تعاقبت الأحداث خلال السنوات الأخيرة بصورة مذهلة في مجال الحاسب الآلي وشبكات الإنترنت وتطبيقاتهما المختلفة، فزادت قدراتها على تخزين الملفات واسترجاعها وتبادلها بصورة سريعة، ونتيجة لذلك أصبح العالم يمر بحقبة جديدة في تطور سبل تبليغ المعلومات، فتقنيات الاتصالات تنمو يومًا بعد يوم، ولا يمكن التنبؤ لعالم الاتصالات في المستقبل، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل أصبح تداول المعلومات عن طريق أجهزة الحاسب الآلي والأجهزة النقالة أمرًا يدعو للحيرة والقلق من جانب، والاستفادة الإيجابية في شتى مناحي الحياة من جانب آخر.
ونظرًا للتغيرات الكبيرة التي يشهدها المجتمع العالمي مع التطور الكبير لتقنيات المعلومات والاتصالات، فإن برامج المؤسسات بحاجة إلى إعادة النظر والتطوير لتواكب هذه التغيرات في مجال الحاسب الآلي من أجل العيش في هذا الكوكب الأرضي، ولقد لمس التربويون في السنوات الأخيرة هذه الأهمية، ولذا تعالت الصيحات من هنا وهناك لإعادة النظر في محتوى العملية التربوية وأهدافها ووسائلها بما يتيح للطالب اكتساب المعرفة المتصلة بأجهزة الحاسب الآلي والأجهزة النقالة وشبكات الإنترنت العالمية.
وقد اقتنعت كثير من الدول بضرورة الاستفادة من التطور التقني في مجال التعليم، وبدأ يتضح ذلك في انتشار التعلم الإلكتروني e-learningفي شتى مؤسسات التعليم عامة، ومؤسسات التعليم العالي بخاصة. وعلى الرغم من انتشار التعلم الإلكتروني في السنوات الأخيرة، فإن الحاجة إلى نظرية يبنى عليها هذا النوع من التعليم تبقى قائمة، فالاعتبارات والمعايير النظرية تكسب التربويين بصفة عامة، والمختصين في مجال التعلم الإلكتروني بصفة خاصة الثقة في قراراتهم الخاصة بهذا النوع من التعليم مثل:القرارات السياسية والمالية والتربوية والاجتماعية التي يتم عندها اتخاذها، فلابد أن تتخذ بثقة عالية.

مصطلح النظرية في التربية.. ليس على درجة من الوضوح
الحقيقة أن مصطلح النظرية في التربية ليس على درجة من الوضوح والدقة، على اعتبار أن النظرية مستوى أرقى وأكثر انضباطًا وإحكامًا من الفكر أو الفلسفة، وتعرف النظرية بأنها: بناء عقلي لمجموعة من المفاهيم المرتبطة بظاهرة معينة، ومن الضروري أن ترتبط النظرية بالواقع الحقيقي، وتسهم في حل مشاكله، فإذا اتفقت معه وعكست هذا الواقع أصبح هذا دليلًا على صدق النظرية، أما إذا ثبت عدم صحة ذلك فإن النظرية تصبح غير نافعة أو غير صالحة. وبوجه عام تهدف النظرية إلى التوضيح والفهم والتبسيط من أجل الوصول إلى ناتج تعيلمي له جودة عالية.
إن العلوم الطبيعية تستخدم النظرية من أجل الاختبار والوصف والتنبؤ والتفسير، وإن دور النظرية في التطوير التعليمي هو:تزويدنا بأدوات مفاهيمية واتصالية يمكن استخدامها لجعل عمليات توليد نشاطات التعلم الموجه مرئية، وإدارة هذه العمليات،كما تسمح لنا باختبار أدوات إجرائية وتطويرها.
فالمعلمون، والمتعلمون يحتاجون إلى نظرية مناسبة للتعليم والتعلم يمكن أن تتعامل مع عصر العولمة لكي يتمكن المعلم من خلق البيئة التعليمية المناسبة، كما يتمكن المتعلم من استخدام الطريقة المناسبة لمعالجة المعلومات التي يتم الحصول عليها لبناء مستوى عال وقوي من التفكير الذي ينتج متعلمين مبدعين قادرين على التمييز بين المعلومات التي تم الحصول عليها. ويوجد شكلان من أشكال التعليم هما: تعليم تقليدي وجهًا لوجه، مبنى على الاتصال التفاعلي المتبادل، والآخر تعليم اصطناعي مبني على تفاعل سببي وذي هدف، وتنتجه التكنولوجيا الحديثة، وكل من الشكلين مبني على نظريات تعلم وتعليم معينة.
نظريات التعلم الإلكتروني..وعالم سريع التغير
معظم النظريات التي تفسر التعلم الإلكتروني ترتكز على فكرة الفصل بين المعلم والمتعلم، وتأثير المؤسسات التعليمية، واستخدام الوسائط المختلفة لربط المعلم والمتعلم، وتقديم الفرص الخاصة بالتفاعلات أو الاتصالات الثنائية، وتطبيق أساليب التعليم الفردي. وإن التعريفات التقليدية للتعليم الإلكتروني تقدمه على أنه التعليم الحادث في أوقات مختلفة وفي أماكن مختلفة، في حين تركز التعريفات الحديثة على التقنيات التفاعلية الحديثة، والتعليم المقدم في الوقت نفسه ولكن عبر أماكن مختلفة، ومع الأهمية البالغة لمؤسسات التعليم عن بعد دور بالغ، تبقى هذه المفاهيم مثيرة للجدل في الوقت الذى يسعى فيه الممارسون للتعليم الإلكتروني لوضع تعريفات تتناسب مع عالم سريع التغير.
وما دامت البيئة التي تشتمل على كل من التكنولوجيا والمجتمع والاقتصاد والسياسة- وأيضًا نظريات التعلم- مستمرة في التغير؛ فسوف يؤدي هذا إلى أن يستمر الجدل المثار حول التعريفات والنظريات والممارسات في مجال التعلم الإلكتروني، وهذه التغيرات سوف تتحدى التربويين والباحثين في مجال التعلم الإلكتروني وتحثهم على بذل المزيد من الجهد لفهم وتطوير طرق أكثر فاعلية؛ لتحقيق احتياجات المتعلمين المتنوعة.
التعلم الإلكتروني ونظريات التعلم
هذه النظريات يمكن تطبيقها في مجال التعلم الإلكتروني، بالإضافة إلى أحدث النظريات وهي الاتصالية التي ظهرت في السنوات الأخيرة.
أ- النظرية السلوكية:
تأثرت المدرسة السلوكية بباحثين أمثال «واطسون» و«ثورندايك» و«بافلوف» و«سكينر»، حيث يرى هؤلاء أن التعلم تغير في السلوك الملاحظ الذي تسببه المثيرات الخارجية في البيئة، ويرى علماء السلوكية أن العقل «كصندوق أسود» بمعنى أنه يمكن ملاحظة الاستجابة لمثير بطريقة تقديرية كمية مع التجاهل التام لتأثير عمليات الفكر التي تحدث في العقل. ومن ثم فإن التطبيقات التربوية لهذه النظرية تستوجب هيكلة عملية التعلم وإنجازها من خلال أهداف ومخرجات تعليمية محددة، حيث يمثل التدريب، والممارسة مع التغذية الراجعة في كل خطوة إطارًا تطبيقيًا عامًا للنظرية السلوكية.
2-النظرية المعرفية:
ينظر علماء النظرية «المعرفية» إلى التعلم كعملية داخلية تتضمن الذاكرة والتفكير والانعكاس والتجريد والدافعية وما وراء المعرفة، ويشتمل علم النفس المعرفي على عملية التعلم المعتمد على معالجة المعلومات، حيث يتم استقبال المعلومات عبر الحواس المختلفة، وتحويلها إلى الذاكرة قصيرة المدى وطويلة المدى عبر العمليات المعرفية المختلفة.
وفي هذا الإطار تهتم النظرية المعرفية بالعمليات العقلية الداخلية، وكيفية استخدامها لتحفيز التعلم الفعال، حيث تنظر للتعلم على أنه استخلاص وإعادة تنظيم للهياكل المعرفية التي يستطيع المتعلم من خلالها معالجة المعلومات وتخزينها واسترجاعها من أجل تطبيقها.
مما سبق يتضح أن النظرية المعرفية للتعلم تركز على استقبال المتعلمين للمعلومات ومعالجتها؛ لنقلها إلى ذاكرة المدى الطويل ومن ثم تخزينها، واسترجاعها، والعمليات التي تحدث في كل ذلك. والرسم التخطيطي التالي يوضح ذلك:
3-النظرية البنائية:
توضح المدرسة البنائية أن المتعلمين يبنون المعرفة الشخصية من خبرة التعلم ذاتها. وبناءً على ذلك يمكن النظر إلى التعلم كعملية نشطة، ولا يمكن استقبال المعرفة من الخارج، ومن ثم يجب أن يسمح للمتعلمين ببناء المعرفة ذاتيًا بدلًا من أن يتم تقديم المعرفة لهم عبر التعليمات والتدريس الإلكتروني.
ما هي الانتقادات الموجهة لنظريات التعلم؟
وجه Siemens(2005)عدة انتقادات لنظريات التعلم السائدة وهي: السلوكية، والمعرفية، البنائية في التالي:
1- لا تعكس هذه النظريات طبيعة التعلم الذي يحدث في عصرنا الرقمي الذي من أبرزه التعلم الإلكتروني.
2- تقتصر هذه النظريات على تفسير التعلم في البيئات الرسمية والمنظمة، وتفشل في تفسير التعلم الذي يحدث في البيئات غير الرسمية، ففي بيئات الجيل الثاني للويب Web2.0ظهر العديد من شبكات ومجتمعات التعلم ذات البنية المعقدة، والتي تعجز نظريات التعلم التقليدية في تفسير طبيعة التعلم الذي يحدث في إطارها.
3- تشترك نظريات التعلم السلوكية والمعرفية والبنائية في افتراض أن المعرفة هي بمثابة شيء موضوعي يمكن الخلوص إليه بشكل فطري أو بشكل مكتسب من خلال الخبرة.
4- تفترض هذه النظريات أن التعلم يحدث داخل الفرد فقط، وبالتالي فإن تلك النظريات لا تشير إلى التعلم خارج المتعلم أى التعلم الذي يحدث ويتم تخزينه ومعالجته بواسطة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
5- تهتم هذه النظريات بعملية التعلم، وليس بقيمة ما يتم تعلمه.
6- تؤدي التقنيات المتقدمة العديد من العمليات المعرفية التي كان المعلمون يؤدونها في الماضي مثل عمليتي تخزين واسترجاع المعلومات من الذاكرة الإنسانية، وهو ما لا تراعيه نظريات التعلم التقليدية.
7- يتزايد الاهتمام حاليًا بالارتباطات بين المجالات المعرفية المختلفة، وهو ما لا تهتم به النظريات التقليدية بالشكل الكافي.
النظرية الاتصالية للتعلم والمعرفة
في ضوء الانتقادات السابقة لنظريات التعلم: السلوكية والمعرفية والبنائية، قدم «سيمنز» نظرية تسمى النظرية الاتصالية للتعلم والمعرفة Connectivism.ويعرفها «سيمينز 2005بأنها «نظرية تسعى إلى أن توضيح كيفية حدوث التعلم في البيئات الإلكترونية المركبة، وكيفية تأثره عبر الديناميكيات الاجتماعية الجديدة، وكيفية تدعيمه بواسطة التكنولوجيات الجديدة.
ويشير «سيمنز2004» إلى أن التعلم الشخصي المنظم هو مجموعة من المهام المتكاملة، وأن المعرفة الشخصية تتألف من شبكة من المعارف تغذى وتمد المؤسسات المختلفة بالمعارف المتنوعة، وتقوم هذه المؤسسات بعملية التغذية الراجعة لهذه الشبكة ومن ثم يستمر تعلم الفرد.وتحاول النظرية الاتصالية أن توفر فهمًا واضحًا لكيفية تعلم المتعلمين في المؤسسات التعليمية. والتعلم من وجه نظر النظرية الاتصالية هو معرفة قادرة على الفعل، يمكن أن يقع خارج أنفسنا (داخل مؤسسات)وفيه يركز المتعلم على عمل صلات بين المعلومات والمعارف المتخصصة، والصلات التي تمكننا من أن نتعلم جديدًا وكثيرًا من المعارف بصورة هادفة تكون أهم من المعارف الساكنة الحالية الموجودة لدى الفرد.
والاتصالية أو عمل صلات من جانب المتعلم يكون مدفوعًا نحو اتخاذ قرارات جديدة مبنية على أسس علمية، حيث يتم باستمرار اكتساب المعلومات الجديدة واستنتاج الاختلافات بين المعلومات المهمة وغير المهمة وإدراك متى يتم استبدال المعلومات المكتسبة مسبقًا وكسب معلومات ومعارف جديدة، كل هذا يعد من الأمور الحيوية والأساسية بالنسبة لعملية التعلم لدى المتعلم.
ويوجد فرق بين النظرية الترابطية والنظرية الاتصالية، ويتمثل ذلك في أن النظرية الترابطية قد برهنت فاعليتها كنظرية تشرح طبيعة العمليات المعرفية الموزعة DistributedCognitionعلى المستوى الفردي، أما النظرية الاتصالية فهي تفسر كيفية توزيع المعرفة خلال شبكة تتضمن المتعلمين والتقنيات والأدوات غير البشرية، ولا تقتصر فقط على المعرفة الموزعة داخل دماغ المتعلم كما هو الحال في النظرية الترابطية.
مبادئ التعلم الشبكي والاتصالية NetworkedLearningandConnectivism:
التعلم الشبكي مجموعة فرعية للاتصالية، وعند تقديم هذه النظرية يجب الاهتمام بالمبادئ التربوية التالية:
1- التعلم والمعرفة يكمنان في تنوع الآراء.
2- التعلم عملية تصل بين العقد Nodesالمتخصصة أو مصادر المعلومات.
3- التعلم يمكن أن يكون موجودًا في أجهزة وأدوات غير بشرية.
4- القدرة على معرفة المزيد من المعارف أهم مما هو معروف حاليًا.




تكوين الوصلات TypesofConnections
يوجد العديد من العوامل التي تؤثر على تكوين الوصلات الجيدة من أهمها:الانتباه، وملاءمة المعلومات، والإحساس بالجدارة والقناعة كلها عوامل تؤثر على تكوين وصلات جيدة.مع أن الوصلات هي أساس تعلم الشبكات، فإنها ليست متساوية التأثير في بنية الشبكات، ويمكن تقوية الوصلات بالاعتماد على عوامل أخرى من أبرزها:
1- الدافعية Motivation:
الدافعية مفهوم من المفاهيم صعبة التفصيل على نحو كامل، وتنشأ الصعوبة في أن الدافعية تتأثر بعواطفنا وانفعالاتنا ومنطقنا. فالفرد ذو الهدف الواضح يمكن أن تكون لديه دافعية أكبر؛ لأنه يرغب في تعلم موضوع جديد.وتحدد الدافعية ما إذا كنا نستقبل مفاهيمًا معينة باهتمام ورغبه، كما تحدد رغبتنا لدعم وصلات شبكية أعم من خلال القيام بعمليات مثل: التفكير والمنطق والاستدلال وغيرها من العمليات الأخرى، إذ إن التعلم هو ترميز للعقد وتكوين الوصلات عبر القيام بعمليات عقلية معينة.
2- العواطف والانفعالات Emotions:
تؤدي الأحاسيس والعواطف Emotionsدورًا مهمًا في تقدير العقد وتقويمها، وتحديد الرؤى ووجهات النظر المتناقضة، كذلك تعد من العوامل المؤثرة التي يتم من خلالها تطبيق آراء وخصائص معينة على شبكات أخرى.
3- التعرض Exposure:
التعرض والتكرار طريقة ممتازة لتقوية الوصلات، فنمو وبروز العقدة يزيد كلما ارتبطت بها المزيد من العقد والأفكار التي ترتبط بقوة بالأفكار الأخرى التي تنضم وتتكامل بسرعة مع الشبكة، وهذا عامل مهم بالنسبة لصعوبة التغير الشخصي الذى قد يؤدي إلى تكوين عقدة مخادعة.
وتستمر العقدة ولكن يكون لها احتكاك محدود داخل كل شبكة، وعندما تبدأ العقدة في تكوين وصلات مع عقد أخرى تحصل على احتكاك وتبدأ في الارتباط والاتصال بدرجة كبيرة بالعقد الأخرى، وتمثل هذه ميزة حقيقية، حيث تستمر في تكوين وصلات داخل الشبكة حتى تبتكر شبكة فرعية أخرى من الوصلات داخل البنية الأكبر، وعند هذه النقطة يكون لها القدرة على التأثير على الشبكة الأكبر الموجودة في الأصل.
4- صياغة أنماط ونماذج مبتكرة Patterning:
تعد صياغة الأنماط والنماذج أهم عنصر من عناصر التعلم، وهي عملية إدراك طبيعة وتنظيم الأنواع المختلفة الأخرى من المعلومات والمعرفة، حيث تحدد الأشكال المبتكرة من خلال هذه البنيات مدى الاستعداد ومدى سهولة عمل الوصلات، ويؤدي التعرف إلى النماذج والعينات إلى نمو في المعرفة عبر عناصر الشبكات المماثلة، ويقلل الازدواجية إلى أقل درجة ممكنة.
5- المنطق Logic:
يعد المنطق من العناصر الرئيسة في عملية التعلم، فالكثير مما نتعلمه وتعلمناه يكون النتيجة والحاصل الثانوي للتفكير، والتفكير مثل المنطق ولكنه لا يسمح كثيرًا بتبادل المشاعر والعواطف، وتتضمن عملية التفكير وبناء شبكات التعلم وتنظيمها. ويمكن أن يساعد المنطق في توفير الوقت لبناء العقد التي تكون الوصلات الشبكية، والوصلات يمكن أن يتم تكوينها بدون فكر شعوري، وتتحسن العملية تحسنًا جوهريًا عندما توجه بواسطة الاستدلال المركز. والمنطق مهم لتكوين الوصلات، حيث يقوم بتقويم النماذج المختلفة والتعرف عليها بين مفاهيم وعناصر الشبكات المختلفة.
6- الخبرة Experience:
تعد الخبرة من الجوانب المهمة في ابتكار الشبكات، فقدر كبير من التعلم يأتي عبر الوسائل غير الرسمية، والخبرة عامل منشط وقوي لاكتساب العقد Nodesالجديدة وتكوين الوصلات بين العقد القديمة الموجودة مسبقًا والعقد الجديدة. والمتعلمون الذين يتخرجون في الجامعة أو الكلية تكون لديهم عقد (معلومات، ومعارف) ولكن وصلاتها تتشكل عندما يكون المتعلم داخل المجال الذي يعمل فيه نشطًا، والخبرة بهذا المعنى يمكن أن تكون مكونة أو مسهلة لتكوين الشبكات، فالممارسة الجيدة للمتعلم في التعليم الجامعي توفر رابطة قوية بنظرية التعلم عبر الشبكات.
خصائص وسمات شبكات التعلم
توجد خصائص كثيرة للشبكات انتقلت من علم الاجتماع إلى مفهوم التعلم الشبكي ومن أبرزها:
1- تأثير العالم الصغير SmallWorld:
معظم العقد داخل الشبكة تكون متصلة بمسار صغير، وتتدفق المعلومات من مجال واحد إلى مجال آخر، وشبكة التعلم تحتوي على مسارات صغيرة بين عناصر المعلومات.
2- الصلات الضعيفة WeakTies:
الصلات الضعيفة عبارة عن روابط أو كباري تختص بالصلات القصيرة بين المعلومات، وإن كثيرًا من المعلومات تأتي من هذه الوصلات نتيجة ارتباطها بشبكات أخرى مختلفة عنها، وتساعد هذه الصلات على تنمية أساليب التفكير المختلفة لدى المتعلمين.
3- الشبكات الخالية من المقياس ScaleFreeNetworks:
يتصل في هذا النوع من الشبكات بعض الأعضاء بدرجة أقل والبعض الأخر يتصلون بدرجة أكبر نتيجة امتلاكهم لمكانة أقدم في الشبكة، والشبكات من هذا النوع تكون مرنة وليست محصنة ضد الهجوم.
4- المركزية Centrality:
تتناول المركزية الوضع البنائي لعقدة داخل شبكة، وتقوم بتوضيح طبيعة العقدة وعلاقتها ببقية الشبكة، وقد تتأثر المركزية بعدة عوامل منها: التقارب والبينية بين العقد.
التحكم وتدفق المعرفة
يحدث تدفق للمعرفة والمعلومات عبر عقد Nodesمعينة بأسلوب يعكس الشبكة الموجودة، وقد يواجه متعلمان المعلومات نفسها، ومع ذلك يقومان بترميز العقدة الجديدة داخل شبكتهم بطرق مختلفة، وما يكون مقنعًا لأحدهما قد لا يكون مقنعًا لشبكة الأخر، وبالتالي كيف تتدفق المعرفة داخل الشبكة؟
وتتضمن المعتقدات الراسخة لدى المتعلم أن المعلومات الجديدة تسلك طريقها عبر الشبكة القائمة، ويتم تقويم المعلومات الجديدة وترميزها داخل شبكة التعلم. وكمثال على ذلك، إذا اعتقد شخص أنه لا يثق كثيرًا في المجتمع الذى يعيش فيه، فالأنشطة التي يقوم بها في حياته العملية لا بد أن تفسر في هذا الإطار. وبطريقة مماثلة عندما يتم تقديم المعرفة إلى شبكة تعلم، وتتناقض مع المعرفة الموجودة بالفعل لدى المتعلم، فإن شبكة التعلم الموجودة تحاول أن تدفع العقدة الجديدة إلى مكان مهمل؛ ونتيجة لذلك فإن العقدة الجديدة لا تحصل على مكانة مهمة مع الشبكة الأكبر، وإذا لم تكتسب العقدة الجديدة مستوى من المكانة، فإن المعرفة الجديدة تسلك طريقها عبر العقدة وتسمح لها أي العقدة أن تتكاثر من نفسها أو تتعدد منها.
أما بالنسبة لمعوقات تدفق المعلومات فهي تلك العناصر التي تقلل إمكانية تدفق المعلومات والمعرفة ومعظم هذه المعوقات يتضمن عناصر مثل: الانحيازات والمفاهيم الخطأ المدركة مسبقًا أو ضعف المرونة لدى المتعلم أو مشاعرنا، وكذلك المعلومات الضعيفة أو غير الملائمة للشبكة القائمة أو المعلومات التي قد تكون غير صحيحة. كذلك توجد موانع خارجية تمنع تدفق المعلومات منها: ثقافة المجتمع والبيروقراطية واقتسام المعلومات بين الأفراد، كل ذلك يحدد مدى تدفق وانسياب المعلومات بين الشبكات. ومن العوامل التي تزيد من انسياب المعلومات بين الشبكات عوامل عديدة من أهمها:المبادلة والدافعية لدى المتعلمين إذ يعدان من العوامل الرئيسة لتدفق المعلومات.
استخدام شبكات التعلم
تتشكل الشبكات باستمرار بصورة ديناميكية، ويمكن أن تتجمع على شكل بنيات أكبر (شبكة الشبكات). كما يمكن تفكيك الشبكات وتحويلها إلى بنيات أصغر؛ على سبيل المثال:الشخص الذى لديه نوع من شبكة التعلم الشخصية، وعندما يعمل في منظمة ما فإنه يحضر معه الشبكة الخاصة به، ويتحد مع الشبكة الأكبر الخاصة بالمؤسسة أو المنظمة، وفي سياق الحياة اليومية نحن نتنقل بين العديد من الشبكات ونتصرف باستمرار من خلال الشبكة الخاصة بنا والشبكة الخاصة بالحياة اليومية.
وإدراكنا أننا نتنقل باستمرار داخل الشبكات وخارجها يوفر نقطة بداية مهمة لمؤسسات التعليم العالي، حيث إننا نكتسب عقدًا Nodesجديدة، ونشكل وصلات جديدة، ونتجمع في شبكات أكبر أو نتفكك إلى شبكات أصغر وبذلك فإننا نتعلم ونتكيف باستمرار ونتفاعل ديناميكيًا مع العالم من حولنا.

التعلم الإلكتروني في ضوء النظرية الاتصالية.. يتجاوز مفهوم توفير الاجهزة
إن التعلم الإلكتروني لا يعني توفير أجهزة كمبيوتر وشبكات إنترنت في الفصول الدراسية فقط، ولا يعني أيضًا نقل المحتوى التعليمي كما هو، ونشره على شبكة الإنترنت، فقضية التعلم الإلكتروني ليست تقنية بالمقام الأول، بل تطويع التقنية لتيسير عملية التعليم والتعلم.ويركز التعلم الإلكتروني على تعلم الطالب، وهذا يعنى أن دور المتعلم في عملية التعليم والتعلم قد تغير، وبالتالي فقد تغير دور المعلم هو الآخر من كونه مصدرًا للمعلومات إلى كونه ميسرًا ومنظمًا ومخططًا لعملية التعلم وغير ذلك من الأدوار التي يقتضيها تحول المتعلم من مستقبل سلبي للمعلومات إلى متعلم فعال، وهذا الموقف التعليمي يتم في بيئة غنية بمصادر المعلومات والمعارف.
وقد يعتقد البعض أن التعلم الإلكتروني على شكل مقرر تدريبي معتمد على شبكة الإنترنت أو على أجهزة الكمبيوتر بديل مباشر للصف الدراسي التقليدي الذي يتم فيه التعلم وجهًا لوجه، لكن الأسلوب الأكثر شيوعًا هو اختيار منتج ثم التخطيط لتنفيذ المحتوى الموجود في هذا المنتج، وفي أغلب الأحيان يفشل هذا الأسلوب في تحقيق الفائدة المرجوة، وقد يعود السبب الرئيس لهذا الفشل إلى قلة الاهتمام ببيئة التعلم التي تشمل سياق التعلم، وأساليبه، والتفاعلات البشرية بين المشاركين والتوفيق بين الأدوات والعمليات من جهة وبين أهداف التعلم ونواتجه من جهة أخرى. ومن أبرز السمات المرتبطة بالتعلم الإلكتروني ما يلي:
أ- التعلم النشط:
يعد التعلم النشط سمة أساسية في التعلم الإلكتروني وملمحًا أساسيًا في كثير من شبكات الإنترنت التي تحتوي على مهارات متزايدة ومتنوعة لكل المشاركين، وبخاصة المشاركين بصورة مباشرة Online.
ب- التعلم التعاوني:
أصبح التعلم التعاوني في معظم الشبكات دليلاً على نجاح المشاركين المستمر، حيث إن التركيز على تعلم بعضهم من بعض والتفاعل مع الشبكات الأخرى من خلال: مؤتمرات الويب والرقابة والإشراف والتواصل والتفاعل غير الرسمي بين الأقران، والأنشطة الجماعية البنائية سمات أساسية في التعليم التعاوني عبر الشبكات.
جـ- مجتمعات التعلم:
تطورت شبكات التعلم الإلكتروني إلى مجتمعات للتعلم، حيث أسست وجودها ومواقعها على الويب، ففي شبكات التعليم الإلكتروني توجد منتديات للمناقشة النشطة، والرسائل الإخبارية وقوائم البريد الإلكتروني وغيرها.
وفيما يلي توضيح للعناصر الرئيسة للتصميم التعليمي للتعلم الإلكتروني في ضوء النظرية الاتصالية على النحو التالي:
1- الأهداف التعليمية:
لا تضع النظرية الاتصالية للتعلم دورًا محوريًا للأهداف التعليمية المحددة في التصميم التعليمي، كما هو الحال في نظريات التعلم الأخرى؛ فالتعلم الاتصالي أعقد وأشمل من أن يحدد في أهداف سلوكية معينة.فبدلًا من أن يقتصر تركيز المصمم على بلوغ أهداف سلوكية محددة؛ فإنه يجب أن يوسع نظرته بحيث يركز على بيئة التعلم، وعلى مدى توافر المصادر، ومدى قدرة المتعلم على التأمل كأهداف للتصميم التعليمي.
وفي ضوء النظرية الاتصالية، يتم التركيز بشكل أكبر على أهمية تعليم الطلاب سبل البحث عن المعلومات وتنقيحها وتحليلها وتركيبها من أجل الحصول على المعرفة في نهاية المطاف، كما يتم التركيز على تنمية قدرة الطلاب على التمييز بين المعلومات المهمة وغير المهمة في مجال التخصص.كما تعد تنمية مهارات إدارة المعرفة الشخصية ومهارات التشبيك الاجتماعي من بين المهارات العامة التي يركز عليها التصميم التعليمي الاتصالي.
2- المحتوى التعليمي:
يعد تحليل المحتوى جزءًا محوريًا من جميع عمليات التصميم التعليمي القائمة على نظريات التعلم التقليدية، وعلى العكس من ذلك فإن التصميم التعليمي لا يعطي للمحتوى الأهمية نفسها؛ ففى ضوء مبادئ النظرية الاتصالية؛ فإن المتعلمين يختارون أغلب المحتوى من المصادر المتوافرة في شبكات التعلم وبيئاته التي يشاركون فيها. وبنظر المصمم التعليمي الاتصالي إلى محتوى المقرر الدراسي على أنه مجرد نقطة التقاء من بين العديد من نقاط الالتقاء الأخرى التي سوف يتعامل معها المتعلم في أثناء أنشطة التعلم الشبكية التي يقوم بها.
3- بيئة التعلم:
تحتل بيئة التعلم مكانة محورية في التصميم التعليمي التواصلي؛ إذ لا يركز المصمم التعليمي على مجرد تصميم مقررات أو برامج تعليمية، بل يجب أن ينظر المصمم التعليمي إلى التعلم كنشاط يحدث في بيئة، يجب أن تتوافر فيها خصائص معينة تشجع الطلاب على التعليم المستمر والتواصل، والانخراط في التعلم والمشاركة الفعالة. لذا يجب على المصمم التعليمي في البيئة الاتصالية أن يجد حيزًا للتعبير عن الذات مثل: المدونات ومنتديات المناقشة وحيز الحصول على أحدث المعلومات والعناصر المتغيرة لمجال الممارسة. كما يجب أن تتوفر فرصة جيدة للتواصل بين المتخصصين والمتمرسين، وكذلك حيز للتعرف إلى المعلومات المخزنة على مواقع الويب المختلفة.
4- أنشطة التعلم في ظل الاتصالية:
في إطار التصميم التعليمي الاتصالي لا يضع المصمم التعليمي قيودًا كبيرة على طبيعة أنشطة التعلم نظرًا لأن المتعلم يقوم بأنشطة التعلم التي يفضلها في ظل وجود حيز كبير من الحرية أمامه في ذلك.وسيكون على المصمم التعليمي توفير عدد كبير من البدائل لأنشطة التعلم التي تساعد المتعلم على الانخراط في شبكات التعلم والمشاركة فيها.ومن أبرز أنشطة التعلم القائمة على النظرية الاتصالية الآتي:
- المشاركة المستمرة في تطوير محتوى الويكي الخاص بالمقرر الدراسي.
- قراءة ومراجعة ونقد المحتوى الأساسي للمقرر الدراسي من خلال المدونات الشخصية؛ مما يوفر للطلاب فرصًا لتقديم أفكارهم الإبداعية التي تساعدهم في تفعيل الاستفادة من عملية التعلم.
- مشاركة المقالات من خلال المفضلات الاجتماعية.
- إعداد بعض المواد التعليمية التي تساعد المتعلمين الآخرين على الفهم؛ ونشرها على الويب.
- القيام بأنشطة التدوين المصغر من خلال موقع تويتر Twitter.
مشاركة الوسائط المختلفة مثل:الصوت، والصورة، ومقاطع الفيديو من خلال المواقع المخصصة لذلك مثل Youtube, GoogleDocsوغيرها من المواقع ذات الصلة.
5- التقييم في ضوء النظرية الاتصالية:
ينظر المصمم التعليمي الاتصالي إلى إتقان محتوى التعلم على أنه يمثل جزءًا بسيطًا مما يجب تقييمه لدى المتعلم؛ فمهارات إدارة المعرفة الشخصية، والتشبيك الاجتماعي، والتعامل مع المعلومات تعد أبعاد التقييم الأساسية التي يهتم بها المصمم التعليمي، ومن بين أساليب التقويم التعليمي التي تعكس الفكر الاتصالي ما يلي:
- ملفات الأعمال والمدونات الشخصية، حيث تعطى مثل هذه الأساليب فرصة للتقييم الشخصي لكل متعلم على حدة؛ بحيث توضح طبيعة نشاط الطالب وخبراته وتأملاته ووجهات نظره الشخصية.
- مشاريع الويكي التعاونية: وهي مشاريع يعمل الطلاب بشكل تعاوني تشاركي على إنجازها من خلال الاشتراك في بناء محتوى يتناول موضوعات التعلم.
- الوسائط التي ينتجها الطلاب، حيث يمكن استخدام هذه الوسائط لتقييم تعلم الطلاب بدلًا من بعض الأساليب التقليدية مثل:كتابة المقالات والعروض الشفهية المعززة ببرنامج Powerpoint، وسيتم نشر هذه الوسائط بحيث يمكن للمعلم والطلاب الآخرين ومستخدمي الويب بصورة عامة تحميلها والتعليق عليها.
والاتصالية التي توفرها شبكات التعليم الإلكتروني قد مكنت القائمين على مؤسسات التعليم من توزيع معلومات مهمة عن التعليم الإلكتروني ونشرها واتخاذ قرارات معلوماتية معرفية عن ممارستهم لنظام التعليم الإلكتروني بالاعتماد على المعلومات الجديدة المكتسبة من خلال الشبكات.
التفكير الاستبصاري..الطريق لتطوير تقنيات التعليم
حتى يتم توظيف الأفكار السابقة، وغيرها من الأفكار التي تسعى إلى تطوير العملية التعليمية، لابد من الاهتمام بالتفكير الاستبصاري في العملية التعليمية وبخاصية فيما يتعلق بالمستحدثات التكنولوجية. فغياب هذا النوع من التفكير يجعلنا ننزل قضايا صغيرة منزلة القضايا الكبيرة، كمن يعتبر أن مشكلتنا في التعليم تكمن مثلًا في ضعف استخدام أنظمة التعليم الإلكتروني وقتها أو عدم تفعيل برامج التعليم عن بعد، أو كمن يتحدث عن أهمية المباني الحديثة وكأنها هي شفرة الامتياز العلمي.
هذا النوع من التفكير كارثي النتائج؛ وإذا اعتمدنا عليه في إعادة النظر في فلسفة التعليم وبنيته الفكرية وأسسه التحتية، فهو يسطح عقولنا ويميت قدرتنا على تلمس البعد الحرج في قضية التعليم، ويقنعنا بحلول جزئية هامشية تكلفنا الكثير ولا تكاد تمنحنا شيئًا غير فتات لا طعم له.

بقلم: د. أحمد عبد المجيد