نحن نسعى في هذه الجزئية إلى تحديد دقيق لمفهوم الإبداع، منعًا للخلط بينه وبين المفاهيم الأخرى من تطوير أو تغيير أو تحديث مع بيان متطلباته الأساسية.
فالإبداع من وجهة نظرنا يشتمل على نقطتين هما:
1- طرح فكرة جديدة لم تكن موجودة من قبل.
2- استحداث وظيفة جديدة لشيء موجود.
وعلى هذا الأساس فإذا قام إنسان بإدخال بعض التحسينات على ماكينة معينة بحيث أعطت عشرين وحدة في الدقيقة بدلًا من عشر وحدات في الدقيقة لا يعد إبداعًا إنما يعد تطويرًا. كما أنه إذا قام إنسان بتغيير طريقة عمل معينة اعتاد عليها، بطريقة أخرى واستخدمها منافس ناجح، فلا يعد إبداعًا إنما يعد تحديثًا.
إنما الإبداع يجب أن يكون فكرة جديدة تهدف إلى إيجاد نمط جديد لمنتج أو خدمة لم يكن معروفًا من قبل أو النظر إلى الأمور الحالية بعيون جديدة.


مهارات التفكير الإبداعي
لقد تعددت مهارات التفكير الإبداعي، إلا أنه بالنظر إلى مقياس (تورانس1966) Torranceونموذج بنيه العقلي لجيلفورد (Guilford) الذي افترض فيه أن للتفكير التشعيبي قدرات معينة، وأيضًا بالنظر إلى اختبارات جيلفورد نجد أنها ركزت على مهارة الطلاقة (Fluency), وتشير هذه المهارة إلى قدرة الفرد على إنتاج أكبر عدد ممكن من الأفكار عن موضوع ما في فترة زمنية معينة. ويندرج تحتها أنواع عدة من الطلاقة أهمها:
الطلاقة اللفظية:وتشير هذه المهارة إلى قدرة الفرد على إنتاج أكبر عدد من الكلمات التي تبدأ أو تنتهي بحرف معين. مثال ذلك:
• اذكر أكبر عدد من الكلمات التي تبدأ بحرف الميم خلال دقيقتين.
• اذكر أكبر عدد من الكلمات التي تنتهي بحرف الميم خلال دقيقتين.
• وتظهر هذه القدرة في علم اللغات والعلوم الإنسانية.
أيضًا هناك الطلاقة الفكرية:والتي تشير إلى قدرة الفرد على إنتاج أكبر عدد ممكن من التعبيرات التي تنتمي إلى نوع معين من الأفكار. ولقياس مدى تمكن الطالب من مهارة الطلاقة الفكرية، فإنه يلجأ إلى الأسئلة التالية:
• أسئلة الاستخدامات، مثل: اذكر جميع الاستخدامات الممكنة للسجادة.
• أسئلة النتائج المترتبة، مثل: اذكر جميع النتائج المترتبة على دفع جميع الناس لزكاة أموالهم.
• أسئلة العناوين، مثل: اذكر أكبر عدد ممكن من العناوين لموضوع أو لقصة أو قصيدة ما.
• أسئلة ذكر الأشياء: مثل: اذكر أكبر عدد ممكن من الأفعال أو الأقوال التي تندرج تحت قيمة الصدقة.
كما أن طلاقة الأشكال تشير إلى قدرة الفرد على تصميم ورسم عدد من الأشكال الجديدة والمتعددة، ولقياس هذه القدرة يعطى الطالب صورًا ناقصة أو أشكالًا معينة مثل: الدوائر أو الخطوط أو الخطوط المتوازية، ويطلب منه إجراء بعض الإضافات لتعطي أشكالًا جديدة غير مألوفة. كما في اختبارات تورانس للتفكير الإبداعي.
أما الطلاقة الترابطية: فتشير إلى قدرة الفرد على التفكير السريع في الكلمات المرتبطة بموقف معين. مثال ذلك:
• اذكر جميع الكلمات أو الجمل المرتبطة بالحرب.
• اذكر أكبر عدد ممكن من المترادفات أو المتضادات لكلمة «الأمن».
ويختلف التفكير الإبداعي هنا عن التفكير التقليدي بأن التفكير التقليدي قد يذكر استعمالاً أو استعمالين، أو عنوانًا أو عنوانين، بينما التفكير الإبداعي قد يصل إلى عشرات أو مئات الاستعمالات أو العناوين.
الطلاقة التعبيرية:وتشير هذه المهارة إلى قدرة الفرد على صياغة التراكيب اللغوية بشكل سليم. وتقاس هذه القدرة بالأسئلة الآتية:
• اكتب أكبر عدد ممكن من الجمل المفيدة، مستخدمًا الكلمات التالية:
طاولة – كرسي – مدرسة.....
• اكتب جميع الجمل المرتبطة بكلمة «الحياء».

المرونة..تغيير التفكير بتغير الموقف
تشير المرونة إلى قدرة الفرد على تغيير تفكيره بتغير الموقف الذي يمر فيه بحيث تصدر منه استجابات متعددة لا تنتمي إلى فئة واحدة، أي أن يسلك الفرد أكثر من مسلك للوصول إلى كافة الأفكار أو الاستجابات المحتملة.
وللمرونة نوعان:
• مرونة تكيفية: وتشير إلى قدرة الفرد على تغيير طريقة تفكيره بسرعة لمواجهة موقف أو مشكلة جديدة من أجل إيجاد حلول غير تقليدية لها، وسميت مرونة تكيفية لأن الفرد يعدل تفكيره واستجاباته لتتكيف وتتفق مع الحل المناسب.
• مرونة تلقائية:وتشير إلى قدرة الفرد على تحويل تركيز تفكيره باتجاهات متعددة بيسر وسهولة بعيدًا عن ضغوط التعليمات أو الإلحاح بحيث يعطي تلقائيًا عددًا من الاستجابات التي لا تنتمي إلى فئة محددة.
ولقياس المرونة يطلب من الطالب:
• ذكر الاستعمالات غير المألوفة للأشياء. مثل: الصحيفة، والطاولة، وقلم الرصاص.
• ذكر أكبر عدد ممكن من الاستعمالات لشيء معين مثل: السجادة. ويتم التركيز هنا على أنماط الاستعمالات لا عددها.
• ذكر النتائج البعيدة المترتبة على ظرف مقترح صعب الحدوث أو مستحيل، ويتم التركيز هنا على أنماط النتائج وليس عددها.
ولعل مرونة التفكير من أبرز المهارات التي تميز الأفراد المبدعين عن غيرهم من التقليديين، إذ إن التقليديين يوجهون تفكيرهم في جهة معينة، لذا فإن المرونة الفكرية تعد ضد الجمود الفكري. ويعد التأهب من أهم العوامل التي تؤثر في المرونة.

الأصالة..إنتاج الحلول غير المألوفة
وتشير هذه المهارة إلى قدرة الفرد على إنتاج أفكار أو حلول جديدة غير مألوفة؛ أي أن الفرد الذي يتصف بهذه المهارة لا يكرر أفكار الآخرين. «ويرى تورانس (Torrance) أن الأفراد ذوي الأصالة هم أولئك الذين يستطيعون أن يبتعدوا عن المألوف الشائع، ويبتعدوا عن الطريق المعتاد، أو هم يدركون علاقات ويفكرون في أفكار وحلول مختلفة عن تلك التي يجدونها في كتبهم التعليمية، وكثير من أفكارهم ليس كلها تثبت فائدتها، وبعض الأفكار تدعو للدهشة بالرغم من أنها صحيحة، ويعد الأصالة من أهم العوامل المكونة للقدرة على التفكير الإبداعي.
وتختلف مهارة الأصالة عن مهارتي الطلاقة والمرونة من حيث إنها:
• لا تشير إلى كمية الأفكار الإبداعية التي يقترحها الشخص، بل تعتمد على قيمة تلك الأفكار، ونوعيتها، وجدتها، وهذا ما يميزها عن الطلاقة.
• لا تشير إلى نفور الشخص من تكرار تصوراته أو أفكاره هو شخصيًا كما في المرونة، بل تشير إلى نفوره من تكرار ما يفعله الآخرون، وهذا ما يميزها عن المرونة.


التفاصيل.. تناول الفكرة بتوسع
وتشير هذه المهارة إلى قدرة الفرد على إعطاء إضافات وزيادات جديدة لفكرة معينة. وعليه يوصف التلميذ ذو القدرة على التفاصيل بأنه الذي يستطيع أن يتناول فكرة أو عملًا ثم يحدد تفاصيله، كما يمكنه أن يتناول فكرة بسيطة أو مخططًا بسيطًا لموضوع ما ثم يقوم بتوسيعه ورسم خطواته التي تؤدي إلى كونه عمليًا، «قد أشارت ملاحظات تورانس (Torrance) في بحوث الإبداع إلى أن التلاميذ الصغار الأكثر إبداعًا يميلون إلى زيادة الكثير من التفصيلات غير الضرورية إلى رسوماتهم وقصصهم، وعليه فالتلميذ المبدع ذو القدرة على التفصيل تتناسب درجة إبداعه مع مقدار التفصيلات التي يعطيها.


صفات داعمة للتفكير الإبداعي
هناك بالإضافة إلى ما سبق عدد من الصفات المهمة للتقكير الابداعي من ذلك:
• الخيال الخلاق CreativeImagination:
ويقصد بها القدرة على التحليل واختلاق العلاقات ForcedRelationships
عن طريق القراءات المتعددة وبتعدد الاهتمام وتنمية مدارك العقل وإثراء معرفته.
• الدافعية الداخلية والحماس للإبداع:
فلاشك أن توافر الدافعية الداخلية للفرد وحماسه وإقباله على الإبداع أمر أساسي وحتمي للتفكير الإبداعي.
• استشفاف المشكلات SensitivitytoProblems:
ويقصد بها الإحساس المبدئي للمشكلات والاستشعار بها قبل حدوثها.
• الذكاء Intelligence:
حقًا إن الإبداع لا يتطلب قدرًا خارقًا، كما أنه لا توجد علاقة طردية بينهما، إنما المبدع يجب أن يكون على قدر من الذكاء يسمح له بالفهم والربط بين الأحداث (التي تبدو للإنسان العادي إنها متناثرة) والإدراك المسموح للمواقف.

ما هي خصائص مديري الأعمال الابتكاريين؟
من أهم خصائص مديري الأعمال الابتكاريين ذوي السمات الإبداعية ما يلي:
1-   الاستعداد لتقليل وامتصاص مخاطر مرؤوسيهم: فالمديرون الذين يشجعون الابتكار يسمحون لمرؤوسيهم بقدر من الحرية تمكنهم من متابعة أفكارهم،  وتعد الأخطاء هي تكلفة هذه الحرية والتي تمثل أحيانًا تكلفة عالية.
 2-   الاستعداد لتبني الأفكار غير المدروسة جيدًا: يجب أن يستمع المدير إلى المقترحات الابتكارية ودعمها حتى ولو كانت غير مدروسة جيدًا وذلك لتشجيع المرؤوس على المضي قدمًا ودراسة نواحي النقص فيها لاستكمالها.
3-   الاستعداد لتجاهل سياسات المنظمة: يسعى المديرون الابتكاريون إلى التمسك بالقواعد والسياسات المعمول بها داخل منظماتهم، ومع ذلك فإنهم يكونون أكثر استعدادًا لتجاهل تلك القواعد أو السياسات إذا أدركوا أن السلوك الابتكاري سوف يصل بهم إلى نتائج وعوائد أفضل.
4-   القدرة على إصدار قرارات سريعة: يهتم القادة الذين يحتضنون الابتكار باحتفاظهم بالسجلات والمستندات الدقيقة والكافية مما يجعلهم يدركون جيدًا أن الأفكار المطروحة عليهم تستحق أن يتبنوها،  هذا بجانب ارتفاع معدل الشجاعة لديهم مما يدفعهم لاتخاذ القرارات بسرعة ودقة.
5-   ارتفاع مهارات الإنصات الفعال: يتسم القادة الابتكاريون بارتفاع درجة الإنصات لديهم وذلك لحاجاتهم إلى البيانات والمعلومات والآراء والمقترحات مما يحفزهم على إتاحة الفرصة لمرؤوسيهم بالتحدث التفصيلي عن وجهات نظرهم.
6-    عدمتصيد أخطاء المرؤوس أو التشهير به: يعمل المدير في هذا الصدد على الوصول إلى مستقبل أفضل والسعي الجاد لتحقيق الأهداف المخطط لها، ولهذا يتسم سلوكه بعدم التمسك بالأخطاء التي يرتكبها مرؤوسوهم خلال عملهم وتجنب التشهير بهم تجنبًا للأثر السلبي المترتب على ذلك، بل ينطلق ذهنه مباشرة لكيفية معالجة المواقف الخاطئة واستمرار العمل بنجاح وعدم التأثير السيئ على نفوس مرؤوسيهم.
7-    الابتعاد عن الحقد وتفضيل المصلحة العامة: عادة يتجاهل القائد الذي يشجع الابتكار إلى نبذ الحقد وتجاهل الكراهية في التعامل مع المرؤوسين  مما يبعد عنهم شبح انخفاض الروح المعنوية  وسوء المناخ التنظيمي  ويدعو إلى التسامح والتعامل بسعة الصدر  وتناسي الخلافات الشخصية في سبيل الوصول إلى المصلحة العامة.
ويتميز المدير الإبتكاري عند تناوله لتشخيص المشكلات وتحليلها بالتعمق والنظرة الثاقبة ولذا نجد أنه في سلوكه الابتكاري لتشخيص المشكلات واتخاذ القرارات يمر بعدة مراحل يمكن ذكرها على النحو التالي:
1- التهيؤ والاستعداد النفسي لإعمال الفكر.
2-   ملاحظة وجود صعوبات أو سلبيات معينة.
3- وجود الحاجة إلى حل المشكلة.
4- تركيز الجهود المتاحة وتنظيم عملية الاستفادة منها.
5- تحليل المشكلة إلى عواملها المختلفة والتفكير المتعمق فيها.
6- جمع البيانات والمعلومات المتاحة المساعدة في إجراء عمليات التفكير.
7- وضع حلول كثيرة ومتنوعة وأصيلة وملائمة.
8- تحليل نقدي موضوعي للحلول المقترحة.
9- اختيار أحد الحلول والتركيز عليه.
10- التحقق من الحل.
11- تنفيذ الحل وإيضاح النتائج المترتبة عليه.
12- إظهار قيمة العمل للآخرين.
13-  المتابعة والتقويم المستمر.

الفروق الأساسية بين الإبداع وبين المفاهيم الأخرى
تهدف هذه الجزئية إلى تأصيل علمي بين الإبداع وبين المفاهيم الأخرى التي يخلط بينها الكثيرون، فعلى سبيل المثال المفاهيم التالية:
1- العبقرية Genius.
2- الإبداع Creativity.
3- الموهبة Giftedness.
4- الذكاء Intelligence.
5- الاختراع Development.
6- التطوير Development.
وسوف نحدد مفهوم كل منها في السطور التالية:
1- العبقرية Genius.
هي مصطلح يشير إلى القوى والطاقات والإنجازات العقلية الفائقة وغير العادية، فهو مصطلح يرتبط بالمستويات العليا من الذكاء وأيضًا بالمستويات العليا من الخيال، التي يكون لها تأثيرها الواضح والكبير على الآخرين لسنوات عديدة.
2- الإبداع Creativity.
هو مصطلح يشير إلى استخلاق فكرة جديدة لم تكن موجودة من قبل أو استخلاق وظيفة جديدة لشيء قائم، ويمكن توضيح ذلك بالآتي:
1- فكرة جديدة لم تكن موجودة من قبل مثل الكهرباء (أديسون) لم تكن موجودة قبل دعوة أديسون لها.
2- وظيفة جديدة لشيء قائم معلوم مثل جهاز عرض شفافيات في قاعة تدريب معلوم عن هذا الجهاز (OverH.P) لعرض الشفافيات وإيضاحها على لوحة عرض فلو جاء شخص وأضاف إليه وظيفة تصوير المتدربين مثلًا يكون قدم إبداعًا جديدًا لشيء معلوم قائم.
وهذا المصطلح Creativityعادة ما يشير إلى الإبداع الفكري أما المصطلح Innovationيشير إلى الإبداع الفني.
3- الموهبة Giftedness.
هي مصطلح يطلق على الشخص الذي يتمتع بمستوى ذكاء عال وتكامل متقدم ومتسارع لوظائف الدماغ، وتظهر هذه المواقف المتقدمة في قدرات معرفية وتفوق أكاديمي وقدرات قيادية وقدرات فنية تعبيرية وحس فني وقدرة على الحدس، وعادة يرتبط هذا المصطلح بنشاطات الأطفال على خلاف الإبداع الذي يرتبط أكثر بنشاطات الكبار.
4- الذكاء Intelligence.
يعرف الذكاء بأنه القدرة على ربط الأحداث التي تبدو للإنسان العادي أنها متناثرة، بينما للذكي أنها مترابطة ذات علاقة، وللذكاء عدة خصائص هي:
1- قدرة أكبر على تخزين المعلومات.
2- قدرة أكبر على الفهم.
3- قدرة أكبر على استرجاع المعلومات.
4- قدرة أكبر على الإدراك الصحيح.
5- قدرة أكبر على ربط الأشياء المتناثرة.
5- الاختراع Development.
يقصد بالاختراع خلق شيء جديد لم يكن موجودًا من قبل، وبالتالي فهو يعتبر جزءًا من الإبداع الذي سبق أن أوضحنا أنه يشتمل على فكرة جديدة أو استخلاص وظيفة جديدة لشيء قائم، ومن ثم فالاختراع يرتبط بالجزء الأول من الإبداع، وهو خاص بالشيء الجديد غير موجود من قبل، ولكن يركز الاختراع على الشيء المبتكر أكثر من الفكرة الجديدة.
6- التطوير Development.
يقصد بالتطوير تحسين أداء وظيفة ما قائمة أو اختصار الزمن اللازم لأدائها.

بقلم: د . أحمد علي النجار