يعد التوتر من المشاكل التي نعاني منها، لكنه ليس عدواً كما نتصور؛ فالتوتر هو ردة فعل بيولوجية طبيعية، تطرأ عند التعرض لمصيبة. وهو يساعدنا على إنجاز الأمور، ويتيح لنا الاستفادة من تركيزنا وطاقتنا عندما نحتاجها. وبمجرد أن نتبين ماهية التوتر فعلاً، يمكننا إعادة تشكيل تفكيرنا تجاه الأمور التي تسبب لنا القلق، وبالتالي نوازنها مع مشاعر الهدوء والاستمتاع.
لكننا لن نتمكن من اتباع عادات صحية، إلا من خلال تطوير وعينا الذاتي ومهاراتنا في التكيف؛ إذ عندما نبدأ بالتفكير في مسببات التوتر، نستطيع إحداث تغييرات كبيرة في مستوياته لصالح السيطرة على أنفسنا آخر الأمر. كما أن القدرة على التحلي بالمهارات اللازمة للتأقلم مع المصاعب أمر يمكنك تعلمه واستخدامه، لإدارة التوتر والاستفادة من التعامل معه في شؤون الحياة المختلفة، مثل: الصحة والعائلة والعمل والعلاقات.
ولو تساءلنا: كيف تساعدنا المرونة على التعامل مع التوتر؟ ولماذا يخضع بعض الناس لمشاعر القلق والإحباط، في حين يستجيب آخرون لمشاعر الهدوء والطمأنينة، تجاه الحوادث نفسها في حياتهم؟ تكمن الإجابة في القوانين التي يتقيد بها الشخص لتفسير كيفية سير العالم من حوله، ومدى المرونة التي يظهرها عند حدوث أي طارئ. علماً أن تغيير أسلوب التفكير حول طبيعة الأولويات والمشاكل، يمنحنا قوة للتأقلم معها.
ومثال ذلك: أثبتت إحدى الدراسات، أن مستوى التوتر لدى النساء أعلى منه لدى الرجال. وقد تقول إحداهن إن عليها العودة إلى منزلها في وقت محدد، كي تجهز الطعام لأطفالها. في حين أن متطلبات العمل والمسافة الطويلة التي ستقطعها تمنعها من ذلك. وعندما تصطدم معتقداتنا وأفكارنا مع التزاماتنا وواجباتنا، سنشعر بالتوتر دون أدنى شك. فالمسافات الطويلة من وإلى العمل وعدم الاستقرار المالي، من الأمور التي تسبب التوتر أيضاً، لكن تفكيرنا تجاه ما الذي يجب فعله يزيد الوضع سوءاً.
وقد أظهرت الدراسات أنه عند تغيير تلك الطريقة في التفكير والتخلص منها، سيتمكن الناس من تعزيز إمكانية التحكم بعواطفهم والشعور بالهدف وراحة البال، والقدرة على التركيز بنسبة 25% وزيادة إنتاجيتهم بنسبة 40%، وبالتالي ستتحسن قدرتهم على التعامل مع التوتر الناجم عن العمل والأمور المالية. علاوة على ذلك، سيصبح الأشخاص الذين يتأقلمون بشكل جيد، أكثر مرونة وليس هدوءاً فقط، فهم قادرون على إدارة انفعالاتهم وعواطفهم ليتمكنوا من تحديد علامات الخطر والفرص بشكل دقيق، وبالتالي يصبحون متفائلين بشكل واقعي، تجاه أوضاعهم وفرصهم لتحقيق النجاح.
وبينما يعتمد الأسلوب التقليدي للتعامل مع التوتر، على تناول المهدئات أو الذهاب إلى حصص اليوغا، أو مشاهدة التلفاز أو تناول الطعام، وغيرها من الطرق، يبدو أن هذه الأمور وحدها، لن تعالج التوتر من جذوره مطلقاً. لهذا، لا بد من تغيير طريقة التفكير، لنتمكن من معرفة أصل المشكلة وعلاجها إلى الأبد. ويمكن اتباع الخطوات الآتية لإعادة النظر في طريقة التفكير:
- احتوِ التوتر وانظر إليه على أنه جزء طبيعي من حياتك.
- ركز على أساليب التفكير الأساسية، واستعد السيطرة على كيفية الاستجابة لتحديات الحياة.
- أعد فحص مسببات التوتر الجسدية والمحسوسة في حياتك.
إن التوتر هو الشعلة التي قد تحفز إبداعنا وإنتاجيتنا، ولهذا نحتاج إلى تعلم كيفية منعه من التأثير سلباً على صحتنا، وجعله محفزاً لأفضل ما لدينا.