النماذج الإستراتيجية لإدارة الموارد البشرية

ظهر خلال السنوات الاخيرة اكثر من نموذج استراتيجي بخصوص الكيفية التي يجب ان تدار فيها الانشطة التخصصية لادارة الموارد البشرية من اجل تحقيق ميزة تنافسية وفعالية متواصلة للمنظمة. وبالامكان الاشارة الى ثلاثة نماذج اساسية في هذا الصدد لازالت تتنافس بخصوص تثبيت من يكون الافضل في هذا الموضوع. وهذه النماذج هي: نموذج التطابق الافضل، ونموذج الممارسات الافضل، ونموذج قاعدة الموارد. وفيما يلي الافكار الاساسية لكل نموذج مع الاشارة الى النقاط الاساسية التي نجدها جديرة باهتمام وعناية ممارسي ادارة الموارد البشرية في منظماتنا العربية (6).
3-1- نموذج التطابق الافضل The Best – Fit Model
يتزعم هذا النموذج علماء بارزون مثل بورتر Porter، ومايلز وسنوMiles and Snow وبوكسال Boxall, (وسوف نشير الى اعمال هؤلاء لاحقا). اذ يرى هؤلاء ان استراتيجية ادارة الموارد البشرية ستكون افضل واكثر فعالية في تحقيق الميزة التنافسية عند تكاملها وتطابقها مع المحتوى التنظيمي والبيئي. اي ان اداء المنظمة سوف يتحسن عند حصول التطابق الملائم بين استراتيجية المنظمة و (او استراتيجية الاعمال) وممارسات ادارة الموارد البشرية في المنظمة. ووفقا لذلك لابد لادارة الموارد البشرية من ان تدرك الاتي:
· ان استراتيجيتها المختارة (خيارها الاستراتيجي) تتحدد بالاستراتيجية الشاملة للمنظمة ومعطيات البيئة الخارجية.
· ان استراتيجيتها هي متغير تابع للإستراتيجية الشاملة للمنظمة باعتبارها متغيرا مستقلا.
· ان افضل ممارساتها تتحقق في ظل الموقف الظرفي Contingent situation لذلك يجب أن يكون لديها القدرة على التكيف والمرونة.
ومن اجل تحقيق هذا التطابق يجب ان تمتلك ادارة الموارد البشرية القدرة على التعامل مع نوعين من التطابقات هما التطابق الخارجي (العمودي) والتطابق الداخلي (الافقي).

3-1-1 - التطابق الخارجي External Fit
هو التطابق الذي يجب ان يحصل بين استراتيجية ادارة الموارد البشرية والاستراتيجية العامة للمنظمة (واستراتيجية وحدة الاعمال) ومتغيرات البيئة الخارجية. ويتطلب هذا التوافق القدرة على التكيف والمرونة العالية في ممارسات ادارة الموارد البشرية لاسيما في المراحل الاولى من حياة المنظمة (بسبب طغيان الحالة اللارسمية)، ثم تتجه الى ان تكون اكثر رسمية واحترافية كلما نمت المنظمة وازداد عدد العاملين فيها. وباستمرار تقدم المنظمة في مراحل النمو والنضج تكون في امس الحاجة الى الوسائل التي تمكنها من التغلب على مسألة التنوع واللامركزية. انها في حاجة ماسة الى ايجاد اليات التنسيق المناسبة وكل ذلك يستدعي وجود النوع الثاني من التطابق الذي يطلق عليه التطابق الداخلي.
3-1- 2 - التطابق الداخلي Internal Fit
يدعى ايضا بالتطابق الافقي Horizontal، فيما بين استراتيجيات الموارد البشرية ذاتها كاستراتيجية الاستقطاب والاختيار واستراتيجية التدريب وتنمية مهارات العاملين. ويتبنا هذا النموذج فكرة التجميع Bundling، اي عدم التعامل مع انشطة الموارد البشرية بشكل مجتزئ او منعزل، لانها بحكم طبيعتها انشطة مجتمعة ومتماسكة في مجموعات متكاملة، ولاشك ان اهتمام الادارة يجب ان يركز على مسألة التجميع الايجابي للاستراتيجيات وليس السلبي Deadly combinations. ويمكن ان نعطي مثال لهذا النوع من التجميع بالقول ان بعض ادارات الموارد البشرية في الوقت الذي تتبنى به استراتيجية التدريب المكثف من اجل اشاعة العمل الفرقي تتبع بالمقابل استراتيجية لتقييم الاداء تؤكد مكافأة السلوك الفردي المتميز. ولاشك ان هناك تقاطع بين كلتا الاستراتيجيتان. ومن بين الانتقادات التي توجه الى هذا التطابق هو عدم قدرة الادارة على ايجاد التطابق السليم بين حاجات ومصالح الفرد ومتطلبات استراتيجية الموارد البشرية واستراتيجية المنظمة، هذا الى جانب صعوبة تقديم الوصف الدقيق للاستراتيجية التنافسية نظرا لاختلافها فيما بين المنظمات. وفي الحقيقة فان هذه المدرسة لم تعط الاهتمام الكافي للجوانب الحركية لمسالة مهارات وسلوكيات العاملين متناسية انها عرضة للتغيير المتواصل (7).

3-2- نموذج الممارسات الافضل The Best – Practice School
يعد هذا النموذج نقيض النموذج السابق حيث يؤكد على وجوب قيام المنظمة باتباع احسن الممارسات الخاصة بانشطة الموارد البشرية بغض النظر عن طبيعة الموقف البيئي الذي توجد فيه المنظمة. اذ ان تطبيق احسن الممارسات من شانه تحقيق الاداء الافضل للمنظمة. وتصلح هذه الفكرة للتطبيق في جميع المنظمات وفي اي بيئة كانت. لذلك يطلق على هذا النموذج ايضا بالنموذج العالمي Universalistic Model. أو نموذج الطريقة الافضل One Best Way. ويرى هذا النموذج ان بعض ممارسات ادارة الموارد البشرية هي دائما افضل من بقية الممارسات الاخرى. لذلك يتوجب على المنظمة ان تبحث دائما عن ممارساتها الافضل عبر عمليات المقارنة والتجريب. وبالرغم من ان هذه الفكرة ليست حديثة وترجع الكتابات فيها الى سبعينيات القرن الماضي الا ان ابرز الداعين الى هذا لنموذج هو فيفر Pfeffer، الذي قدم سبعة ممارسات اساسية تغطي انشطة ادارة الموارد البشرية كالاختيار والتعيين والتدريب والتعويضات. ويحقق التطبيق الجيد لهذه الممارسات الميزة التنافسية المستمرة للمنظمة، والممارسات السبعة هي كما يلي(8):
#أ. ضمان الامان الوظيفي Employment security
عدم جعل الفرد تحت التهديد بفقد عمله مع اول بادرة لتراجع الاعمال. فالامان الوظيفي شئ اساسي له لكي يبدع في عمله ويرتفع الى مستوى الاداء العالي المستهدف، وهو مطلب مهم للادارة ايضا لكي يتحقق لها العائد المناسب على الاستثمار في نظم وعمليات الاستقطاب والاختيار والتهيئة للعاملين الجدد الذي يهدر مع سرعة دوران العمل.


#ب. اختيار افضل الافراد للعمل Selective hiring
لابد من اختيار افضل الافراد من بين المرشحين للعمل في الشركة وبما ينسجم والمواصفات المطلوبة في ذلك العمل.
#ج. استخدام فرق العمل ذاتية الادارة Self-managed teams
بحيث تتحمل مسؤوليات كاملة عن جميع العمليات (او المشروعات). ويساهم ذلك في تكامل المسؤولية وتجمع الخبرات بين افراد الفريق الواحد.الى جانب المزايا الاخرى التي يتمتع بها الفريق من حيث التعاون والحرص على تحقيق الاهداف بافضل مايكون نظرا للمصلحة المشتركة بين الاعضاء الذين تتم مكافاتهم على اساس الاداء الجماعي والنتائج الكلية التي يحققها الفريق.
#د. ربط الرواتب والمكافآت بنتائج اداء المنظمة Organization performance
وبما ينسجم او يتكافأ مع الاهمية النسبية للاعمال التي يقوم بها الافراد في المنظمة وندرة خبراتهم في السوق ومستويات الرواتب والمكافآت السائدة في المنظمات المنافسة.
هـ. توفير التدريب الكثيف للعاملين في ضوء احتياجاتهم التي يشعرون بها، والعمل على اقناعهم بأهمية التدريب.
#و. تقليل الفروقات الدالة على تباين المناصب الوظيفية
Status differences لكي يشعر الجميع انهم متساون امام الادارة ومطالبين بتقديم الافكار والمقترحات التي من شانها المساهمة في تطوير الاداء وحل مشكلاته وان هذه المساهمات الفكرية ليست وقفا على الادارة العليا فقط.
#ز. التشاركية في المعلومات Sheering information
بحسب متطلبات الأداء والتجاوز عن العقلية التقليدية التي ترى في كل المعلومات اسرارا لا يجب الاطلاع عليها الا لفئة محدودة من كبار العاملين.
ولازال انصار هذا النموذج يبحثون عن اي الممارسات او الانشطة الافضل التي يجب التركيز عليها لغرض تحقيق الميزة التنافسية، ولازالوا يواجهون بسؤال مهم من قبل انصار النموذج السابق وهو :

ماذا نعني بالممارسة الافضل ؟،
وافضل من وجهة نظر من ؟
وفي اي نشاط تكون ؟
وهل هذا النشاط عرضة للتغير ؟
ثم كيف يمكن ربط الممارسة الافضل مع مسالة تكوين الميزة التنافسية في المنظمة ؟.
على اية حال فان الدراسات لازالت اغلبها ينفذ في اطار نموذج التطابق الافضل وليس الممارسة الافضل. وهذا يعني ان هناك العديد من الامور يجب ان تتهيا لها ادارة الموارد البشرية لكي تكون قادرة على هذا التكامل الافقي بين الانشطة المختلفة فيها. اخيرا اذا كانت اسهل طريقة لتكوين نظرية في ادارة الموارد البشرية هي ان نفترض ان المنظمة لايوجد غيرها في بيئة معينة فان الحقيقة لازالت تؤشر ان الواقع اكثر صعوبة وتعقيدا. وتنشا هذه الصعوبة من تعدد السلع التي تنتجها المنظمة وتعدد الاقسام التي يمتلك كل منها استراتيجيته الخاصة. وبالتالي لابد من الابتعاد عن الفكر المثالي عند التفكير في التطوير الحقيقي لادارة الموارد البشرية.

3-3- نموذج قاعدة - الموارد The Resource -Based Model
ساهم في هذا النموذج علماء بارزون من بينهم العالمة بنروز1959 Penrose والعالم بارني Barney1997. فقد اشارت بارني في كتابها الشهير "نظرية النمو للمنظمة"، إلى أن المنظمة هي في حقيقة الامر مجموعة من الموارد المادية والبشرية المنتجة. وانه من الضروري الاهتمام بتعليم وتدريب الموارد البشرية لانهم اساس النمو في المنظمة (9). ويعد هذا النموذج اكثر النماذج استخداما نظراً لاقترابه من الواقع الفعلي لحركية تفاعل المنظمات والبيئة ولكثرة الانتقادات العديدة التي وجهت الى النماذج الاخرى.
اذ تقوم فكرة النموذج على اساس التفاعل بين بيئة المنظمة الداخلية (قوة - ضعف) وبيئتها الخارجية (فرص - مخاطر). وبالتالي فان تكوين اي استراتيجية سواء كانت على مستوى المنظمة او المستوى الوظيفي يتحدد من خلال ما تملكه المنظمة من موارد. والموارد Resource هي كل الموجودات المادية والبشرية (الملموسة وغير الملموسة). ويعتبر المورد ميزة تنافسية للمنظمة اذا استطاعت التعامل معه بصورة افضل من المنافسين. وتعتبر الموارد البشرية الاهم والاصوب في مجال تحقيق الميزة التنافسية وتعاملاتها مع بقية الموارد الاخرى. ومن هنا يحاول النموذج توجيه الاهتمام الى القيمة الاستراتيجية للموارد البشرية والى اهمية تعليمها وتدريبها باعتبارها الاساس والاداة الفعالة في تحقيق الاستراتيجية المختارة والميزة التنافسية في سوق معينة. اذ كلما استطاعت المنظمة تطوير مواردها البشرية كلما اصبحت اكثر مهارة في التعامل مع الموارد المادية التي تتصف بعدم الثبات نظراً لحركية المتغيرات البيئية. وهذا يعني ان طبيعة استراتيجية الموارد البشرية هي ايضا ذات صفة حركية لان خصائص موارد المنظمة غير ثابتة.

ووفقاً لبارني Barney 1997 يعتبر المورد اساسيا في المنظمة ويمتلك ميزة تنافسية اذا اتصف بالخصائص التالية(10):
· إذا كان ذا قيمة Value
· إذا كان نادراً Rare
· إذا صعب تقليده Inimitability
· إذا كان من الصعوبة الاستعاضة عنه بمورد اخر Non substitutability
ويمكن القول ان التركيز الاول لاستراتيجية ادارة الموارد البشرية وفقا لهذا النموذج ينصب على تمكين العاملين في المنظمة وتحفيزهم على التعامل المبدع مع خصائص موارد المنظمة التي اشرنا اليها قبل قليل من اجل تحقيق الاستخدام الافضل لهذه الموارد واستغلال الفرص البيئية ومواجهة اخطارها بكفاءة عالية.ولابد من اعتبار اي انفاق على الموارد البشرية هو بمثابة استثمار له عائد كبير. اي ان حسن تعليم العاملين من قبل الادارة واكسابهم الخبرات والمهارات لاسيما تعليمهم كيفية التنسيق بين معارفهم ومهاراتهم المتنوعة وتكاملها مع نظم المعلومات، هو بمثابة موجود استراتيجي Strategic Asset يصعب تقليده من قبل المنافسين. على سبيل المثال اذا كان احد الموارد ذو قيمة عالية يتوجب في هذه الحالة تعليم العاملين كيفية التعامل معه بحذر، وان كان نادرا يجب التعامل معه بحكمة والتركيز على استخدامه واستثماره بشكل جيد.
ويخلص هذا النموذج الى ما يلي(11):
1. إن المكونات الأساسية لإستراتيجية إدارة الموارد البشرية (من توظيف وتعليم وتدريب وتحفيز العاملين) هي بمثابة ركائز اساسية تقوم عليها استراتيجية المنظمة وتساهم في تحقيق اهدافها من خلال اغتنام الفرص البيئية ومواجهة مخاطرها.
2. اهم مورد تملكه المنظمة هو الموارد البشرية التي يتحدد بأدائها الأداء الكلي للمنظمة ونجاحها على المدى البعيد.