عندما نقول إننا نضع الإدارة التقليدية في الميزان، فإننا لا نعني بأي حال من الأحوال توجيه النقد أو تعداد النقائص بقدر ما نعني التساؤل عمّا إذا كانت الأساليب الإدارية الحالية، بصيغتها المعروفة، والتي نجحت حتى الآن في إدارة اقتصاد وثقافة وصناعة بلدانها، واستطاعت تنظيم هياكلها السياسية والعسكرية والدينية، وتمكنت من تخريج أجيال من العظماء وذوي المراكز العالية، قد وصلت حد الكمال في مفهومها الإيديولوجي وتطبيقاتها العملية، وتبعًا لذلك فهي لا تحتاج إلى أي إضافات أو تعديلات يفرضها تطوّر الحياة علميًا وثقافيا واقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا.
وسرعان ما يأتينا الجواب بالنفي. فلا وجود لنظام من صنع الإنسان يتصف بالكمال. وأساليب الإدارة التقليدية لا تُستثنى من مراحل التطور التي تتأثر بتسارع العصر وتقلبات المفاهيم الإنسانية بسبب الحضارة العصرية. فإذن، هناك متسع للإضافات، ومجال للتعديلات، ولا ينقص من فعالية الإدارة التقليدية أن تكتسب أساليب جديدة تتماشى مع متطلبات العصر، كما لا ينقص من فعاليتها تسميتها بأي اسم آخر، كالإدارة الموقفية، أو الإدارة الوظيفية، أو القيادة حسب الأوضاع، أو حتى الإشراف الإداري... جميعها تنضوي تحت التسمية الأم: الإدارة، وجميعها تهدف إلى ضبط وتنظيم أداء منسوبيها وأفراد طاقمها والحصول على أفضل استثمار مادي وبشري من خلال التأكيد على كفاءة وفعالية العاملين ضمن هذا النظام.


لكل تغيير معارضون..
بالنسبة للسؤال السابق المطروح أعلاه، وهو إمكانية الإضافة والتعديل، فهو أمر مفروغ منه ولا يختلف عليه اثنان، وإنما أوردناه هنا ضمن التساؤلات تذكيرًا للقارئ الكريم بأن في أي عملية تغيير أو تطوير تتم أو تُقترح، لا بد من ظهور فئة من الناس تعارض هذا التغيير عشوائيًا ومن دون اطّلاع على فوائد الجديد، لذا فنحن نتوقع ذلك ولن نتوقف عنده.
أما بالنسبة للسؤال الثاني، وهو «من الذي يقرر أي الأساليب الإدارية أفضل من غيرها؟» فالجواب على ذلك إنه الموقف، الحالة الراهنة، الظرف، وليس الشخص المكلف بالإدارة، وإن كان دوره ودور مجلس أمناء الإدارة العليا والوسطى مهمًا في اتخاذ القرار، لكن ما يحكم هذا القرار هو الظرف القائم والحالة الراهنة، وبعبارة أخرى، الموقف.
مثال على ذلك:
اعتاد مدير مصنع للمنسوجات جمع العاملين في الصباح الباكر قبل البدء بالعمل وتوجيه كلمة تشجيعية أو نقدية لهم، ثم الاجتماع برؤساء الأقسام ومشرفي الوحدات للنظر في الجدول اليومي المعدّ لعمل هذا اليوم، أو الأسبوع، وإبداء رأيه هنا وهناك، ثم ينصرف إلى مسؤولياته الأكبر كعضو في المجلس الإداري، للاطلاع على آخر المستجدات من الإدارة العليا، أو تلقي الأوامر والتوجيهات الروتينية، قبل العودة إلى مكتبه لمتابعة العمل من خلال رؤساء الأقسام والمشرفين. وقد يقوم بجولة بين العاملين شخصيًا لبث روح الفريق والحماسة بينهم بتشجيعهم وتذكيرهم أنه يهتم بعمل كل فرد، وبأن كل عامل هو عنصر مهم لنجاح العمل.
هذا الأسلوب يعتبر من أنجح الأساليب التقليدية، وهو عمومًا الأسلوب المفضّل لكثير من المدراء الناجحين. ولا يستطيع أي مستشار خارجي أو داخلي انتقاده أو محاولة إيجاد ثغرات فيه لمجرد التغيير لا أكثر.


الاجتماعات الافتراضية..الظرف التكنولوجي المتطور
لنفترض أن الإدارة العليا ارتأت انْ تُطوِّرَ آليّاتها الإدارية بواسطة الاجتماعات الافتراضية عبر دائرة تلفزيونية مباشرة مغلقة، وطلبت من هذا المدير أن يبدأ بالعمل على جعل ذلك هو الروتين الجديد في إدارة المصنع... من كان صاحب القرار هنا؟ قد يجيب أحدنا إنها الإدارة العليا. ولكن الجواب الصحيح هو أن صاحب القرار كان الظرف التكنولوجي المتطور وضرورة مواكبته، وإلاّ تخلف المصنع عن غيره من المصانع الحديثة أو التي أخذت بهذه التقنية. صاحب القرار هو التطور التقني العلمي الذي أحدَثَ حالة جديدة أو استثنائية تتطلب من الإدارة التقليدية أن تتأقلم مع مستجداتها. فإذن، نرى هنا أسلوبًا إداريًا تقليديًا ناجحًا يخضع للتحوّل إلى أسلوب حديث، المفترض به أن يكون أكثر نجاحًا، وإلا لا جدوى من تطبيقه. هذا ما نسميه موقفًا إداريًا. بل هي الإدارة حسب الموقف، وليس حسب الأسلوب التقليدي المعروف، وإن كان - حتى لحظة القرار بالتغيير - أسلوبًا تقليديًا ناجحًا.
والجدير بالذكر، أن مدير هذا المصنع، باستطاعته الاستمرار في أسلوبه رغم تغيّر وسائل اتّصاله بتابعيه، ولكنه يكون بذلك قد كرّر إجراءاتٍ تمّ تنفيذها، فهدَر وقت المؤسسة في ما لا ضرورة له، وهدْر الوقت معناه هدْر المال، لذا، فالأجدى له أن يتأقلم مع الظرف الجديد، ويستثمر وقته في تعلّم الأساليب الجديدة وتعليمها لرؤساء الأقسام ومشرفي الوحدات، وبطبيعة الحال، إخضاع الطاقات البشرية المتمثلة بكافة مستويات القوى العاملة، لدورات تدريبية تضعهم في الصورة الجديدة للظرف الجديد، تسهيلًا لعملية التواصل الفعّال من وإلى الإدارة العليا، وتوفيرًا للوقت فلا يضطر الرئيس أو المشرف إلى الشرح المسهب عند كل مهمة.
وبالنسبة للسؤال: «هل هناك أسلوب نموذجي لكل زمان ومكان؟» فالجواب المختصر هو «لا»، وإلاّ لما كُتبت المقالات وألّفت الكتب، محاولة كلٌّ من جانبها طرح أسلوب أفضل من المعمول به في عصره، معتمدة على اختلاف الأساليب الإدارية باختلاف المواقف التي تعرض للمدير بصورة مشكلات أو مفاجآت أو ظروف استثنائية. ولكن الخبر الجيد هو أن باستطاعتنا الاستفادة من آخر ما توصل إليه علم الإدارة، واعتماد أسلوب يتضمّن أفضل الطرق وأنجحها بحيث يقارب الأسلوب النموذجي.


لماذا يتردد الرؤساء في التغيير؟
لكل عصر سماته ومتطلباته، كما لكل فرد شخصيته وصفاته، ولكن بعض الناس من ذوي المراكز المهمة في الإدارة، خصوصًا أصحاب الخدمة الطويلة في مجالهم، يقاومون التطوّر ويعترضون على الجديد غير المجرّب، لا من قبيل التشبّث بالرأي مع معرفة أنهم على خطأ، بل لأنهم لا يعتبرون التغيير ضروريًا طالما العمل ناجح والأمور تسير على خير ما يرام، وبالتالي فهم لا يعتبرون التغيير تطوّرًا نحو الأفضل، وقد يذهبون أبعد من ذلك ويعتبرونه بداية السقوط والتحوّل من نجاح إلى فشل.
إن هؤلاء الناس مخلصون لعملهم، ولا شك في ولائهم وأمانتهم وتفانيهم في أداء أعمالهم، ولكنهم ضحية هذا الالتزام وهذا التفاني، بحيث يعتبرون التخلّي عن أساليبَ ثبت نجاحها، من أجل تجربة أساليب جديدة قد تكون لها آثار سلبية على العمل، أمرًا لا أخلاقيًا ونوعًا من الخيانة لمبادئ المؤسسة التي خدموها وخدمتهم عشرين عامًا أو يزيد.
ومن ناحية أخرى، لقد استغرقوا في أعمالهم سنين طويلة فأصبحت روتين حياتهم، وأصبح التخلّي عنها مشكلة شخصية قبل أن تكون ثقافية أو إدارية، فهم قادرون على تعلّم الجديد من الأساليب، ومنفتحون على تطوير مهاراتهم، ولكن ضمن دائرة الرؤية التي ترسمها لهم مناطق الارتياح النفسي، وتتوافق مع الصورة الذهنية التي يحملونها عن أساليب العمل، والراسخة في نفوسهم وعقولهم منذ سنين، والتي قد حددت لهم دائرة إدراكية ثابتة (Paradigm)، يحتاجون إلى كسر إطارها قبل توسيعها، وإلى إدراك ضرورة التغيير قبل البدء بالتغيير، وإلى استيعاب أسباب تغييرها قبل إعادة رسم حدودها.


من هو المدير الناجح اليوم؟
إنه المسئول الذي يعي تقلبات الظروف المؤئرة على أداء موظفيه، فيتأقلم معها أولًا كشخص مسئول عن نجاح العمل، ثم يعمد فورًا إلى وضع خطة عملية لجعل مرؤوسيه يتأقلمون مع الظرف الجديد بأسرع وقت.
وهو أيضًا الذي يعي أثر هذه الظروف على عملية الإنتاج، فربما بلغ أداء الموظفين مداه وبذلوا قصارى جهدهم حسب التوجيهات الأخيرة، ومع ذلك تراجع الإنتاج بسبب عدم انتباه المدير المسؤول إلى أثر الظروف الجديدة على مستوى ونوعية الإنتاج وليس فقط إلى أثرها على أداء الموظفين.
والمدير الناجح أيضًا هو الذي يتمسك بثوابت أساسية تأكدت فعاليتها مع الزمن، وفي الوقت ذاته يترك الباب مفتوحًا للتجدد ومواكبة التطوّر، مدركًا تمامًا أن من طبيعة الأشياء التغيّر والتحوّل، ومن يتشبث بالقديم وقد أصبح باليًا يظل متخلفًا عن ركب التقدم.
وفيما يلي بعض الصفات التي يجب أن يتحلّى بها المدير الناجح عمومًا:
1- القدرة على تمييز مختلف مستويات النضج الشخصي بين المرؤوسين، والمتمثل في القدرة على العمل وتوفر الرغبة في القيام به. والمعروف أن مستويات النضج الشخصي الفردي والجماعي تتفاوت بحسب الجو العام للشركة، والعلاقات الشخصية، وعوامل أخرى، وأنها تزداد أو تتناقص مع تغيّر هذه العوامل.
2- الخبرة في ثلاثة مجالات أساسية مهمة وهي: المجال التقني: أي القدرة المكتسبة عبر الخبرة والثقافة والتدريب على استخدام المعرفة والأساليب والتقنيات ومختلف التجهيزات اللازمة لتأدية مهمات معينة. المجال الإدراكي: القدرة على استيعاب الصورة الكبرى للتعقيدات في المؤسسة ككل، ومعرفة الموقع الأنسب لعمله كفرد فاعل، بحيث تسمح له بالعمل على أساس الأهداف العامة للشركة، لا على أساس أهداف وحاجات الفريق الذي يعمل معه. المجال الإنساني: الحكم السليم في العمل مع الآخرين ومن خلالهم، بالإضافة إلى القدرة على فهم الدوافع والحوافز، وتطبيق الأساليب القيادية الفعّالة.
3- إتقان فن التعامل مع الناس، من لباقة وحِلم وتفهّم واهتمام بالشخص المتحدث وحسن الإصغاء واحترام وجهات النظر.. إلخ.
4- معرفة متى، ومع من، يجب أن يستخدم قوّة المركز في التعامل مع موظفيه ومتى يستخدم قوة العلاقة الشخصية بهم.
5- التّحلّي بروح المبادرة والقدرة على استباق الفعل برد فعل إيجابي، مما يخفف من وطأة المفاجآت، ويوفر للعاملين مادة جاهزة للتطبيق، توفيرًا للوقت، واطمئنانًا إلى وضعهم في الطريق الصحيح بمواجهة التحديات. وهذه الصفة قد تكون فطرية أو مكتسبة في الشخصية القيادية، وهي عند ممارستها مرارًا، تصبح عادة من عادات المدير الناجح.
6- وضوح الهدف، واستكمال صورته النهائية في ذهن القائد قبل البدء بالتخطيط. وهذه الصفة عامل مهم في حسن التخطيط، وحافزٌ قويٌّ للاستمرار، وأداة فعّالة لشحذ همم المرؤوسين والأتباع، وبابٌ يؤدي إلى مخزون من الأفكار الملائمة لتحقيق الهدف، وتمييز الأفكار المعطِّلة أو السلبية أو غير الملائمة من عكسها، وبالتالي سهولة تحييدها أو تجنّبها.
7. القدرة على الحكم الصحيح فيما يعرض له من الأمور، وعلى الناس، وفي تقييم الأولويات من حيث وضع الأهم قبل المهم، والعاجل قبل الآجل. وهنا يجدر القول إن القدرة على الحكم الصحيح قد تأتي من الخبرة أيضًا، ولكنها لا بد أن تترافق مع عقل واع وشخصية ناضجة ذات نظرة موضوعية للأمور. أمّا ترتيب الأولويات، فهي مهارة تُكتسبُ وتُمارسُ إلى أن تصبح عادة من عادات المدير الناجح. كما يجدر التنبيه إلى أن المدير الذي يتقن فنّ ترتيب الأولويات، يدلّ على أنه قد أتقن مهارة إدارة الوقت، وهو بالتالي يدرك تمامًا أهمية قراراته المتعلقة بهذه الأولويات، لما لترتيب الأولويات من أهمية في توفير الوقت واستثماره بأفضل الطرق الممكنة.
8- التفهّم والتفاهم، وهذا يعني الانفتاح على آراء الآخرين وتفهّم أفكارهم والتعاطف مع همومهم، وفي الوقت ذاته، القدرة على توصيل أفكاره وآرائه (والتي تمثّل أفكار وآراء المؤسسة) بوضوح إلى الآخرين.
9- روح التعاون والرغبة في المشاركة والقدرة على الاستجابة لحاجات الآخرين، وأخذ دور فاعل في تأمين حاجاتهم بعاطفة صادقة واهتمام نابع من روح الفريق والانتماء إلى المجموع، لا من الإحساس بالسلطة، لكيلا يشعر المرؤوس أن رئيسه يتفضّل عليه بمشاركته همومه، مما سوف يترك أثرًا سلبيًا عنده يُفْشِلُ الهدف من المشاركة، فبدلًا من أن يعطي الموظف حافزًا للتطوّر أو للمزيد من العمل، يسبب له الشعور بالضعة والثانوية وعدم القدرة على الاستقلالية.
10- الاعتمادية، والمرجعية ذات الرصيد المعنوي العالي عند الرؤساء والمرؤوسين على حد سواء، بحيث يثق التابع أنه حين يرجع إلى رئيسه في أمر ما، فإنه سيجد العدالة والتفهم والحكم الأصوب، فهو يدخل إلى مكتب رئيسه وهو على استعداد لقبول قراره وحكمه في الموضوع من باب الثقة في مرجعيّته التي أكّدتها التجارب السابقة مع هذا الرئيس. ومن جهة أخرى، يكون موضع ثقة رؤسائه كمرجع معتمد حين يحتاجون إلى معرفته اليقينية في مجال الإدارة التي يترأسها.
11- القدرة على العمل بتوازن وفعالية في اتّجاهين أساسيين: الاتجاه المؤدي إلى تحقيق أهداف الشركة أو المؤسسة، والاتجاه المؤدي إلى تحقيق أهداف العاملين والطاقات البشرية المجنّدة لتحقيق أهداف الشركة. فهو كما قلنا في تعريف كلمة «مدير»، يعمل «مع» و«من خلال» الناس. فإذا عمل من خلالهم فحسب، فقد أخلّ بتوازن الأهداف، وأصبح العاملون مجرد أدوات مثلهم مثل الآلات التي يعملون عليها، ولك أن تتخيّل مدى ضعف إنتاجية العامل الذي يشعر أن رئيسه يعتبره آلة من آلات المصنع لا تحسّ ولا تشعر بل تنفّذ الأوامر بصمت ولا تُبدي رأيًا.
12- التنبّه إلى الخيط الرفيع الذي يفصل بين مصلحة الشركة ومصلحة الموظف. يجب ألا تتعارض المصالح، وإلاّ حدث شرخٌ في إدارة العمل، وانخفضت الإنتاجية، ودُمّرت روح الفريق، وسرت في نفوس المرؤوسين مشاعر الغبن بسبب الإجحاف في تطبيق مصالح الشركة على حساب مصالح الموظفين، بدلًا من توحيد المصالح، وجعل نجاح الشركة من نجاح الموظف، وبالعكس. وفي هذا الإطار، يكون دور المدير الناجح توضيح هذا الأمر لمرؤوسيه، بأن يبلغهم بمصالح الشركة، وبأن أي عمل شخصي من قبل الموظف يتعارض مع أحد تلك المصالح يعتبر نقضًا للعقد، وبالمقابل، تضمن الشركة للموظف حقوقه ومصالحه ضمن الشروط المنصوص عليها في خطة عدم تعارض المصالح الموقع عليها من قبل الطرفين.
13- الشخصية القيادية وما يستتبعها من خصال في شخصية القائد. فالمدير قائد. وإذا لم يحترمك موظفوك فلا تأمل أن يطيعوك. وإذا كرهك تابعوك فلن تأمن جانبهم من دسّ وإشاعات وربما فتن، حتى لو كنت محقًا وهم مخطئون. فإذن، المدير الناجح يعمل على كسب حب مرؤوسيه واحترامهم معًا، وليس كرهه والخوف منه.
14- المدير الناجح يتمتع بالجاذبية والحماسة والقدرة على شحذ الهمم ورفع المعنويات - وتلك صفات القائد الناجح كما أشرنا آنفًا - وإلاّ، إذا كان غير ذلك - انعكست صفاته السلبية على كوادر العمل ونفوس الأتباع.. وحتى على المشرفين ورؤساء الأقسام.
15- المدير الناجح صادق الوعد، لا يعد بما لا يستطيع تنفيذه سواء لرؤسائه أو لمرؤوسيه. وهو بالتالي لا يلجأ إلى حل المعضلات بالأمل الكاذب، أو التخلّص من إلحاح موظف ما، بوعدٍ لا ينوي - أو لا يستطيع - تنفيذه. وما أكثر المواقف التي تبرهن على أهمية هذه الصفة، أو العادة، عند مدراء الشركات!
16- الإلمام بكل جوانب العمل الواقع تحت مسؤوليته، ومعرفة مقدرات موظفيه الذين يؤدون هذا العمل أو ذاك، والقدرة على استشراف إمكانات الموظفين الآخرين ومنحهم الفرص لإظهار تلك الإمكانات لإبقاء سير العمل مستمرًّا في حال غياب مشرف أو عامل تقني أو فنيّ، وهذه الصفة قد تكون من إحدى أهم صفات المدير الناجح.
17- الجلد والصبر على العمل من جهة، والثبات ووضوح التفكير أثناء الأزمات، من جهة أخرى. وإلاّ، لمن يفزع الموظفون عند الأزمات؟ ولماذا كان هذا مديرًا وذاك تابعًا؟ وما الذي يمتاز به المسؤولون عن التابعين؟
18- سلامة العقل والنفس والبدن. فإنّ اعتلال إحداها يؤثر سلبًا على الحكم الصائب والقيادة السليمة. ولأن هذا الموضوع قابل للنقاش واسع المجال، سنكتفي بالقول إن العقل السليم في الجسم السليم، وإن القائد ذا النفسية المعقدة قد ينقلب فيصبح دكتاتورًا يلجأ إلى إرهاب مرؤوسيه لإتمام العمل بدلًا من التعاون معهم للوصول إل الهدف المنشود.
19. المرونة بمظاهرها الخمسة: المثابرة والصلابة، أي القدرة على النهوض عند الفشل (Resiliency)، المرونة في التعامل مع الناس والاختلافات في وجهات النظر (Flexibility)، المرونة في تعديل الخطط للوصول إلى الهدف بحسب الظروف المتغيّرة، أي الانفتاح، (Openness) ثم المرونة بمعنى سهولة التأقلم مع المستجدات عمومًا، كتقبّل التغيير في سياسات الشركة أو في تعديلاتها الإدارية مثلًا (Adaptability).
20- القدرة على الابتكار والإتيان بالأفكار الجديدة، على الأقل في مجال عمله، بحيث يظلّ على اتصال مع الجديد العصري، ويكون هو وإدارته ومرؤوسوه على استعداد للخروج من مستنقع الروتين العملي، منعًا للتخلّف عن ركب التقدم، ودعمًا لإمكانات الشركة في التصدي لمنافسيها وللتحديات التكنولوجية العصرية المتسارعة.
هذا غيض من فيض، ولولا أن يُقال إن علم الإدارة يطلب المثالية المستحيلة في صفات المدير أو القائد، لتضاعفت هذه القائمة ثلاث مرات على الأقل.

عدم الرغبة في بذل جهد إضافي أبرز أسباب مقاومة المرؤوسين التغيير..
بصورة عامة، فإن بعض أسباب مقاومة التغيير لدى المرؤوسين مشتركة بينهم وبين رؤسائهم، إلا أن الأهداف قد تختلف باختلاف الرؤية واختلاف المصالح. فحينما يتردد الرؤساء في التغيير، تدور أفكارهم في فلك المصلحة العامة للشركة أو المؤسسة من جهة، وفي حدود دوائرهم الإدراكية الثابتة التي رسمتها الخبرة وعزّزتها مناطق الارتياح في سير العمل اليومي من جهة أخرى. بينما ينظر المرؤوسون إلى التغيير على أنه عامل اضطراب في روتين أعمالهم اليومية، وحَدَثٌ فجائيّ من شأنه أن يهدم الحدود التي رسمها الموظف لإجراءات عمله اليومي في إطار الـ(Paradigm) الخاص به.
ويمكن أن تتلخّص أسباب مقاومة التغيير لدى المرؤوسين في ما يلي:
1- عدم الرغبة في بذل الجهد الإضافي في تعلّم العمل الجديد، أو التدرّب على آلة جديدة، أو حفظ الإجراءات الجديدة التي قد تنتج عن هذا التغيير.
2- الخوف من المستقبل وعدم الشعور بالاطمئنان إلى ثبات وظائفهم أو استمرارها مع كل حالة تغيير تحدث، لأنهم يخشون أن يشمل التغيير صرف البعض منهم من أعمالهم وإحلال الآلة مكان اليد العاملة، أو التقليل من عدد الأيدي العاملة حسبما تتطلبه الآلة الجديدة.
3- غالبًا ما يتطلب التأقلم مع التغيير زمنًا.. والمؤسسات التي تقوم بالتغيير بصورة متكررة تُجبر الموظف على فهم وحفظ وتنفيذ الإجراءات الجديدة في زمن قصير نسبيًا، مما يُضعفُ مستوى الأداء عند الموظفين الذين يتّصفون بالدقّة العالية والعناية الفائقة بالتفاصيل، ويلزمهم وقت أطول من الوقت المتاح في جدول الإدارة لبدء العمل الجديد، أو لبدء تشغيل الآلة الجديدة، فيظهرون بمظهر المقصّر في أداء واجباتهم، مما يسبب لهم الإحباط.
4- إن التجديد يتضمّن التطوّر والتحديث. فإذا كانت مؤهلات الموظف الحالية كافية لأداء العمل القديم، فإنها لن تكون كذلك في العمل الجديد، خصوصًا إذا كان التحديث يشمل تخصصًا معينًا أو شهادات معينة فات الأوان على الموظف - لسبب ما - في الحصول عليها للبقاء على رأس عمله. ومعنى ذلك أنه سوف يُستبدلُ بمن هو أقدر منه علمًا وتخصصًا، ولن تنفعه كثيرًا خبرته القديمة لأنها تتعلق بالآلة القديمة أو بالعمل القديم، وهذا معناه، في أفضل حالاته، تغيير عمله الحالي. لكن الحقيقة أن ليس كل تغيير يحصل هكذا، فقد توفر الشركة للعاملين القدامى الدورات الضرورية حسبما تحتاجه الآلة الجديدة أو تستلزمه إجراءات العمل الجديد، وتبقيهم على رأس العمل لو نجحوا فيها. فمقاومة العاملين للتغيير إذن، قد تقوم على أسباب وهمية أو بدافع من خوف وهميّ.
5- عامل السن مهم جدًا. فالمؤسسات المتطوّرة تستثمر في القوى البشرية الشابة القادرة على مواكبة التطور، والتي تسمح لها أعمارها بالتدرّب والتعلّم، ويكون المستقبل أمامها لتحسين أدائها في وقت قصير والعمل على تحقيق أهداف الشركة ضمن الخطط الموضوعة. فماذا يصنع العامل الذي تعدّى السنّ المناسبة والذي لن يكون بإمكانه التدرّب والتعلّم ثم العودة للبدء بمرحلة إنتاجية تتناسب مع مخططات الشركة؟ حتمًا سيكون على موظف كهذا أن يقلق على عمله، أو على الأقل أن يقاوم التغيير لأنه يعلم أن عمله الذي يتقنه جيدًا سيتغير، وأنه سوف يضطر إلى التعلم من جديد لأداء عمل آخر ليس له مستقبل.

ما هي أفضل الأساليب لإحداث التغيير دون أن ينخفض مستوى الأداء؟
أفضل الأساليب لإحداث التغيير دون أن ينخفض مستوى الأداء أو يتأثّر الإنتاج هي:
1- الحقن قبل الضخّ..
تقوم شركات النفط بحقن الآبار بماء البحر قبل ضخ البترول منها، وذلك للمحافظة على توازن الضغط فيها فلا يترك الضخّ فراغًا يؤدي إلى انهيار التربة.
يمكننا أن نطبّق الأسلوب ذاته في إدارة التغيير.
فلا يجوز فرض التغيير فجأة وهدر وقت المؤسسة في تدريب الموظفين على حساب الأداء والإنتاج. يجب أن يترافق التدريب مع الروتين اليومي والأداء القديم بحيث يتخلّص الموظف تدريجيًا من «عاداته» القديمة في العمل، ويتخذ العادات الجديدة التي يفرضها التغيير فلا يحسّ بوطأة الانتقال، ويتمّ ذلك بحقن المؤسسة بجرعات محسوبة مقنّنة من الإجراءات الجديدة مع تدريب الموظفين عليها قبل إلغاء القديمة.
2- الطهي على نار هادئة..
يلجأ كثير من مدراء الشركات إلى محاصرة الموظفين بمهلة قصيرة جدًا والضغط عليهم يوميًا وبشتى الوسائل للانتقال من باراديم (Paradigm) معين إلى آخر كسبًا للوقت، وللّحاق بركب التطوّر قبل منافسيهم من الشركات الأخرى. وهم بهذه الطريقة «يسلقون» المعايير الجديدة سلقًا فلا تنضج كفاية، فيحدث «إجهاض» لمعطيات العمل الجديد حين يبدؤون بتطبيقها قبل أن يكتمل نموّها، وبالتالي لا تؤدي إلى نتائج مرضية، فينخفض الأداء ويتأثر الإنتاج، وتضطرب مقاييس الجودة. لذا يجب إعطاء الكوادر العاملة وقتًا كافيًا لاستيعاب وإتقان كيفية عمل الأدوات أو الآليات المستحدثة، وهضم الإجراءات الجديدة بشكل جيد قبل تطبيق الأنظمة الجديدة أو فرض لوائح التغيير الطارئة على مجريات العمل اليومي.
3- التغيير فرصة لارتقاء المؤسسة والموظف معًا..
إذا لم يع الموظف أن التغيير سوف يعزّز مركزه الوظيفي ويفتح أمامه فرصًا جديدة للترقية، سوف لا يُقدم على تعلّم أسلوب العمل الجديد بحماسة واندفاع يختصران الوقت فيستوعب العمل الجديد أو الإجراءات الجديدة قبل أو مع الجدول الزمني الموضوع لاعتماد تلك الإجراءات نهائيًا. فلا بد من تهيئة الموظف، وتحضيره نفسيًا لإدراك حقيقة أن مصلحته تقتضي إتقان هذا التغيير، وبأنه كلّما أسرع في تطبيقه، ازدادت فرص الترقية في مجال عمله الجديد، وانفتحت أمامه أبواب جديدة على تعزيز مستقبله المهني.
4- تشجيع التنافس بين العاملين برصد مكافآت مادية أو معنوية أو كليهما معًا لمن يتقن الإجراءات الجديدة قبل غيره، مع ضرورة تكافؤ الفرص..
5- إبقاء الباب مفتوحًا أمام بطيئي التعلّم للاستمرار في أدائهم القديم إلى أن يلحقوا بزملائهم، وجعل المهلة النهائية منطقية وواقعية لاستيعاب مختلف الإمكانات.