تعتبر التنمية الصناعية من أهم ركائز التنمية الاقتصادية الشاملة، حيث تلعب الصناعة دورًا مهمًا في الاقتصاد العربي كغيره من الاقتصاديات الأخرى باعتبار أن الصناعة هي قاطرة التنمية الاقتصادية، حيث إن القطاع الصناعي يضمن زيادة القيمة المضافة ويساعد على تأمين الاكتفاء الذاتي من الغذاء والكساء وتحسين الموازين الاقتصادية من تجاري ومدفوعات، وتشغيل الأيدي العاملة وتقليل معدل البطالة الحالي وتأمين فرص عمل للأجيال المقبلة. ومن هنا فإن دعم القطاع الصناعي والارتقاء بمستوى الصناعات الموجودة يجب أن يكون من الأهداف الأساسية لأية سياسة تنموية شاملة، لا سيما أن هذا القطاع له وزن نسبي كبير بين القطاعات الاقتصادية، وحسب بيانات التقرير الاقتصادي الموحد لعام 2011، فإن نسبة مساهمة القطاع الصناعي للدول العربية في الناتج المحلي الإجمالي لعام 2010 بنسبة تقدر بحوالي 7.44% وهو ما يوضح مدى أهمية هذا القطاع في التأثير على الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية، غير أن القيمة المضافة للصناعات التحويلية بلغت 7,187 مليارات، بنسبة مساهمة في الناتج المحلي العربي الإجمالي بلغت 3.9%، وهي تعد نسبة ضعيفة مقارنة بالاتحاد الأوروبي، حيث تقدر هذه النسبة بحدود 15%، وتصل في الصين إلى 28%، وفي كوريا الجنوبية نحو 34%، كما يلاحظ أن مساهمة قطاع الصناعة التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي تعد منخفضة حيث وصلت 3,9% في عام 2010 وهو ما يوضح واقع الصناعة العربي وما يتطلبه من دعم وتنمية. ولا شك في أن تنمية الصناعة التحويلية القائمة على كثافة اليد العاملة تعد عمومًا الخطوة الأولى للدخول في مرحلة التنمية الصناعية، حيث تتزايد الحاجة إلى الوظائف وتوفير الأمن الاقتصادي للمواطنين، وتعتبر الصناعات التحويلية من الفروع الأساسية الهامة للقطاع الصناعي في معظم الدول، ومن ثم فإن التعرف على واقع هذه الصناعات والخيارات والبدائل لتحسين الكفاءة الإنتاجية في فروعها المختلفة يعتبر من التوجهات الصناعية الهامة التي يجب أن يسترشد بها متخذو القرار في وضع السياسات العامة التي تستهدف تطوير هذه الصناعة، ويتمثل الدور الأساسي للصناعات التحويلية في إمكانية الاستفادة من منتجات الصناعات الأساسية من خلال عمليات تصنيع إضافية معينة، وذلك لإنتاج الوسائط البتروكيماوية ومنتجات البلاستيك والحديد والمنتجات الكيماوية الأخرى المستخدمة في الأغراض الزراعية وغيرها، وبالنظر إلى الصناعة العربية نجد أنها تتسم بضعف تشابكها مع بعض القطاعات الاقتصادية في نطاق الاقتصاد الوطني لكل قطر عربي، سواء كانت صناعة إحلالية أو تصديرية؛ لأن السياسات الاقتصادية، والقطاعية التي نفذت في الدول العربية طيلة العقود الأربعة الماضية لم تصل بعد إلى إقامة علاقات تبادلية قوية بين الصناعات القائمة من ناحية، وبينها والقطاعات الاقتصادية الأخرى من ناحية أخرى، مما أثر سلبًا على الهيكل الإنتاجي للاقتصاد العربي، وحد من قدرته على دفع عجلة التنمية الاقتصادية، فعلى سبيل المثال لم تتمكن الصناعة العربية، كما كان يؤمل، من توجيه نسبة أكبر من المخرجات الزراعية نحو التصنيع المحلي، وتحويل بعضها إلى منتجات استهلاكية أو غذائية في إطار الصناعات الغذائية، حيث يلاحظ أن القطاع الزراعي العربي ما زال يركز بصورة أساسية على إنتاج محاصيل تفي بأغراض التصدير أكثر من تلبيتها لحاجات الصناعة المحلية والاستهلاك المحلي من السلع الغذائية، مما حد من فاعلية الصناعات الغذائية المحلية القائمة التي تتعرض إلى نقص السلع الغذائية اللازمة في كثير من المواسم، واتجاهها في كثير من الحالات إلى استيراد المواد الأولية الزراعية اللازمة لها من الخارج. كما يلاحظ أن المخرجات الصناعية المستخدمة في القطاع الزراعي كالآلات والمبيدات والأدوات الزراعية المختلفة وغيرها ما زالت محدودة ولا تفي بحاجة الزارعة العربية، وأن ما يصنع من الآلات والمعدات والجرارات على سبيل المثال يتم في صناعات تجميعية تختص بالمرحلة الأخيرة للسلعة المجمعة، بحيث لا تحقق للاقتصاد المحلي إلا قيمة مضافة ضئيلة، ولا تساعد في الوقت نفسه على بناء قاعدة صناعية محلية متكاملة مع متطلبات القطاع الزراعي، تعمل على رفده، وتسريع نموه. وكذلك يمكن القول إن الصناعة التحويلية ليست في تكامل مع بعض فروع الصناعة الاستخراجية داخل القطاع الصناعي، إذ لا يدخل من مخرجات هذه الصناعة في الصناعة التحويلية المحلية إلا نسبة ضئيلة منها، مثال ذلك خامات النفط والفوسفات والحديد التي يصدر معظمها للخارج كمواد أولية، من جانب آخر، يلاحظ أن قطاع البناء والإسكان في كثير من الدول العربية، على الرغم من اعتماده على الإنتاج الصناعي المحلي في توفير احتياجاته من الحديد والأسمنت والأدوات الصحية والزجاج وغيرها، إلا أنه يتجه إلى الاستيراد من الخارج من هذه السلع نفسها ومن سلع أخرى كثيرة يمكن تصنيعها محليًا، وتفيد الكثير من المصادر أيضًا أن القطاع السياحي العربي لا يعتمد بدرجة كبيرة على الصناعات الخشبية والمفروشات المحلية، وأن معظم الفنادق العربية تعتمد في تجهيزاتها على الاستيراد من الخارج. إن عدم التكامل ما بين القطاعات الاقتصادية من شأنه ألا يساعد على الاستفادة المثلى من منتجاتها، ويزيد من اعتمادها على التصدير والاستيراد، ويرفع من درجة انكشاف الدول العربية على الخارج، ولهذا أثر سلبي على قدرة الدول العربية على بناء هيكل إنتاجي متكامل، تترابط في إطاره الصناعة مع القطاعات الاقتصادية الأخرى، وتنمو معًا بصورة مستمرة تساعد على تحقيق تنمية متوازنة. إن أهم التحديات التي تواجه الصناعة العربية بشكل عام يتمثل في تدني الوضع التنافسي لقطاع الصناعة العربية في مواجهة الإقليميات الأخرى، فالصناعة العربية تعتبر غير متطورة في العديد من قطاعاتها أو فروعها إذا ما قورنت بالدول الصناعية المتقدمة، ويعود ذلك إلى العديد من التحديات التي تعاني منها الصناعة العربية على الصعيدين القطري والإقليمي.
أولًا: على الصعيد القطري تتمثل أهم التحديات التي تواجه الصناعة العربية فيما يلي:
1- انتهاج سياسة التوجه الداخلي، فقد انتهجت أغلب الدول العربية غير النفطية سياسة الإحلال محل الواردات والإنتاج للسوق الداخلي كأسلوب مفضل للتصنيع منذ بداية مسيرته في تلك البلدان مستندة في ذلك إلى سياسة تجارية حمائية.
2- ارتفاع الأعباء الجمركية وغير الجمركية، حيث كانت السياسة التجارية الحمائية في أغلب الدول العربية إحدى مشاكل الصناعة العربية لما يترتب عليها من ارتفاع تكلفة الإنتاج وانخفاض القدرة التنافسية للمنتج العربي محليًا وعالميًا.
3- ضعف العلاقات التشابكية الصناعية، حيث تعاني أغلب الصناعات العربية من انخفاض درجة التشابك الصناعي (وعلى الأخص التشابكات الخلفية) ما يؤدي إلى توجه النشاط الصناعي المحلي نحو التزود من الخارج مما يترتب عليه حرمان الإنتاج الصناعي من فرص للنمو الصناعي والتشغيل، ويؤدي إلى استنزاف الثروات الطبيعية للدول العربية دون مردود مرتفع على القيمة المضافة والنمو الصناعي المستدام.
4- ضعف الالتزام بمعايير ونظم الجودة والمواصفات القياسية والبيئية للسلع والمنتجات الصناعية، الأمر الذي يترتب عليه انخفاض قدرة الصناعة العربية على النفاذ إلى أسواق الدول المتقدمة، وكذلك تراجع قدرة الصناعة العربية على الصمود أمام منافسة المنتجات الأجنبية.
5- ضعف القدرة التكنولوجية العربية وعدم استكمال نظم التطوير الداخلي، حيث أضحت الميزة التنافسية للصناعة في الوقت الراهن تعتمد بالدرجة الأولى على قدرتها على الابتكار والإبداع على نحو متواصل، إلا أن أغلب الصناعات العربية اعتمدت في الابتكار على حقوق المعرفة المقدمة من الشركات العالمية ومشروعات تسليم المفتاح. وفي الوقت نفسه لم تهتم أغلب الصناعات العربية بمراكز البحث والتطوير ومراكز التصميمات، الشيء الذي أدى إلى عجز الصناعة العربية عن مواكبة التطور التكنولوجي السريع، وفقدها أحد المقومات الأساسية لبناء القدرة التنافسية الديناميكية.
6- ضعف مناخ الاستثمار، حيث تدل المؤشرات الاقتصادية على ضآلة مساهمة القطاع الخاص في الحياة الاقتصادية من جهة مساهمته في الإنتاج والاستثمار في الدول العربية، وهذا يعود بشكل أساسي إلى ضعف جاذبية المنطقة العربية للاستثمار بصفة عامة والاستثمار الصناعي بصفة خاصة الأمر الذي حال دون توسيع قاعدة الصناعة العربية.
ثانيًا: أما على الصعيد الإقليمي فتتمثل أهم التحديات التي تواجه الصناعة العربية فيما يلي:
1- تماثل هياكل الإنتاج والصادرات: تعكس هياكل الصادرات العربية درجة عالية من التشابه مع اتباع معظم الدول العربية لسياسات التوجه الداخلي، وسياسة الأنماط الصناعية التي تخدم السوق المحلي في الأساس، إضافة إلى انخفاض درجة التكامل الداخلي واللجوء إلى استيراد مستلزمات الإنتاج من العالم الخارجي، فتتماثل إلى حد كبير الهياكل الإنتاجية الصناعية للدول العربية النفطية، وكذلك الحال بالنسبة للدول غير النفطية.
2- تباين القواعد الإنتاجية الصناعية بين الدول العربية: يتضح من أرقام القيمة المضافة بالدول العربية التباين الكبير في حجم القاعدة الصناعية التحويلية، حيث تتركز معظم القيمة المضافة الصناعية للقطاع التحويلي في الوطن العربي في عدد محدود من الدول العربية.
3- تباين القاعدة التشريعية المتعلقة بالاستثمار: يشكل تباين التشريعات المتعلقة بالاستثمار فيما بين الدول العربية أحد المعوقات أمام نجاح محاولات التعاون والتنسيق في المجالات الاقتصادية وخاصة في المجال الصناعي، على اعتبار أن مواءمة تلك التشريعات يمثل صورة من التعاون والتنسيق يمهد بالتالي لمراحل أعلى من التكامل والاندماج.
وحتى تؤتي السياسة الصناعية العربية ثمارها يجب أن ترتكز إلى مجموعة من المبادئ منها ما يلي:
أولًا: تقديم الدعم ومتابعة الأداء: يعد الدعم الحكومي لشركات القطاع الخاص ضروريًا من أجل توجيه أنشطة الاستثمار والأعمال التجارية إلى مجالات الصناعة ذات الأهمية الحاسمة بالنسبة إلى النمو الاقتصادي الطويل الأجل وتوليد فرص العمل، على أن هذا الدعم لا ينبغي أن يكون بلا غاية. وينبغي التوقف عن تقديم هذا الدعم إذا لم يتحقق تحسن في الأداء - مثل إنتاج السلع التصديرية التنافسية خلال فترة زمنية محددة.
ثانيًا: المشاركة في اتخاذ القرار: يلاحظ في بعض الأحيان أن القرارات الحكومية المتعلقة بالسياسة الصناعية قد لا تتوافق مع الظروف العملية التي تعيشها الشركات المحلية ومنظمو المشاريع المحليين.
فعلى سبيل المثال، قد لا يتوفر العاملون ذوو المهارات المناسبة؛ وقد لا يمكن الحصول على المواد الخام بأسعار تنافسية؛ كما أن الخدمات المصرفية والموارد المالية والتقنية قد لا تتوفر بصورة كافية أو ملائمة، وللتعرف على ما يمكن تحقيقه، يلزم إجراء المزيد من المشاورات مع المصنعين أو المصنعين المحتملين. ومن جهة أخرى، فإن البحوث التي تجريها الحكومة بشأن المجالات المحتملة لتحقيق التنمية الصناعية يمكن أن توفر معلومات مفيدة لمنظمي المشاريع تمكنهم من وضع يدهم على الفرص الجديدة، وينبغي للسياسة الصناعية، أن تكون موجهة نحو تشجيع عمليات البحث التي يقوم بها القطاع الخاص لكي يتمكن من اكتشاف ما يمكن أن ينتجه بصورة تنافسية.
ثالثًا: إزالة العقبات التي تعترض سبيل التنمية الصناعية: من خلال التشاور مع الشركات المحلية ومنظمي المشاريع المحليين والمستثمرين الخارجيين، يمكن على وجه الدقة تحديد الخطوات الضرورية لحفز التقدم الصناعي، ولربما يصبح إدخال تحسينات على الهياكل الأساسية مثل الطرق والسكك الحديدية وإمدادات الطاقة الكهربائية، بمثابة شروط حيوية مسبقة لتحقيق النمو في قطاعات من قبيل الصناعة التحويلية القائمة على كثافة اليد العاملة.
رابعًا: التقييم والمساءلة: ينبغي أن يخضع كل من السياسة الصناعية العامة والمشاريع المحددة في مجال الصناعة للتقييم والمساءلة بشكل دوري، وينبغي تعديل السياسات والمشاريع التي تعتبر قاصرة الأداء أو عاطلة استنادًا إلى المشاورات المكثفة مع الشركات المعنية، أو وقف العمل بها.
وختامًا: من المفيد التأكيد على أن ضرورة تعزيز تنمية الصناعة التحويلية لا ينبغي أن يتحقق على حساب القطاع الزراعي. فالزراعة ستظل كما كانت دائمًا مصدرًا رئيسيًا للدخل والعمالة والحصول على العملة الصعبة في الأجل القصير إلى المتوسط، ويجب إيجاد صلات يعزز بعضها بعضًا بين اقتصادات القطاع الزراعي وتلك غير القائمة على الزراعة، وهذا يستدعي اتخاذ مزيد من الخطوات للنهوض بالابتكارات العلمية والتكنولوجية وتنمية قدرة الحكومات على تنفيذ السياسات الصناعية واتساقها مع السياسات الاقتصادية الكلية الأخرى من أجل تحقيق نتائج إنمائية أفضل، وضرورة التكامل الاقتصادي العربي حيث يمكن للأسواق الإقليمية أن توفر تجمعات فعالة للعملاء الذين يشترون السلع المصنعة، وأيضًا ضرورة الاستقرار السياسي حيث إن تكرار التغيير في الاستراتيجيات والسياسات يمكن أن يخل بالنهج الطويلة الأجل ذات القدرة الأفضل على تحقيق التوسع الصناعي.