القاهرة- حمدي الحسيني- إسلام أون لاين.نت/ 22-3-2006
"يحيى حسين".. بين عشية وضحاها تحول من مواطن عادي إلى رجل يعرفه الكثيرون من المصريين.. يستوقفه المارة في الشوارع لتحيته، إذا شارك في أي مناسبة اجتماعية ابتسم له كل الحضور تكريما واحتراما لشجاعته وغيرته على المال العام، أما جيرانه فقد علقوا على مدخل البناية التي يقطن فيها مقالات الصحف العديدة التي أشادت بشجاعته واعتبرته نموذجا يجب أن يحتذى به.
هذا التحول كان وراءه بلاغ تقدم به يحيى حسين، رئيس مجلس إدارة شركة الأزياء الحديثة (قطاع عام)، للنائب العام قبل نحو أسبوعين مطالبا بوقف صفقة بيع أشهر سلسلة محلات القطاع العام (عمر أفندي) بـ "أقل من سعرها الحقيقي"، مدعما طلبه بمستندات؛ وهو ما أدى بالفعل إلى وقف إتمام الصفقة.
وأوضح حسين في بلاغه أن الحكومة تعتزم بيع فروع عمر أفندي لشركة "أنوال" السعودية بمبلغ 540 مليون جنيه فقط (95 مليون دولار)، بينما كان تقدير اللجنة التي شُكلت لهذا الغرض هو 1129 مليون جنيه (190 مليون دولار).
وإذا كان النائب العام قرر الثلاثاء 21-3-2006 حفظ البلاغ، معتبرا أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة "سليمة" من الناحية القانونية، فإن ذلك لم يقلل من إصرار يحيى حسين على تمسكه بموقفه، كما اعتبر أن الملف لم يغلق، خصوصا أن البلاغ الذي تقدم به دفع عددا من نواب المعارضة للتقدم بطلبات استجواب لوزير الاستثمار المعني بالملف.
"مواطن إيجابي"
داخل مكتبه المتواضع الذي تزينه صورة عريضة للرئيس حسني مبارك كعادة باقي كبار المسئولين في دول العالم الثالث، جلس يحيى حسين (50 عاما) يروي لـ"إسلام أون لاين.نت" رؤيته لكيفية مقاومة الفساد المستشري في معظم قطاعات ومؤسسات الدولة.
صوته خافت، هادئ الشخصية، شديد التفاؤل، يعتصر وطنية، مليء بالجرأة، يفتخر بموقفه الوطني. وجه دعوة لكل موظف، صغيرا أو كبيرا، إلى التخلي عن السلبية، وأن يتحول إلى ما وصفه بـ"مواطن إيجابي" يقاوم بقوة أي شبهة إهدار للمال العام باعتبارها "واجبا وفرضا" على كل إنسان غيور على وطنه ومستقبل أبنائه.
وقدم يحيى حسين عددا من النصائح لمن يسعى إلى أن يحذو حذوه، في مقدمتها أن يتحلى بالصدق مع النفس، وصدق النية وألا يبتغي من وراء موقفه سوى وجه الله وخدمة الوطن، وأن يدرب نفسه على الكسب الحلال، ويعلم بأن رزقه سوف يأتي إليه مهما كانت الضغوط، وأن يكون نموذجا لطهارة اليد وحسن السيرة.
وقال: "مصر مليئة بالشرفاء الذين يكرهون الفساد بالفطرة ويقاومون المفسدين... لكن بأضعف الإيمان وهو الصمت، أما الغالبية العظمى فلم يعتادوا للأسف على أن يكونوا إيجابيين".
اللافت في موقف يحيى حسين أنه مندهش بشدة من رد الفعل الشعبي المؤيد بقوة لموقفه الذي يراه "عاديا وطبيعيا"، فقد تلقى ربما آلاف الاتصالات من داخل وخارج مصر، من مصريين وعرب، كلها شجعته على موقفه، واعتبرته "أشجع رجل في مصر"، فضلا عن الدعم والتشجيع الذي تلقاه من أبنائه وزوجته.
أما أقاربه في محافظة أسيوط (جنوب) مسقط رأسه فقد حضر وفد منهم للقاهرة لتشجيعه وحمايته من أي مكروه، في حين هدد زملاؤه في العمل بالإضراب في حال تعرضه لأذى أو إبعاده عن موقعه الوظيفي.
أما الاتصال الذي ترك أبلغ الأثر لدى يحيى حسين، فهو ذلك الذي تلقاه من قاض سابق أبلغه فيه أنه على المعاش حاليا، وعندما قرأ قصته في الصحف تذكر المواقف والضغوط التي كان يتعرض لها خلال عمله القضائي، وتأثر كثيرا لأنه لم يتمكن من أن يسلك نفس مسلكه، وهو الآن يرغب في أن يكفر عن مواقفه، بأن يتطوع للدفاع عنه كمحام (مجانا) ضد أي قضية ترفع ضده بسبب موقفه الوطني.
أما المشهد الذي جعل عيناه تدمع فقد حدث في محطة قطارات القاهرة، عندما شاهده وتعرف عليه بائع صحف وعانقه بقوة، ثم ما لبث أن تجمع عشرات المواطنين حوله في ثوان يهتفون له ويحيونه.