كعادتها كل عام أطلقت منظمة الشفافية الدولية المعنية برصد الفساد في العالم تقريرها السنوي لعام 2014 تزامنا مع اليوم الدولي لمكافحة الفساد . وقال رئيسها( خوزيه اوجاز) : يظهر مؤشر مدركات الفساد لعام 2014 أن النمو الاقتصادي يتم هدمه وتتلاشى جهود وقف الفساد عندما يسيء كبار المسؤولين استخدام الأموال العامة لتحقيق مكاسب شخصية. ومنظمة الشفافية منظمة غير حكومية معنية بشكل خاص برصد الفساد السياسي الذي تعرفه بأنه : ( اساءة استغلال السلطة المؤتمنة من أجل المصلحة الشخصية ) .ولقد درجت المنظمة تلك على اصدار هذا التقرير منذ عام 1995 وهو بمثابة مقياس ( بارومتر) لحجم الفساد العالمي ، ومدى انتشار الرشوة في أوساط النخب الحاكمة . يبدأ المقياس بالرقم صفر(0) ويمثل الدولة الأكثر فسادا في العالم إلى الرقم مائة(100) ويمثل الدولة الأكثر نزاهة في العالم . وتعتمد المنظمة في إعداده على مجموعة مصادر منها: المنتدى الاقتصادي العالمي ، بنك التنمية الأفريقي ، مركز التنافسية الدولي ، مجموعة المخاطرة السياسية مشروع العدالة العالمي ، وحدة أبحاث الأيكونومست , ومصادر أخرى يصل عددها إلى 12 مصدراً .
تشير الشفافية الدولية الى أن الفساد مشكلة تواجه الاقتصاديات كافة ،وعلى الجميع أن يتعاونوا لمنع الفاسدين الافلات من العقاب ،ومع أن مؤشر الفساد يظهر صورة الدول على شاشة الشفافية بشكل يكاد أن يكون واضحاً ، إلا أن تلك الصورة ليست بانو رامية ، لأن المؤشر يحدد مستويات الفساد في القطاع العام ولا يتعرض للفساد في القطاع الخاص.لهذا بقيت جهود مكافحة الفساد متعثرة ، وغير قادرة على إحداث التغيير المأمول به . وبعض السبب يعود إلى العلاقة غير الشريفة بين أفراد من القطاع الخاص ونظرائهم من القطاع العام . إضافة الى السبب الأساس وهو غياب الارادة السياسية لمعاقبة الفاسدين والمفسدين ، وقصور التشريعات في مجال مكافحة الفساد.ما يستدعي ادخال الكثير من التعديلات على قوانين العقوبات في الكثير من دول العالم ، بما في ذلك الدول الأكثر نمواً. وفي هذا يأتي على ذكر الصين الدولة الأعلى نموا ، إذ هبط مؤشر النزاهة فيها أربع درجات خلال عام 2014 ليصبح مجموع نقاطها على مقياس الشفافية 36 نقطة من أصل 100 نقطة (الحد الأعلى للمقياس) ، وكذلك أنغولا وملاوي ورواندا اللاتي تراجعت بنفس النسبة ، بينما تراجعت تركيا 5 درجات على مقياس الشفافية وجميع هذه الدول تحقق نموا مضطردا في اقتصادياتها ، ويذكر التقرير أن تحسناَ حصل في الأردن ومالي وسوازيلاند بواقع 4 درجات . هذا بالنسبة إلى الدول عامة أما بالنسبة للدول العربية فيشير التقرير إلى أن 91% منها فشلت في تخطي الحد الأدنى للنزاهة وهو 50 درجة وعزا التقرير ذلك إلى إحكام سيطرتها على القضاء والتشريع عامة، وهيئات الرقابة ، والإعلام ،والمؤسسات الاجتماعية وتجاوزت بعضها الى تزوير الانتخابات وتقويض مبدأ التداول السلمي للسلطة ، والإبقاء على الإدارات ضعيفة ليتسنى للفاسدين فيها نهب ما يقدرون عليه من أموال القطاع العام دونما حساب. ويشير التقرير الى أن معظم الدول العربية فشلت في تحسين ترتيبها على مؤشر الشفافية الدولية ، ولم تتمكن سوى دولتين هما الامارات وقطر ، من تجاوز حاجز الخمسين درجة . بالعودة الى ما سبقت الاشارة اليه من أن تقرير الشفافية يطال فقط القطاعات العامة في الدول ، دون القطاع الخاص فقد أشارت شركة ( ارنست أند يونج ) وهي احدى أكبر الشركات الاستشارية الاقتصادية في العالم الى أن مصر ( على سبيل المثال) تأتي في مقدمة الدول الأكثر فساداً في قطاع الأعمال الخاصة من أصل 59 دولة شملها التصنيف. وهذا يؤكد ما ذهبت اليه المنسقة الاقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا - لمياء كلاوي- من أن التقرير لا يعكس الفساد الحقيقي للدولة . ويُعتقد أنه لو تمت مراجعة أداء القطاع الخاص في الدول العربية لجاءت النتيجة أسوأ مما هي عليه الآن ؛ بخاصة في دول الخليج العربي حيث تكثر الرشاوى المقدمة من المؤسسات الاقتصادية للحصول على امتيازات مجزية . يتضمن التقرير العديد من المفاجآت احداها من أفغانستان التي دمرتها الحروب ومع ذلك صعدت بضع درجات على سلم النزاهة من المرتبة ما قبل الأخيرة في الأعوام السابقة الى المرتبة 172 من أصل 177 دولة شملها التقرير . واليونان التي يمر اقتصادها بضائقة ومع ذلك صعدت الى المرتبة 69 من المرتية 89 سابقاً!! وفي الدول العربية كانت الكويت المفاجأة حيث نزلت من المرتبة 64 إلى المرتبة 67 عالمياً والخامسة عربياً (الثامنة من حيث العدد) وفي مجال الكسب غير المشروع والاستغلال الفاحش للسلطة قالت ( غادة الزغير) رئيسة قسم الشرق الأوسط وشمال افريقيا في منظمة الشفافية الدولية في معرض حديثها عن دول الربيع العربي : أن الأموال المستولى عليها من الرئيس المصري السابق وعائلته بلغت 70 مليار دولار اما الأموال التي حصل عليها الرئيس السابق لتونس زين العابدين بن علي فقدرت ب 21% من مقدرات تونس الاقتصادية ، بينما بلغت الأموال المنهوبة من الصندوق السيادي الليبي 65 ملياراً في حين تحقق داعش أرباحا تقدر ب 3 ملايين دولار يوميا ًمن خلال تهريبها للنفط واتجارها بالبشر . ويشير - خوزيه غاز- (رئيس منظمة الشفافية الدولية ) أن على الدول التي تقع في أدنى درجات السلم أن تتخذ اجراءات حاسمة لمكافحة الفساد كما على الدول التي تقع أعلى المؤشر أن تعمل لضمان عدم تصدير الممارسات الفاسدة الى الدول ذات التنمية المتدنية. وفيما يلي قائمة بأسماء أفضل عشر دول على سلم الشفافية الدولية ،والعشر دول الأكثر فساداً
الدول الأكثر نزاهة:
سويسرا 6 الدانمرك 1
سنغافورة 7 نيوزيلندا 2
هولندا 8 فنلندا 3
لوكسمبورغ 9 السويد 4
كنـــدا `10 النرويج 5
الدول الأكثر فسادا :
العراق 6 الصومال 1
تركمانستان 7 كوريا الشمالية 2
اوزبكستان 8 السودان 3
ليبيا 9 افغانستان 4
اريتريا 10 جنوب السودان 5
وحتى لا نكون كالنعامة ، حين تخفي وجهها بالرمل ، لا بد أن نقر ان الغالبية إن لم تكن جميع الدول العربية تحتاج لتجاوز هذا الواقع المرير،،إلى أن تعير اهتمامها لعدد من الأمور التي تساهم في تجاوز هذا الواقع منها:
- التأكيد على أهمية الحكم الرشيد
- التبادل السلمي للسلطة من خلال تعميق المفاهيم الديمقراطية
- وضع حلول ناجعة لمكافحة الفساد ، من خلال استراتيجيات واضحة
- تعميق مفهوم المواطنة من خلال المساواة بالحقوق والواجبات
- تعزيز قيم النزاهة والشفافية بالعمل
تفعيل قوانين الكسب غير المشروع -