يحتاج المديرون دائما إلى رصد لردود أفعال مرؤوسيهم حيال القرارات التي يتخذونها حتى وإن كانت ردود الأفعال هذه لا تخلو من الغلظة والفظاظة والانحياز- وكثير منها يكون كذلك لكن المهارة الإدارية هنا تتمثل في تعلم استخلاص وتحليل ما هو مجد ومفيد من بين كل ذلك وتحويله إلى شيء يمكن استخدامه.
من خلال عملنا مع مئات التنفيذيين اكتشفنا عددا من المديرين هم في الحقيقة يشبهون الكيميائيي ن المهرة ويمثلون عملة نادرة بحق, يميلون لاستخلاص الذهب من القول وتحويل المادة الخام من ردود الأفعال المرتدة إلى الإدارة إلى ما يمكن أن يكون مفيدا وإيجابيا. ويأخذ سلوكهم بعض أنماط يمكن للمديرين الآخرين أن يتعلموا منها.
وسواء كانت ردود الأفعال الراجعة هجومية من ناحية شخصية أو غير واضحة أو غير كاملة أو بلا هدف أو مبالغاً فيها أو غير قابلة للاستخدام- وسواء جاءت من رؤساء أو مرؤوسين- فإن ردود الأفعال هذه يمكن أن تكون سامة إذا أخذت كما هي ويمكن أن تكون قاتلة للحافز بصورة كبيرة وضارة بثقة المديرين ومؤدية إلى الشلل، ويمكن أن تدفع المديرين إلى تضييع الوقت حول القضايا الخاطئة، وذلك على سبيل المثال بمخاطبة مواطن الضعف غير المهمة في أدوارهم الحالية.
إن ردود الأفعال تبدو وكأنها تخدر بعض الناس وتنومهم مغناطيسياً ، فهم يصبحون مهووسين بها. ويتعامل مديرون آخرون معها بتجاهلها أو بأن يصبحوا دفاعيين، ويمكن أن يقودهم تجاهلها إلى صرف النظر عن كل الآراء السلبية عن أنفسهم، وفي النهاية، ينقطعون عما يظن الناس المحيطون بهم ويشعرون فعلاً- ويمكن أن يكون اتخاذ الموقف الدفاعي أكثر خطورة لأنه يغضب وينفّر الذين يمكن أن يعطوا ردود أفعال راجعة ويعزز آراءهم السلبية.
أما الكيميائيو ن السحرة الذين تحدثنا عنهم فيمكنهم أن يتجنبوا تلك المصائد ويتعلموا حتى من الملاحظات الأكثر ضرراً أو غير المجدية حسبما يبدو، فطريقتهم تملك عنصراً مثيراً للعواطف يمكنهم من إدراك وإدارة ردود فعلهم الغريزية، وتملك عنصراً معرفياً يسمح لهم باستخلاص المعلومات المفيدة بذكاء، فهم لا يصبحون مهووسين بردود الأفعال أو يتجاهلونها تماما وتكون النتيجة أنهم يميزون الرسالة من الناقل ويركزون على المعلومات التي يحتاجون إليها للمشكلات التي يواجهونها. وهم يستطيعون أن ينظروا إلى ما يتجاوز المعنى الحرفي ويعثروا على البيانات القيمة حول تصورات الناس وفرضياتهم ومواقفهم. وهم يستطيعون التركيز على مواطن قوتهم ووضع الرسائل السلبية في سياق ردود الأفعال الإيجابية التي يكونون قد تلقوها في الماضي.
إن كيميائياً ساحراً من هذا النوع- وسنسميه توم- هو مدير خدمة الزبائن في شركة إلكترونيات كبيرة مقرها في الولايات المتحدة، فقد شكا مرؤوس، مراراً، من تعامي توم الواضح عن أداء سيء في تقرير مباشر آخر، يقول له في النهاية إن "بعض الناس" يعدون تراخيه في التصرف مؤشراً على أنه لا "يملك الشجاعة لمواجهة الأوضاع الصعبة". ويقول توم: "إن رد الفعل هذا كان إهانة لقيادتي. وفي الحقيقة فإن توم كان يعمل وراء الكواليس لتدريب المقل في أدائه. وهنا يقول توم: "رغم كل ذلك، فإن رد الفعل الراجع ساعدني فعلاً". ويقول إن رد الفعل علمه أن يتمعن بعناية في الآثار السلبية المحتملة لتصرفات لم يقم بها، ومع أنه انزعج من الاتهامات، فإن توم تحكم بمشاعره ولم يستجب بشكل دفاعي، وكانت ردود الأفعال الراجعة تشمل معلومات مهمة عن تصورات الأشخاص الآخرين عن تصرفاته، واستخلص الرسالة القابلة للاستخدام واستطاع تغيير سلوكه.