الناس في إقليم التبت يعتبرون من أكثر شعوب الأرض صبرًا وهدوءًا وتعايشًا مع بيئتهم وظروفهم القاسية نُقلت لنا عنهم عددًا من القصص والحكم أذكر أني مررت على قصة تنسب لهم ومفادها أن أحد الرهبان كان يتأمل بمفرده في كهف في أحد الجبال، وذات يوم رآه أحد الرعاة، وقرر أن يوقع به ويختبر صدق كلامه في التزامه بالحكمة والتأمل والهدوء والصبر فجاء إليه وسأله: ما الذي تفعله بمفردك؟ فأجاب الراهب: أتأمل في الصبر، عندها صاح الراعي بأعلى صوته قائلاً بينما كان يستدير لينصرف: حسنًا فلتذهب إلى الجحيم، فما كان من الراهب إلا أن رد على صراخه بصراخ مماثل قائلاً: بل اذهب أنت إلى الجحيم! فضحك الراعي واستمر يضحك طوال طريقه وهو ينزل من الجبل.
تقول إم جيه رايان في كتابها قوة الصبر ( إذا كنا نريد أن نحيا حياة أكثر رحابة وعمقًا، وليس مجرد أسرع إيقاعًا، يتعين علينا أن نتحلى بالصبر مع أنفسنا ومع الآخرين ومع الأحداث الصغيرة والكبيرة في الحياة نفسها، إن الصبر والقدرة على الانتظار ربما يكونان أعظم حكمة على الإطلاق، تلك الحكمة التي تجعلك تغرس البذرة وتنتظر حتى تؤتى ثمارها، إن أي بستاني يستطيع أن يخبرك أن دورات الطبيعة تتطلب الصبر، إنه مفتاح كل شيء ، إنك ستحصل على الصيصان بأن تترك البيض يفقس لا بأن تحطمه لتخرجها بنفسك، إننا بالصبر نصبح مسؤولين عن أنفسنا وقادرين على التحكم في تصرفاتنا). وتقول كذلكالصبر ذلك الفن الذي لو أتقناه - بقلم: م. عبدالله عسيريإن عالمنا الذي أصبح يتصف بالإيقاع السريع من الممكن أن يجعلنا نشعر باللهاث والاندفاع والتعجل وكذلك بالتوتر والحزن طوال الوقت تقريبًا، وبما أن صحتك هي انعكاس لأحداث حياتك يجب أن تعرف أن التأثيرات البيولوجية الناتجة عن التعرض للتوتر والغضب تضم زيادة معدل ضربات القلب وزيادة ضغط الدم، وزيادة في إفراز الحامض المعدي فالأبحاث الطبية أظهرت أن احتمال إصابة الشخص سريع الغضب بالسرطان يزيد مرة ونصف عن احتمال إصابة الآخريين به، كما أن احتمال تعرضه لأمراض القلب يزيد خمس مرات عن احتمال تعرض الآخرين لها، إنك عندما تثور ثائرتك يطلق عقلك هورموني الأدرينالين والكورتيزول مما يؤدي إلى إضعاف جهاز المناعة وانقباض الأوعية الدموية وسرعة خفقان القلب، الحل الوحيد لكي تتقي كل ذلك يكمن في تعلمك عادة الصبر، الصبر يقف حائلًا بيننا وبين الغضب، وهو القدرة على أن تتحكم في نفسك وتضبط أعصابك عندما تشعر أن زمام الأمور قد بدأ يفلت من بين يديك، الصبر فن العثور على شيء آخر نقوم بأدائه).
إن معظم العظماء في هذه الحياة كانوا يتحلون بعادة الصبر فلقد قال توماس أديسون: كثير من حالات الفشل في الحياة كانت لأشخاص لم يدركوا كم كانوا قريبين من النجاح عندما أقدموا على الاستسلام، ويقول «أندرو كارنجي» إن الإنسان الذي بإمكانه إتقان الصبر يمكنه إتقان أي شيء آخر، كذلك لقد استطاع نيلسون مانديلا بالصبر والإصرار الهادئ أن يحدث معجزة، لا لنفسه فقط ولكن لما يقرب من 43 مليون شخص من السود والبيض الذين يسكنون جنوب إفريقيا، لقد قضى مانديلا 27 عاما في سجون جنوب إفريقيا، ولكنه كان يتمسك بالصبر الذي هو فن التمسك بالأمل، وقال في مذكراته «إن الأمل هو أن يظل الإنسان موجهًا رأسه نحو الشمس محركًا قدميه إلى الأمام»، ونسب إلى ألبرت أينشتاين قوله: أفكر وأفكر لشهور وسنين وبعد تسع وتسعين محاولة أصل إلى نتيجة خاطئة وفي المرة المئة أصل إلى النتيجة الصحيحة.
لقد تأملت في أكثر الأمور أولوية وأهمية لنا في حياتنا المعاصرة فلم أجد أهم ولا أكثر حاجة لنا لمثل حاجتنا للصبر الذي به يحصل هدوءنا الداخلي و به نكسب المزيد من الصحة النفسية والثقة بالنفس في هذا الزمان السريع في إيقاعه وصخبه وتغيراته الكثيرة والمفاجئة، وبعدها سنكون أكثر إصرارًا على تمسكنا بالأمل في الحياة مهما حصل لنا من الظروف والمعوقات و به يتحقق الانضباط في التصرفات والاحترام للقوانين والأنظمة والتعايش السلمي بيننا وبين من نختلف معه ، وصدق الحق المبين حين قال سبحانه {ولئن صبرتم لهو خير للصابرين}.