ذات يوم سألني أستاذ جامعي له خبرة كبيرة في مجال التعليم الجامعي أن أعطيه عرض الباوربوينت الخاص بورشة عمل سبق وأن قدمتها، وليس هذا بالشيء العجيب وإنما العجيب هو انه تعجب من أنني قلت له أنني لم أقدم لهم عرضا على الباوربوينت، بل وتعجب أكثر حينما قلت له أن لي رأيا في أن ورشة العمل لا أفضل فيها عروض الباوربوينت لأن الأصل فيها تيسير تبادل خبرات المشاركين بالعملية التدريبية. واستفدت من هذا الموقف العديد من النتائج لعل من أهمها أن هناك فرقا كبيرا بين الدرجة العلمية وبين خبرات التدريب في توصيل المعلومات للغير، وهو ما كان سابقا وراء تقديمي لبرنامج الأستاذ الجامعي المدرب بالعديد من الجامعات العربية، كما أنني توصلت إلى أن عروض الباوربوينت يعتبرها البعض كلمة مرادفة لعملية التدريب وليست وسيلة من وسائله فقط كما يرى خبراء التدريب. وقد جاء الوقت الذي يجب أن نعرف فيه أن التدريب لم يعد محصورًا فقط في التصور التقليدي المتمثل في ممارسة بعض المتخصصين المحترفين لعروض ذات طبيعة معينة ولتحقيق أهداف محددة، وإنما امتد لما هو أبعد من ذلك بكثير، فالتدريب قد يتم من خلال غير المحترفين لأعمال التدريب فقط. وحتى لا يبدو هذا الكلام غريبا على مسامع المهتمين بالموضوع، علينا أن ندرك أن هناك شخصيات كثيرة معنية بتعلم أساليب ومهارات التدريب من غير المحترفين لأعمال التدريب. وليس من قبيل المبالغة أن نقول أنه يجب تعلم مهارات وأساليب التدريب على كل من يتحتم عليه التعامل مع الغير وعلى الأخص من يتولون السلطات الإدارية بكل مستوياتها.
وكما سبقت الإشارة إلى أن أهداف التدريب تتناول توصيل المعلومات وتغيير القناعات وتنمية المهارات وهو ما يتوافق مع مهام عديدة وليست فقط محترفي التدريب، فالطبيب يحتاج تلك الأساليب في التعامل مع مرضاه وقد تصنع فرقًا مهنيا بين طبيب وآخر، كما أن المدير الإداري يحتاج لها في التعامل مع مرؤوسيه، وغير هؤلاء الكثير من المشتغلين بالتدريس والإعلام وغير ذلك بل ويخدم أيضا حتى المشتغلين بالمهام التنفيذية كما أشرنا إلى الأطباء ومعهم كذلك المهندسون ومقدمو الخدمات الاستشارية وغيرهم. ومن هذا المنطلق يتضح لنا أن إدارة الاجتماعات تعد احتياجا للمشتغلين بالإدارة بكافة التخصصات والأغراض والمؤسسات والمستويات الإدارية. إن مدير الاجتماع يعتبر مديرًا لعمل ما وفي ذات الوقت هو مدرب يعتمد على أساليب التدريب التقليدية وغير التقليدية، فهو قد يستهدف ما يستهدفه المدربون من توصيل للمعلومات وتغيير للقناعات وإكساب للمهارات. وإدارة الاجتماعات لها أصول وقواعد لتحقق تلك الأهداف المشار إليها كأهداف مرحلية نحو تحقيق الغايات الإدارية الرئيسية من وراء عقد الاجتماع.


التقاء شخصين أو أكثر لهدف ما..
حينما يكون هناك أكثر من شخص واحد حول موضوع معين فإن ذلك يعتبر الحد الأدنى لكلمة اجتماع، فهو التقاء شخصين أو أكثر لهدف ما. وقد يأخذ الاجتماع شكلا تقليديا كالاجتماعات المعتمدة على الحضور الشخصي للأفراد، كما قد تأخذ شكل حديث كاجتماعات الفيديو كونفرنس او الاجتماعات على شبكات الإنترنت بكافة أنواعها الداخلية والخارجية. وإدارة الاجتماع تكون من خلال أحد الحاضرين يتم اختياره بناء على مكانة معينة رسمية أو غير رسمية، فالمكانة الرسمية التي تكون معتمدة على السلطة الممنوحة له من أعلى إلى أسفل الهيكل التنظيمي، بينما المكانة غير الرسمية هي تلك التي تكون ممنوحة له من أسفل إلى أعلى الهيكل التنظيمي كتلك التي يمنحها له الحاضرون بالاجتماع نتيجة مكانته العلمية أو الأدبية أو الاجتماعية أو غير ذلك. والأصل في الاجتماع أن تكون مستهدفة لنتيجة ما ولا يكون لها توجيه مسبق ولكن إذا كان لها توجيه مسبق فإن ذلك يحتاج لمهارة أخرى بأسلوب تدريب يختلف قليلا عن أسلوب الاجتماعات وهو أسلوب الاجتماعات الموجهة التي يخصص لها فقرة لاحقة لتوضيح تلك الفروق بينهما.


محددات الاجتماع
توجد مجموعة من المحددات لكل اجتماع، لعل من أهمها ما يلي:
• تحديد الموضوعات والأهداف المرجوة من وراء الاجتماع بصورة صحيحة يمكن تقييم مدى تحققها بعد انتهاء الاجتماع.
• تحديد مدة زمنية لبداية ونهاية الاجتماع، إلا في حالة الاجتماعات الطارئة التي قد تحدث أحيانا بأوقات الأزمات فقد تأخذ شكلا آخر.
• تحديد الشخصيات المستهدفة بحضور الاجتماع والتأكد من توجيه الدعوة لها بشكل واضح ومناسب.
• تحديد واضح ومناسب لمقر الاجتماع بما يتوافق مع الطريقة التي سيتم بها إدارة الاجتماع.


أدوار رئيسية بالاجتماعات
هناك مجموعة من الأدوار الرئيسية بأي اجتماع، وبعض هذه الأدوار يكون ثابتا ومحددا لأشخاص بعينهم، في حين يعتبر البعض الآخر من هذه الأدوار يهم كل الحاضرين. وفيما يلي أهم تلك الأدوار:
• إدارة الاجتماع وهي دور رئيسي محدد له شخص بعينه، غالبا هو من يدعو إلى الاجتماع معتمدا على سلطته الرسمية أو غير الرسمية كما سبق التوضيح.
• أمين ومقرر الاجتماع، وهو الشخص المناط به تسجيل ما دار بالاجتماع بكل دقة وأمانة. وقد يكون الأمين والمقرر شخصا واحدا أو قد يكون هناك فصل بين أمانة الجلسة ودور المقرر الذي يستهدف الإقرارات النهائية لما تم التوصل إليه في بعض المستويات من الاجتماعات.
• أدوار المشاركة والإيجابية والمبادرة بالأفكار وهي من الأدوار العامة لكل الحاضرين.
• أدوار تنظيمية أخرى قبل وأثناء وبعد الاجتماع، خاصة بالجوانب الإدارية.


نصائح للاجتماع الفعال
إن نجاح الاجتماعات ليس عملية عشوائية تأتي عن طريق التجربة والصواب والخطأ بقدر ما هي عملية تخطيطية ومهارية تأتي من خلال عمل متواصل وشاق يبدأ قبل الاجتماع وليس أثناء الاجتماع فقط. إنه حينما يقال الاجتماع الفعال فإنه بذلك يشار إلى الاجتماع الذي يحقق الأهداف المرجوة منه بأعلى قدر ممكن، ولعل من أهم مواصفات هذه النوعية المتميزة من الاجتماعات ما يلي:
• التحضير الجيد والدقيق قبل عقد الاجتماع.
• اختيار الأشخاص المناسبين لحضور الاجتماع سواء من يدير الاجتماع أو باقي الحاضرين.
• تحديد الأهداف المناسبة من الاجتماع بعناية ووضوح.
• التأكد من إبلاغ المجتمعين قبل الاجتماع بفترة كافية وبطريقة مناسبة تضمن وصول موضوع وأهداف الاجتماع والمطلوب من الجميع قبل الحضور.
• صبغة المناخ العام للاجتماع بجو من الود والألفة بين الحاضرين وإذابة أي مشاحنات بينهم.
• الحفاظ على ضبط فترة بداية ونهاية الاجتماع بحسب ما تم الاتفاق عليه مسبقًا مع الحاضرين قبل عقده.
• التركيز على أهداف الاجتماع الأساسية وعدم الخروج المطول في موضوعات خارجية غير مستهدفة.
• الاجتماع الجيد تكون فيه حركة إيجابية نشطة لمشاركات المجتمعين به ومبادرات ذاتية وأفكار موضوعية جديدة.


متطلبات واجبة على مدير الاجتماع
ليس كل من يتصدر اجتماعا ينجح في تحقيق أهدافه، وقد يكون النجاح والفشل راجعا للحاضرين كما قد يكون راجعا إلى مدير الاجتماع نفسه. إن مهارات إدارة الاجتماعات من المتطلبات الأساسية للمدير الناجح. كما أن هناك متطلبات ينبغي توافرها بمدير الاجتماع لعل من أهمها ما يلي:
• إتقان أساليب التدريب الأساسية والتي من أهمها المحاضرة، المحاضرة مع الأسئلة، المناقشة، العصف الذهني.
• التمكن من بعض الوسائل التدريبية المناسبة كالعروض التقديمية المعدة ببرنامج الباوربوينت أو غيرها إذا تطلب الأمر.
• الإنصات الجيد للحاضرين.
• التجرد وغلبة جوانب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية.
• المهارات اللغوية، من خلال الوضوح والفصاحة عند التحدث، ويفضل أصحاب الجوانب البلاغية التي تحدث إمتاع للمستمعين.
• الإلمام بأهداف الاجتماع والموضوعات التفصيلية الجانبية التابعة له.
• الدراية بالشخصيات الحاضرة للاجتماع من حيث التخصصات وبعض المواصفات الشخصية المتعلقة بالاجتماع.
• الحزم والسيطرة على نجاح سير الاجتماع دون إفراط أو تفريط.
• التحلي بروح المرح والدعابة في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة، ولعل من أهم أوقاتها هو بداية الاجتماع وعند احتداد النقاش أو الخلاف بين بعض الحاضرين بالاجتماع.

دعوة الأشخاص غير المناسبين.. من أهم محاذير الاجتماعات
هناك مجموعة من المحاذير الخطيرة التي يجب مراعاتها حرصًا على نجاح الاجتماعات، ومن أهمها ما يلي:
• دعوة أشخاص غير مناسبين.
• تولي أشخاص غير مناسبين لإدارة الاجتماع.
• الإخلال بإبلاغ الحاضرين بتفاصيل الاجتماع والتي من أهمها الموضوع، الأهداف، الموعد، المقر.
• السماح باسترسال المتحدثين وعلى الأخص من محبي إطالة التحدث أو محبي الاستعراض والظهور.
• عدم وضع قواعد في بداية الاجتماع لطريقة سر الاجتماع.
• خروج الاجتماع عن الصورة الودية وغياب روح الفريق بين الحاضرين، وهي غالبا ما تحدث عندما تسود روح الأنانية والمصلحة الشخصية على المصلحة العامة.
• انفراد مدير الاجتماع بالجانب الأكبر من الحديث بالاجتماع، والمفترض انه يدير الاجتماع وليس الهدف من وراء الاجتماع إلقاء خطبة أو محاضرة.
• إضاعة أوقات الحاضرين وعدم الالتزام بالمواعيد المتفق عليها.


كيف تؤثر طريقة الجلوس في الاجتماعات؟
مما لا شك فيه أن طريقة الجلوس للمجتمعين تؤثر على نجاح وفعالية تحقيق أهداف الاجتماع. ويمكن أن يأخذ الاجتماع العديد من الصور وفقا لمجموعة من المتغيرات التي من أهمها عدد المجتمعين والوقت المخصص للاجتماع والإمكانات المكانية والمادية المتاحة والهدف من الاجتماع ومدى سريته وغير ذلك من المتغيرات. وبعد أخذ كل تلك المتغيرات في الاعتبار يتم تحديد الصورة التي سيتم جلوس المجتمعين بها في الاجتماع، ومن أهم هذه الصور ما يلي:
• الاجتماع الجماهيري الموسع الذي يأخذ شكل محاورة عامة أو محاضرة ونقاش بين مدير الاجتماع والمجتمعين، ويناسب ذلك الاجتماعات الكبيرة التي يزيد فيها عدد المجتمعين عن 30 فردا. وفي هذه الحالة تكون طريقة الجلوس على شكل صفوف في مقابل مدير الاجتماع، أو بمدرج للمقاعد إذا كان العدد بالمئات.
• الطاولة على شكل حرف Uبحيث يجلس مدير الاجتماع في الواجهة عن الطرف المغلق من الطاولة بحيث يتيح الفرصة لمقدمي العروض على الشاشة التي من المفترض أن توضع بمقابل الطرف المفتوح منها. وقد يرى مدير الاجتماع أن يكون وقوفه عند الطرف المفتوح من الطاولة لسهولة مروره إلى باقي المجتمعين ما لو رغب ذلك أثناء الاجتماع ليمنع تشتيت أنظار المجتمعين بين طرفي الطاولة للنظر إليه تارة وإلى شاشة العرض تارة أخرى.
• الطاولة على شكل حرف Oبحيث يجلس المجتمعون بشكل دائري حول الطاولة، وتسمى اجتماعات الدائرة المستديرة، وهي قد لا تحتاج إلى عروض تقديمية أو أن هناك شاشات كمبيوتر أمام كل مشارك بالاجتماع بحيث يمكن توصيلها بشكل موحد حالة وجود عروض تقديمية أو أنها تقدم على مجموعة من الشاشات المتقابلة بمنتصف الطاولة لتمكين الجميع من الرؤية.