يعد مفهوم التنمية المُستدامة مفهوماً حديثاً , و لكن في الحقيقة أن التنمية المُستدامة لا تمثل ظاهرة حديثة فهي موجودة منذ القدم , إذ أن الدافع وراء مخاوفنا الحالية يرجع إلى الآف السنين الماضية , بحسب ما بينه الكاتبان (ديل وكارتر) لنا في كتابهما التربة الفوقية و الحضارة Top Soil and Civilization)) , فهناك مثالان يعبران عن نفاذ البصيرة يتمثلان في الحضارات التي قامت في شمال أفريقيا بالقرب من قرطاج القديمة ( تونس حالياً و مصر). إذ أن قرطاج كانت تتمتع بالأراضي الزراعية ذات الخصوبة العالية و لكن بسبب استعمارها من قبل الدولة الرومانية التي عمدت إلى زراعتها زراعة كثيفة من أجل أنتاج أكبر قدر ممكن من المحاصيل مما أدى إلى تدمير الأرض و بشكل كبير جداً وعلى العكس نجد حضارة وادي النيل التي قامت على أساس مستدام بقيت منذُ أيام كليوباترا وحتى الآن .. و لقد تم تعريف مفهوم التنمية المستدامة من قبل العديد من الباحثين و المؤسسات العلمية , و أغلب هذه التعريفات تشترك في قواسم معينة الأمر الذي يجعلنا أن نقر بأنها مترادفات ,
و يمكن الإشارة إلى البعض من هذه التعريفات مع التركيز على التعريف الذي جاء به تقرير برونتلاند (Brundtland Report) إذ تبلور هذا المفهوم في تقرير اللجنة العالمية للبيئة والتنمية و الذي حمل عنوان مستقبلنا المشترك (Our Common Future) و نشر لأول مرة عام 1987 و الذي يعد الأكثر قبولاً لدى جميع المؤسسات و المعاهد و الحكومات . و عرف الإقتصادي الشهير روبرت سولو التنمية المُستدامة (بأنها عدم الأضرار بالطاقة الإنتاجية للأجيال المقبلة و تركها في الحالة التي ورثها عليها الجيل الحالي) و بذلك قد أكد سولو انه عندما نتكلم عن الاستدامة فلا مناص من أن نأخذ في الاعتبار ليس الموارد التي نستهلكها اليوم و تلك التي نورثها للأجيال القادمة فحسب بل يتوجب علينا توجيه الاهتمام إلى نوعية البيئة التي نخلفها للمستقبل . أما الاقتصادي وليم هاوس فيشير إلى أن التنمية المُستدامة (هي تلك العملية التي تقر بضرورة تحقيق نمو إقتصادي يتلائم مع قدرات البيئة , و ذلك من منطلق أن التنمية الإقتصادية و مسألة المحافظة على البيئة هما عمليتان متكاملتان ). و يعرف البنك الدولي التنمية المُستدامة( تلك العملية التي تهتم بتحقيق التكافؤ المتصل الذي يضمن إتاحة نفس الفرص التنموية الحالية للأجيال القادمة و ذلك بضمان ثبات رأس المال الشامل الذي يتضمن رأسمالاً صناعياً وبشرياً واجتماعياً و بيئياً أو زيادته المستمرة عبر الزمن ).
و يلاحظ أن مفهوم الاستدامة كان على مقربة من التنمية بل لصيقاً لها منذ ثمانينات القرن الماضي من اجل توسيع أبعاد التنمية و نجد التعريف الأكثر شيوعاً في الأوساط الأكاديمية والمهنية كما قلنا هو تعريف اللجنة العالمية للبيئة و التنمية (تقرير برونتلاند) و الذي يشير إلى أنها التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون الانتقاص من قدرات الأجيال القادمة على الوفاء باحتياجاتها .
و توصلت اللجنة إلى ركائز ثلاث للتنمية المستدامة هي الشفافية, التمكين ,الأنصاف,النمو , و لقد لقى هذا المفهوم ترحاباً دولياً جعل فرصة اعتماده كبيرة وفقاً لمؤشرات و أدلة و نماذج متنوعة
عناصر التنمية المُستدامة :
يمكن توضيح عناصر التنمية المُستدامة من خلال الشكل التالي الذي يوضح لنا العنصر الاقتصادي و ما يستند إليه هذا العنصر من الحاجة إلى زيادة رفاهية المجتمع والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية و الاستخدام الأمثل للموارد البشرية بصورة أكثر كفاءة .بينما يوضح لنا العنصر الاجتماعي العلاقة بين الطبيعة و البشر , و إلى النهوض برفاهية الناس والوفاء بالحد الأدنى لمعايير الأمن , و احترام حقوق الإنسان , كذلك تنمية الثقافات المختلفة , و التنوع و التعددية و المشاركة الفعلية للقواعد الشعبية في صنع القرار أما العنصر البيئي فيوضح مسألة الحفاظ على قاعدة الموارد المادية و البيولوجية .

و تأسيساً على ما سبق نقول أن التنمية المُستدامة هي تعبير عن التنمية التي تتسم بالاستقرار وتمتلك عوامل الاستمرار و التواصل و هي ليست واحدة من تلك الأنماط التنموية التي درج العلماء و الخبراء على إبرازها , مثل التنمية الاقتصادية , أو الاجتماعية , أو الثقافية بل تشمل كافة هذه الأنماط , فهي تنمية تنهض بالأرض و مواردها و تنهض بالموارد البشرية وتقوم بها فهي تنمية تأخذ في الحسبان البعد الزمني و حق الأجيال القادمة بالتمتع بالموارد الطبيعية . و لكن مع ظهور المشاكل و التعقيدات في شؤون الحياة دفع ذلك إلى البحث عن مفهوم جديد يتناول عناصر الإنسان و الاستدامة معاً و يضيف اليهما بعداً اجتماعياً يوفر الشمولية والإحاطة لكل جوانب الحياة المختلفة , أي ظهور مفهوم لا يقتصر على الجمع ما بين مفهوم التنمية البشرية و التنمية المُستدامة فحسب و أنما يضيف أليهما رأس المال الاجتماعي (Social Capital). و رأس المال الاجتماعي هو توليفة من الأشكال الطوعية للتنظيم الاجتماعي والمؤسساتي و التي لا يمكن بدونها المحافظة على رأس المال المادي , و رأس المال البشري ورأس المال الطبيعي و لاستعمالهما استعمالاً مجدياً .