هو كتاب بيعت منه ملايين النسخ. مؤلف الكتاب هو جيم كولينز والذي عمل أستاذاً في جامعة ستانفورد الأميركية المعروفة، وهو يدير حالياً مركزه للأبحاث الإدارية. يتميّز الكتاب بأنه خلاصة بحث قام به فريق بقيادة جيم كولينز واستمر خمس سنوات. والهدف من هذا البحث هو الوقوف على الأسباب التي تجعل الشركات تنتقل من المستوى الجيد إلى المستوى العظيم.
وكما كتب بيتر فز دراكرفي صحيفة “يو. أس.أي توداي” الأميركية أنه “كتاب لن يطيق المدير التنفيذي صبراً لشرائه”. وقالت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية عنه: “الفارق هو في سعي السيد كولينز الحثيث للوصول إلى خلاصات بسيطة. إنها مبنية على سنوات من الأبحاث العلمية المفصلة وهي شديدة التأثير في التوصّل إلى نتائج غير متوقعة”. وكتبت صحيفة “وال ستريت جورنال” الأميركية عن الكتاب: “من خلال كتابي “جيد إلى عظيم” و”مبنية لتعمّر طويلاً”، يقدّم السيد كولينز رسالتين مغريتين: أن الإدارة العظيمة سهلة المنال للأناس العاديين، وأن القائمين عليها يمكن أن يبنوا مؤسسات عظيمة. إنه بالضبط الأمر الذي نحن البشر الهالكون بحاجة لسماعه”.
و”مبنية لتعمر طويلاً”، هي الدراسة التي تحدد ماهية الإدارة في التسعينات، وهي تظهر كيف أن الشركات العظيمة تنتصر على الوقت وكيف أن الأداء المستدام على المدى الطويل يمكن أن يتحول هندسياً إلى حمض نووي للشركة من البداية. لكن ماذا عن الشركات التي لم تولد بحمض نووي عظيم؟ كيف يمكن للشركات الجيدة، والشركات المتوسطة، أو حتى الشركات السيئة، أن تحقق عظمة مستدامة؟
لسنوات، حام هذا السؤال في ذهن جيم كولينز. هل هناك شركات تتحدى الجاذبية وتحول الوسطية طويلة الأمد – أو الأسوأ- إلى عظمة مستدامة؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هي هذه المميّزات العامة التي تدفع بالشركة إلى الانتقال من الجودة إلى العظمة؟
المعايير
باستعمال المقاييس القاسية، قام كولينز وفريقه بتحديد مجموعة من الشركات الخاصّة التي حققت بقفزتها نتائج عظيمة والتي نجحت في الحفاظ على تلك النتائج لخمس عشرة سنة على الأقل. بأي قدر كانت عظيمة؟ بعد القفزة، وانتجت الشركات “الجيدة- إلى-عظيمة” عائدات أسهم تتخطى سوق الأسهم المالية العامّة بمعدل سبع مرات في خمس عشرة سنة، أفضل مرّتين من النتائج التي حققتها مجموعة متنوعة من شركات العالم الأعظم، بما في ذلك كوكا كولا، جنرال إلكتريك، وميرك.
وقارن فريق البحث بين الشركات “الجيدة – إلى – العظيمة” مع مجموعة منتقاة بعناية من شركات المقارنة التي فشلت في تحقيق القفزة من الجيد إلى العظيم. ماذا كانت الاختلافات؟ لماذا قيض لمجموعة من الشركات أن تصبح عظيمة الأداء بكل المقاييس بينما بقيـت أخرى في دائرة “الجيد”. وعلى امتداد خمس سنوات، قام الفريق بتحليل تاريخ كل من الشركات الثماني والعشرين في هذه الدراسة، بعد أن غربلوا جبالاً من صفحات المقابلات وقد اكتشف كولينز وفريقه المفاتيح الأساسية للعظمة: كيف أن شركات معيّنة تحقق القفزة دون أخرى.
ما أهمية الكتاب؟
في الواقع إن السؤال الذي يطرحه الكتاب مهم جداً، لأننا كلنا نحب أن نعرف الأسباب التي تجعل شركة في حال مقبولة أو جيدة تنتقل إلى مستوى الشركات العظيمة. فمعرفتنا بهذه الأسباب يساعدنا على تطوير أنفسنا وتحسين أساليبنا الإدارية. والكتاب اعتمد في اختياره للشركات موضع الدراسة على النتائج المالية خلال فترة طويلة. فالشركات التي تم اختيارها استطاعت أن تحقق زيادة في أسعار أسهمها خلال خمسة عشر عاماً تزيد ثلاثة أضعاف عن زيادة مؤشر السوق. والدراسة لم تعتمد على هذه الشركات فقط بل تمت مقارنة هذه الشركات بشركات أخرى لم تستطع أن تحقق هذه القفزة. ففكرة البحث متميزة والجهد الذي بذل فيها كبير والنتائج كذلك مثيرة. والمثير أن الشركات الأحد عشر التي تم اختيارها ليست من الشركات التي تسمع عنها كل يوم بل ربما لم تسمع عن بعضها من قبل. ولكن هذه هي نتيجة البحث ونتيجة تطبيق القاعدة سالفة الذكر. فهذه الشركات استطاعت تحقيق طفرة كبيرة على مدار 15 عاماً ما بين عامي 1965 و1995 أي خلال أي 15 عاماً متوالية في تلك الفترة. وجميع الشركات موضع الدراسة هي شركات أميركية وذلك لأن الاختيار تم أصلاً بين الشركات الأميركية.
أي نوع من المديرين؟
أوضحت الدراسة أن هذه الشركات التي انتقلت من مقبولة أو جيدة إلى عظيمة كان وراءها مديرون أو بالأحرى قادة متميزون. ويوضح الكتاب أن سمات مشتركة تجمع هؤلاء القادة منها أنهم متواضعون ولديهم إصرار على النجاح. هذه نتيجة غريبة فأكثرنا -أو ربما كلنا- يتصور قائد شركة عظيمة كشخص لديه حضور إعلامي وشخصية شرسة واعتزاز شديد بالنفس. ولكن الكتاب أوضح أن التواضع مع الإصرار على النجاح هما السمتان الظاهرتان في هؤلاء القادة. فيمكنك أن تكون متواضعاً وأن تكون مديراً ناجحاً وليس بالضرورة أن تتخلى عن أخلاقك الرفيعة لكي تصبح قائداً عظيماً.
وهؤلاء القادة لديهم إصرار على النجاح ولكن النجاح المقصود هنا هو نجاح المؤسسة التي ينتمون إليها. فهم يريدون أن يحولوا شركاتهم إلى شركات عظيمة. هذا بعكس المدير الذي يريد أن يصبح هو عظيماً. ولا شك أنك رأيت مديرين كثيرين يحاولون تعظيم مكاسبهم على حساب شركاتهم. ولكن هؤلاء القادة يحبون أن يرتقوا بمؤسساتهم لا أن يصبحوا قادة مشاهير. وعليه، فإن هؤلاء القادة لا يحاولون الوصول إلى نجاح سريع مؤقت خلال فترة إدارتهم للمؤسسة بل يريدون أن تظل المؤسسة ناجحة على المدى البعيد حتى بعد أن يتركوها. ومع تواضعهم، فهم حازمون ولديهم القدرة على اتخاذ قرارات صعبة.
ويشير الكتاب إلى أن هؤلاء القادة يتميّزون بأنهم لا ينسبون النجاح لأنفسهم فلا يقول لك: لقد نجحنا بسبب قيادتي الباهرة، بل ينسبون النجاح إلى الآخرين أو للحظ أحياناً، مع أنك عندما تسأل من حولهم فإنهم يشيرون إلى دور هذا القائد المتميّز. وعلى العكس فهؤلاء المديرون ينسبون الفشل إلى أنفسهم. فكِّر في ذلك وفي من رأيت من مديرين وزملاء. لابد أن قلة منهم تفعل ذلك مع الأسف. وهذه أمور تجعلنا نفكر في أسلوب اختيار المديرين وكيف أن الشخص الذي يسعى من أجل مصلحة المؤسسة قد لا يصل إلى المناصب العليا، على عكس الشخص الذي يحب الظهور ولا يهتم لمصلحة المؤسسة.
اختيار المديرين أولاً
توصل البحث إلى أن أول اهتمام لهؤلاء القادة هو اختيار القادة أي فريق العمل الذي سيعمل معهم. هم لا يبدأون بالاستراتيجية بل يبدأون باختيار فريق عمل رائع جداً من منطلق أن الفريق الرائع يستطيع توجيه الشركة في الاتجاه الصحيح ويستطيع مواجهة الصعاب. وهؤلاء القادة يبنون فريقاً متميزاً من المديرين على عكس الشركات الأخرى التي يكون الأساس فيها مدير عبقري -على الأقل من وجهة نظره هو- ومعه فريق من المستمعين. هذه نقطة أخرى مهمة فهي تبين اهتمام هؤلاء المديرين بالعمل كفريق عمل. ويشير الكتاب إلى أن هؤلاء القادة يخلقون ثقافة عمل تسمح لمرؤوسيهم أن يبينوا لهم المشاكل. هذا على عكس ثقافة العمل التي يخشى فيها الموظف أن يواجه الرئيس بالمشاكل أو يبدي رأياً يخالف رأي رئيسه أو يبين له أن قراره قد أثر سلباً على العمل. هؤلاء يواجهون المشاكل ويريدون سماع الحقيقة ولو كانت مُرَّة. فهؤلاء المديرون يحبون النقاش المثمر ويحبون أن يتعرفوا على وجهات نظر مرؤوسيهم. فهم لا يديرون مناقشات ظاهرية بل هم يريدون مشاركة في التفكير ممن حولهم. ومما يشجع على خلق هذا الجو الصحي أنهم عندما يناقشون مشكلة، فإنهم يحاولون الوصول إلى كيفية التغلب عليها ومنعها مستقبلاً والتعلّم منها ولا يركزون على توجيه الاتهامات.
ثقافة الحرية مع الانضباط الذاتي
ويشرح الكتاب كيف أن المديرين في هذه الشركات لا يستطيعون تحديد حدث رئيس أدى بهم إلى الانتقال إلى الشركات العظيمة ولا يستطيعون تحديد اسم محدد لما قاموا به. ويخلص الكتاب إلى أن هذا التحوّل يتم عبر سنوات طويلة، ولكنه كما لو كنت تدير عجلة ثقيلة فعندما تبدأ في إداراتها تحتاج قوة كبيرة ثم لو استمررت في دفعها باستمرار في نفس الاتجاه، فإنها تدور بسرعة كبيرة. ويقصد الكاتب بذلك أن هذا النجاح يأتي نتيجة أعمال كثيرة متلاحقة ومتلاحمة ولكنها جميعها تدفع العجلة في نفس الاتجاه، أي تدفع الشركة في نفس الاتجاه الصحيح فيحدث التحوّل الكبير. وهذا يعني أن هؤلاء المديرين كان لديهم الصبر والإصرار والقدرة على مواجهة الصعاب. كما أن لديهم رؤية واضحة لما ينبغي أن يفعلوه وما لا ينبغي أن يفعلوه. وهذه الشركات تتميز بثقافة تمنح المديرين والموظفين الحرية لتجربة أفكار جديدة، ولكن مع وجود ثقافة انضباط ذاتي. فهذه ثقافة انضباط وليس ثقافة الخوف من المدير. وهذا يعني أن هذه الشركات لديها عمالة تتمتع بالانضباط الذاتي فهم يعرفون نطاق الحرية التي يتمتعون بها ويعرفون الأهداف العامة التي تحكم أفعالهم وقراراتهم.
وهذه الشركات تحدد اتجاهها باستخدام ثلاث دوائر. كل دائرة من هذه الدوائر تختص بسؤال محدد. فالأول: ما هو الشيء الذي يمكن أن نؤديه بحماس شديد؟ والثاني: ما هو الشيء الذي نستطيع أن نصل فيه إلى المرتبة الأولى عالمياً؟ والثالث: ما الذي يحرك ماكينتنا الاقتصادية؟ وتحاول هذه الشركات الوصول إلى الشيء الذي تستطيع أداءه بحماس وشغف، والشيء الذي تستطيع أن تبدع فيه والشيء الذي يحقق مكاسب اقتصادية. فهذه الشركات لا تكتفي بأنها تؤدي عملاً ما بشكل جيد وتحقق أرباحاً مقبولة بل تبحث عن ما تؤديه بشكل لا يؤديه به غيرها. إنها تركز جهودها في أنشطة محددة وهذه الأنشطة هي أنشطة تتحمس لها المؤسسة. ومن خلال فهم اقتصاديات الصناعة تتمكن هذه الشركات من تحقيق أرباح هائلة.
ومن النصائح التي يعطيها الكتاب:
1- التركيز الكبير على اختيار المديرين والموظفين. فهؤلاء المديرون يبحثون عن فريق العمل المتميّز قبل التفكير في الاستراتيجية. إنهم يؤمنون بأن فريقاً جيداً يستطيع تحديد الاتجاه ويستطيع مواجهة العواصف. وهذا الأمر يجعلنا نعيد النظر ونعطي كثيراً من جهدنا ووقتنا لعملية اختيار موظف جديد وعمليات الترقي واختيار المديرين. وأنظر إلى ما تبحث عنه فإنك تبحث عن أفراداً متميّزين لديهم حماس وانضباط. تبحث عن مديرين لديهم حب العمل في فريق ولديهم الرغبة في تحقيق النجاح.
2- النجاح يحتاج إلى صبر ومثابرة وتكاتف. فالأمر لا يأتي عن طريق فرصة واحدة تستغلها أو اختراع واحد بل هي عملية طويلة متكاملة. وهذا يبين لنا أهمية ألا يدير شخص العجلة في اتجاه، ثم يأتي زميله يحاول أن يديرها في الاتجاه المعاكس، ثم يأتي آخر فيريح هذا وذاك ويخلع العجلة من مكانها. إن التقدم لا يأتي من أناس عباقرة عمالقة وإنما من بشر مثلي ومثلك ولكنهم كلهم يديرون العجلة في نفس الاتجاه، وكلهم ينظر لها عندما تدور وهو فخور بها. إن التقدم يأتي من بشر مثلي ومثلك يضع أحدهم بذرة فيأتي الآخر فيرويها، ويأتي الثالث فيضع بذرة أخرى.
3- إن وصف مديري هذه الشركات يجعلنا نفكر في طريقة اختيارنا للمديرين. إن الكاتب يتحدث عن مديرين متواضعين ولديهم حرص وإصرار على نجاح المؤسسة نجاحاً باهراً. فهم لا يتباهون بأنفسهم ولا يبنون مجداً شخصياً وهم لا يرضون لمؤسساتهم بما هو جيد بل يريدون لها أن تكون عظيمة. فلنمحُ فكرة المدير المتعجرف سليط اللسان ولنبحث عن مدير متواضع يستطيع أن يبني فريقاً ويستطيع أن يجعل العاملين يبدعون.
4- إن ثقافة العقاب والتهديد لا تصلح للشركات العظيمة، فهي تتميز بثقافة الحرية مع الانضباط الذاتي. إن ثقافة المدير الفذ الذي يستطيع وحده معرفة الصواب في دقائق الأمور وعظيمها لا تصلح لهذه الشركات.
5- إن هذه الشركات لها شخصيتها، فهي لا تجري وراء كل صيحة ولا تفعل شيئاً، لأن كل الشركات المنافسة تفعل ذلك. إنها تحدد اتجاهها بناء على ما يمكنها أن تبدع فيه وما تحب أن تؤديه. ونحن علينا أن نختار ما يمكننا أن نبدع فيه كأفراد وكمؤسسات. علينا أن نختار كيف نقود مؤسساتنا في العالم النامي لتصبح شركات عظيمة.
6- الكتاب يبين أن في العالم الغربي من يحاول بناء صف ثانٍ قوي، ومن يهدف إلى بقاء شركته ناجحة بعد أن يتقاعد. هل يُعقل أن تجد الكثير من المديرين يحاولون تحقير مرؤوسيهم ليضمنوا البقاء في مناصبهم؟ هل يصح أن يحاول المدير إخفاء المعلومات عن مرؤوسيه لكي يظل هو الوحيد الذي يمتلك المعلومات؟ وإن كان لا يُعقل ولا يصح، فإن المصيبة الأكبر ألا تحاول المؤسسة محاربة هذا السلوك بل وقد يجد مثل هؤلاء فرصاً للترقي.
ربما لا تكون رئيساً لشركة وربما لا تكون مديراً كبيراً في مؤسستك ولكن يمكنك فعل الكثير. يمكنك أن ترتقي بعملك من جيد إلى عظيم. يمكنك أن تحّول جزءاً صغيراً جداً من مؤسستك من جيد إلى عظيم. ومن يدري ربما يوماً ما تصبح رئيساً لشركة كبيرة وتُطبِّق ما قمت به من قبل على الشركة كلها، ثم تكتب كتابا عن تحوّل شركتك من جيدة إلى عظيمة.
شركات فشلت وأخرى من جيد الى عظيم
أهمية الكتاب أنه يقدم معالجات مهمة حول أسباب نجاح شركات كبيرة ، وفشل أخرى عبر مقارنات مقننة بين إحدى عشرة شركة من 500 شركة ناهضة. لقد توفر في هذه الشركات الـ11 شرط أساسي، وهو النجاح التصاعدي في العائد على الأسهم لمدة 15 عاماً، بينما سجلت شركات أخرى تماثلها في النشاط وتخلّفها في الإنجاز، انحداراً في العائد على الاستثمار. وغرض المقارنة هو كشف الخصائص المتشابهة والخصائص التي تفردت بها الشركات ناجحة الأداء. وأبرز ما عرضه الكتاب هو مجموعة نقاط ثمينة من بينها التقليل من دور القيادة، إذ يؤكد الكاتب أن القيادة عامل واحد من ضمن عوامل أخرى هي: الثقافة، الموارد البشرية، التقنية، تقرر نجاح أو فشل المنظمة. ويدعو المؤلف جيم كولينز إلى تجاهل دور القيادة لكي لا يحرم الباحثون والمطوّرون من نعمة التبصّر في العوامل الأخرى، لأن القادة العظام موجودون حتى في المنظمات الفاشلة. كما يدعو إلى التقليل من دور التقنية، فمن خلال 84 مقابلة أجريت مع المديرين التنفيذيين من جيدين إلى ممتازين، لم يذكر 80 في المائة منهم التقنية كأحد أهم العوامل الخمسة في النجاح المتميّز. وهذا صحيح حتى في الشركات المشهورة بريادتها في تطبيق التقنية كشركة نوكور
التقليل من دور التغير
يقول جيم كولينز إن تصوّر فكرة التغيّر هو السبب الرئيس في هبوط الشركات التي حققت مرة العظمة “أو الحالة المتوسطة المتكررة للآخرين” هي فكرة بلا دليل يؤيدها. ومن المؤكد أن أي شركة لا يمكن أن تظل متراخية ثم تأمل أن تكون عظيمة، ولكن التقنية بحد ذاتها لم تكن قط سبباً أساسياً لأيٍ من الصعود أو الهبوط.
تقليل فاعلية الاستقطاب من خارج المنظمة: يذكر المؤلف أن عشرة من بين أحد عشر من المديرين التنفيذيين من جيد إلى ممتاز يأتون من داخل الشركة، بينما الشركات التي تمت مقارنتها غالباً ما جرّبت مديرين تنفيذيين من خارج الشركة لست مرات. وحتى يكون عامل القيادة فاعلاً ومؤثراً في المنظمة عليه العمل بالآتي:
الاتصاف بالتواضع والنزاهة، والبعد عن الخوف وعدم الاستسلام للضغوط، كما فعل الرئيس الأميركي إبراهيم لنكولن ورئيس شركة “غليت”. فالقائد ليس بالضرورة شخصية فذة.
وينبه كولينز الى أن الاختيار الصحيح للموارد البشرية هو الثروة الحقيقية لأية مؤسسة، لكن قبل التفكير في بنائها، يجب اختيار الأشخاص الذين يستحقون العمل فيها. ويقول إن القائد الناجح لديه اليقين بالنجاح، وإن الإبداع يتفوق على الأقدمية، إذ أن ممارسة الفرد لمهنة مدة طويلة لا تعني أنه أفضل من يؤديها. وكذلك إن القائد الناجح يخلق ثقافة الانضباط الذاتي، بدلاً من أساليب الترهيب والترغيب، وتكون لديه قدرة على التوظيف المتبصر للتقنية. وينصح الكاتب أن يكون التغيير مرحلياً وطبيعياً وغير دراماتيكي. ويشير الى أن للقياديين خمسة مستويات، ففي كل شركة “جيدة ـ إلى ـ عظيمة” لديها قيادة ذات مستوى «5» أثناء السنوات الانتقالية المحورية.
ويشير مستوى «5» إلى تسلسل هرمي ذي خمسة مستويات من القدرات التنفيذية، يكون مستوى «5» في أعلاها. ويجسد القادة عند مستوى «5» خليطاً متناقضاً من التواضع البشري والإرادة المهنية. ومن المؤكد أنهم طموحون، ولكنهم في المقام الأول طموحون لأجل شركتهم لا لأنفسهم. ويعدّ القادة عند مستوى «5» أتباعهم لتحقيق نجاح أكبر في الجيل التالي، بينما القادة عند مستوى «4»، المرتكزون حول ذواتهم، غالباً ما يعدّون أتباعهم للفشل. كما أنهم يتصفون بالتواضع والتفهم والاهتمام ببناء الذات.
وفي المقابل، فإن ثلثي الشركات التي تمت مقارنتها كان قادتها ذوي اهتمام شخصي بأنفسهم، مما أدى إلى تدني حالة تلك الشركات. والقادة عند مستوى «5» مدفوعون بحماس لتقديم نتائج دائمة، وهم عازمون على القيام بما من شأنه أن يجعل الشركة عظيمة، بغض النظر عن مدى كبر أو صعوبة القرارات التي يتخذونها، وهم جادون في عملهم لا متظاهرون بالعمل. وهم يعزون النجاح إلى عوامل مهنية لا إلى أنفسهم. وعندما يكون أداؤهم سيئاً فإنهم يلومون أنفسهم، ويتحملون كامل المسؤولية عن ذلك.
أما المديرون التنفيذيون للشركات غير الناجحة فيفعلون العكس، إذ يعدون النجاح أمراً مضموناً، ولكنهم يلومون الآخرين بسبب النتائج الفاشلة. وأحد الاتجاهات الأكثر تدميراً هو الميل “لاسيما ميل مجالس الإدارات” إلى اختيار قادة باهرين يخطفون الأبصار، مع عدم التدقيق في اختيار قادة قديرين عند مستوى «5».
والقادة القديرون عند مستوى «5» موجودون حولنا، إذا علمنا ما نبحث عنهم، والعديدون لديهم القدرة على الانتقال إلى مستوى «5» للقيادة. ويعزو القادة عند مستوى «5» الكثير من نجاحهم إلى الحظ لا إلى عظمتهم كأشخاص.
والنقطة الأساس هي ليست فكرة الحصول على الموظفين المناسبين في فريق العمل، بل إن الإسئلة عن “مَن”(who) تأتي قبل القرارات التي تسأل عن “ماذا” what،أي قبل تحديد الرؤية، والاستراتيجية، والهيكل التنظيمي، والخطط التكتيكية. أولاً “مَن” ثم “ماذا” وفق ما يمليه أي نظام شديد يتم تطبيقه. والشركات التي تمت مقارنتها تتبع نموذج “العبقرية مع آلاف المساعدين”، وهو قائد عبقري يضع رؤية وقائمةً بطاقم من المساعدين القادرين من أجل تحقيق الرؤية. ويفشل هذا النموذج حين ينتفي وجود العبقرية.
كان القادة “من جيد إلى عظيم” شديدين وغير قاسين في قرارات الموظفين. وهم لم يعتمدوا على البطالة وإعادة الهيكلة كاستراتيجية رئيسية لتحسين الأداء. والشركات التي تمت مقارنتها كانت تستخدم البطالة إلى حد كبير جداً. لقد كشف الكاتب عن ثلاثة نظم عملية لكي يكون القادة شديدين في قرارات الموظفين فيقول: “عندما تكون في شك، لا تعيّن.. استمر في النظر.. ينبغي أن تحد الشركة من نموها استناداً إلى قدرتها على اجتذاب عدد كافٍ من الموظفين المناسبين. عندما تعرف أنك بحاجة إلى إحداث تغيير في الموظفين، تصرف”. ويضيف: “أولاً، كن متأكداً من عدم وجود موظف لديك في المكان غير المناسب. ضع أفضل موظفيك في أكبر فرصك، وليس في أكبر مشكلاتك. إذا كنت تتخلص من مشكلاتك، فلا تتخلص من أفضل موظفيك”.
ففرق الإدارة “من جيد إلى عظيم” تتألف من موظفين يجادلون بشدة بحثاً عن أفضل الإجابات، وعمن يتحدون خلف القرارات بغض النظر عن المصالح الفردية. لم نجد نموذجاً منهجيا يربط التعويض التنفيذي بالانتقال من الجيد إلى العظيم. والغرض من التعويض ليس هو تحفيز السلوكيات الصحيحة من الموظفين غير المناسبين، ولكن الحصول على الموظف المناسب في المكان المناسب. والمقولة القديمة بأن: “الناس هم في الأصل الأكثر أهمية” خاطئة. فالناس ليسوا هم الأكثر أهمية. ولكن الموظفين المناسبين هم الأكثر أهمية. وسواء كان شخص ما هو الشخص المناسب، فإن لهذا علاقة بالخصائص الشخصية، والقدرات الذاتية أكبر من علاقته بالمعرفة الخاصة أو الخلفية أو المهارات. جميع الشركات “من جيدة إلى عظيمة” بدأت عملية إيجاد طريق نحو العظمة بمواجهة الحقائق القاسية لواقعهم الحالي. فعندما تبدأ بمجهود صادق ومثابر لتحديد حقيقة موقفك، غالباً ما تصبح القرارات الصحيحة واضحة بذاتها. ومن المستحيل اتخاذ قرارات جيدة من دون رفض العملية برمتها بمواجهة صادقة للحقائق القاسية. والمهمة الأساسية في نقل الشركة من مستوى جيد إلى مستوى عظيم هي إيجاد ثقافة تكون للموظفين فيها فرصة هائلة لأن يتم سماعهم، وللحقيقة أن تُسمع. إيجاد مناخ تكون الحقيقة فيه مسموعة إنما يتضمن أربع ممارسات أساسية:
*قيادة المنظمة بطرح الأسئلة وليس بالإجابات.
*المشاركة في الحوار والنقاش وليس بالإكراه.
*معرفة الأسباب وراء كل تصرف من دون لوم.
*بناء الآليات الثورية التي تحوّل المعلومات المتوفرة إلى معلومات لا يمكن تجاهلها.
ولقد واجهت الشركات التي انتقلت من درجة “جيد” إلى درجة “عظيم” موقفاً صعباً كالذي واجهته الشركات المقارنة، ولكنها استجابت إلى هذا الموقف الصعب بشكل مختلف. ونتيجة لذلك، خرجت من المواقف الصعبة التي مرت بها أكثر قوة. القاعدة النفسية الرئيسية للتوجه من “جيد إلى شءعظيم” هي كالتالي:
*حافظ على الإيمان المطلق الذي سوف يسود في النهاية، على الرغم مما يواجهه من صعوبات، وفي الوقت نفسه واجه الحقائق الأكثر قسوة في واقعك الحالي، أياً كانت.
ويمكن الاعتماد على الكاريزما الشخصية كأصل، إلا أن قوة شخصيتك القيادية يمكن أن تمنع الناس من إخباركم بالحقائق القاسية. لا تبدأ القيادة بالرؤية فقط، وإنما هي تبدأ بأن تجعل الناس يواجهون الحقائق القاسية، وأن يتصرفوا حيالها. إن بذل الوقت والطاقة محاولاً تحفيز الناس لهو مضيعة للجهد. والسؤال الحقيقي هو: كيف نحفز موظفينا؟ إذا كان لديك الموظفون المناسبون فسوف يكون لديهم الحافز الذاتي. وليس المفتاح هو عدم تحفيزهم. وأحد الطرق الأساسية لعدم تحفيزهم هو تجاهل الحقائق القاسية.
وتعتمد النتائج العظيمة الدائمة على بناء ثقافة مليئة بأناس منظمين ذاتياً يتخذون أفعالاً منظمة، وينسجمون بحماس مع الدوائر الثلاث. ومن المعروف أن الثقافات البيروقراطية من أجل تعويض عدم المنافسة ونقص النظام، والتي تنشأ عن وجود الأشخاص غير المناسبين في المكان المناسب. وإذا حصلت على الناس المناسبين في المكان المناسب فلست بحاجة إلى الملل واليأس من البيروقراطية. أما ثقافة النظام فهي تقوم على ثنائية: فمن جهة، تتطلب من الموظفين أن يتبنوا نظاماً متماسكاً، ولكنها، من جهة أخرى، تمنح الموظفين الحرية والمسؤولية داخل إطار ذلك النظام. كما أن ثقافة الفعل حول الفعل فقط، ولكنها تدور حول الحصول على الموظفين المنظمين الذين يشاركون في الفكر المنظم، والذين ـ من ثم ـ يتخذون فعلاً منظماً.
فالشركات “من جيد إلى عظيم” تظهر مملة، ولكنها، بنظرة أعمق، مليئة بأناس يظهرون المثابرة الشديدة. ولا ينبغي أن نخلط بين ثقافة النظام وبين الطاغية الذي يتولى التنظيم. فهذان مفهومان مختلفان، فأحدهما مهني للغاية والآخر غير مهني للغاية. والمديرون التنفيذيون الذين يتولون التنظيم من خلال قوة شخصياتهم يفشلون عادة في تقديم نتائج مستمرة. والصيغة الوحيدة الأكثر أهمية للنظام من أجل الحصول على نتائج مستمرة هي التمسك بقوة بمفهوم “القنفذ”، والرغبة في تجنب الفرص التي تقع خارج الدوائر الثلاث.
“احبُ، امشِ، اجرِ”. وكلما توفر للمنظمة نظام للبقاء داخل دوائرها الثلاث بتماسكها، كلما كثرت فرص النمو. إن الغرض من الموازنة في الشركة التي انتقلت من “جيد” إلى “عظيم” ليس إقرار مدى ما يحققه كل نشاط، ولكنه معرفة المجالات التي تتناسب أكثر مع مفهوم “القنفذ” والمجالات التي ينبغي أن يتم تمويلها بصورة كاملة وتلك التي لا ينبغي أن يتم تمويلها مطلقا. قوائم “توقف عن فعل كذا” أكثر أهمية من قوائم “افعل كذا”.
المنظمات من جيدة إلى عظيمة تفكر بشكل مختلف حول التقنية والتغير التقني عما تفكر به المنظمات المتوسطة. المنظمات من جيدة إلى عظيمة تتجنب التقنيات التي تأتي في صورة تقاليع، ولكنها تصبح رائدة في تطبيق التقنيات المختارة بعناية. السؤال الرئيسي حول أي تقنية هو: هل التقنية تتناسب مباشرة مع مفهوم القنفذ؟ فإذا كانت الإجابة بنعم، إذن فأنت بحاجة إلى أن تصبح رائداً في تطبيق تلك التقنية. وإذا كانت الإجابة بـ”لا”، إذن فيمكنك الاستعاضة عنها أو تجاهلها تماماً. ولا توجد شركة من هذه الشركات بدأت تحوّلاتها بالريادة في التقنية، ولكنها جميعها أصبحت رائدة في تطبيقات التقنية حين أدركت مدى مناسبتها لدوائرها الثلاث، وبعد انطلاقتها.
رد فعل إحدى الشركات نحو التغيّر التقني هو مؤشر جيد على دافعها الداخلي من أجل التقدم نحو العظمة في مقابل الحالة الوسط. والشركات العظيمة تستجيب بالتفكير والإبداع، مدفوعة بالتزامها بأن تحوّل القدرات إلى نتائج. أما الشركات المتوسطة فيكون رد فعلها مدفوعاً بالخوف من أن تتخلف. يمكن أن يكون مدخل : “احبُ، امشِ، اجرِ” مدخلاً فعالاً، حتى أثناء التغير التقني السريع والجذري.
النتائج
ستفاجئ نتائج “من جيد إلى عظيم” الكثير من القراء وستلقي الضوء على كل زاوية تقريباً من استراتيجية وممارسات الإدارة. وتتضمن هذه النتائج:
– القيادة على المستوى الخامس: صدم فريق البحث لما اكتشف نوعية القيادة المطلوبة لتحقيق العظمة.
– مبدأ القنفذ (البساطة داخل الدوائر الثلاث): يتطلب الانتقال من جيد إلى عظيم تخطي لعنة التنافس.
– ثقافة الانضباط: عندما تجمع بين ثقافة الانضباط وأخلاقيات العمل، تحصل على كيمياء سحرية من النتائج العظيمة.
– مسرّعات التقانة: تفكر الشركات الجيدة إلى عظيمة بصورة مختلفة حول دور التقانة.
– الحذافة وأنشوطة الموت: هؤلاء الذين يطلقون برامج تغيير جذرية ويضغطون في عمليات إعادة الهيكلة، من شبه المؤكد أنهم سيفشلون في القيام بالقفزة.
يقول جيم كولينز “بعض المفاهيم الأساسية التي برزت من خلال الدراسة تصفع وجه حضارة الأعمال الراهنة وبكل صراحة ستزعج بعض الناس”. ويضيف: “يفنّد هذا الكتاب في بحث مكتوب بشكل جيد أغلب مزاعم الإدارة الحالية – من فئة المديرين التنفيذيين الذين يتميّزون بطاقة فوق طاقة البشر تصل إلى حد الهوس بتقنية المعلومات ومنها إلى هوس الاندماج والاستملاك. لا يمكّن الكتاب المتوسط أن يصبح قادراً. لكنّه من الأرجح أن يجعل من القدرة براعة ومهارة”.