في السنوات القليلة الماضية ظهرت كتابات غزيرة عن دور القيادة للمديرين. ولذلك تُعدُّ الإدارة والقيادة هامتين للمنظمات المختلفة. والمديرون الفاعلون يتحتم عليهم أن يكونوا قادة أيضًا، لأن الخصائص البارزة مصاحبة للإدارة والقيادة وتعزز مواطن القوة المختلفة للمنظمة. ولذلك نجد صفات القائد والمدير، كما ذكرها GenevieveCapowskiفي مجلة ManagementReviewتحت عنوان «تشريح الزعيم: أين قادة الغد» حيث جعل صفات للمدير وصفات للزعيم القائد، ويمكن لنا أن نجملها في صفات متباينة ومختلفة قد تجتمع أحيانًا في شخص واحد، وقد يطغى بعضها على بعض في شخصية أخرى، وكما سيأتي سنعرف أن القيادة والإدارة تعكسان منظومتين مختلفتين من الصفات والمهارات تتشابك وتتداخل في داخل الفرد الواحد. والشخص قد يمتلك أحيانًا أكثر من منظومة من الصفات التي لا يمتلكها الآخر، لكن من الناحية المثالية المدير ينمي ويطور توازنًا لصفات المدير والقائد.
 يلخص GenevieveCapowskiصفات القائد بأنه صاحب روح وضمير ولذلك نراه يتسم بهذه الصفات فهو مثالي وحالم، عاطفي، خلاق، مرن، ملهم،  مبتكر، شجاع، خيالي، تجريبي، مبادر للتغيير، قوي الشخصية.  كما يلخص صفات المدير بأنه عقلاني وهي من أبرز صفاته، فهو عاقل ومنطقي، مستشير، مثابر، يجيد حل المشاكل، قوي الشكيمة، تحليلي، منظم، متأن، موثوق، مستقر، قوي بالسلطة. الاختلاف الأساسي بين الإدارة والقيادة هي أن الإدارة تعزز الاستقرار والنظام وحل المشاكل من خلال النظم السائدة والبناء التنظيمي الموجود. بينما القيادة تعزز الرؤيا، والإبداع، والتغيير. بمعنى آخر المدير يعتني بما أنت فيه وعليه، والقائد يأخذك إلى مكان آخر. القيادة تعني تساؤلات عن الوضع الراهن الذي عفا عليه الزمن وغير المثمر ومنتج أو المعايير الاجتماعية غير المسؤولة التي يمكن تبديلها لمواجهة التحديات الجديدة. ولا يمكن للقيادة أن تستبدل وتستغني عن الإدارة، بل الأولى أن تكون إضافة إلى الإدارة. ولذلك نحن بحاجة إلى الإدارة الجيدة لمساعدة المنظمة في تحقيق التزاماتها الحالية، وكذلك القيادة الجيدة  لتحريك المنظمة نحو آفاق ومستقبل مختلف.
وقد تركزت الجهود لفهم نجاح القيادة على خصائص أو مزايا شخصية القائد. ونقصد بالمزايا خصائص القائد الشخصية مثل الذكاء، القيم، الثقة بالنفس، والمظهر. كما تركزت الأبحاث القديمة على القادة أصحاب المنجزات العظيمة، والفكرة ببساطة هي  البحث عما جعل هؤلاء الناس عظماء، وعليه يتم اختيار قادة المستقبل ممن ظهرت عليهم نفس المزايا أو ممن يمكن تدريبهم وتطويرهم. وعلى العموم البحوث المبكرة وجدت علاقة ضعيفة بين المزايا الشخصية ونجاح القائد. وفي السنوات الأخيرة انبثقت اهتمامات لاختبار وفحص سمات ومزايا القيادة بالإضافة إلى سمات الشخصية مثل السمات البدنية، الاجتماعية، وخصائص القادة في ساحات العمل. وخرجت الدراسات بما يمكن إجماله في الخصائص القيادية الشخصية والاجتماعية والبدنية التي عنيت بها تلك الأبحاث. ومع ذلك هذه الخصائص لا تقوم وحدها، المزايا المناسبة تعتمد على أوضاع القيادة. ونفس المزايا لا تنطبق على كل منشأة وحالة ووضع. بل إن الدراسات ذهبت إلى ما هو أبعد من السمات الشخصية للفرد وركزت على حيوية العلاقة بين القادة والأتباع.
 إن الخصائص الشخصية للقادة يمكن لنا تقسيمها إلى الخصائص البدنية كالحيوية والنشاط وطاقة القائد  وقدرته البدنية على التحمل، بالإضافة إلى الذكاء والقدرة فالذكاء والقدرة الذهنية والمعرفة والحكم على الأشياء والحزم والحسم وغيرها من السمات البدنية والعقلية تلعب دورًا محوريًا في نجاح القائد. ثم إن هناك شخصية القائد مثل الثقة بالنفس، الأمانة والنزاهة، الحماس، الرغبة في القيادة ، والاستقلالية. أما الخصائص الاجتماعية التي يستحسن وجودها في القائد كالمؤانسة وحب الاختلاط  بالآخرين، ومهارات التعامل مع الآخرين، وروح التعاون مع الجميع، والقدرة على حشد التعاون وتوظيف الطاقات، واللباقة والدبلوماسية في الأخذ والعطاء مع الآخرين.  وهناك خصائص تتعلق بساحة العمل مثل محرك الإنجاز، والرغبة في البراعة في العمل والإبداع، والاجتهاد بضمير في تحقيق الأهداف، والمثابرة والاستمرار ضد العقبات والمعوقات. يضاف إلى ذلك الخلفية الثقافية والاجتماعية كالتعليم والقدرة على الحركة والتنقل.
مفاهيم القيادة التي تطورت ونشأت في عدة مراحل وحقب تاريخية مختلفة خصوصًا خلال القرن الماضي حتى وصلت إلى ما يسمى سلوكيات القيادة التحويلية التي تنزع إلى سلوك إنساني وأخلاقي عال يهتم بكل تفاصيل شخصية القائد كالتواضع والقدوة  الحسنة والملهمة للأتباع، تدفعنا لإحياء ما اندثر في النفوس من قيم نبيلة، ويحتم علينا إشاعة الأخلاق في معترك ساحات العمل وإبراز أصحاب تلك الصفات والسمات وتأصيلها في النفوس والمجتمعات، وقمع السلوكيات المضادة لها كالغطرسة والكبر والاستخفاف بالآخرين وسوء التعامل والخمول والكسل وغيرها، وعلينا التشريد بهذه النماذج التي تغتال النجاح  والإبداع وتكرس الفشل والضعف من خلال القدوات السيئة  للمجتمعات التي تدفع المجتمعات إلى الذبول والانكسار.        



بقلم: د. عبدالرحيم المالكي