أدى ظهور الإنترنت في مطلع تسعينيات القرن الماضي إلى إحداث تغييرات بنيوية مهمة في عملية تدفق المعلومات في المجتمعات المعاصرة. وقد ارتبط ظهور هذه التقنية الجديدة من تقنيات الاتصال بمصطلحات مثل: «مجتمع المعلومات» و«مجتمع المعرفة» و«المعلوماتية» وأدخلت أفراد المجتمع-ربما للمرة الأولى في التاريخ الإنساني-مجال إنتاج المعلومات، وتوزيعها بعد أن كان دورهم يقتصر على استهلاك المعلومات التي تنتجها نخبة قليلة من المفكرين والكتاب والإعلاميين. وأدى ظهور الإنترنت وانتشارها إلى إفساح المجال لدخول تقنيات جديدة لنشر المعلومات غير الوسائل التقليدية كالصحف المطبوعة والإذاعات ومحطات التلفاز الرسمية، وذلك من أجل إنتاج المعلومات وتوزيعها في المجتمع.
وقد مهد مجتمع المعلومات(مجتمع العلم) الطريق لقيام مجتمع جديد، يطلق عليه اليوم-في ظل حضارة الإنترنت-مجتمع المعرفة الإلكتروني، وهو بمثابة مجتمع جديد قديم، جديد في ثوبه وشكله وأطره، قديم في مضمونه وجوهره ولبه. فالجوهر أو المضمون يمثل العلم وهو لم ولن يتغير، أما الشكل أو الإطار فهو المتغير والمتطور. إن التغيير والتطوير في مجتمع المعرفة حدث ويحدث نتيجة المعالجة الآلية وتسخير كافة الموارد البشرية والمادية، بما في ذلك التقنية ومستحدثاتها لخدمة هذا المجتمع المستحدث وهو مجتمع المعرفة الإلكتروني.
إن الذي يميز مجتمع المعرفة ليس الحصول على المعلومات أو إمكان استخدامها بكفاءة، وتسخيرها لتحقيق أهداف معينه ومحددة بالرغم من أهمية ذلك، وإنما الذي يميز ذلك المجتمع ويحدد قدرته على البقاء والصمود والتقدم والمنافسة، هو الإنتاج: إنتاج المعرفة واستثمارها في شتى المجالات بحيث تصبح مصدرًا اقتصاديًا رئيسًا.
فإنتاج المعرفة يمثل سلعة رابحة تحمل معها السيطرة والمكانة الاجتماعية، فضلًا عن الهيمنة الثقافية والاجتماعية، ولهذا فالتنافس على أشده بين المجتمعات المتقدمة للحصول على مكان مناسب ومتميز في مجتمع المعرفة الإلكتروني، تحقيقًا لأهداف وغايات المجتمع الكبير. ونظرًا لأهمية مجتمع المعرفة في شتى المجالات عامة ومجال التعليم خاصة سوف يتم تناوله في النقاط الآتية:
- العلم أم المعرفة أم المعلومات.
- أنواع المعرفة.
- مجتمع المعرفة وأبعاده.
- مجتمع المعرفة والتعلم الإلكتروني.

العلم أم المعرفة أم المعلومات
إذا نظرنا إلى كلمة علم من حيث اشتقاقها اللغوي، نجد أنها ترجمة للكلمة الإنجليزية Science المشتقة من الكلمة اللاتينية Scireومعناها أن يعرف. وكلمة علم في اللغة العربية تحمل معنيين مختلفين الأول: معنى واسع يرادف المعرفة، كمثال في حياتنا اليومية نقول: لا علم لي بهذا الموضوع أي لا أعرف عنه شيئًا. والثاني:معنى ضيق هو الذي يرادف العلم التجريبي كما في علم الكيمياء والفيزياء وغيرهما من العلوم، وهو ضرب من ضروب المعرفة المنظمة التي تهدف إلى الكشف عن أسرار الطبيعة من خلال الخلوص إلى القوانين التي تتحكم في مسارها.
وتعد المعرفة مجموعة من المفاهيم والآراء والتصورات الفكرية التي تتكون لدى الفرد نتيجة لخبراته في فهم الظواهر والأشياء المحيطة به.
أما العلم فهو أسلوب لتحقيق هذه المعرفة وتدقيق الصواب من الخطأ، وهو المعرفة المنظمة المصاغة بشكل قواعد وقوانين تم التوصل إليها بواسطة الأسلوب العلمي السليم الذي يجعل الفرد على يقين من صدق معارفه.
وبذلك يكون مفهوم المعرفة ليس مرادفًا لمفهوم العلم، فالمعرفة أوسع حدودًا ومدلولًا وأكثر شمولية وامتدادًا من العلم. فالمعرفة هي من خارج المنهج في حين العلم هو نتاج المنهج، وهذا يعني أن كل علم معرفة، ولكن ليس كل معرفة علمًا، هذا من جانب، ومن جانب آخر تبدو المعرفة في العلوم الطبيعية صعبة، في حين أن العلوم الإنسانية سهلة الاستيعاب، ولكن بناء العلم في العلوم الطبيعية مهمة سهلة، والعكس من ذلك في العلوم الإنسانية نظرًا لتعدد المتغيرات وصعوبة ضبطها وتدخل الذاتية.
وفي ضوء هذا الاختلاف جاءت دعوات العلماء في العلوم الإنسانية إلى محاولات الاعتماد على الطرق والأساليب الإحصائية كلما أمكن ذلك، فلغة الأرقام أكثر موضوعية ويمكن أن تقرب العلوم الإنسانية إلى صف العلوم الطبيعية.

ما هي العلاقة بين البيانات والمعلومات؟
توجد علاقة بين البيانات والمعلومات والمعرفة، (شكل 1) إن البيانات ما هي إلا رموز أو كلمات أو حقائق بسيطة متفرقة لم يتم تفسيرها، وهي بحد ذاتها وبصورتها البسيطة تكون قليلة الفائدة، وإن المعلومات هي مجموعة من البيانات ذات معنى جمع بعضها مع بعض لتصبح مهمة يمكن الإفادة منها، وإن المعرفة ما هي إلا تجميع للمعلومات ذات المعنى ووضعها في نص للوصول إلى فهم يمكننا من الاستنتاج، وبذلك يمكن القول إن البيانات المكتسبة من البيئة هي مصدر المعلومات والتي هي بدورها مصدر المعرفة، وبين شكل(1) الترتيب الهرمي للمعرفة.
يتضح من الشكل السابق أن البيانات عندما توضع في نص تتشكل المعلومات التي إذا ما وضعت في معنى لشرحها وتفسيرها تصبح معرفة عندما تكون الحقائق في ذهن الفرد، ولكن عندما يبدأ الإنسان بمعالجتها بأساليب التنبؤ بالمستقبل، باستخدام عقله للمفاضلة بين البدائل، والاختيار يصبح سلوكه ذكيًا، ومتى ما كان هذا السلوك متلازمًا مع القيم يصبح هذا السلوك مستندًا إلى الحكمة. ظلت هذه النظرة لترتيب المعرفة سائدة حتى الآن بالرغم من اختلاف رؤى بعض الباحثين حول طبيعة هذا التدرج.
وحيث إن المعرفة نابعة من التجربة في واقعنا نجد أن القوة تنبع عن معرفة، ويصعب فصلها عن معرفة القوة، وتقترن المعرفة بالعلوم والعلم التجريبي والثقافة، لذا تهتم الدول المتقدمة وتولي اهتمامًا كبير بمجال التعليم والمعرفة، وتسخر له الأموال من أجل المنافسة على اكتساب زبائن يشترون ما تم إنتاجه على مستوى العالم. والمعرفة- وعلى الأخص المعرفة المتخصصة في مجال الصناعة-وهي محور المنافسة ليس على مستوى الدول فحسب ولكن بين الشركات الصناعية على المستوى العالمي. فمثلًا صناعة السيارات تنتج في: الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وإيطاليا وفرنسا وغيرها من الدول.كل يحاول عن طريق معرفته المكتسبة من الخبرة العملية والاختراع والابتكار اكتساب أكبر قدر من السوق.وتمثل الجودة نوعًا من المعرفة المفيدة جدًا، وهي لا تنتج إلا عن معرفة أساسية ناتجة عن تعليم وتدريب جيدين، فالتعليم الجيد هو الذي يشجع على الابتكار والاختراع.
ولذلك تركز دولة متقدمة مثل الصين بصورة أساسية على التعليم الجيد في المدارس، والجامعات، فهي تولي اهتمامًا كبيرًا بتنشئة جيل يفكر ويقارن وقادر على الابتكار والاختراع، وذلك من خلال إنشاء مراكز بحثية للبحث والابتكار والاختراع من أجل تزويد الأفراد بالمعرفة الجيدة والمستحدثة واستغلالها في صناعة منتجات جديدة مبتكرة؛ لذا فلدولة الصين مكانة مرموقة ومتميزة بين مجتمعات المعرفة.

مجتمع المعرفة وأبعاده
كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن مفهوم «مجتمع المعرفة» على نطاق واسع، لكن يحيط بهذا المفهوم بعض الغموض، حيث تعددت الآراء بشأنه, إلا أن معظم الباحثين يتفقون على أن مفهوم «مجتمع المعرفة» يقصد به توافر وتشجيع مستويات متقدمة من البحث العلمي، والتنمية التكنولوجية التي توفر المادة المعرفية لجميع أفراد المجتمع بدون استثناء وبدون تمييز، بحيث يتم حث الأفراد على تعلم كيفية تحقيق الاستفادة المتكاملة والشاملة من المواد المعرفية المتوافرة وتوظيفها واستثمارها وإدارتها بشكل مناسب؛ وبالتالي فإن المعرفة هي التي تميز المجتمع وتحدد قدرته على الاستمرار والصمود والتقدم والتفوق والمنافسة.
ولقد استعمل مفهوم «مجتمع المعرفة» لأول مرة في عام 1969م من قبل «بيتر دروكر» الأستاذ الجامعي، وقد تعمق هذا المفهوم في التسعينيات من القرن الماضي بفضل دراسات عديدة نشرت من قبل مجموعة من الباحثين, وأكدت هذه الدراسات ضرورة إنتاج المعلومات ومعالجتها وتحويلها ونشرها واستعمالها من أجل بناء المعارف الضرورية للتنمية الإنسانية وتطبيقها، بمعنى لا معنى للمجتمع العالمي للمعلومات إذا لم يسهل انطلاق مجتمعات المعرفة التي أساسها المعرفة والفكر والوعي، ومنطلقها حرية التعبير التي تعد أساس التنمية البشرية، التي تفتح أبواب تقاسم المعلومات والمعرفة؛ لأنها تنبع من المثل العليا التي تهتم بحماية التنوع الثقافي والاستخدام الأمثل للتكنولوجيا الجديدة. وقد أصبح لمجتمع المعرفة أبعاد مختلفة ومتشابكة يجب استغلالها والاهتمام بها بصورة جيدة حتى لا نعيش على هامش المجتمع الدولي، ومن أهم هذه الأبعاد ما يلي:
أ- البعد الاقتصادي:
إذ تعد المعلومة في مجتمع المعرفة المصدر الأساسي للقيمة المضافة وتوفير فرص العمل وترشيد الاقتصاد, وهذا يعني أن المجتمع الذي ينتج المعلومة ويستعملها في مختلف مجالاته ونشاطاته هو المجتمع الذي يستطيع أن ينافس ويفرض نفسه بين المجتمعات.
ب- البعد التكنولوجي:
إذ إن مجتمع المعرفة يعني انتشار تكنولوجيا المعلومات وتطبيقها في مختلف مجالات الحياة في المصنع في المدرسة في الجامعة في البيت وغيرها من المجالات المختلفة، ويعني كذلك ضرورة الاهتمام بالوسائط الإعلامية والمعلوماتية وتكييفها وتطويعها حسب ظروف كل مجتمع سواء فيما يتعلق بالعتاد أو البرمجيات.
كما يعني البعد التكنولوجي لثورة المعلومات توفير البنية اللازمة من وسائل اتصال وتكنولوجيا الاتصالات وجعلها في متناول الجميع.
جـ- البعد الاجتماعي:
يهتم مجتمع المعرفة بتحقيق أو توفير درجة معينة من الثقافة المعلوماتية في المجتمع وزيادة مستوى الوعي بتكنولوجيا المعلومات وأهمية المعلومة ودورها في الحياة اليومية للإنسان. والمجتمع هنا مطالب بتوفير الوسائط والمعلومات الضرورية من حيث الكم والكيف ومعدل التجدد وسرعة التطوير للفرد، فالعمل في أي مجال سيتوقف على إدارة المعلومات والتصرف بها عبر الأدمغة الاصطناعية ووسائل الإعلان؛ لذا سنشهد ولادة فاعل جديد هو الإنسان العددي الذي ينتمي إلى عمال المعرفة الذين يردمون الهوة بين العمل الذهني والعمل اليدوي، فلا توجد فاعلية في العمل من غير معرفة قوامها الاختصاص والقدرة على قراءة رموز الشاشات؛ مما سيطرح مفهومًا جديدًا وهو «عمال المعرفة».
د- البعد الثقافي:
يهتم مجتمع المعرفة بإعطاء أهمية كبيرة للمعلومة والمعرفة والقدرات الإبداعية للأفراد، وتوفير إمكانية حرية التفكير والإبداع والعدالة في توزيع العلم والمعرفة والخدمات بين الطبقات المختلفة في المجتمع، كما يعني نشر الوعي والثقافة في الحياة اليومية للفرد والمؤسسة والمجتمع ككل.
هـ- البعد السياسي:
يهتم مجتمع المعرفة بإشراك الجماهير في اتخاذ القرارات بطريقة رشيدة وعقلانية أو مبنية على استخدام المعلومة، وهذا بطبيعة الحال لا يحدث إلا بتوسع حرية تداول المعلومات وتوفير مناخ مبني على العدالة والمساواة ودمج جميع الأفراد في عملية اتخاذ القرار والمشاركة السياسية الفعالة.

الانفجار المعرفي وسرعة الاستجابة للتغيير أبرز سمات المجتمع المعرفي
ويتسم مجتمع المعرفة بعدد من السمات من أبرزها الآتي:
أ- الانفجار المعرفي:
يتسم مجتمع المعرفة بتوافر وتشجيع مستوى عال من التعليم والنمو المتزايد في قوى العمل التي تملك المعرفة وتحقق سرعة الأفكار والتجديد والتطوير، كما يتسم بالاحتفاظ بأشكال المعرفة المختلفة في بنوك للمعلومات وإمكانية إعادة صياغتها وتشكيلها أو تحويلها إلى خطط تنظيمية معقدة، بالإضافة إلى استغلال مراكز البحوث الموجودة بالمجتمع بحيث تكون قادرة على إنتاج المعرفة على نطاق واسع وبشكل متكامل يحقق الاستفادة الشاملة من الخبرات المتراكمة بالمجتمع.
ب- سرعة الاستجابة للتغيير:
يتسم مجتمع المعرفة بتحول مؤسسات المجتمع من المؤسسات التقليدية إلى المؤسسات الذكية الناجحة التي تحقق السرعة والدقة في اكتشاف الاتجاهات السلبية غير الإيجابية داخل المجتمع التي تهدده بالفشل، وقد تحوله بعيدًا عن أهدافها، كما يتسم مجتمع المعرفة بتغير طبيعة الوظيفة والعمل حيث به مفاهيم متطورة مثل: الجامعة الافتراضية والتعلم عن بعد والتجارة الإلكترونية والعمل في المنزل، وغيرها من المفاهيم الحديثة التي تتسم بالجودة والكفاءة العالية.
جـ- إزالة الفواصل الجغرافية والتنافس في الوقت:
يعد التنافس في عاملي الوقت والعمل في كل مواقع مجتمع المعرفة هو السمة الأبرز له، ولا توجد حدود زمنية أو فواصل جغرافية لتوفير الخدمات التعليمية المختلفة.
د- التطور التكنولوجي:
تؤدي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات دورًا رئيسيًا في مجتمع المعرفة، فهي تساعد على قيام مجتمع المعرفة، وتدعم خصائصه ومقوماته حيث يتسم بسرعة اكتشاف القدرات والمعارف الجديدة بالإضافة إلى توفر نمط من التكنولوجيا الحديثة التي تتسم بجودة الأداء ورخص الثمن، وتكون أصغر حجمًا وأخف وزنًا وأكثر تقدمًا وتعقيدًا وتتطلب نموًا متزايدًا في القدرات البشرية التي تضم العلماء والمطورين والتقنيين.إن مجتمع المعرفة هو مجتمع قادر على إنتاج البرمجيات وليس فقط استخدام أو إنتاج الأجهزة التي تستخدم في الحصول على المعرفة.
مما سبق يتضح أن مجتمع المعرفة لا يقتصر على إنتاج المعرفة وتداولها، وإنما يحتاج إلى ثقافة تقدر من ينتج هذه المعلومة ويستخدمها في المجال الصحيح، وهذا يتطلب إيجاد بيئة ثقافية واجتماعية وتعليمية تؤمن بالمعرفة ودورها في الحياة اليومية للمجتمع.

مجتمع المعرفة والتعلم الإلكتروني
إنفي ظل العولمة ومجتمعات المعرفة والاهتمام بالمجال الإبداعي لم يعد التعليم في المرحلة الجامعية يقتصر على التدريس فقط، فالتغيير المتسارع في شتى المجالات وتزايد المبتكرات العلمية والتكنولوجية، والأفكار الاجتماعية تتطلب نظم تعلم وأولويات تعليمية تركز على سياسات التعليم المطلوبة الآن وأهدافها مثل:مهارات التواصل، والمهارات الاجتماعية التي تكسب المتعلم المسئولية والمواقف الإيجابية؛ لذلك توكل للجامعات والمعاهد اليوم مهمة إعداد النشء للتعامل مع التداخل القيمي والثقافي الذي يميز هذا العصر من خلال تنمية مهارات التفكير الناقد والابتكاري والقدرة على اتخاذ القرار الصائب وحل المشكلات ومهارات البحث المعرفي؛ أي كيفية الحصول على المعرفة ومعالجتها إضافة للعمل الجماعي والتعامل مع المهام وإنجازها بكفاءة عالية.
ولتحقيق هذا اتجهت المؤسسات التعليمية إلى الاهتمام بالمستحدثات التكنولوجية وتوظيفها لخدمة العملية التعليمية، لم يعد هدف التعلم الإلكتروني تحصيل المعرفة بل أصبح القدرة على الوصول إلى مصادرها الأصلية وتوظيفها في الميادين المختلفة. فمع التقدم التكنولوجي وخاصة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أصبح المتعلم قادرًا على الاتصال بجامعات العالم المرتبطة بالشبكة العالمية ويتعمق في مكتباتها ويحاور طلاب تلك الجامعات ويتبادل معهم الخبرات، حيث ساعدت التكنولوجيا الحديثة وأنظمة إدارة التعلم الإلكتروني Learning Management System (LMS) في التغلب على المسافات الواسعة والمواقع والحدود الجغرافية المتباعدة.
مع التعلم الإلكتروني سوف ينظر المتعلمون إلى عملية التعلم من منظور شامل يربط الدروس التعليمية المتعددة بعضها ببعض، وقد كانت هذه القوة الدافعة وراء ابتكار النص الفائق Hypertext في أربعينيات القرن العشرين.إن نموذج التعلم القائم على صب المعلومات سوف يتحول في ظل مجتمع المعرفة الإلكتروني إلى بناء التعلم على أساس التطور والتوسع على مر السنين، فالتعلم عن طريق الحفظ يعد آفة نظم التعليم الحالية؛ لذا فإن التعليم والتعلم من خلال منظومة التعلم الإلكتروني يسهم في القضاء على آفات التعليم التقليدي.
إن التعلم الإلكتروني في ظل مجتمع المعرفة يساعد في تنمية التفكير لأسباب عديدة من أبرزها: نطاق محتوياته من الضخامة وسرعة التغير بحيث يجعل عملية الحفظ صعبة من الناحية المادية، كما أن اختلاط الحقائق بالخيال يجعل مستخدميه يحتاجون إلى تنمية مهارات التفكير من أجل تقييم ما يقومون به.كما أن إبحار المتعلم بين صفحات الشبكة والمواقع الإلكترونية المختلفة يتيح مجالًا للتفكير، حيث إن عملية الإبحار تساعد في اكتساب قدرات التفكير مثل: القدرة على الملاحظة والتصنيف والترتيب والمقارنة، وتساعد أيضًا في اكتساب المتعلم قدرات التفكير العليا كالقدرة على النقد والتحليل والتركيب وحل المشكلات.
إن التعلم الإلكتروني في ظل مجتمع المعرفة يتطلب تمكين المتعلمين من استخدام التقنيات التعليمية الحديثة في الوصول إلى المعلومة، وكذلك معالجتها بطريقة فعالة، وهذا يتطلب ضرورة الاهتمام بصقل مهارات المتعلمين في التعامل مع المكتبات الإلكترونية والبرامج الحاسوبية المختلفة وطرق البحث عبر شبكات الإنترنت العالمية وغيرها من متطلبات مجتمع المعرفة. وقد يؤدي هذا إلى نقل التركيز من التعليم إلى التعلم، والتعلم في جوهرة عملية مستمرة غير أنه لا يمكن بلوغ هذه الغايات إلا بوجود الرغبة المستمرة في التعلم، وهذا يتطلب من المؤسسة التعليمية في مجتمع المعرفة الإلكتروني أن تركز على تدريب المتعلمين على كيفية الحصول على المعلومات وتحليلها وفهمها واستثمارها بصورة جيدة في المواقف التعليمة والحياتية.
أما بالنسبة لدور المعلم في نظام التعلم الإلكتروني القائم على مجتمع المعرفة فلم يعد يشكل المصدر الوحيد للمعرفة بعد الثورة المعلوماتية الهائلة، حيث تعددت مصادر المعرفة وطرق الحصول عليها. وبدلًا من أن يعرف المعلم ماذا يجب أن يحفظ من المعلومات لنقلها إلى أدمغة طلابه، أصبح عليه أن يعرف كيف وأين يمكن الحصول على المعرفة، وبذلك أصبح دور المعلم وسيطًا بين المتعلمين ومصادر المعرفة، وأصبح من مهمته تدريب طلابه على طرق الحصول على المعرفة والاعتماد على جهدهم الذاتي، أي تركيزه على طرائق التعليم وأساليبه أكثر من تركيزه على المعرفة ذاتها.

«الظاهرية» و«الضمنية» أبرز أنواع المعرفة
يمكن توضيح أنواع المعرفة في التالي:
أ- المعرفة الظاهرية(الصريحة) Explicit Knowledge:
هي عبارة عن المعلومات الموجودة والمخزنة في أرشيف المؤسسة مثل: الكتيبات المتعلقة بالسياسات التعليمية، والإجراءات، والمستندات، وسجلات الطلاب والمعلمين، وقواعد البيانات، والمعايير التعليمية، وغيرها من الأشياء الواضحة التي يمكن لأي شخص أن يرجع إليها.
ب- المعرفة الضمنيةTacit Knowledge:
هي مجموعة من المهارات والخبرات المخزنة داخل عقول الأفراد التي يصعب نقلها أو تحويلها للآخرين، وهي تشكل التحدي الأكبر أمام إدارة المعرفة داخل المؤسسة التعليمية. وتتضح مجالات المعرفة الضمنية في الشكل أعلاه:
جـ- المعرفة الضحلة والمعرفة العميقة Deep Knowledge and Shallow Knowledge:
تعني المعرفة الضحلة الفهم القليل لمؤشرات مساحات المشكلة، مثلًا عندما يتقدم شخص بطلب للحصول على قرض من البنك بمبلغ 100000 دولار، فإن موظف البنك يتخذ قرار الموافقة أو عدم الموافقة بناءً على سؤال الشخص عن راتبه وما يمتلكه وبناءًً على مدى توفر قدر كاف من المعلومات, وفي ضوء ذلك تتم الموافقة على القرض أو عدم الموافقة. أما المعرفة العميقة فتتطلب التحليل العميق للموقف المالي للشخص المقترض مثل: مؤهلة العلمي، ومعدلات الائتمان المسموح بها، طريقة الدفع، وغيرها.
د- المعرفة السببية والمعرفة الموجهة Heuristic Knowledge and Reasoning Knowledge:
المعرفة السببية هي المعرفة التي تتم بناءً على ربط المفاهيم معًا باستخدام طرق الاستنتاج والاستقراء.أما المعرفة الموجهة(المجربة) فهي المعرفة التي تبنى على أساس عدد سنوات الخبرة في مجال العمل التعليمي مثلًا التي تصبح دليلًا ومرشدًا للسلوك نتيجة التعلم.

بقلم: د. أحمد عبدالمجيد