ينازعه عليه حب أي شيء آخر .
يلتفت حسين إلى ابنه الصغير عباس على جانبه، فيقول: "الجاس وس موجود وكل الكلام سيصل لأمه".
ككل الناس الحب اعتمر قلب حسين لكنه لم يشأ ان يفصح عن زمانه ومكانه، هل في دبي، أم في أمريكا، أم كما فعلها الراحل نزار قباني مع بلقيس في بغداد ؟
يعطي سجواني لزوجته وأطفاله الثلاثة من وقته 50 إلى 60 % أيام العطل، وشهراً من الراحة والاستجمام كل عام ، ولأمه واخوته جلسة واحدة اسبوعيا على طاولة غداء او عشاء.
يسَّر الله لاخوته وأمه كما له أمرهم، وهم ليسوا بحاجة مادية إليه، فالكل ورث من الوالد ما يكفيه والآن لديهم تجارتهم و "البزن س الخاص" .
لا أطمح للمناصب.. ولافائدة من "فوربس "

يقول سجواني طالما أحب العمل والنجاح فسأواصل العمل وثروتي ستتضاعف، سنعمل في كل مكان، حتى في العراق سنوسع أعمالنا، حالما تسمح الظروف السياسية والأمنية بذلك (وبحسرة) صدام أرجع العراق 500 عام إلى الوراء و كذلك (ماقصر الأمريكيون ).
لايطمح حسين لأي منصب سياسي في الدولة ولايرغب ان يكون وزيرا للاقتصاد مستقبلا، لكنه لايغلق الباب أمام أي منصب اقتصادي في واحدة من شركات الحكومة اذا طالبته بذلك..
خلال ساعة وأنا اقتنص أي فرصة لأسرق منه رقم ثروته إلا أنه أظهر براعة بالمناورة والاحتفاظ على السرية.
وسألته عندما تنظر إلى قائمة "فوربس " لأغنياء العالم أين تصنف نفسك؟ فقال: أنا لا أهتم.
وحول دعمه للجهات الخيرية وأعمال البر؟ قال هذا سري بيني وبين ربي لكني أتبرع أكثر من الآخرين.
وعمن من رجال الأعمال والشخصيات المعروفة يغار منهم سجواني؟ أجاب: الذي يصوم ويصلي أكثر .
وأخيرا نسأله: هل أعطاك الله ما تستحق؟ فيجيب: أكثر مما استحق 1000 مرة.
ومع كل هذه النعم وابدائك ايمانا وتمسكا بالدين وفضائله.. لماذا تتعامل مع البنوك وتمول مشاريعك بقروضها؟ أليس القرض العقاري حراما!!
(يتوقف لبرهة) ثم يختم: "متطلب ات الحياة وضرورات العمل تقتضي هذه النوعية من التعامل، ونحن نلجأ للبنوك الإسلامية وغيرها".