مما لا شك فيه أن كل إنسان تواجهه مشكلات سواء في حياته العملية أو العلمية، أو الاجتماعية، أو الاقتصادية... إلخ، فكل الناس معرضـون للمشاكل، ومن الطبيعي أن تتنوع وتختلف هذه المشاكل من فرد لآخر ومن فئة مجتمعية لأخرى، ومن الطبيعي أيضًا أن تتنوع طرق التعامل معها، وطرق مواجهتها.
وهنـاك مساهمات علمية كثيرة تعد مؤشرات إيجابية تساعد من يلجأ إليها وينفذها؛ على مواجهة الكثير من المشكلات التي تواجهه، والتغلب عليها، دون أن يصيبه اليأس، ودون أن يضيع جهده ووقته في التعامل مع مشكلاته.

• خطوات أو مراحل حل المشكلة:
يمر حل المشكلة أيًا كان نوعها، بعدة خطوات أو مراحل أساسية.. أهمها:
1 ) إدراك المشكلة:
إن الإنسان الحكيم هو الذي يدرك ويسعى إلى حل المشكلة من بدء ظهور أعراض توحي بأن هنالك مشكلة ما، فظهور خلل يعترض حياته العملية أو الاجتماعية، أو يعترض أي منحى من مناحي حياته يستوجب – هذا الخلل - التحليل الدقيق، واتخاذ القرار السريع والمناسب حياله باتباع الآليـة المنهجية لحل المشكلة - والتـي سيرد ذكرها لاحقًا -، وذلك لتفادي تداعيات أخطر قد تحدث نتيجة عدم الإدراك المبكر لهذه المشكلة، ومن هذه التداعيات تفاقم المشكلة، أو استفحالها ووجود صعوبات كبيرة في طريق حلها فيما بعد.
2 ) تعريف المشكلة:
بعد إدراك المشكلة يجب على صاحب المشكلة أن يحدد هوية هذه المشكلة والأسبـاب التي أدت إلى ظهورها، ومن ثم تصنيفها هل هي مشكلة متعلقة بالجانب العملي أم بالجانب العلمي، أم بالجانب الاقتصادي، أم بالجانب الإنساني – الجسدي أو النفسي . وهذا التصنيف يؤدي إلى تحديد المشكلة، ومن ثم يسهل تعريفها.
3) جمع البيانات والمعلومات المرتبطة بالمشكلة:
هذه المرحلة تساهم بلا شك في فهم جوانب المشكلة، وأبعادها المختلفة، ومن ثم تساهم في حلها. وتتم عملية جمع المعلومات والبيانات في جميع مراحل تحليل وحل المشكلات. مع مراعاة صغر أو كبر حجم البيانات والمعلومات بما يتوافق مع حجم المشكلة.
4) تحليل البيانات والمعلومات المرتبطة بالمشكلة:
في هذه المرحلة تتفاعل وتتكامل المعلومات التي تم جمعها في الخطوة السابقة وذلك لوضعها في إطار واحد متكامل الأحداث يوضح المشكلة بصورة متكاملة وشاملة وواضحة. ومن ثم تبدأ عملية تحليل المشكلة والذي يتطلب الإجابة على العديد من الأسئلة منها:
•ما هي العناصر التي يمكن استعمالها في بدائل حل المشكلة؟ وما هي العناصر التي لا يمكن استعمالها ويتم استبعادها من بدائل حل المشكلة؟
•من هم الأفراد الذين يمكنهم المساعدة في حل تلك المشكلة؟
•ما هي آراء واقتراحات الرؤساء والزملاء والمرؤوسين لحل تلك المشكلة إذا كانت متعلقة بالجانب العملي الوظيفي؟
•ما مدى تأثير وتداعيات وأخطار تلك المشكلة على الشركة أو المؤسسة التي تعمل بها؟
•ما مدى تأثير تلك المشكلة على حياتك الشخصية أو الأسرية إذا كانت متعلقة بالجانب الاجتماعي؟
•ما مدى تأثير تلك المشكلة على وضعك المالي إذا كانت متعلقة بالجانب المالي والاقتصادي؟
5) تحديد بدائل حل المشكلة:
يتضمن وضع الحلول الممكنة لحل المشكلة؛ تحليل المشكلة للتأكد من فهمها فهمًا دقيقًا وعميقًا، ومن ثم يتم اقتراح بدائل عديدة ومتنوعة لحلها - كلما كان لدى صاحب المشكلة عدد أكبر من البدائل أمكنه الوصول لبديل أفضل لحل مشكلته – ثم يتم تحديد بدائل معينة من خلال عملية دمج وتعديل الأفكار بحيث تكون أقرب إلى حل المشكلة.
6) تقييم الحـلول:
بعد تحديد بدائل حل المشكلة؛ فعلى صاحب المشكلة أن يقوم بعملية تقييم شاملة ودقيقة لكل البدائل المطروحة والمقترحة لحل المشكلة؛ كل بديل يقيّم على حدة، ثم يقوم بمقارنة نتائج التقييم.. ولكي يتمكن - صاحب المشكلة - من القيام بعملية التقييم بنجاح عليه الاسترشاد بما يلي:
•تحديد صفات النتيجة المطلوبة في البديل الأنسب لحل المشكلة، مع مراعاة إمكانية تطبيقه على الواقع.
•استبعاد البدائل الخيالية أو المثالية التي لا يمكن تطبيقها.
•تقييم البدائل المتبقية المتوافقة مع النتيجة المطلوبة.
•تقيِّم المخاطر المرتبطة بالبديل الأقرب لحل المشكلة.
7) اختيار البديل الأنسب من بين البدائل السابق تحديدها وتقييمها.
8) تنفيذ البديل الأنسب على أرض الواقع: ويتطلب تنفيذ البديل الذي اختاره صاحب المشكلة أمورًا مهمة لفاعليته.. منها:
1- الالتزام بالإجراءات المطلوبة لتحقيق الهدف، وهو حل المشكلة.
2- وضع سقف زمني لتنفيذ حل المشكلة.
3- تحـديد المصادر اللازمة، والأفراد الذين يمكن اللجوء إليهم للمساعدة في حل المشكلة.
4- التقليل من المخاطر التي قد يحملها البديل الأنسب لحل المشكلة؛ إلى أدنى حد ممكن، والعمل على تفادي الأخطاء التي قد تعيق تنفيذ بديل الحل.
9) تقييم التنفيذ:
على صاحب المشكلة أن يضع إجراءات وقائية وإجراءات علاجية في حالة عدم سير أية مرحلة من مراحل التنفيذ على النحو المخطط لها سابقًا. ولكي يتمكن صاحب المشكلة من تقييم عملية التنفيذ واكتشاف انحراف سير تنفيذ حل المشكلة؛ عليه أن يقارن بشكل مستمر النتيجة المحققة من وراء تنفيذ بديل حل المشكلة مع النتيجة المطلوبة والمحددة سلفًا، ويعالج الانحراف أو عدم التوافق بينهما بشكل سريع.
• أسباب الفشل في حل المشكلات:
إن الفشل في حل المشكلات التي تواجه أي فرد، يعود إلى عدة أسباب من أهمها:
•إساءة تفسير المشكلة: إن الإساءة في إدراك وفهم المشكلة؛ يترتب عليه إساءة في تفسير المشكلة، وبالتالي وضع خطة غير مناسبة لحلها، ومن ثم عدم حل المشكلة.
•تقصـير صاحب المشكلة في جمع البيانات والمعلومات الكافية للمساعدة في حل المشكلة، مما يؤثر بالسلب على الخطوات التالية لعملية حل المشكلة.
•عدم اتباع المنهجية: فالمنهجية العلمية المدروسة تساعد صاحب المشكلة في حل مشكلته وفق خطة ممنهجة، تبدأ من بيان أو معلومة وتنتهي عند نتيجة محددة؛ دون الحياد أو الانحراف عن خط سير هذه الخطة.
•عدم قدرة صاحب المشكلة على دمج التفكير التحليلي بالتفكير الإبداعي، فصاحب المشكلة هنا يحلل المشكلة بعيدًا عن وجود حل إبداعي مميز لها، لأنه غير قادر على إيجاد حالة من الدمج والتداخل والتوافق ما بين تفكيره في تحليل المشكلة، وتفكيره في إبداع طرق أو طريقة متميزة لحلها.
•الافتقار إلى معرفة أساليب، وطرق وعمليات حل المشكلة، مما يجعل صاحب المشكلة يتخبط في طريقه لحل مشكلته.
•إذا امتلك صاحب المشكلة الأساليب والطرق الصحيحة لحل المشكلة، ولكنه افتقد امتلاك القدرة على استخدام هذه الأساليب وتلك الطرق بإيجابية وفعالية.
•عدم الالتزام بتنفيذ حل المشكلة وفق الخطة السابق إعدادها، والمبنية على الجمع والتحليل الدقيق للبيانات والمعلومات.
• ضرورة وأهمية تنمية القدرة على حل المشاكل:
إن تنمية قدرتك على حل المشاكل عملية مفيدة من وجوه عدة، فهذه التنمية تجعلك قادرًا على أن:
1- تتنبأ أو تتوقع (تتوقعين) مشاكل محددة، ومن ثم تكون لديك الفرصة الكافية لاتخاذ ما يلزم من إجراءات وقائية تحول دون وقوع هذه المشاكل، أو في حالة وقوعها يتم تجنب أو تفادي الجانب الأكبر من المخاطر المصاحبة لهذه المشاكل.
2- تكون لديك (لديكِ) القدرة التي تمكن من أن تكون أكثر تمـييزًا للمشاكل، وأكثر قدرة على تصنيفها حسب الأهمية أو النوع أو الحجم، ومن ثم البدء بحل الجوانب الأكثر خطورة وإلحاحًا في هذه المشاكل.
3- اكتساب مهارات وقدرات تساعدك في حل المشاكل التي تواجهك بدقة، وسرعة وجهد وتكلفة أقل، فمن غير المنطقي أن تكون هناك مشكلة بسيطة من حيث التكلفة، أنفق فيها وقتًا وجهدًا كبيرًا تقدر تكلفتهما بأكثر من تكلفة المشكلة ذاتها.
4- تكون (تكونين) أكثر ثقة بنفسك، وأكثر اطمئنانًا على مستقبلك، وهذا يحقق لك مزيدًا من التوافق الذاتي، والرضا النفسي اللذين يدفعانك نحو التقدم المهني والعلمي، والرقي الأخلاقي.
5- تقليل ما قد يصيبك من حالات توتر واضطراب أثناء مواجهتك للمشكلة التي تسعى لإيجاد حل لها، مما ينعكس على جودة هذا الحل وكفاءته.
6- تكون (تكونين) أكثر سيطرة على الأمور الهامة والرئيسية في حياتك العملية أو الاجتماعية، أو المالية.
7- تطوير وتنمية أدائك في العمل، وتحسين علاقاتك مع رؤسائك ومرؤوسيك، فضلًا عن تحسين علاقاتك الاجتماعية سواء في محيط أسرتك الصغيرة، أم في محيط مجتمعك الأكبر.
8- صناعة الفرص، ومن ثم استغلاها الاستغلال الأفضل، فتنمية قدراتك على حل المشكلات، لا تجعلك قادرًا على تجنبها فحسب؛ بل تجعلك قادرًا على الاستفادة من آثارها السلبية، وتحويلها إلى آثار إيجابية وفرصة يمكن استغلالها، فمثلًا: مشكلة عدم القدرة النفسية والجسدية لمتدرب ما على المكوث وقتًا طويلًا ومتواصلًا في برنامج التدريب، فانصياعه لهذه المشكلة يقوده إلى ترك التدريب، والبحث عن الملهيات بصورها المختلفـة، ومن ثم تعرضه للإخفاق في عمله، ومن ثم حصوله على تقديرات أداء متدنية قد تؤخر ترقيه الوظيفي، أو تعرضه للفصل من عمله. في حين أن في إمكانية هذا المتدرب اللجوء إلى الطرق العلمية في حل هذه المشكلة، حتى يستفيد من البرنامج التدريبي، الذي يساعده في الحصول على معرفة جديدة وحديثة، ومن امتلاك قدرات خبرات مهنية تمكنه من الترقي والتقدم الوظيفي في منشأته أو شركته، وما لذلك من آثار إيجابية على الناحية المعنوية والنفسية، والمالية له.

بقلم: فاطمة موسى