يا لها من منافسة شديدة، منافسة حامية الوطيس بين منظمات الأعمال والشركات العالمية الكبرى، والشركات متعددة الجنسيات، والشركات عابرة المحيطات، بل وبين الدول العظمى؛ هذه المنافسة جعلت الكل في سباق إلى السيطرة على أكبر قدر ممكن من الأسواق، لزيادة حصصها السوقية، وزيادة رقعة هذه الحصص جغرافيًا، وأيقنت هذه المنظمات وتلك الشركات أن الوصول إلى تحقيق أهدافها هذه يحتاج منها ليس فقط إلى استثمار الأموال وضخها في مشروعاتها المتنوعة، مع توفير التكنولوجيا الحديثة والمتقدمة، والآلات والمعدات العملاقة والمتطورة، وإنما يحتاج إلى توافر كوادر أو موارد بشرية متميزة، تبدأ من العقول المفكرة في الإدارة العليا، وتمر بجميع الموارد البشرية في الإدارة الوسطى، وتنتهي عند آخر مورد بشري من حيث السلم الوظيفي في الإدارة التنفيذية، الكل يعمل في منظومة متناغمة، الكل يشارك في وضع الخطط الاستراتيجية في إدارته، والكل يعمل على تنفيذ هذه الاستراتيجيات بكل دقة وكفاءة، حتى تتحقق الاستراتيجية العامة في نهاية المطاف، وتحقق المنظمة من ورائها رؤيتها المستقبلية، ورسالتها، وأهدافها، وسياساتها وبرامجها التنفيذية..
إن الميزة التنافسية لأية منظمة أو شركة تتحقق من خلال ما تملك من عقول بشرية قادرة على الإبداع والابتكار، عقول بشرية خلاقة، عقول بشرية مدربة، وتمتلك المهارات والخبرات، عقول بشرية قادرة على امتلاك زمام المبادرة والمبادأة والإقدام من دون خوف أو تردد يجلب من ورائه ضياع الفرصة تلو الأخرى، ومن ثم تسحب المنظمة إلى الخلف بدلًا من السير بها قدمًا نحو القمة في مجالها.
وكذلك تتحقق الميزة التنافسية لأية منظمة من خلال المنتجات أو الخدمات ذات الجودة العالية والمتميزة للعملاء والمستهلكين، إذ إن رضا العميل أو المستهلك عن هذه المنتجات وتلك الخدمات تعد المؤشر الرئيس والهام لنجاح المنظمة، واعتراف ضمني من قبل العميل أو المستهلك بتمتع منتجات وخدمات المنظمة بميزة تنافسية.
ما هو مفهوم الميزة التنافسية؟

لعل من المناسب أن يتم التطرق إلى توضيح مفهوم الميزة التنافسية:
إن مفهوم الميزة التنافسية يشير إلى قدرة منظمة الأعمال أو الشركة أو المؤسسة على صياغة، وتطبيق وتنفيذ الاستراتيجيات - وجعلها واقعًا ماديًا ملموسًا – التي تجعل هذه المنظمات وتلك الشركات والمؤسسات في مركز أعلى وأفضل عند مقارنتها بمثيلاتها ونظيراتها من المنظمات والشركات والمؤسسات العاملة في نفس المجال والنشاط والتخصص سواء في المحيط الوطني أو الإقليمي أو الدولي.
كيف تتحقق الميزة التنافسية؟
إن تحقق الميزة التنافسية يتوقف بشكل كبير على:
• كفاءة إدارة المنظمة أو الشركة في الاستخدام الأفضل إن لم يكن الأمثل للإمكانيات المادية والمالية والفنية المتاحة لديها، فضلًا عن الإدارة الفعالة للموارد البشرية لاستخراج كل ما لديها من إمكانيات إبداعية وخلاقة، وجهود يمكن بذلها لتحقيق أعلى معدلات أداء ممكنة.. كل هذا من خلال إعداد خطط استراتيجية على مستوى الإدارات والأعمال وعلى مستوى الإدارة العليا من خلال إعداد الخطة الاستراتيجية العامة الشاملة والمهيمنة والمحتضنة والمتضمنة لكافة الاستراتيجيات الفرعية داخل المنظمة، وتكون من أهم مزايا الخطة الاستراتيجية العامة أنها خطة استراتيجية تنافسية.
• رضا العميل أو المستهلك: إن المنظمة الناجحة التي تريد أن تحقق ميزة تنافسية لابد لها أن تعمل بكل ما تملك من إمكانيات في تقديم سلعة أو خدمة ذات جودة عالية وسعر منافس حتى تتمكن من تحقيق رضا العميل أو المستهلك عما تقدمه له من سلع وخدمات.. وتشترك في تحقيق هذه الميزة كافة إدارات ووحدات وأقسام المنظمة أو الشركة، فالكل يعمل في منظومة واحدة تهدف إلى إنتاج سلع أو خدمات ذات جودة وكفاءة عالية.. وفي القلب من هذه الإدارة إدارة الموارد البشرية التي تلعب دورًا مهمًا في تدعيم رضا العميل أو المستهلك من خلال قيامها بتصميم وتنفيذ البرامج الخاصة بإدارة الموارد البشرية، بشكل يخدم تحقيق هدف رضا العميل أو المستهلك وتحقيق الميزة التنافسية، وذلك من خلال توفير الموارد البشرية ذات الكفاءة والقدرات العالية والمتميزة.
• توافر ميزة نسبية: يجب على المنظمة التي تريد أن تحقق ميزة تنافسية خاصة بها، أن تقدم سلعًا وخدمات تتوافر فيها ميزة نسبية لا تتوافر في مثيلاتها من السلع والخدمات، بل ويصعب على الغير تقليدها، وهذا يتطلب من المنظمة توفير الموارد البشرية القادرة على الإبداع، والقادرة على الإنتاج المتميز، وأيضًا توفر الإمكانيات المالية التي تساعدها في الإنفاق على الدراسات والبحوث، والمواد الخام ذات الكفاءة العالية، وتمكنها أيضًا من الإنفاق على التكنولوجيا المتقدمة سواء كانت متعلقة بتكنولوجيا المعلومات أو بامتلاك آلات ومعدات تتوافر فيها التكنولوجيا الحديثة، والإمكانيات والقدرات الإنتاجية الكبيرة، فضلًا عن توفير البرامج التدريبية المستمرة للموارد البشرية لديها، لتمكينها من الوصول إلى أعلى درجات المعرفة، وإكسابها المهارات الحديثة التي تؤهلها للتعامل من الأفكار والتكنولوجيا الحديثة سواء في النواحي الإدارية والمالية، أو في النواحي الفنية الإنتاجية.
ويجب على المنظمة وهي سائرة في طريقها نحو تحقيق الميزة التنافسية بين مثيلاتها من منظمات الأعمال (والشركات والمؤسسات) أن تأخذ بالإدارة الاستراتيجية والنظريات والطرق والمداخل العملية الحديثة في إدارة علمياتها وبشكل احترافي، ومن أهم هذه الطرق والمناهج والأدوات والسياسات الإدارية التخطيط الاستراتيجي.
ومن حقائق الأمور في هذا السياق؛ إن العولمة لم تترك لمنظمات الأعمال ذات الشأن الخيار في الأخذ أو ترك التخطيط الاستراتيجي ووضع الاستراتيجيات العامة الشاملة لكل مناحي أنشطتها، بل فرضت العولمة – والمتغيرات الهائلة التي صاحبتها ولا تزال – على هذه المنظمات الأخذ بالتخطيط الاستراتيجي ليس فقط للمنظمة كمنظومة عامة، بل على كافة إداراتها، وخاصة على إدارة الموارد البشرية التي تقع في القلب من جسد أي منظمة أعمال تهدف إلى النجاح والتميز.
فالتخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية في منظمات الأعمال أصبح ضرورة ملحة تفرضها البيئة الداخلية، والبيئة الخارجية، لما للموارد البشرية من أهمية قصوى في نجاح أو فشل هذه المنظمات.
وتتضح هذه الضرورة من خلال الإجابة عن هذه الأسئلة:
•ما التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية داخل منظمة الأعمال؟
•ما هدف التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية؟
•ما المعطيات البيئية (الداخلية والخارجية) التي يعمل في ظلها التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية؟
•مـا كيفية التفاعل بين تخطيط الموارد البشرية ووظائف إدارة الموارد البشرية الأخرى؟
•ماهية مداخل تخطيط الموارد البشرية؟
• على من تقع مسؤولية التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية؟
التخطيط الاستراتيجي وظيفة مهمة من وظائف إدارة الموارد البشرية

التخطيط الاستراتيجي هو وظيفة هامة من وظائف إدارة الموارد البشرية (والإدارات الأخرى) في منظمة الأعمال. من خلال هذه الوظيفة أو النشاط تقدر وتحسب احتياجات المنظمة المستقبلية من كافة الموارد البشرية من حيث كفاءاتها وخبراتها، ومهاراتها، وعددها بما يحقق استراتيجيتها. ولكي تتمكن إدارة الموارد البشرية من القيام بوظيفتها الهامة وهي التخطيط، تلجأ إلى دراسة حجم وعبء العمل المستقبلي المحدد مسبقًا في الاستراتيجية العامة للمنظمة، ومقارنته مع قوة وإمكانات وقدرات الموارد البشرية المستقبلية، كي تتمكن إدارة الموارد البشرية من تحديد ما إذا كانت المنظمة بحاجة إلى قوة عمل إضافية أم لا، وتحديد ماهية ونوع ومهارة قوة العمل المطلوبة لتحمل عبء حجم العمل المستقبلي (أي وجود نقص في العمالة الحالية)، أو تحديد عـدم حـاجة المنظمة لبعض العمالة الموجودة والمتاحة (أي وجود فائض في العمالة الحالية)، وتستطيع إدارة الموارد البشرية في حالة عدم وجود فائض أو نقص في العمالة أن تستغل العمالة المتاحة الاستغلال الأفضل في تحقيق وإنجاز ما هو مخطط من أعمال طبقًا للاستراتيجية العامة للمنظمة.
إن تخطيط الموارد البشرية الاستراتيجي يتعامل مع بيئة داخلية وبيئة خارجية تتسم بعدم الثبات، ومن ثم عدم التأكد، فالاستراتيجية العامة للمنظمة - والتي تعمل من خلالها استراتيجية إدارة الموارد البشرية – غير مستقرة ومعرضة للتغير طبقًا للمتغيرات والظروف البيئية الداخلية أو الخارجية، وبالتالي فإن تخطيط الموارد البشرية الاستراتيجي والذي يعمل تحت مظلة الاستراتيجية العامة للمنظمة يتسم بعدم التأكد، مما يستلزم للوصول إلى درجة تأكد معقولة الحصول على قدر كبير من البيانات والمعلومات، والفهم العميق لبيئة العمل الداخلية والخارجية، والدراسة المستفيضـة للاستراتيجية العامة للمنظمة، عند القيام بالتخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية.
ما الهدف من عملية تخطيط الموارد البشرية الاستراتيجي؟
تهدف عملية تخطيط الموارد البشرية الاستراتيجي إلى تحقيق نوع من التوازن بين حاجة الاستراتيجية العامة المنظمة في المستقبل من الموارد البشرية وبين ما هو متاح بالفعل داخل المنظمة من الموارد البشرية، وذلك من خلال مقارنة حجم العمل المستقبلي المطلوب في استراتيجية المنظمة، وبين حجم قوة العمل المتمثلة في الموارد البشرية المتاحة مستقبلًا، فإذا كانت نتيجة المقارنة أن العمالة الحالية تكفي لمواجهة حجم العمل المستقبلي إذا لا يوجد فائض ولا نقص في العمالة، وإذا كانت لا تكفي فهذا يعني وجود نقص يجب جبره، والعكس إذا كانت العمال المتاحة تزيد عن حجم العمل المستقبلي فهذا يعني وجود فائض مستقبلي في العمالة يجب التخلص منه حتى لا تكون أعباء غير حقيقية تؤثر على العائد من الاستثمار، أو تسبب خسائر يمكن للمنظمة تفاديها.
وبعد هذا الطرح يمكننا أن نقول عملية تخطيط الموارد البشرية الاستراتيجي تقوم على ثلاث دعائم أساسية:
1- التنبؤ باحتياجات العمل المستقبلي من الموارد البشرية، ويتم هذا التنبؤ بناء على تحديد حجم العمل الذي سبق تحديده في الاستراتيجية العامة للمنظمة.
2- التنبؤ بمدى استطاعة وقدرة منظمة الأعمال على تلبية احتياجات أو مطالب العمل المستقبلي من مواردها البشرية المتوافرة والمتاحة لديها، وهذا التنبؤ يتم من خلال تحليل قوة العمل الفعلية الحالية داخل المنظمة، وهذا التحليل يحتوي على تحديد عدد الموارد البشرية المتوافرة في كل إدارة ووحدة وقسم ونوعيتها، ومدى كفاءتها، وتخصصها، وقدرتها على القيام وتنفيذ حجم العمل المحدد والمرغوب.
3- مقارنة ما هو متاح من موارد بشرية مع ما يحتاجه العمل المستقبلي، وذلك يفيد في معرفة الفائض أو النقص في الموارد البشرية.
المعطيات البيئية التي يعمل في ظلها التخطيط الاستراتيجي
إن البيئة الداخلية والخارجية التي تعمل في ظلها منظمات الأعمال منذ مطلع القرن الحادي والعشرين اختلفت عما كانت عليه قبل ذلك التاريخ، وهذا الاختلاف انسحب إلى كل أنشطة ووظائف منظمات الأعمال، ومن أكثر الأنشطة تأثرًا باختلاف البيئة الداخلية والخارجية نشاط التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية.
ويمكننا إيجاز أهم مظاهر البيئة الداخلية والخارجية التي يعمل في ظلها نشاط التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية فيما يلي:
1- المنافسة العالمية والإقليمية والمحلية الشديدة التي تهدف إلى السيطرة على أكبر حصة ممكنة من الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية. فكل منظمات الأعمال تسعى إلى تصريف منتجاتها وتحقيق أعلى إيرادات ممكنة من وراء عمليات البيع كي تمكنها من تحقيق معدلات ربحية أعلى تساعدها على الاستمرار والبقاء، وكذلك على التوسع في حجم الإنتاج. وقد ساعدت السياسات والاتفاقيات الدولية، وظهور واختفاء كيانات اقتصادية إقليمية، وظهور واختفاء منظمات أعمال وشركات متعددة الجنسيات، وفتح أسواق جديدة، من زيادة حدة المنافسة بين منظمات الأعمـال، وهذا بدوره أدى إلى عدم استقرار العرض والطلب على الموارد البشرية.
2- التطور التكنولوجي الهائل والمتطور أثر بشكل كبيرة على طبيعة ونوعية وحجم الموارد البشرية التي تحتاجها منظمات الأعمال، ومن ثم تغير طلب هذه المنظمات للموارد البشرية في سوق العمل.
3- يعد المورد البشري في منظمات الأعمال من أهم عناصر الإنتاج، فهو المسؤول الأول عن تلبية حاجات ورضا العملاء، وبناء على كفاءته وخبرته تتحدد جودة المنتجات التي من خلالها تستطيع منظمات الأعمال من زيادة مساحة حصتها السوقية. ولذلك يجب أن يراعي التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية الدقة الكافية عند استقطاب واختيار وتعيين الموارد البشرية التي تحقق للمنظمة أهدافها من الموارد البشرية.
4- يجب أن يتابع التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية بشكل دائم ومستمر التغيرات الجوهرية التي تحدثها التغيرات البيئية الداخلية والخارجية، وتحديد الأثر المنعكس لهذه التغيرات على إعاقة تنفيذ الخطة الاستراتيجية العامة للمنظمة، أو عدم الاستفادة من إيجابيات هذه التغيرات الاستفادة القصوى.
5- إن التخطيط الاستراتيجي يعد همزة الوصل بين الاستراتيجية العامة للمنظمة واستراتيجية إدارة الموارد البشرية، فتعتمد إدارة الموارد البشرية على التخطيط الاستراتيجي في رسم سياسات وظائفها وأنشطتها الأخرى من استقطاب واختيار وتعيين، وتدريب وتنمية، وتعويضات، وسلامة وصحة مهنية.. وغيرها من الأنشطة والوظائف، أيضًا تعمد إدارة الموارد البشرية على التخطيط الاستراتيجي في تحديد نطاق ممارسة ومزاولة كل نشاط من أنشطتها.
6- مما لا شك فيه أن التخطيط الاستراتيجي يعتمد بشكل كبير على عملية التنبؤ باتجاهات ومسارات المتغيرات البيئية الداخلية والخارجية، وتحديد الآثار الإيجابية أو السلبية التي تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على نشاط المنظمة وحاجتها من الموارد البشرية اللازمة. ولنجاح عملية التنبؤ لابد لها أن تعتمد على الأدوات الكمية المتقدمة والمتطورة، ولابد لها أيضًا أن تجمع الكثير من البيانات والمعلومات التاريخية والحالية وتصنيفها وتحليلها لتتمكن من استشراف المستقبل.
التفاعل الاستراتيجي بين تخطيط الموارد البشرية ووظائف إدارة الموارد البشرية الأخرى
1- التفاعل الاستراتيجي بين تخطيط الموارد البشرية ووظيفة الاستقطاب: إن مخـرجات (نتائج) تخطيط الموارد البشرية تعد مدخلات لنشاط أو وظيفة الاستقطاب، فالتخطيط الاستراتيجي يبين حجم ونوعية الموارد البشرية المطلوب استقطابها، والوقت المناسب لهذا الاستقطاب والذي يتفق مع موعد الحاجة للموارد البشرية، وهذا يساعد بالتأكيد في عملية تحديد مصادر الاستقطاب، ووضع البرنامج الاستقطابي المناسب لاستقطاب الموارد البشرية المرغوبة من سوق العمل.
2- التفاعل الاستراتيجي بين تخطيط الموارد البشرية مع وظيفة الاختيار والتعيين: تعد مخرجات عملية التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية والتي تحدد فيها نوعية وحجم العمالة المطلوبة لمواجهة أعمال المنظمة المستقبلية، تعد مدخلات لعملية الاختيار والتعيين، فالتخطيط يوضح أيضًا العدد المطلوب اختياره من الموارد البشرية التي تم استقطابها، ومن ثم تسعى وظيفة الاختيار والتعيين إلى اختيار وتعيين العناصر البشرية المستقطبة في الأعمال المخصصة، وفي الوقت المحدد.
3- التفاعل الاستراتيجي بين تخطيط الموارد البشرية ومع وظيفة التدريب والتنمية: إن عملية التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية يوضح حجم ونوعية الموارد البشرية المطلوبة لإنجاز استراتيجية المنظمة، وهذا يساعد وظيفة التدريب والتنمية في وضع البرامج التدريبية والتنموية المناسبة لهذه الموارد البشرية كي تتأقلم مع طبيعة العمل داخل المنظمة، وإكسابها الخبرات والمهارات المطلوبة لتساعدها في النهاية على تحمل مسؤولية العمل، وإنجازه بالجودة المطلوبة.
4- التفاعل الاستراتيجي بين تخطيط الموارد البشرية مع وظيفة إدارة التعويضات: بناء على ما يوفره التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية من معلومات عن حجم ونوعية، وتخصصات وكفاءات وخبرات الموارد البشرية، تقوم وظيفة إدارة التعويضات بتحديد الرواتب والأجور والحوافز والمزايا، وطرق دفعها، ووضع سياسات التحفيز التي تدفع المورد البشري إلى بذل أقصى جهده في العمل، بل إلى الإبداع والابتكار كي يحقق مزايا تنافسية أفضل للمنظمة.
5- التفـاعل الاستراتيجي بين تخطيط الموارد البشرية مع وظيفة السلامة والصحة المهنية: إن توفير التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية حجم ونوعية الموارد البشرية ومعلومات عن طبيعة الأعمال التي ستمارسها هذه العمالة في المستقبل يساعد وظيفة السلامة الصحة المنهية في وضع البرامج المطلوبة والمناسبة والضرورية لتوفير أقصى درجات الحماية من مخاطر العمل للموارد البشرية داخل المنظمة.
6- التفاعل الاستراتيجي بين تخطيط الموارد البشرية مع وظيفة تخطيط المسارات الوظيفية: تقوم إدارة الموارد البشرية في المنظمات برسم المسارات الوظيفية، حيث توضح التدرج الوظيفي، وحركات التنقلات الرأسية والأفقية، وتحديد احتياجات كل مسار وظيفي من الموارد البشرية المتنوعة من حيث التخصصات والكفاءات والمهارات، والخبرات، وتحديد الزمن الواجب توفير هذه الاحتياجات خلاله سواء من داخل أو خارج المنظمة، والتخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية المستقبلية يوفر المعلومات الكافية عن حجم ونوعية الموارد البشرية التي تبني عليها وظيفة تخطيط المسارات خطتها.

ماذا عن مداخل تخطيط الموارد البشرية؟
هناك مدخلان تسير عملية التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية من خلال أحدهما:
المدخل الأول: مدخل التنبؤ والتخطيط من الأسفل لأعلى: وطبقًا لهذا المدخل تطلب إدارة الموارد البشرية من الإدارات المختلفة في المنظمة أن تقدر حجم أعمالها المطلوبة منها، وإمكانات قوة العمل لدى كل إدارة، وذلك من قاعدة الهرم التنظيمي باتجاه المستويات الإدارية الأعلى في المنظمة.
المدخل الثاني: مدخل التنبؤ والتخطيط من الأعلى لأسفل: وطبقًا لهذا المدخل تقوم الإدارة العليا في المنظمة برسم وتحديد الأعمال المطلوبة من كل وحدة إدارية عليا داخل المنظمة، وتنقله للمستويات الأدنى منها، وذلك بهدف تقدير إمكاناتها من ناحية الموارد البشرية لأداء وإنجاز الأعمال المستقبلية المنوطة بها.
والمدخل الثاني يعد أفضل من المدخل الأول وذلك لما يتوافر في المستوى الإداري الأعلى من علم وتخصص، وخبرات وكفاءات، وقدرات فيما يتعلق بتصورات وأهداف الاستراتيجية العامة للمنظمة ومتطلباتها واحتياجاتها المستقبلية من الموارد البشرية، ولا يغفل عند الأخذ بأي من المدخلين مشاركة جميع الوحدات الإدارية والأقسام المختلفة في المنظمة في تحديد قوة العمل البشرية اللازمة من وجهة نظرها لإنجاز أعمالها المستقبلية.
• مسؤولية التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية:
إن مسؤولية التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية لا تتحملها إدارة الموارد البشرية في المنظمة وحدها، وإنما تشترك معها في تحملها كافة إدارات المنظمة، وهذا المسؤولية إما أن تكون مسؤولية مباشرة، أو مسؤولية غير مباشرة.
•المسؤولية المباشرة لعملية التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية: تتحمل هذه المسؤولية إدارة الموارد البشرية، فهي المنوطة بعملية جمع البيانات والمعلومات الخاصة بحجم العمل المستقبلي من كل إدارات المنظمـة، ثم القيام بتصنيفها وتحليلها، وكذلك جمع المعلومات المتعلقة بقوة العمل وتخصصات وإمكانات الموارد البشرية التي سوف تستقطب وتعين وتلحق بالعمل في المستقبل، وإجراء المقارنات بين هذه المعلومات المتعلقة بحجم العمل وقوة العمل، لتحديد ما إذا كان لدى كل إدارة فائض أو نقص في الموارد البشرية، للعمل على معالجته بشكل فعال، ومن ثم تحقيق التوازن المطلوب بين حجم العمل وقوة العمل داخل المنظمة، ومن ثم الخروج بخطة استراتيجية للموارد البشرية تحدد الاحتياجات الفعلية للمنظمة من الموارد البشرية، وأعدادها ونوعيتها وتخصصاتها، وكفاءتها وخبراتها، وبشكل يحقق ويخدم أهداف المنظمة الاستراتيجية، وتقع على إدارة الموارد البشرية أيضا مسؤولية تقييم خطة الموارد البشرية العـامة للمنظمة بعد التنفيذ، للحكم على مدى فاعليتها، ومدى ملاءمتها وتفاعلها مع المتغيرات الداخلية والخارجية المستجدة وقت التنفيذ.
•المسؤولية غير المباشرة لعملية التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية: يتحمل هذه المسؤولية جميع المديرين ورؤساء الوحدات الإدارية داخل المنظمة، فهم منوطون بتزويد إدارة الموارد البشرية بالبيانات والمعلومات اللازمة والكافية عن حجم العمل داخل كل إدارة ووحدة وقسم، والمسؤولين عنه، وكذلك تزويد إدارة الموارد البشـرية بإمكانات وقدرات الموارد البشرية المتاحة في إداراتهم ووحداتهم وأقسامهم، وهذه البيانات وتلك المعلومات يتم على أساسها وضع التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية المستقبلية، لتوفير الموارد البشرية ذات الكفاءة العالية في الوقت المناسب، لتحقيق أهداف المنظمة الاستراتيجية.
وأخيرًا:
إن التخطيط الاستراتيجي لم يعد ترفًا بل أصبح ضرورة لابد من الأخذ بها في كافة الأنشطة والأعمال، وعلى كافة المستويات داخل المنظمات والشركات والمؤسسات، لما يوفره من مزايا وفوائد كبيرة، ومن أهمها أنه يساهم بشكل كبير وفعال في تحقيق ميزة تنافسية للمنظمة أو الشركة أو المؤسسة.

بقلم: محمود عيسى