يستعرض هذا البحث ملامح التجربة الماليزية الرائدة ما بين عامي 1971م وعام 1993م وقد راهنت ماليزيا على هذه المرحلة الحرجة من تحولها الاقتصادي والاجتماعي لحجم التحديات التي كانت تواجهها وباعتبار ما كانت تمثله هذه النقلة كمنعطف هام وخطير يمثل النجاح في تجاوزه انطلاقة نوعية كبيرة من عنق الزجاجة بالنسبة للاقتصاد والتنمية في ماليزيا! وقد شهد الاقتصاد الماليزي خلالها تغيرات جوهرية وهيكلية وإستراتيجية انتقلت به من اقتصاد يقوم أساسًا على الزراعة وتصدير خامي القصدير والمطاط إلى اقتصاد يقوم على الصناعة وبخاصة قطاعات الصناعة التحويلية.

واليوم تمثل ماليزيا رمزًا من رموز الثورة الاقتصادية المذهلة، فماليزيا التي خرجت منذ أمد ليس بالقصير من قائمة البلدان النامية، كانت تعيش منذ تسعة وثلاثين عامًا كبلد زراعي، ومنذ 1970م ينمو اقتصادها الوطني سنويًا بمعدلات تتراوح في المتوسط بين سبعة وثمانية في المائة، أما الإنتاج الصناعي فإنه ينمو بمعدل يزيد عن عشرة بالمائة وبدلًا من خمسة بالمائة يعمل خمسة وعشرون بالمائة من السكان في سن العمل في القطاع الصناعي، الذي صار يمثل ثلث الناتج الإجمالي، وتضاعفت حصة الفرد الواحد من الدخل القومي في الفترة الواقعة بين عام 1978م وعام 1995م فوصلت لدى هذا الشعب البالغ تعداده عشرين مليونا عام 1995م، أربعة آلاف دولار في العام وإذا سارت الأمور على ما ترتئيه الخطط الحكومية فسترتفع هذه الحصة حتى عام 2020 م إلى خمسة أضعاف، أي أنها ستصل إلى المستوى السائد في الولايات المتحدة الأمريكية.
أهداف البحث
نحاول من خلال هذا البحث أن نلقي الضوء على عدة جوانب وهي:
1- كيف تعاملت ماليزيا مع التعليم والتدريب التقني والمهني؟ وكيف انتقلت به إلى آفاق عصرية جديدة فلم يعد ذلك التدريب المهني الحرفي بما يثيره من دونية فضلًا عن صورته الذهنية السلبية التي كان يختزنها المجتمع تجاه العمل المهني؟!
2 كيف صاغت ماليزيا سياساتها لترقى للتعامل مع التعليم والتدريب التقني والمهني خلال هذه الفترة الحرجة من تطورها وحتى الآن باعتباره المسئول الأول عن الوفاء بأهداف التنمية المستدامة كمًا وكيفًا! وكيف تغلبت على وصمة العار الاجتماعية التي لاحقت التعليم المهني والنظرة الاجتماعية الدونية للعمل اليدوي؟ وما هي الإستراتيجية التي تعاطت بها ماليزيا مع التعليم والتدريب التقني والمهني؟
3- كيف تمكنت ماليزيا من استنفار كافة قواها لتجاوز عنق الزجاجة اقتصاديًا وتنمويًا واجتماعيًا من خلال تطوير التعليم والتدريب؟! وكيف حققت إنجازات نوعية في كثير مما أخفقت فيه ولا تزال معظم بلدان العالم والتي تصنف بأنها نامية..؟!! أين وصلت ماليزيا وأين نقف نحن الآن؟!
أهميّة البحث
كثير من الدول بدأت مع التجربة الماليزية وأغلبها كان سابقا لها من حيث الزمن في التوجه نحو تطوير التدريب التقني والمهني؟ فلماذا نجحت ماليزيا ولماذا أخفق الآخرون؟! ومن خلال الأرقام نستعرض التجربة السعودية في مجال التنمية البشرية والمخصصات التي رصدتها المملكة لتطوير التعليم والتدريب فإذا كان الاهتمام بالتعليم المهني في ماليزيا انطلق إلى آفاق واسعة بدءا من عام 1979م بعد نشر تقرير لجنة مجلس الوزراء المسئولة عن التعليم والتدريب التقني والمهني فإن المملكة لها تاريخ طويل مع التعليم المهني وقد رصدت لذلك مبالغ طائلة وبخاصة بعد إنشاء المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني عام 1400هـ / 1980م.
التجربة الماليزية
خلال الفترة من 1971م 1993م
استعراض للنمو الاقتصادي الماليزي خلال عقدين خلال السبعينيات، نما الاقتصاد الوطني الماليزي بمعدل سريع 7.5 في المائة سنويًا. لكن أدى الانكماش العالمي إلى التباطؤ في النمو الاقتصادي الوطني إلى 5.9 في المائة سنويًا في الثمانينيات وتغيرت الصورة الاقتصادية لماليزيا بشكل متميز في الفترة ما بين 1970م وحتى 1990 م فتصدير المطاط انخفضت من 33.4 في المائة في عام 1970م إلى 3.8 في المائة فقط في عام 1990 م وتصدير حصة من النفط والغاز ارتفع من 4.0 في المائة إلى 16.2 في المائة في نفس الفترة. أكبر تغير في الصادرات قد تحقق من خلال قطاع الصادرات المصنعة التي ارتفعت من 12.0 في المائة في عام 1970 إلى 60.4 في المائة في عام 1990م بزيادة كبيرة جدًا تصل إلى 48.4 في المائة.
تغير الناتج المحلي خلال الفترة من عام 1970 إلى عام 1990م
الزراعة التي تمثل 29 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الوطني في عام 1970 انخفضت إلى 18.7 في المائة في عام 1990. التعدين والذي يمثل 13.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1970 انخفض إلى 9.7 في المائة في عام 1990. ومن ناحية أخرى فإن الصناعة التحويلية التي كانت لا تمثل سوى 13.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1970 ارتفعت إلى 27.0 في المائة في عام 1990. وقطاع الخدمات الذي كان يمثل 36.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1970، ارتفع إلى 42.3 في المائة في عام 1990م
ونتيجة للتغيير الكبير في الاقتصاد تغير تبعًا لذلك نمط التوظيف:
تغير فرص العمل خلال الفترة من عام 1970 إلى عام 1990م
الزراعة التي كانت تمثل 53.5 في المائة من إجمالي العمالة في عام 1970م، انخفضت إلى 27.8 في المائة من إجمالي العمالة في عام 1990. والصناعة التحويلية زادت حصتها من مجموع فرص العمل من 8.7 في المائة في عام 1970 إلى 19.5 في المائة في عام 1990 وقطاع الصناعات التحويلية سجل أعلى معدل نمو بمتوسط قدره 10.3 في المائة للفترة من عام 1970 إلى عام 1990م وهذا يعكس استمرار التأكيد على الأهمية المتزايدة لقطاع الصناعة التحويلية.
قضايا التعليم التقني والمهني وضع التعليم المهني
في العديد من البلدان الناميه، وبطريقة ما تم نفي التعليم المهني إلى قاع التسلسل الهرمي للتعليم، هذا وقد لا تكون كذلك للتعليم التقني والمهني برامج على مستوى التعليم العالي وإن وجدت فهي في معظم الحالات تكون برامج مهنية لمستوى التدريب الحرفي والتجاري وذلك مع الأسف بالرغم من الحقيقة التي نعترف بها جميعًا وهي أن التطور السريع للعلوم والتكنولوجيا في الوقت الحاضر يتطلب تعليمًا تقنيًا ومهنيًا يتناسب مع متطلبات سوق العمل وحسن إعداد الطلاب لمواجهة التغيرات التكنولوجية.
وبرامج التعليم التقني والمهني تلعب دورًا هامًا ورئيسيًا لا سيما إذا كانت التكنولوجيا هي التي يتعين تطبيقها لمواجهة مشاكل التنمية إذا وبالضرورة يجب الارتقاء بمستوى القوى البشرية المدربة والماهرة لتحقيق التنمية المستدامة للاقتصاد الوطني.
وفي ماليزيا كانت هناك مقاومة لبرامج التعليم المهني، لا سيما في السنوات الأولى من تقديمه عن طريق المدارس المهنية ومدارس الإرشاد القروي واليوم قد حل مكانها قبول المجتمع عن طيب خاطر لهذه البرامج والتحمس لها؟!
وبهذا الصدد قد أحرزت ماليزيا تقدمًا كبيرًا فلم يعد التدريب المهني والتقني يحمل نفس الصورة التقليدية كتدريب حرفي يقيد من تطلعات الفرد الراغب في تطوير ذاته ومهاراته وإنما أصبح اليوم تدريبًا ذا طبيعة معرفية وإدراكية عالية ويتطلب دراسة الرياضيات والعلوم، والأهم، لم يعد محطة نهائية تتوقف عندها طموح الإنسان وتطلعاته.
لذا فإن مسألة وضع التعليم المهني وصورته لدى المجتمع من الأهمية بمكان ويحتاج إلى معالجة جيدة ليكون قادرًا على اجتذاب النوعية المتميزة من الطلبة إلى برامج التعليم المهني وذلك لأن التعليم المهني مكلف والعديد من مجالات التعليم المهني في وقتنا الحاضر ذات طبيعة معرفية للغاية. والطلاب الذي يختارون الدخول اليوم للتعليم المهني يجب أن يكون لديهم القدرة ليتمكنوا من اجتيازه. وإلا فإن «الهدر» من برامج التدريب ومن الطلاب أنفسهم سوف يكون هائلًا.
لذا يجب أن يدرك المخططون والإداريون لنظم التعليم والتدريب الوطنية وللمجتمع بوجه عام هذه المتغيرات فهذا أمر مهم لسرعة التقدم التقني اللازم للتنمية الصناعية.
استعراض تقرير لجنة مجلس الوزراء الماليزي الخاصة بالتدريب
لاحظت حكومة ماليزيا الأهمية المتزايدة للتعليم التقني والمهني وللتدريب والتأهيل بصفة عامة فقررت أن تشارك بنفسها وتخوض غمار هذا النشاط الكبير المحيط بقضاياه وانشغلت به ولم تقف متفرجة وقررت أن تنشئ لجنة خاصة تتبع مجلس الوزراء في عام 1991م وذلك لإنجاز الأنشطة التالية:
• جمع وتصنيف معلومات مفصلة عن أنواع المهارات المطلوبة في ست قطاعات، وهي: الكهرباء والإلكترونيات والغزل والنسيج والبناء والتصنيع وتكنولوجيا المعلومات والصناعات الخشبية.
• إجراء تقييم شامل بشأن النقص في الأيدي العاملة الماهرة، ولا سيما في القطاع الخاص، فضلًا عن تقديم تحليل للميول والاتجاهات للمهارات المتطلبة.
• تقديم توصيات محددة للتغلب على مشاكل النقص في الأيدي العاملة الماهرة.




توصيات تقرير لجنة مجلس الوزراء عن التدريب
الصناعات المحددة أعلاه تمثل مجالات المستقبل لاحتياجات ماليزيا من برامج التدريب التقني والمهني للتنمية الاقتصادية. لذا قدمت لجنة مجلس الوزراء دراسة مفصلة للتعليم التقني والمهني ونظام التدريب فيما يتعلق باحتياجات البلد. وسلطت الدراسة الضوء على أربعة ملامح أساسية. فضلًا عن العديد من التوصيات السياسية والتدابير التي يتعين اتخاذها.
أ) في حين أن النمو السريع في الأنشطة الصناعية أدى إلى زيادة الطلب على المهارات وعلى جانب العرض إلا أن مؤسسات التدريب غير قادرة على الوفاء بالمطالب المستحقة بسبب مختلف أوجه الجمود الذي تعاني منه.
ب) التغيرات التكنولوجية السريعة في عملية الإنتاج تتطلب تغييرات هامة في المهارات وبالتالي فإن هناك حاجة إلى مزيد من المرونة من أجل الاستجابة للمتطلبات المهارية المتغيرة، وعلى وجه الخصوص الارتقاء ببرامج التدريب التقني والمهني وإعادة تدريب القوى العاملة الحالية إضافة إلى الحاجة لتعزيز التدريب ما قبل التوظيف.
ج) بالإضافة إلى التدريب الأساسي الرسمي فإن هناك الكثير من المهارات اللازمة والتي سببها قصور الإعداد يجب أن تكتسب على رأس العمل.
د) مؤسسات التدريب الحكومية القائمة لا تفي باحتياجات سوق العمل من مهارات لم تراقب على نحو جيد والآلية لضمان مخرجات التدريب ناقصة.
من أجل زيادة تعزيز نظام التعليم والتدريب الحالي أوصى تقرير لجنة مجلس الوزراء بالعديد من الإصلاحات السياسية واسعة النطاق والتي من شأنها أن تسعى إلى تحسين فعالية وكفاءة التدريب على المهارات في البلاد. وجمعت مطالب الإصلاح معًا في إطار ثلاثة مجالات قدمت على النحو التالي:
أ- تحسين استجابة التدريب عامة لطلبات السوق:
قدرة المؤسسات على الاستجابة السريعة والفعالة لتغير أنماط العمالة الماهرة يشكل عاملًا رئيسيًا في تحسين الكفاءة في استخدام القدرات التدريبية العامة. ولأجل أن يكون التدريب بصفة عامة أكثر استجابة فمن الضروري وجود آلية توفر تغذية راجعة عن متطلبات المهارة ومدى فعالية التدريب وجودته.
في إطار هذه المجالات من التوجه السياسي تم التوصية بالتالي:
• إعادة توجيه نظام القيم.
• إنشاء آليات التغذية المرتدة.
• قدر أكبر من المرونة في إدارة مؤسسات التعليم والتدريب.
• جذب النوعية الجيدة من المدربين / المعلمين والاحتفاظ بهم.
• الاستفادة المثلى من مؤسسات التعليم والتدريب.
• تعاون مؤسسات التدريب.
• المراجعة المستمرة لتصميم المقررات والمناهج.



• توسيع نطاق نشر المعلومات المتعلقة بسوق العمل.
ب- توسيع دور القطاع الخاص:
إن دور القطاع الخاص مهم لأنه الأقدر على تحديد الاحتياجات التدريبية اللازمة لرفع مستوى المهارات وإعادة التدريب. كما أن القطاع الخاص قادر على تحديد الخبرات الواجب توافرها في المتعاملين مع التكنولوجيا الحديثة في هذا المجال يوصي بما يلي:
• زيادة التعاون مع القطاع الخاص.
• تحسين الحوافز للتدريب.
• إنشاء مراكز تدريب متخصصة.
ج تعزيز الروابط بين المتغيرات التكنولوجية والتدريب:
أصبح من الأهمية بمكان أن يصبح العامل الماليزي قادرًا على مواجهة التحدي المتمثل في التكيف واستيعاب أحدث التكنولوجيات في مجال الصناعة فضلًا عن تعزيز النزعة الإبداعية لتطلعات المجتمع الماليزي الذي يعتبر هو الداعم والمساهم الرئيسي في الاختراع والابتكار والتقدم التكنولوجي، ولضمان ذلك كان التوجه السياسي نحو تعزيز الروابط بين المتغيرات التكنولوجية والتدريب. ومن أجل تحقيق هذا، يوصي باتخاذ التدابير الثلاث التالية:
• إنشاء مراكز التفوق.
• التوسع في اعتماد المهارات.
• إنشاء المجلس الوطني لتكنولوجيا المعلومات.
علاقة التعليم والتدريب بسوق العمل
ترى ماليزيا أنه من الأفضل بل من الضروري أن ينتقل سوق العمل إلى الصناعات رفيعة المستوى، ومن ثم سوق العمل في المستقبل على النحو المتصور في رؤية الدكتور مهاتير حتى عام 2020 (رئيس الوزراء السابق) سيكون فرسا الرهان فيه المعرفة والمعلوماتية ولمواكبة هذا الاتجاه في المستقبل أعيد تشكيل سياسة التعليم التقني والمهني لإنتاج عامل أكثر معرفة ومعلوماتية ويمكن إعادة تدريبه بسهولة. ومن ثم كان تعزيز القدرة المعرفية هو تركيز ماليزيا الأساسي في التعليم التقني والمهني من أجل المستقبل.


ثمة مسألة أخرى تواجه التعليم التقني والمهني وهي وضع رابط وثيق بين التعليم وعالم العمل. لذا يجب أن يطور التعليم التقني والمهني برامج جوهرية فعالة وذات علاقة بمتطلبات التوظيف. ومع ذلك، فإن المهمة ليست سهلة لإنجازها من قبل النظام المدرسي حيث قدرته على الاستجابة لسوق العمل وتطوره التكنولوجي يتسمان بالبطء! وفي معظم الحالات، عندما يطور النظام المدرسي من قدرته على تلبية الحاجات الملحة المطلوبة، فإن وضع العمل والتغيرات التكنولوجية يكونان قد أخذا خطوة أكثر للأمام. حقيقة هذا التوقع من النظام المدرسي في غاية المثالية أي صعب التحقق في الواقع ما لم يوجد دعم واسع من قبل قطاع الصناعة وتوجد عدة أسباب يمكن أن تفسر لنا احتياجات التعليم التقني والمهني لرسم إستراتيجية مناسبة لها علاقة بواقع العمل وهي:
أ. تغير المتطلبات الوظيفية في الكم والنوع طوال الوقت.
ب. المهنة تولد فتنمو ثم تموت؟! بحسب التغيرات الحيوية في معدلات الإنتاج والتكنولوجيا اللذين يدعمان بعضهما بعضًا.
ج. المنافسة العالمية تسبب تغيرات متواصلة وصعبة في طبيعة العمل والمهارات التي يحتاجها للقيام به.
د. التطبيقات المتسارعة في التكنولوجيات والتي تقودها المنافسة العالمية سوف تستمر حتى تحقق تأثير غير مسبوق في المهارات المطلوبة للعمل.
تطبيق برنامج خصخصة قطاع الوقت:
اختيرت ثلاثة من هذه البرامج كدراسة حالة محددة لمشروع UNEVOC(1)البرنامج الأول هو مشروع التدريب المشترك بين المدارس المهنية الثانوية وشركة شل للبترول لتدريب اللحامين على اللحام وترقية مهاراتهم حتى يتمكنوا من الوصول إلى مواقف لحام يصل إلى gr6وقد ساعدت شل من خلال هذا المشروع في رفع مستوى المرافق والمعدات الموجودة في المدارس المهنية التي اختارتها. واختارت منهم المدربين ووفرت لهم تدريبا إضافيا حسب الخطة الصناعية في قطاع اللحام بالشركة
والثاني هو برنامج مشترك بين مدرسة ثانوية مهنية وشركة وطنية لصناعة السيارات، يهدف للتدريب على ميكانيكا المحركات الذي يتناسب مع احتياجات ومتطلبات خدمة وصيانة السيارات في هذه الشركة الوطنية واسمها «بروتون».
والبرنامج الثالث هو technoschool، بين كلية العلوم التطبيقية وماتسوشيتا للسيارات «الصانع ياباني» وقد أنشئت technoschoolخصيصًا للاستفادة من أساتذة كلية العلوم التطبيقية لإجراء برنامج مصمم خاص لرفع مستوى الموظفين في شركة ماتسوشيتا للسيارات وقد نجحت برامج تخصيص جزء من الوقت إلى أبعد حد في مجال تعزيز وتدعيم الروابط بين المؤسسات التقنية والمهنية والصناعات في ماليزيا. وقد استفادت منها كافة الأطراف المعنية والمشاركة.
وأثبتت سياسة تخصيص جزء من الوقت كآلية قدرتها على تنفيذ برامج لتحسين الروابط بين الصناعات، بعد أن أنشأت علاقة تكافلية بين مؤسسات التعليم التقني والمهني والصناعات في ماليزيا الأمر الذي من شأنه زيادة تعزيز الترابط الصناعي المؤسسي.
مفهوم وخلفية خصخصة قطاع الوقت
خصخصة الوقت (tsp) يمثل برنامج التعاون الذي يسمح للقطاع الصناعي والجمهور بالاستفادة من مرافق التدريب في المدارس الثانوية المهنية، والمدارس التقنية الثانوية والمعاهد الفنية. فهي تمثل «العلاقة التكافلية» بين المؤسسة والصناعة والأهم العمل على تعزيز الروابط بين مؤسسات التعليم المهني والتقني والصناعات.
وفي عام 1993م كان هناك 70 مدرسة ثانوية مهنية وتسع مدارس ثانوية تقنية وستة معاهد فنية تحت إشراف وزارة التعليم في ماليزيا. ومن المسلم به أن هناك فترات تكون فيها مرافق التدريب القائمة في هذه المؤسسات دون استخدام وخصوصًا خلال ساعات ما بعد الدراسة، وخلال فترة الأعياد.
مشروع الربط الأول:
مشروع الربط هو الاسم المختصر للـ«latihanperindustrianjurukimpal»، بعنوان «تدريب اللحامين الصناعيين» المشروع في لغة المالاي. إن التطور السريع للصناعة النفطية والصناعات القائمة عليها والأنشطة المرتبطة بها سلطت الضوء على الاحتياج لتدريب العاملين في هذا المجال وبخاصة اللحامون.
فاللحامون مطلوبون لبناء خطوط أنابيب الغاز والبترول، وبناء وصيانة منصات إنتاج النفط ودورهم كبير في الاستمرار في توسيع وبناء مصافي النفط والغاز. وهذه الأنشطة تتطلب تدريبًا عاليًا للحامين يمكنهم إجراء عملية اللحام حتى موقف مهاري (6 gr) ومن أجل توفير اللحامين المطلوبين لصناعة النفط، فإن شركة شل للبترول، جنبًا إلى جنب مع المدرسة الثانوية المهنية في ساراواك، في السواحل الشرقية للدولة في ماليزيا، شرعت في مشروع الربط.
قبل تنفيذ مشروع الربط، كانت المدرسة المهنية تملك مرافق اللحام الأساسية ووضعت مقرر دورة اللحام لكن هذه التسهيلات لم تكن كافية لإجراء برنامج اللحام على مهارة تصل باللحام حتى مستوى 6gr. والمدربون في المدرسة المهنية كانوا أيضًا غير قادرين على إجراء برنامج تدريبي حتى هذا المستوى 6grفي اللحام! فقامت وزارة التربية والتعليم، جنبًا إلى جنب مع شل، برفع مستوى المرافق في ورش اللحام شملت البنية الأساسية وإمدادات الكهرباء.
وساهمت شل بالمعدات والمواد. وتم اختيار مدربي اللحام من المدرسة الثانوية المهنية وأرسلوا لمدة خمسة أشهر في دورة تدريبية مكثفة في قسم اللحام في المصنع الصناعي لشل. من خلال هذه المهارة تم رفع مستوى الدورة والمدربين الذين كانوا مجهزين بالمهارات المطلوبة لإجراء برنامج التدريب لترقية مستواهم المهاري حتى 6gr. وبعودة هؤلاء المدربين أصبحوا قادرين على الاضطلاع ببرنامج اللحام 6grفي المدرسة المهنية. وبدأ برنامج الربط في مدرسة مهنية واحدة في ساراواك في كانون الثاني / يناير 1991م وفي تموز / يولية 1991م قد بدأ البرنامج في مدرسة مهنية أخرى كل واحدة منهما يمكن أن تتسع لـ24 متدربًا ويحتاج كل متدرب إلى فترة من التدريب المكثف لمدة ستة أشهر ليرقى بمستواه حتى المستوى 6gr. ومن خلال مشروع الربط هذا فإن 48 لحامًا على درجة عالية من التدريب يتم تخرجهم كل ستة أشهر فأصبح أمام صناعة النفط والغاز والصناعات التحويلية المساندة لها والمقاولون الآن مصدر جاهز لتزويدهم باللحامين المطلوبين لسوق العمل، مشروع الربط هذا كان ناجحًا ويقدم نموذجًا يحتذي به لمشروع خصخصة قطاع الوقت حيث القطاع الخاص الصناعي ومؤسسة التدريب كلاهما يساهم في بدء واستمرار برنامج تدريبي محدد في المجال الذي يراه ضروريًا.
مشروع الربط الثاني:
Eonهو الموزع الوطني للسيارة بروتون الماليزية ويعود إليه الفضل في التقدم الذي أحرزته مبيعات سيارات بروتون الوطنية لكن شبكة التوزيع في جميع أنحاء ماليزيا غير قادرة على تلبية الطلب على الخدمات وأعمال الصيانة. ويرجع ذلك أساسًا الى عدم وجود تقنيين متخصصين في ميكانيكا السيارات خصيصًا لأعمال الخدمة والصيانة لسيارات بروتون.
ومع أن صناعة السيارات الوطنية تدير مدرسة للتدريب ولكن هذه المدرسة غير قادرة على مواجهة مطالب تدريب خاصة في ميكانيكا السيارات لسيارات بروتون الماليزية وفي المقابل تملك وزارة التربية والتعليم أكثر من 50 مدرسة مهنية مجهزة على أعلى مستوى بمرافق لدورات متخصصة في السيارات.
برنامج tsp(خصخصة قطاع الوقت) عمل بنجاح بين وزارة التربية والتعليم وبين Eon. حيث اختيرت تسع مدارس ثانوية مهنية للمشاركة في هذا البرنامج. ووقع الاختيار على المدرسة الثانوية المهنية في kajangوالمتخصصة في صناعة السيارات لتقود المدارس في هذا البرنامج التدريبي.
كما أجرى Eonبرنامجًا خاصًا لتوجيه المدربين بخصوص سيارات بروتون. Eonالذين تم اختيارهم من المدرسة المهنية لصناعة السيارات. وتبرعت بروتون أيضًا بالسيارات المستعملة للبرنامج التدريبي كما تبرعت أيضًا بالمحركات وغيرها من الأدوات ذات الصلة بتقديم الخدمات المتخصصة لاستخدامها وشارك في هذا البرنامج تسعة من المدارس الثانوية المهنية. والنموذج الخاص بمحتويات الدورة قد طور بين المدارس المهنية وeonمن أجل جسر الفجوة بين الكفاءات التي يمتلكها خريجو المدرسة المهنية وبين المهارات المتخصصة المتطلبة لـeonمن أجل الاضطلاع بعمل خدمة متخصصة لسياراتها. في كانون الأول/ ديسمبر 1993، المجموعة الأولى المكونة من 40 طالبًا الذين تم اختيارهم للمشاركة في هذا البرنامج التدريبي حصلوا بعد ستة أشهر فترة التدريب على رخصة مهنية من eonلإنجازهم برنامجها وسوف يتم نشرهم في مراكز خدمة سيارات eonالموجودة على مستوى ماليزيا.
مشروع الربط الثالث:
برنامج التدريب التابع للمدرسة الفنية TheTECHNO-SCHOOLهو برنامج تدريب مشترك بين السلطان عبدالحليم mu›adzam(شاه كلية العلوم التطبيقية (polimas)) وبين ماتسوشيتا للكهرباء والمحركات BHDPOLIMASهو برنامج ما بعد المرحلة الثانوية التقنية والمدرسة TheTECHNO-SCHOOLتجري دورات لمدة سنتين أو ثلاث سنوات بحسب التخصص في مختلف مجالات الهندسة الخاصة بـMaemhوهو مصنع تملكه اليابان لإنتاج المحركات والمكونات الكهربائية برنامج تدريب المدرسة التنقية TheTECHNO-SCHOOLنظم وأجري بالاشتراك بين كل من polimasوmaem.
وبعد عدة سنوات من العمل، maemأصبح لديها رغبة لرفع مستوى أفراد التقنية لديها وإكسابهم «مهارات متعددة». ولتحقيق هذه الرغبة في رفع المستوى والتقدم العلمي والتكنولوجي في maemتطلب الأمر أشخاصًا تقنيين لديهم كفاءات في مجالي الميكانيكا والكهرباء.
كلية العلوم التطبيقية مجهزة جيدًا في كل من مجالات الهندسة ولديها المختبرات وورش مجهزة لهذه المجالات وبرنامج المدرسة الفنية TECHNO-SCHOOLلمدة ستة أو سبعة أشهر وتشمل محتوياته دورة الدوائر الكهربائية، التحكم المتسلسل للتقوية، والمراقب المالي للبرمجة، الآلة المجمعة، سلسلة الاتصال الإلكترونية وصيانة معدات ومواد صناعية. هذه المجالات تم تحديدها باعتبارها الكفاءات المطلوبة من الأشخاص التقنيين لـ maemكما أجري تصنيف لفئات في Polimasمعتمدًا على مرافقها وهيئة التدريب فكانت مثلا فئات للمختبر ونفذت أنشطتها خارج ساعات التدريس الرسمية وساعات عمل هذه الفئات تم ترتيبها لتتناسب مع كل من موظفي maemوpolimasالمشاركين في البرنامج للحرص على عدم إرباك أي من الشركة أو كلية العلوم التطبيقية.




وظيفة التعليم التقني والمهني في التنمية الوطنية
وضعت خطة ماليزيا السادسة (1991-1995) تنمية الموارد البشرية كسياسة إستراتيجية ورئيسية مشدد عليها لتعزيز تحول ماليزيا إلى بلد صناعي وتقوم إستراتيجية تحقيق هذا الهدف التنموي على مجموعة سياسات تنموية تتسم بالشمول والسعة والإحاطة ترنو إلى تنويع القاعدة الصناعية وتعزيز التنمية البشرية وتشجيع الترقي التكنولوجي والحد من الخلل الهيكلي بين القطاعات والمناطق في القطر «ماليزيا» ومن ثم، كانت نقطة الانطلاق بتطور التعليم عن طريق تحسين نوعية التعليم، والتوسع في المهارات الوظيفية القابلة للتطبيق في المنهج وخلق نظام تدريب كفء، مع تزايد تبني التكنولوجيا الحديثة وتطور عمليات الإنتاج التي تحسن من معدل الإنتاجية وزيادة القدرة على المنافسة الدولية وبالتالي على التعليم التقني والمهني أن يفرز خريجي مدارس يملكون من القدرات المعرفية الأساسية ومن المهارات ما يمكنهم فيما بعد من الارتقاء من حال ووضع مكان العمل ولتحقيق هذه الغاية، فإن تقرير لجنة مجلس الوزراء عن التدريب عام (1991) اقترح أن النوعية والتجهيزات التي تحتاجها العمالة الصناعية الماهرة تحتاج لإدخال تحسينات على مؤسسات التعليم التقني والمهني عن طريق اتخاذ إجراءات مكلفة وذات تأثير من حيث الكفاءة والفعالية.




الإجراءات التي شملتها إستراتيجية ماليزيا حسب خطة التنمية السادسة
1- زيادة حصة المسجلين في التدريب المهني كنسبة مئوية من إجمالي الالتحاق بالمدارس الثانوية العليا والذي يبلغ حاليًا عام 1991م 8 في المائة عن طريق إنشاء ثمانية مدارس مهنيه متخصصة وأربعة معاهد فنون التطبيقية.
2- تحديث منهج التعليم التقني والمهني وفقًا للحاجات المتغيرة للصناعات وتعزيز العقلية المتسمة بالمرونة.
3- تزويد مؤسسات التعليم التقني والمهني بالمرونة الضرورية بما يسمح لها بأن تكون مرنة وقائدة لسوق العمل.
4- بناء الاستجابة للتدريب وفق احتياجات المجتمع المحلي والصناعة.
5- تعزيز التنسيق بين التدريب والواقع المهني.
الوضع الاقتصادي والتنموي في ماليزيا
خلال عامي 2002م 2003م
الاستثمار في رأس المال البشري
الميزانيات التي رصدتها المملكة لتنمية الموارد البشرية
تاريخ اهتمام المملكة بالتعليم الفني قديم وبالتحديد كانت بدايات الاهتمام بالتعليم الفني متزامنة مع بدايات التعليم النظامي، فقد أمر الملك عبدالعزيز- رحمه الله - بإنشاء مدرسة صناعية بجدة عام 1369هـ ثم افتتح مزيدا منها استجابة للحاجة إليها مع تنويع التخصصات - صناعية وتجارية وزراعية ومعمارية - كما افتتح مراكز للتدريب المهني. وانعكس الاهتمام بتنمية رأس المال البشري من قبل المملكة العربية السعودية وقيادتها الرشيدة في تزايد الاعتمادات المالية المخصصة لتوفير المرافق التعليمية والتجهيزات والموارد البشرية التي تقوم بالتدريس والتدريب وإدارة العملية التعليمية والتدريبية. وتوضح المؤشرات والبيانات الزيادة المستمرة في حجم الإنفاق على تنمية الموارد البشرية ففي عام 1372هـ كانت ميزانية مديرية المعارف آنذاك نحو 12.8 مليون ريال، وبعد تحويلها إلى وزارة عام 1373هـ ارتفعت ميزانيتها إلى 20 مليون ريال، ثم إلى حوالي 84.6 مليون ريال عام 1374هـ، وبلغت عام 1376هـ نحو 88.7 مليون ريال كما ارتفع الإنفاق الفعلي على تنمية الموارد البشرية في خطط التنمية الخمسية التي تم تنفيذها اعتبارا من عام 1390هـ حيث تزايدت وبشكل متواصل الاعتمادات المخصصة لتنمية الموارد البشرية خاصة بعد إرساء قواعد الاقتصاد الحديث وتجهيزاته الأساسية وتشير الإحصاءات إلى ارتفاع الإنفاق الفعلي على تنمية الموارد البشرية من 7 مليارات ريال وبنسبة 20.6% من اعتمادات خطة التنمية الأولى 1390/1395هـ ليبلغ ما قيمته 155 مليار ريال وبنسبة 47.3% من اعتمادات خطة التنمية الخامسة 1410/1415هـ.
ويعد قطاع التعليم من أبرز القطاعات التي حظيت باهتمام المملكة من أجل تنمية الموارد البشرية وزيادة إنتاجها ومواكبة التطورات العلمية والتقنية حيث بلغ إجمالي ما تم صرفه على هذا القطاع خلال خمس سنوات فقط أي منذ عام 1998م وحتى نهاية 2002م أكثر من 175 بليون ريال، أما بالنسبة للتدريب التقني والمهني فإنه يعد إحدى الركائز الأساسية في مجال القوى العاملة ومطلب من مطالب الحاجة الماسة في سوق العمل حيث أنفق عليه خلال نفس الفترة أكثر من 6.1 بليون ريال وإدراكًا من الدولة بأهمية التدريب التقني والمهني فقد صدر الأمر الملكي رقم م/30 وتاريخ 10/8/1400هـ القاضي بإنشاء المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، وتضمّن المرسوم نقل مراكز التدريب من وزارة العمل، والمعاهد الفنية التابعة لوزارة التربية والتعليم والجهات الأخرى إلى المؤسسة.
واستمرارًا لهذه السياسة وتناميا لاستشعار حكومة خادم الحرمين الشريفين لدور العلم والتدريب في النهوض بالوطن فقد خصصت المملكة خلال العامين الماضيين نصيبًا كبيرًا من ميزانيتها لقطاع التعليم والتدريب وقد بلغ في ميزانية العام المالي ( 1428هـ/1429هـ) 105.000.000.000 أي مائة وخمسة بليون ريال وفي العام المالي السابق (1427هـ / 1428هـ) بلغ ما تم تخصيصه لقطاع التعليم والتدريب 96.000.000.000 أي ستة وتسعين بليون ريال. وبالرغم من ذلك تؤكد التقارير والإحصاءات، أن خطط التنمية المتعاقبة على مدى 37 عامًا أخفقت في تحقيق أهدافها، لرفع كفاءة الموارد البشرية الوطنية، وإحلالها محل اليد العاملة الوافدة، على رغم ضخامة الإنفاق المخصص خلال تلك الفترة والبالغ خلال سبعة وثلاثين عامًا ما يقارب ( 1.29 تريليون ريال ).




خلاصة البحث
بعد استقلال ماليزيا عام 1957م أصبحت مشكلة البطالة أكثر خطورة على ماليزيا من الاستعمار لكون صناعتي المطاط والقصدير غير قادرتين على توفير فرص عمل، إلا بأعداد محدودة للغاية؛ ولذلك كان السبيل الوحيد لخلق وظائف هو طرق باب التصنيع، فقرر صناع ومتخذو القرار أن ماليزيا ليس في وسعها أن تتحمل ما يعرف بمقولة «عنق الزجاجة المهاري؟!» وعلى خلاف ما وقع فيه معظم البلدان النامية، حيث تم وبطريقة ما نفي التعليم المهني إلى قاع التسلسل الهرمي للتعليم! لكن في ماليزيا كان التعليم التقني والتدريب المهني هما غاية السياسة التعليمية والبرامج التنموية للقوى البشرية. وبسبب إدراك ماليزيا لأهمية صورة ووضع التعليم التقني والمهني فقد تمكنت من السيطرة على التحديات الرئيسية التي واجهته واستطاعت أن تهيمن عليها خلال السنوات الأولى من تطوير التعليم التقني والمهني, وبهذا الصدد قد أحرزت ماليزيا تقدمًا كبيرًا فلم يعد التدريب المهني والتقني يحمل نفس الصورة التقليدية كتدريب حرفي يقيد من تطلعات الفرد الراغب في تطوير ذاته ومهاراته وإنما أصبح اليوم تدريبًا ذا طبيعة معرفية وإدراكية عالية ويتطلب دراسة الرياضيات والعلوم، والأهم، لم يعد محطة نهائية تتوقف عندها طموح الإنسان وتطلعاته. وقد حرصت ماليزيا أن يصبح خريجو التعليم التقني والمهني قادرين على مواجهة التحدي المتمثل في التكيف واستيعاب أحدث التكنولوجيات في مجال الصناعة فضلاً عن تعزيز النزعة الإبداعية لتطلعات المجتمع الماليزي الذي يعتبر هو الداعم والمساهم الرئيسي في الاختراع والابتكار والتقدم التكنولوجي فكان تعزيز القدرة المعرفية هو تركيز ماليزيا الأساسي في التعليم التقني والمهني من أجل المستقبل. وقد حفز وضع سوق العمل وعامل التكلفة والبحث عن الكفاءات وزارة التربية والتعليم إلى صنع تغيرات هيكلية ذات طابع عالمي لمجمل النظام التعليمي، فالتلاميذ يتعرضون في وقت مبكر للمواضيع ما قبل التعليم المهني المتخصص وبالتحديد منذ بداية الصف الرابع من التعليم الابتدائي ومن فوائد هذا التعرض المبكر أن توجهات التلاميذ نحو العمل سوف تتشكل بما في ذلك احترام الأمانة في العمل وتقدير العمل اليدوي..
توصيات الباحث
التدريب التقني والمهني يحتاج لتضافر جهود أكثر من وزارة وأكثر من جهة للنهوض به باعتباره قضية حاسمة لتحقيق التنمية المستدامة واستمرارها وأمام هذه التحديات لابد من دراسة الواقع وتحليله وتحديد متطلبات المرحلة القادمة من الموارد البشرية، وصياغة أهداف واضحة وإستراتيجية واقعية وطموحة تأخذ بعين الاعتبار الآتي:
• تشكيل هيئة وطنية عليا من مجلس الوزراء والشورى والمؤسسات ذات العلاقة لمراجعة وتقويم ومتابعة تنفيذ الإستراتيجية الوطنية بعيدة المدى للتعليم التطبيقي والتقني والمهني.
• إجراء عملية إعادة تأهيل للخريجين العاطلين من خلال برامج تدريبية تراعي متطلبات سوق العمل يتعاون فيها كل من القطاع الخاص والحكومة.
• تشجيع الشباب على القيام بمشرعات صغيرة وتدبير قروض حسنة تساعدهم على إنجاز مشاريعهم وعقد ندوات ومؤتمرات تشجع المبادرات الفردية والعمل الحر. وتعرف الشباب بطرق اختيار المشاريع الناجحة وإعداد دراسات الجدوى وكيفية إدارة المشاريع وطرق الحصول على القروض.
• إعادة النظر في «كم وكيف» المناهج الدراسية بالتعليم العام والتعليم الجامعي والتدريب التقني والمهني.
• تدريس أخلاقيات العمل؛ حيث إن الشباب يفتقد لقيمة العمل ومعناه الحقيقي والجهد الذي ينبغي أن يبذلوه من أجل البقاء في الوظيفة والاستمرار فيها، وإزالة الصورة السلبية للأعمال المهنية.
• دراسة وضع مراكز التدريب المهني والمعاهد الفنية الثانوية من حيث طاقتها الاستيعابية ومستوى برامجها ومستوى الكفاءات العاملة فيها، حتى لا تزداد شريحة الباحثين عن العمل في السنوات القادمة.
• متطلبات الموارد البشرية من التعليم والتدريب ترتبط مباشرة بالإستراتيجية العامة للدولة، ومن الناحية المنطقية لا معنى لاستراتيجيات جزئية وخطط فرعية من دون وجود إستراتيجية عامة، وحتى توضع هذه الإستراتيجية، ونظرًا لأن العولمة هي أمر واقع لابد من إعادة هيكلة النظام التعليمي والتدريبي لتلبية احتياجات سوق العمل من القوى العاملة المتخصصة والاستجابة للتطورات التقنية المتسارعة في نوعية وكمية الموارد البشرية المطلوبة.
• إعادة النظر في الأنظمة المتعلقة بالتعليم والتدريب لـتحقيق اللامركزية في اتخاذ القرارات الخاصة بتطوير الخطط والبرامج التعليمية والتدريبية لزيادة المرونة والتأقلم مع التطور السريع وتخفيف البطء في اتخاذ القرارات ذات الصلة.
• تطوير النظرة إلى التدريب على أنه عملية إستراتيجية مستمرة لتطوير الموارد البشرية.
• ضرورة امتلاك المهارات التدريبية وتنميتها، مع الأخذ في الحسبان أن إمكانية اكتساب المهارات متاحة لكل شخص وفي أي مجتمع، وأنه يمكن إرث المهارات، لكنها تحتاج فقط إلى البيئة الصحيحة لإخراجها واستغلالها.
• إن التدريب أمر حتمي وضروري، فاكتساب العامل المهارات الأساسية قد يكون كافيًا في أغلب الأحيان للصناعات ذات العمالة الكثيفة، ولكن هناك دائمًا حاجة إلى التدريب التخصصي في الصناعات المعقدة لتأهيل عمال ذوي مهارات نوعية تناسب الأعمال الموكلة إليهم.
• العمل على تحديث برامج التدريب لصقل المهارات المطلوبة بما يتماشى مع التقنية الحديثة.
• تعلم اللغات وخاصة اللغة الإنجليزية كأساس للمتدرب والمدرب حتى يمكن فهم واستيعاب التقنية على أن يتم ذلك بالتوازي مع تطوير المناهج التعليمية والتدريبية وإعدادها بصورة تتفاعل مع الجديد في التقنية
• توفير متطلبات نجاح مراحل تطبيق آليات الربط المناسبة بين سياسات وبرامج التدريب والتعليم المهني والاحتياجات الفعلية لسوق العمل، وذلك وفق دراسة لواقع سوق العمل، وللمؤسسات ذات العلاقة، وللثقافة الإدارية السائدة، ولمراكز اتخاذ القرار؛ ومن خلال عمل مؤسسي يتسم بوضوح الرؤية ويسوده روح الفريق ممثلا بذوي الخبرة وفي ظل مناخ من القناعة لدى جميع الأطراف مع مراعاة أن يتولى أصحاب الأعمال دور القيادة طوال مراحل الربط وذلك وفق مبدأ «حجم المشاركة يحكمها قدر الاستفادة».
• ربط برامج الدراسات العليا في الجامعات والرسائل التي تتم مناقشتها بخطط التنمية في السعودية لمعالجة الموضوعات العملية والاجتماعية المعاصرة ولكي تساهم في تعزيز المشروعات التنموية التي تنشدها الدولة في الوقت الراهن وخاصة الموضوعات التي تتعلق بالعلوم التطبيقية والعلوم البحتة وتخصصات أخرى تحتاجها المملكة - مثل هندسة البترول وتحلية المياه وإدارة الأعمال وهندسة الحاسب الآلي والاقتصاد والإدارة والصيدلة والعمارة والزراعة والمحاسبة والإحصاء وغيرها من الاختصاصات الحيوية.
• تبني وتطوير الكفاءة الإنتاجية للعاملين من خلال إدارة الجودة الشاملة.
• التركيز على انتقاء قيادات إدارية تنفيذية عصرية خلاقة وفعالة تؤمن بأهمية الوقت وقيمة الجودة وقيمة الإتقان وقيمة العمل الجماعي وقيمة المنافسة وقيمة الإيمان الواسع والعميق بالقدرات التي لا حد لها للإنسان (الموارد البشرية) وقيمة الإيمان بعالمية العلم والمعرفة وعلوم الإدارة الحديثة وعلوم الموارد البشرية وعلوم التسويق؛ إذ إن نجاح أو فشل المنظمات يعتمد أساسًا على مهارات القيادات في إدارتهم لمنظماتهم
• التوجه للتعليم الأهلي؛ حيث إن التعليم العام لا يزال غير قادر على تلبية احتياجات التنمية.
• الحاجة لتنمية اقتصادية تولد نظامًا متنوع النشاطات والقاعدة الصناعية، هذا النظام يولد باستمرار الفرص الوظيفية للشباب السعودي.
• إقامة هيئة عربية على غرار الـUNEVOCتهدف إلى تعزيز التبادل العربي للأفكار والتجارب والدراسات وتعنى بالقدرات الوطنية في مجال البحث والتطوير وتيسير الوصول إلى قواعد البيانات والوثائق وتشجيع الابتكارات في مجال تنمية قدرات المتدربين ودعم كافة أشكال التعاون العربية في مجال التدريب التقني والمهني وتبادل الرأي حول مقترحات عملية لربط التعليم والتدريب بسوق العمل.
• إعادة تقييم التجربة السعودية بكل نجاحاتها وإخفاقاتها على ضوء التجربة الماليزية وبالمقارنة مع التجارب الرائدة في نفس المجال.
• إنشاء هيئة عربية للعناية بنظم الجودة والاعتماد الخاصة ببرامج وحقائب التدريب التقني والمهني.
• حماس قطاع الأعمال وتعاونه من خلال برامج التدريب المشترك لا يتوقف فقط على وضوح الرؤية لديه بل أيضا مدى استفادته الأمر الذي يحتاج لإعادة النظر في أشكال التدريب المشترك؟ فهي وإن حققت بعض النجاحات لكنها ليست على المستوى المرجو مما يؤكد حاجتها الماسة لقوة دفع لتعظيم الإفادة المرجوة من ورائها، وأكبر دليل على ذلك أنه لا تزال شركات وطنية رائدة غائبة عن الإفادة والاستفادة من برامج التدريب المشترك.
• توفير الدراسات والأبحاث التي تعكس واقع سوق العمل واحتياجاته الآنية والمستقبلية من المهن وبالتالي من المهارات والكفاءات.
• البدء بتعريض الطلاب لمواقف مهنية منذ المرحلة الابتدائية وهذا يتطلب إدخال نشاط مهني أو صناعي في صورة مقررات لتأهيل الطلاب فيما بعد لمستويات أعلى من التدريب والتأهيل.
• نشر الثقافة المهنية وتحسين صورة العمل المهني وقد استطاعت ماليزيا تنفيذ عدة إجراءات ناجحة بهذا الصدد يجب الإفادة منها.
• إعداد خطط الموارد البشرية التي تحدد الخبرات والمهارات اللازمة لشغل الوظائف وتوصيفها وتحديد معايير الأداء لها.
• تحديد الاحتياجات التدريبية وفق أساليب علمية فعالة.
• التكامل بين نوعي التدريب التقليدي والحديث لتفعيل الأداء التدريبي وزيادة كفاءته.
• تطوير البرامج والمشروعات التي تهدف لسد الفجوة المعرفية والرقمية التي تعانيها الدول العربية.
• الاهتمام بالتفكير الابتكاري بمراحل التعليم والتدريب المختلفة.
• تفعيل مشاركات الأفراد في بحث مشاكل العمل وحفزهم على المبادأة والمبادرة بالاقتراح وتشجيع حلقات العصف الذهني والإدارة على المكشوف والجماعات الحماسية.
• الاهتمام بالتدريب الإلكتروني والعمل على تلافي معوقاته في الدول العربية.

بقلم: حاتم طالب