لقد فرضت العولمة على المؤسسات تطوير قدراتها الذاتية من خلال كسر حاجز الخوف من المستقبل واختيار النموذج الذي سيتم التوجه به إلى العالمية، ولم تقتصر أثار العولمة على المنظمات والإدارة بل امتدت لتسهم في إعادة هيكلة الموارد البشرية وتطوير شرائح جديدة من نوعيات بشريه متميزة أتسمت بالمعرفة والخبرة التقنية والفكرية العالمية، فلقد تغيرت المتطلبات المهارية لأداء معظم الوظائف بما أحدثته قوى العولمة من ممارسات، وأفكار، ونظم أعمال جديدة، واختفاء وظائف ومهارات أخرى، وفى خضم هذه التحولات بدأ الاهتمام بالموارد البشرية في المنظمات المعاصرة باعتباره المورد الأهم الذي تعتمد عليه الإدارة في تحقيق أهدافها، وعلى ضوء ذلك تغيرت النظرة إلى إدارة الموارد البشرية من كونها مجموعة أعمال إجرائية تتعلق بتنفيذ سياسات ونظم العاملين إلى اعتبارها وظيفة إستراتيجية تتعامل مع أهم موارد المنظمة وتتشابك مع الأهداف والاستراتيجيات العامة بها.
وقد واكب مثل هذه التطورات تحولا لتلك الإدارة من المستوى المحلى إلى المستوى العالمي، كما امتد تأثير ظاهرة العولمة عليها ليعيد تشكيل سوق العمل حيث برزت أنماط جديدة مثل: أسلوب العمل المؤقت، العمل عن بعد، العمالة الشرطية، كما برزت أهمية عمالة المعرفة بما تضيفه من قيمة لأعمالها، ففي خضم العولمة فإن المعرفة والموارد البشرية عالية التأهيل تمثل تحديا للمنظمات في سعيها للمنافسة بفاعلية في إقتصاد يزخر بالمعلوماتية والعولمة.وتتعدد التحديات التي تواجه المنظمات بشكل عام وإدارة الموارد البشرية بشكل خاص فمنها ما يتعلق بالتوجه للعالمية وزيادة حدة المنافسة والنمو المتزايد للمعرفة والتنوع في القوى العاملة، ومنها ما يتعلق بالقوانين والتشريعات المنظمة لممارستها، وما هو متعلق بالقوانين والتشريعات المنظمة لممارستها، وما هو متعلق بمقاومة التغيير والتحديث حيث أكدت بعض الدراسات أن تطبيق التقنيات الحديثة في المنظمات يلقى مقاومة داخلية من قبل المسئولين والعاملين خوفا مما يمكن أن تحدثه على أوضاعهم الوظيفية والاجتماعية من تغيير، وقد أدت هذه التحولات إلى أن تصبح المنظمات في حالة تنافسية شديدة قائمة على توظيف العمل والتكنولوجيا وضرورة التطوير والتحسين والابتكار بما يحقق التميز والنمو والتفوق والاستمرارية.وتماشيا مع موجة ظاهرة العولمة سارعت الحكومات في معظم دول العالم إلى إعادة النظر في سياساتها، وواجباتها، وهياكل منظماتها، وأحجامها وذلك للتكيف مع روح العصر، وإعادة اختراع نفسها من وقت لأخر، وقد جاء انضمام المجتمع السعودي محل الدراسة هنا لمنظمة التجارة العالمية كخطوة في هذا الطريق.وفى مجال الموارد البشرية فقد رصدت الدراسة أهم الخطوات التي يجب أن تسير عليه تلك الإدارة لمواجهه تحديات العولمة والتي منها: وضع إستراتيجيات هيكلية تعتمد على إعادة النظر في السياسات التنظيمية، وتمكين العاملين، وإعادة تصميم الوظائف وتشجيع التوظيف التنوعى، وتوظيف التقنية المستخدمة بما تحويه من معارف، والاهتمام بتنمية وتطوير الموارد البشرية لتكون قادرة على قبول وتوطين التغيير بما يمكن من مواكبة التغيرات واستباقها بحيث تتمكن المنظمات المدنية والأمنية من القدرة على المنافسة والاستمرارية والحضور العالمي، هذا فضلا عن الحاجة إلى تطوير قدرة مخرجات التعليم على التكيف السريع مع متغيرات سوق العمل، خاصة في ظل إعادة تقسيم العمل على المستوى الدولي، مما يتطلب أنظمة تعليمية قادرة على توفير موارد بشرية تتمكن من استيعاب التقنية الحديثة والتعامل معها.وقد عملت الدراسة على التعرف إلى رؤية المعنيين بالموارد البشرية في المنظمات المدنية والأمنية فيما يتعلق بإستراتيجيات إدارة الموارد البشرية وذلك للحد من أثار هذه التحديات وانعكاساتها على أداء هذه المنظمات مما يجعلها قادرة على النمو والمنافسة ومواكبة التغيرات والمستجدات والعمل وفق الرؤى العالمية في ممارسة وإدارة الموارد البشرية وذلك تماشيا مع ظاهرة العولمة.أما عن المشكلة الرئيسية التي ركزت عليها الدراسة في إطار ما سبق فقد كانت الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتقنية للعولمة وأثرها في مجال القوى البشرية، حيث ترتب على ظاهرة العولمة أثار مهمة كان لها واقع ملموس في مختلف المؤسسات، وكانت الإدارة هي الأكثر تأثٌرا مما أستوجب إعادة النظر في تنظيم الأجهزة الإدارية وفى طريقة إكساب العاملين المهارات الجديدة التي تتطلبها برامج الإصلاح والتطوير.وتأكيدا على هذا يرى ميندنهول أن المؤسسات ولاسيما في الدول النامية يجب أن تتفاعل مع تحديات ومعطيات القرن الحادي والعشرين، وذلك من خلال تفعيل دور إدارة الموارد البشرية بما يمكنها من تطوير مهارات وقدرات القيادات التنظيمية في مختلف مستويات المنظمة، وذلك من خلال وضع الاستراتيجيات المناسبة التي تمكن من مواكبة التغيرات واستباقها حتى تكون قادرة على المنافسة.ويرى الباحث أن مواجهه تحديات العولمة يتطلب من إدارة الموارد البشرية توجها إستراتيجيا ورؤية متعمقة للمستقبل، كما يتطلب الخروج عن الإطار التقليدي الذي تتسم به في معظم وظائفها.

منقول للفائدة من مجلة التدريب والتنمية