إن تحسين الشاب أو الفتاة أو الرجل أو المرأة لإنتاجيته الشخصية يصب من دون شك في صالحه على المستوى الفردي، ويصب في صالح مجتمعه ووطنه على المستوى العام، بل ويصب في صالح البشرية جمعاء بشكل مباشر أو غير مباشر.
ومن أسف أن نجد بعض الشباب (وبعض الفتيات) حديثي العهد بالواقع العملي يشكون من اتهام رؤسائهم في العمل لهم بقلة الإنتاجية، وأن هذا الاتهام بات يمثل لهم هاجسًا بفصلهم من العمل والاستغناء عن خدماتهم، وللأسف الشديد نجد هؤلاء الشباب بدلاً من البحث في أسباب هذا الاتهام، وهل هم حقًا قليلي الإنتاجية؟ نراهم يرمون رؤساءهم في العمل بأنهم يتحاملون عليهم، ولا يقدرون الجهد الذي يبذلونه في العمل، ويتعاملون مع الأمر كأنه عداء شخصي من قبل المدراء، بدلا من التعامل معه على وجهته الصحيحة المتسببة في هذا الاتهام، وهي تقصيرهم في أداء الأعمال المكلفين بها من قبل هؤلاء الرؤساء.
نستعرض في الأسطر التالية خطوتين مهمتين من خطوات تحسين إنتاجيتك الشخصية:
الخطوة الأولى:
1- حدد (حددي) وضع أهدافك بوضوح تام:
إن تحديدك لأهدافك، والتخطيط لتنفيذها، ثم وضعها موضع التنفيذ هو أساس نجاحك في عملك الحالي ، ومن ثم الحفاظ عليه، وهو أساس التحاقك بعمل أفضل وبميزات أعلى في المستقبل.
2- تحديد رؤية ورسالة وغاية وهدف كبير تسعى إلى تحقيقه على المستوى الشخصـي.. وهذا التحديد يتطلب منك اللجوء إلى التفكير والتخطيط الاستراتيجي.
فما هي رؤيتك في المدى البعيد؟
أو:
•مـا هي الصـورة أو المكانة التي تريد أن ترى نفسك فيها بعد عشر سنوات مثلاً؟!
•وما هي رسالتك في الحياة، والتي تحملها بين جنبيك وتسعى إلى تحقيقها؟!
•وما هي غاياتك وأهدافك التي تسعى إلى الوصول إليها؟!
•وما هي برامجك ووسائلك التنفيذية التي تساعدك على تحقيق رؤيتك ورسالتك وغايتك وأهدافك؟!
هذا التفكير الاستراتيجي سوف يساعدك على الإجابة عن هذه الأسئلة:
• ما هو موقعي الآن؟
• ماذا أريد أن أكون في المستقبل المنظور والمستقبل البعيد؟
• أي رسالة أريد تحقيقها؟
• كيف ومتى وأين أحقق أهدافي ومن ثم رؤيتي ورسالتي وغاياتي؟
• ماذا عليّ أن أفعل الآن؟
• من أين أنطلق؟
3- قسّم (قسمي) هدفك الكبير أو أهدافك الكبرى إلى أهداف صغيرة، محددة البداية ومعلومة النهاية في إطار رؤيتك ورسالتك، وما أن تنتهي من تحقيق مجموعة من الأهداف الصغيرة حتى تبدأ في المجموعة التالية لها.. فنتائج أو مخرجات المجموعة المنتهية من الأهداف الصغيرة.. هي مدخلات المجموعة التالية.. وهكذا حتى تصل إلى تحقيق هدفك الكبير في إطار من الفكر والتخطيط الاستراتيجي.
وعلى الإنسان الـذي يريد النجـاح أن يكتب الخطـة العامة الخاصة به، موضحًا فيها الرسالة والرؤية المستقبلية والغايات والأهداف والوسائل التنفيذيـة.. وهذه الخطة قد تكون لعشر سنوات أو أكثر أو أقل، ثم يجزئها إلى خطتين كل منها تغطي خمس سنوات على سبيل المثال.. تشتمل كل خطة خمسية على مجموعة من الأهداف، ثم تجزئ الخطـة الخمسية إلى خطط سنوية لكل منها مجموعة من الأهداف الخاصة بها كمرحلة زمنية، ثم تقسيم الخطة السنوية إلى خطط شهرية، ومن ثم أسبوعية، ثم إلى أعمال يومية مكتوبة ومحددة.
ويجـب أن نعلم أن تحقيق الهدف الكبير إنما يأتي من خلال إنجاز أعمال يومية صغيرة، فلا نتهاون في عمل اليوم، ومن ناحية أخرى يجب أن تتوافر في هذه الخطط المرونة الكافية، وألا يتسرب اليأس إلى أنفسنا في حال عدم إنجاز هدف مرحلي أو أهداف قصيرة المدى، فالمرونة المتوافرة في الخطط تعمل على عدم وجود هذا اليـأس الذي قد يؤدي إلى التوقف عن العمل، ومن ثم عدم إنجاز الخطط الأخرى، وبالتـالي حصد الفشل.
فالتخطيط السليم لإنجاز الأهداف قصيرة المدى، والتخطيط الجيد لإنجاز الأعمال اليومية، أمر مطلوب ومرغوب لتحقيق النتائج الآنية، والتي بدورها تؤدي إلى رفع الحالة المعنوية، وتساعد على الاستمرار في إنجاز الأعمال التالية، ومن ثم الوصول إلى تحقيق الهدف المنشود والمخطط له.
4- ذكّر (ذكري) نفسك دائمًا بهدفك الكبير، وأهدافك الصغيرة.. واكتبها.. وارجع إليها يوميًا – إن استطعت – أو أسبوعيًا.. وحاسب نفسك على التقصير في الإنجاز.. وكافئها على الإنجاز.. كأن تعطي نفسك إجازة في نهاية الأسبوع تستمتع فيها بالسفر واللهو المباح... إلخ، ورسّخ في داخلك أنك قادر – بإذن الله – على الوصول إلى تحقيق هدفك الكبير، بالتوكل على الله ثم بالعمل المستمر الفعّال.. وأنك لست بأقل من النـاجحين والمتميزين.. وهذا يرسخ في عقلك الباطن ما يسمى بـ «وعي النجاح» وسوف يساعدك هذا الوعي في تنفيذ الأعمال والأفعال التي ستقودك إلى تحقيق النجاح والتميز.
5 – لا تبالغ (لا تبالغي) في تقدير – تحديد - طاقاتك، وقدراتك الشخصية.. فلكل إنسان قدرات وطاقات تختلف عن الآخر.. فيجب عليك أن تختار وتحدد أهدافك بما يتنـاسب ويتـوافق مـع قدراتك وطاقاتك الشخصية والمعنوية، وميولك واتجاهاتك... إلخ.
وتحديد الإنسان الناجح لأهدافه بما يتناسب مع قدراته وطاقاته وإمكانيـاته البدنيـة والذهنيـة والمادية.. يعطيه قدرة كبيرة وقوة هائلة على تحقيق هذه الأهداف، ولكي يحقق هذا الإنسان الناجح هذا التناسب عليه أن يتعلم ما يجد نفسه مؤهلة له، وأن يكتسب المهارات اللازمة بجانب العلم الأكاديمي المناسب، لكي يتمكن من تحقيق أهدافـه التي يصبو إليها.. فالصدق مع النفس من أهم عوامل النجاح، فلا داعي أبدًا أن تتوهم في نفسك قدرات أكبر بكثير من القدرات التي وهبها الله سبحانه إليك، فإن هذا التوهم سيقودك إلى الفشل الذريع لا محالة..! دائمًا انظر لنفسك نظرة موضوعية وسطية بعيدة عن التهويل في وصف صفاتك وقدراتك الشخصية حتى لا تصاب بالعجب والغرور فينقلب عليك عملك بالخسران المبين في الدنيا والآخرة، وبعيدة أيضًا عن التقليل من هذه الصفات وتلك القدرات حتى لا تصاب باليأس والقنوط، ومن ثم تقعد عن القيام بالعمل المفيد لنفسك ولأهلك ولمجتمعك، وبالتالي لن تحصد سوى الإخفاق في كل ما تقدم عليه.
6- بعد تحديدك لأهدافك.. لا تتراجع (لا تتراجعي) عن تحقيقها..! فتحديدك لهذه الأهداف والمبني على التفكير الصحيح، والتخطيط السليم.. يعني أنك قطعت نصف المسافة أو نصف الطريق إلى تحقيق هذه الأهداف، وكل ما يبقى عليك عمله هو مواصلة السير بجد وعزيمة وإرادة قوية لتقطع نصف الطريق الآخر، لتصل إلى تحقيق أهدافك المخططة.. ورسّـخ في نفسك أن الفشل الذريع في انتظارك إن انحرفت عن المسار المرسوم في خطتك..! أو تركت أهدافك قبل الوصول إلى نهاية الطريق..!.
7- ضع (ضعي) دائمًا رؤيتك، ورسالتك وأهدافك الاستراتيجية أمامك.. وانظر إلى مكانتك التي تتمنى الوصول إليها..! وراقب الرسالة التي تعمل من أجلها..! وتابع النتائج المحققة من الأهداف المخططة.. وانظر إلى نهاية الطريق وما ينتظرك من نجاح، وتحقيق للآمال والأحلام..!.
8- استفد (استفيدي) من نجاحاتك المتتالية.. فتحقيق أهدافك الصغيرة دليل على نجاحك المتواصل، ودليل على صحة السير في الطريق..! ومعناه أيضًا انتقالك من مرحلة إلى مرحلة جديدة، وهذا الانتقال يصعد بك درجة، وتزداد احتكاكًا بعلوم ومعارف وأفكار وتجارب أخرى تكسبك بلا شك مهارات وخبرات عملية أكثر تعينك على إنجاز الأهداف والمراحل التالية، وهذا يدفعك دومًا إلى مواصلة النجاح، والصعود المستمر من مرحلة إلى أخرى - مع تزايد الثقة في صحة التخطيط، وسلامة الطريق – حتى تصل إلى تحقيق هدفك الكبير، وعندئذ ستخطط لهدف كبير آخر.. لأن النجاح يولد نجاحًا دائمًا..!.
الخطوة الثانية:
التعرف على معنى الإنتاجية الشخصية، العوامل المؤثرة فيها، والوسائل المستخدمة لتحقيقها:
• معنى الإنتاجية الشخصية :
الإنتاجية الشخصية: وهي مقياس لما يحصل عليه الفرد في حياته؛ مقارنة بما يبذله من أجل ذلك. وبمعنى آخر هي العلاقة بين ما يحصل عليه الفرد من إنتاج؛ ومقدار ما يملكه من إمكانيات شخصية.
•العوامل المؤثرة في الإنتاجية الشخصية:
• الاستخدام الجيد والفعَّال من قبل الفرد لكل الوسائل الإنتاجية المتاحة أمامه، مستعينًا لتحقيق ذلك بالحفاظ على وقته وجهده وماله الشخصي وممتلكات العمل الذي يؤديه، فإذا كلف بعمل ما فلا يتأخر في أدائه، ولا يتركه قبل إنجازه على الوجه الأفضل؛ وليس على الوجه المطلوب فقط.
• تمتع الفرد بالكفاءة والمهارة المطلوبة؛ فضلاً عن تحليه بدقة الأداء وسرعة الإنجاز.
• الوسائل المستخدمة لتحقيق الإنتاجية الشخصية:
1- رسخ (رسخي) في نفسك أن العمل عبادة لله سبحانه، وأنك تتقرب به إليه عز وجل طلبًا لما عنده من أجر ومثوبة في الدنيا والآخرة، وأن إتقانه واجب شرعي عليك أداؤه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (2): «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه« وإتقان العمل ليس بأدائه فقط، وإنما بالابتكار فيه وبتحسين جودته.
2- طور (طوري) نفسك دائمًا: فأمامك أبواب العلم مفتوحة على مصراعيها في مجالك وتخصصك، فهناك الكتب والبرامج التدريبية والإنترنت وغيرها من الوسائل المعينة لك على زيادة حصيلتك العلمية والمهارية التي تميزك عن غيرك، وتجعل صاحب العمل أو مديرك المباشر يضعانك في المكانة التي تتمناها، ويؤهلك تطوير ذاتك – عن علم ومهارة وليس عن تمن وآمال تبنى في ذهنك فقط، وأنت واقف محلك متوهمًا أنك تؤدي ما عليك - إلى التقدم الوظيفي الذي تتمناه لنفسك.
3- واجـه (واجهي) نفسك بصدق وصراحة، وضعك يديك على مواطن الضعف في قدراتك ومهاراتك، واعمل على تغيير مواطن هذا الضعف وتحويلها إلى مواطن قوة، وذلك بالعزيمة والإصرار، وعدم الكبر على التعلم من الآخرين والاستفادة من خبراتهم، فبدلاً من أن تنظر إلى عدم مناسبة العمل أو رتابته.. انظر إلى نفسك فقد تجد أن الرتابة وحب الدعة والركون إلى الراحة متأصل فيها، وانظر إلى زملائك المتميزين واجعلهم القدوة التي تقتدي بها، وتقرب منهم، وسر في ركبهم علّك تصبح واحدًا منهم أو أفضل منهم، وذلك بالعلم والتدريب والعمل الجاد.
4- غيّر (غيري) عملك: إذا وصلت بعد مصارحتك لنفسك إلى قناعة حقيقية مبنية على واقع - وليست مزيفة مبنية على أمان وأحلام – أن الوظيفة المكلف بها والتي تقوم بأداء مهامها، غير مناسبة لقدراتك ومهاراتك وخبراتك، ولا تشبع حاجتك إلى الإبداع والابتكار، فاطلب من مديرك أن يكلفك بأداء مهام الوظيفة التي ترى نفسك فيها، وترى أنك سوف تتميز فيها، وتدفعك إلى الإبداع والابتكار والتطوير، مما يعود بالنفع العام على عملك بزيادة وجودة الإنتاجية، ومن ثم زيادة الربحية، وبالنفع الخاص عليك من تحقيق ذاتك، واكتساب ثقة مديرك، وتمكينك في وظيفتك، ومن تقدمك الوظيفي وزيادة راتبك ومميزاتك.
5- غيّر (غيري) بيئة عملك: إن كنت تشعر بأن بيئة العمل غير مناسبة، من حيث المكان وعدم مناسبته للعمل مما يؤثر في الجوانب النفسية فيك وفي زملائك في العمل، فقم بتغيير هذا الواقع بإعادة ترتيب – إذا كان نظام الشركة أو المؤسسة يسمح ويدعم ذلك – المكان، وتهيئته بالشكل الذي يريح العاملين فيه ويدفعهم إلى زيادة الإنتاجية . وإن كنت تشعر بأن بيئة العمل غير مناسبة من حيث العلاقات الاجتماعية.. فإن هذه العلاقات في يدك ويد زملائك في العمل، فبمقدوركم أن تبنوا علاقات اجتماعية رشيدة، تشتمل على الود والتكافل والتعاون على البر، وتشتمل أيضًا على الزيارات، والرحلات الجماعية التي تقرب بعضكم من بعض. فهذه العلاقات الاجتماعية تشعركم بأنكم أسرة واحدة في العمل، تدفعكم إلى التعاون والعمل بروح الفريق الواحد، وترسخ في نفوسكم حب الخير للجميع من تقـدم ونجاح في العمل في ظل تنافس شريف بينكم، وتبعد عنكم الشحناء والتباغض والحسد وغيرها من الصفات والأعمال التي تجعل بيئة العمل غير مناسبة، تدفعكم دون أن تشعروا إلى كره العمل، ومن ثم أدائه بشكل روتيني طلبًا للأجر المادي الذي يمكنكم من مواجهة أعباء المعيشة فقط، وهذا يؤدي بكم في النهاية إلى عدم الابتكار والتطور والنمو، مما يؤدي إلى خسارة شركتكم، ومن ثم خسارتكم باستغنائها عن خدماتكم.
إن تطوير الفرد لذاته، وتحسين إنتاجيته الشخصية أمر هام له في حاضره ومستقبله، فالعالم من حوله يتطور سريعًا، ولن ينتظر الخامل المتكاسل، بل سيتركه وحيدًا يتخبط في تأخره العلمي والعملي.