تقول حكمة شعبية «إن الضربة التي لم تقتلني تقويني»، وقد يكون من الحكيم أيضًا أن ننظر إلى معنى كلمة القوة في هذه الحكمة والتي قد تذهب لأبعد من القوة الجسدية إلى القوة النفسية، حيث قد تترك تلك الضربة إصابات ولكن القوة التي تخلفها حتى ولو بعد الإصابات ما دام الفرد حيًا ستكون متمثلة في قوته المعنوية والنفسية. ولكن على الجانب الآخر من هذه الحكمة فإن هناك من يقول إن الضربة التي توجه إلى الشخص قد تترك عليه إصابات نفسية بالغة التعقيد ولا تزول آثارها على مر الأعوام. ولعل الحق والصواب هو ما بين هاتين المدرستين من مدارس الفلسفة والفكر في التعامل مع ما يسمى بالشدائد والضربات، حيث إن التعامل الموفق معها يحولها من محنة إلى منحة. والتدريب ينقل الفرد ويتدرج به من ميدان القول إلى ميدان العمل، أما التدريب الذي يقتصر على بعض العروض التقديمية الباهتة على شاشات العرض أو غير ذلك فهيهات هيهات أن يسجل في عصرنا الحديث ضمن قوائم التدريب والتطوير ومتطلبات العصر، وإنما قد يصنف أحيانًا ضمن عوائق التطوير لما يتركه من صورة ذهنية سلبية عن التدريب بالرغم من أهميته في ميدان الإصلاح والتنمية. وحلقة اليوم عن التدريب بالأزمات كأحد أساليب التدريب المتميزة التي تمارس بمعرفة نخبة قليلة من خبراء التدريب لما لها من مواصفات دقيقة ومتطلبات حساسة لا تتوفر لكثير من المشتغلين بالتدريب، بالإضافة إلى أنه أسلوب فعال لفئة من المتدربين قد لا يصلح لها غير هذا الأسلوب من مختلف أساليب التدريب الأخرى وخاصة التي تستهدف الجوانب النظرية والأهداف المعرفية بالدرجة الأولى وليست العملية والمعرفية.
التدريب بالأزمات..التغير المفاجئ
يشير مفهوم الأزمة إلى تغير غير مرغوب ومفاجئ وسريع في جوانب جوهرية في المتغيرات المحيطة, ويمتد أثره لفترة طويلة ويصعب السيطرة عليه. وبالنظر إلى خصائص هذا التغير يتبين أنه يتناول المواصفات التالية:
•غير مرغوب أو بمعنى آخر سلبي.
•الحدوث بشكل مفاجئ.
•يتحرك بمعدل سريع ومتزايد.
•يمس جوانب جوهرية وأساسية وليست ثانوية أو فرعية.
•يمتد مفعوله وأثره لفترة طويلة.
•صعوبة السيطرة على الأزمة وأحداثها.
وقد بدأت فكرة دراسة الأزمات مستمدة من التخطيط العسكري الاستراتيجي لتجنب الأزمات, ثم ما لبث أن استفادت منه العديد من التطبيقات الإدارية المختلفة ومن بينها إدارة وتنمية الموارد البشرية. إن هناك علاقة وثيقة بين التدريب بالسيناريوهات والتدريب بالأزمات في التدريب والاستعداد على المواجهة والتخطيط لها، غير أن إدارة الأزمات والتدريب عليها تذهب لأبعد من السيناريوهات بمواجهة ما لم يكن متوقعًا في بعض الأحيان. والتعامل مع الأزمات قد يأخذ صورة أو أكثر من الصور التالية:
•التدريب على إدارة ما قبل الأزمة.
•التدريب على إدارة الأزمة.
•التدريب على إدارة ما بعد الأزمة.
•ويضاف إلى ما سبق نمط عالي التخصص والاحترافية يسمى التدريب بالأزمة، وهو ما يشير إلى الاعتماد على الأزمات كطريقة وأسلوب من أساليب التدريب، وسواء كانت هذه الأزمة حقيقية ومطلوب التدريب أثناء حدوثها أو أنها من صناعة خبير التدريب والجهة المنظمة للتدريب.

كيف نطبق التدريب بالأزمات؟
إن القيمة الكبرى للتدريب في أنه يأتي قبل الوقوع في الأزمة الحقيقية التي قد لا يجدي التدريب حينها في كثير من الحالات. والتدريب بالأزمات بصوره الأربع المذكورة (قبل وأثناء وبعد) الأزمة بجانب التدريب بالأزمة، يعتبر ذلك من قبيل الاستعداد لمواجهة الأزمات. يعتبر التدريب الأزمة نمطًا شاملاً يضم تلك الصور مجتمعة من خلال ما يحدثه خبير التدريب من أزمة تشبه الأزمة الحقيقية، ولكنها أزمة وهمية غير حقيقية للتدريب على إدارتها والتعامل معها بأقل خسائر ممكنة، سواء كان ذلك قبل أو أثناء أو بعد حدوث الأزمة. وتوجد تطبيقات قديمة لم تكن تحت مسميات التدريب على الأزمات وإنما تتناول جوهره الرئيسي، ومن بينها ما تقوم به فرق الإطفاء والدفاع المدني من تدريبات على مواجهة أنواع الحرائق المختلفة أو ما يقوم به العسكريون وغيرهم من تدريبات مشابهة. وكما سبقت الإشارة إلى إمكانية الاستفادة من أسلوب التدريب بالسيناريوهات فإنه كذلك يمكن الاستفادة من أسلوب المحاكاة أو دراسة الحالة في اتجاه تدريب متقارب مع ما يذهب إليه خبير التدريب عند اعتماده على التدريب بالأزمات.
في البداية يجب أن يتعرف خبير التدريب على شروط ومواصفات الأزمات، لأنه ليست كل التحديات التي يواجهها الأفراد تعتبر من بين تلك الأزمات، كما يجب على خبير التدريب تصميم أزمة تدريبية مشابهة للأزمات الحقيقية في المواصفات الرئيسية والشروط بحيث لا تفقد مغزاها التدريبي الفعلي والمستهدف. ومن هنا يستلزم أن تحقق الأزمة التدريبية المفتعلة كلاً من الحدوث المفاجئ والسرعة وامتداد المفعول وصعوبة السيطرة عليها ومساسها لجوانب جوهرية. ومن التجارب السابقة يكتشف خبير التدريب أن هناك صعوبة من غير شك على هذا النوع من التدريب وخاصة في تلبية شرط المفاجأة، لأن كثيرًا من الحالات يكون هناك علم مسبق لدى المدربين بأنه سيتم تطبيق أزمة ما حتى ولو لم يكن لديهم تصور تفصيلي عنها، ولكن يمكن بالتحضير الإجرائي للعملية التدريبية تلبية هذا الشرط بالرغم من صعوبته لتحقيق ومحاكاة الحالة النفسية الحقيقية التي تتملك الأفراد حالة الأزمة الفعلية.
وبالرغم من أنه لا توجد طريقة موحدة لتطبيق التدريب بالأزمة ما دامت تحققت شروط توصيف الأزمة المشار إليها، إلا أن الخطوات التالية تساعد على توضيح الأبعاد الرئيسية لتطبيق هذا الأسلوب:
•تعرف جيدًا على مجموعة المتدربين وردود الأفعال المحتملة عمومًا من كل منهم، ومستويات الإتقان لمجال التدريب المطلوب تنميتها أو اختبارها.
•تشكيل فريق التدريب والإدارة الذي قد يضم خبراء التدريب والمسئولين من الجهة المستفيدة التي تطلب تدريب منسوبيها وبعض الجهات الفنية أو الرسمية الأخرى التي ترتبط بموضوع الأزمة.
•حدد السيناريوهات المحتملة والمتاحة لمجالات الأزمة المطلوب التدريب عليها، مع التأكيد على مباغتة الأزمة في التوقيت والمحتوى إلا أن المجالات يمكن التوقع الموضوعي لها.
•اختر مجال الأزمة المطلوب التدريب عليها بالتوافق بين المجالات المتوقعة والمحتملة بشكل واقعي وبين مستويات المتدربين وخبراتهم السابقة، وتذكر أن التدريب بالأزمات يستهدف من لهم خبرات سابقة ولو في صورة معلومات نظرية وتدريب معرفي سابق.
•قم بصياغة سيناريو محكم للأزمة، ويفضل عدم الإفصاح عنه لتحقيق عنصر المفاجأة الذي يحقق محاكاة حقيقية للأزمات على الواقع الميداني.
•تأكد من ضوابط سيطرتك على الأزمة واستعدادات الدعم المطلوبة لها وخاصة في بعض الاختبارات والتدريبات الخطرة لمجموعة من المجالات التي لا تستهدف فقط التنمية البشرية الإدارية ونحوها وإنما قد تمتد لتدريبات أخرى كما هو الحال بتدريبات رجال الإطفاء ومن نحوهم.
•قم بتنفيذ الأزمة مع الإتقان الشديد في تحقيق شروط توصيف الأزمة بقدر المستطاع مع الحفاظ على ضوابط تأمين سلامة المشاركين والتعاملات بينهم، حيث يحدث في الأزمات الإدارية التي تستخدم للتنمية الإدارية أحيانًا أن يحدث مصادمات بين الافراد.
•قم بتوضيح الأمور بعد انتهاء التدريب لجميع المشاركين ومناقشة الاستفادة والتقييم من الأزمة التي تم تنفيذها.

ما هي أهم التوجيهات للتدريب بالأزمات؟

إن التدريب بالأزمات أسلوب عالي الاحترافية يتطلب أن يتم اختيار خبير تدريب على درجة عالية من التخصص والمهارة. وهناك مجموعة من المحاذير والتوجيهات اللازمة لتنفيذ التدريب بالأزمة بطريقة فعالة تحقق الأهداف التي يحددها خبير التدريب والمبنية أساسًا على احتياجات يسعى لتحقيقها المنشأة أو الجهة الراعية للتدريب، ولعل من أهم تلك التوجيهات ما يلي:
•يجب على خبير التدريب التخطيط الجيد والتحضير الدقيق قبل تنفيذ الأزمة المطلوب التدريب عليها.
•يتحتم على خبير التدريب أن يختار أزمة واقعية تفيد فعلا في الارتقاء بمستوى المتدربين، وليست خيالية غير محتملة أو منطقية الحدوث حتى لا يعتبر ذلك مضيعة للوقت والجهد والتكاليف ومن غير جدوى.
•على خبير التدريب أن يراجع بشكل إضافي وسليم كلاً من تحقيق شروط توصيف الأزمة التي سيتم التدريب عليها، بالإضافة لمراجعة عوامل التأمين والسلامة للأفراد والممتلكات أثناء التدريب، حتى لا تحدث أية خسائر من خلال تطبيق أسلوب التدريب بالأزمات.
•قم بالتنفيذ الدقيق للأزمة مع استمرار مراعاة كل من الشروط والضوابط المشار إليها لاستمرار فعالية التطبيق والحفاظ على سلامة التنفيذ والسيطرة على إدارة الأزمة.
•يجب أن يلتزم خبير التدريب باعتماد منهج الشورى في اتخاذ قراراته من خلال فريق التدريب بالأزمة لضمان تشكيل رؤية تدريبية لها قبول واسع ومفيد ولا تعبر عن رؤية شخص واحد قد تكون قاصرة حتى ولو كان هذا الشخص هو خبير التدريب، كما أن هذه المشاركة والتشاور مع فريق التدريب تساعد على التحمل الجماعي للمسئوليات.
•يحتاج خبير التدريب إلى الاستماع باهتمام شديد لتقييمات المتدربين بعد تنفيذ الأزمة والتدريب عليها للخروج بأوجه الاستفادة والتعديلات ونقاط القوة والضعف التي قد يكونون خرجوا بها بعد انتهاء عملية التدريب.


لماذا التدريب بالأزمات؟
يأخذ التدريب وفقًا لتوقيت الأزمة بحيث يكون قبل الأزمة وهو الأكثر جدوى وعائدًا باغتنام الفرص وتجنب التحديات، كما قد يكون أثناء الأزمة وهو إدراك ما يمكن إدراكه، أو أن يكون بعد الأزمة باستخلاص الدروس المستفادة من الأزمة وما يمكن أن يستفاد منها فيما بعد، وقد يكون ذلك التدريب بأزمة حقيقية واقعة بالفعل فيتم التدريب بالتوازي مع تلك الأزمة، كما قد يكون هناك أزمة مفتعلة لأغراض التدريب وبالتالي يتحقق للجهة المستفيدة بالتدريب أكبر دالة منفعة ممكنة وبأقل قدر ممكن من التضحيات. وقد يسأل البعض عن جدوى التدريب بالأزمات وخاصة أن الأزمة تتصف بالقوة والمفاجأة ودرجة عالية من عدم التوقع، ولكن الصواب أن صعوبة توقع الأزمة لا تعني عدم محاولة التوقع ووضع السيناريوهات ووضع نماذج المحاكاة أو التدريب على أزمة مفتعلة ولو بقدر أقل من الحقيقية التي قد تقع بالفعل.
إن التدريب بالأزمة يجنب المنشأة أو الجهة المستفيدة خسائر فادحة قد تحدث أوقات الأزمات الحقيقية. ويحضرني مثال بسيط يمكن وصفه بالبسيط المتعمق لما له من معان كبيرة بثناياه بالرغم من بساطته، ألا وهو ما يحدث بمدارس الأطفال وروضاتهم بالدول المتقدمة من التدريب على الحريق على سبيل المثال، وانتهاءً بتدريبات مشابهة على الأسر والأفراد من ساكني ناطحات السحاب بتدريبات مشابهة، أو تلك التي تقوم بها الحكومات بالدول التي يكثر بها الزلازل كما هو الحال باليابان على سبيل المثال لتجنب مخاطر وأضرار الزلازل الحقيقية عند حدوثها والتي قد يكون أكثرها ناتجًا عن قلة خبرة الأفراد بالتعامل مع تلك الأزمات.
وعلى خبير التدريب معرفة أن هناك متغيرات كثيرة بالأزمة قد يكون من أهمها: موضوع الأزمة، التوقيت، الموقع الجغرافي، الموقع التنظيمي (إن كانت بالمنشأة)، قوة الأزمة، فترة استمرارها، آثارها... وغير ذلك من المتغيرات التي عليه أن يبتكر ويطور في تدريباته بدلاً من أن يقف متشككًا في جدوى التدريب بالأزمات الذي صنع فرقًا كبيرًا بين الدول المتقدمة والدول النامية وبين المنشآت الناجحة وغيرها من المنشآت المتعثرة. وعلينا أن ندرك أن الأزمة قد تحدث لمنشأة أو شركة بعينها وليس بالضرورة أن تكون كارثة طبيعية، كما هو الحال في بعض الحالات التي تمر فيها شركة عالمية على سبيل المثال بأزمة كبيرة عاصفة لتعليق أو تصريح لأحد مسئوليها ببعض وسائل الإعلام أو تأثيرًا بالغًا لبعض الأحداث العالمية مما يتطلب الإدارة الجيدة لتلك الأزمة والتي لن تأتي إلا بالتدريب المسبق على إدارتها.

بقلم: د. أسامة أحمد