الفصل الثاني: مدارس الفكر الإداري

بدأت الإدارة كممارسة مع وجود الإنسان في كوكب الأرض، أما الإدارة كعلم فإنها لم تتبلور بشكل واضح
إلا مع بداية القرن العشرين. سنقوم خلال استعراضنا لمدارس الفكر الإداري بعرض لأعمال ونظريات أهم المفكرين في مجال الإدارة حسب تسلسل ظهورها زمنياً ابتداءْ من منتصف القرن الثامن عشر:
أولاً- النظريات المبكرة في الإدارة: وضمنها نستعرض أهم المفكرين في مجال الإدارة و الذين أعطوا نوىً لأفكار تبلورت لاحقاً على شكل نظريات،
ثانياً- المدرسة الكلاسيكية في الإدارة: والمتضمنة ثلاث مدارس فكرية. الأولى وهي الإدارة العلمية وضمنها نستعرض أهم المفكرين الذين تمحورت أعمالهم حول إيجاد المبادئ التي تساعد في رفع إنتاجية الأفراد، وذلك بالاعتماد على تطبيقات الوسائل العلمية ومن من خلال الإدارة الصحيحة للعمل وجدولته وتبسيطه. الثانية وهي الإدارة التنظيمية و تتعلق بشكل رئيسي بطرق إدارة المؤسسات و بنيتها الهيكلية وفق نظرة شاملة للمؤسسة. الثالثة وهي الإدارة البيروقراطية التي اهتمت بإيجاد أساليب مناسبة لإدارة المؤسسات الحكومية.
ثالثاُ- مدرسة العلاقات الإنسانية والسلوكية:
حيث انصبت جهود العديد من العلماء في هذه المدرسة لتطوير المفاهيم الإدارية عن طريق التجارب والأبحاث والاعتماد على العلوم الاجتماعية والسلوكية والنفسية وبعض العلوم الإنسانية الأخرى، حيث ظهرت مدرسة العلاقات الإنسانية والمدرسة السلوكية والاجتماعية. اختلفت مدرسة العلاقات الإنسانية والسلوكية عن المدرسة الكلاسيكية بنظرتها للعامل واعتباره العنصر الأساسي في العمل بدلً من اعتباره أداة يجب استغلالها لتحقيق الأرباح للمؤسسة.
رابعاً- المدرسة الإدارية الحديثة:
وتتضمن مبادئ ونظريات في الإدارة تساهم في حل المشاكل الاقتصادية والإدارية واتخاذ القرارات الرشيدة من خلال اقتراح طرق الجديدة تعتمد على استخدام النماذج والموديلات المعتمدة على علم الرياضيات وميزات استخدام الحواسب الإلكترونية . وهذه المدارس هي مدرسة المدخل الرياضي، مدرسة النظم، مدخل الموقف و المدخل القانوني.
فيما يلي الاستعراض التفصيلي لهذه النظريات.

أولاً- النظريات المبكرة في الإدارة:
من أهم هذه النظريات:
1- نظرية آدم سمييث في الإدارة Adam Smith Theory
يقترن اسم آدم سميث في أذهان الكثيرين بعلم الاقتصاد. ولكن كتابه ثروة الأمم Wealth of Nations الذي نشر في عام 1776 يقدم في الواقع الكثير من الأفكار التي ساهمت في تطور وظائف الإدارة، وتوضيح فكرة تقسيم العمل، لاسيما في عملية صنع الدبابيس.
فتقسيم العمل والتخصص من وجهة نظر آدم يحقق الفوائد التالية:
· بناء المهارة والمقدرة بسبب تكرار أداء العمل الواحد،
· توفير الوقت نتيجة تخفيض الانتقال والتغيير من مهمة إلى أخرى،
· اختراع الآلات والأدوات بسبب تخصيص الجهود في أعمال محدودة،
ويرى نقاد آدم سميث أنه كان يقصد من فكرة العمل أن تخصص العمال على أساس السلعة التي ينتجونها لا الوظيفة التي يؤدونها. ومهما يكن الأمر، فإن سميث قدم الكثير من المفاهيم الرئيسية في الإدارة والتي ساعدت في حلول الكثير من مشكلاتها. وإن فكرته في تقسيم العمل إلى مراحل تعد أساسية في تبسيط العمل ودراسة الوقت.

2- نظرية روبرت أوين Robrt Owen Theory
كان روبرت أوين يملك مصنعاً في الثمانينات من عمره. و قد دعي أوين ( 1771-1858) باسم رائد إدارة الموارد البشرية Human Resource Management Pioneer وقد أصبح بمثابة المؤيد المبكر لتحسين إدارة الموارد البشرية. فقد حاول تحسين أوضاع الأطفال العاملين في مصنعه في اسكوتلندا (كان عمل الأطفال ممارسة شائعة الاستخدام في ذلك الزمان). وقد اقترح الإصلاح التشريعي الذي يجب أن يحدد عدد ساعات عمل واستعمال الأطفال، ونظر إلى هذا الاقتراح على أنه متطرف، لكن يمكن الآن اعتباره بمثابة المكون الأساسي للمدرسة السلوكية.
لقد استعمل أوين ما أطلق عليه اسم الرقابة الصامتة لتحسين الإنتاجية. وقد ناقش المصنعين الآخرين لتبني اهتمامه في تحسين أداء العمل. وقال إن الاستثمارات في الموارد البشرية يجب أن تفوق تلك التي في الآلات والتجهيزات.
وأخيراً اقترح أوين تأسيس قرى التعاون Villages of Cooperation القائمة على المشاركة الفاعلة لإنتاج قاطنيها. وقد أسس أول قرية تعاونية في عام 1824. علاوة على ذلك فقد ساهمت دراساته لاحقاً في توجيه حركة الاتحاد التجاري البريطاني. لكن إصلاحات أوين فشلت فما بعد. وقد اعتبر بمثابة رائد المدرسة السلوكية بسبب اهتمامه بالرفاهية البشرية.

3- نظرية شارلز باباخ Charlse Babbage Theory
من الخطأ التأكيد بأن الإدارة العلمية قد بدأت في عهد فردريك تايلو ر، حيث كان من السباقين إلى هذا الميدان شارلز باباج الذي وضع في عام ١٨٣٠ كتابه الشهير " اقتصاد الآلات والصناعات " الذي ضمنه بشكل عام الوظائف الرئيسة للعملية الإدارية متمثلة بـ: المبادئ العامة للتنظيم، الإنتاج، العلاقات الإنسانية، التمويل، والمبيعات.
وتتلخص النتائج التي تم التوصل إليها في كتابه بما يلي:
أ#. اختلاف المشكلة الإدارية عن المشكلة الفنية المرتبطة بالإنتاج،
ب#. من الواجب القيام بجمع المعلومات قبل إنشاء المشروع، لاسيما المرتبطة بظروف السوق والصناعة والمنافسة ومصادر المواد الخام،
ت#. من الواجب إشراك العاملين في الأرباح، لأن المشاركة تحفزهم على زيادة جهودهم ونشاطاتهم،
ث#. القيام برقابة التكاليف ووضع أفضل السبل لحسابها وتوزيعها،
ج#. الاهتمام بدراسة السوق والإعلان عن الإنتاج،
ح#. ضرورة أن يكون ربح الوحدة صغيراً بهدف زيادة المبيعات وبالتالي الأرباح،
خ#. الاهتمام بدراسة الوقت، لاسيما الوقت الضائع،
د#. توكيد أهمية العلاقات الإنسانية والمشكلات التي تظهر في حال عدم توافرها.
وإن كان باباج أول من أثار موضوعات في الإدارة على جانب كبير من الأهمية، إلا أنه لم يتعرض لها بشكل واسع، ولم يضع لها قواعد ومبادئ علمية متكاملة. ولكن على الرغم من ذلك فإن دراساته ونظرياته تعتبر مرجعاً مهماً في الإدارة.

4- نظرية آندريه يوري وتشارلز دوبن Andrew Ure an Charles Dupin Theory
أطلق على آندريه يوري ( 1778-1857) وتشارلز دوبن ( 1784-1873) اسم رائدا الثقافة الإدارية Management Education Pioneers وهما المقترحان الأوائل لدراسة الإدارة، حيث أن يوري من المملكة المتحدة ودوبن من فرنسا. نشر يوري كتاباً تضمن مبادئ ومفاهيم متنوعة في التصنيع. وهو يعد بمثابة المسؤول عن تثقيف العديد من المديرين في أيامه. وكان يوري يقول بأن العمل في نظام المصنع سيحقق فوائد متعددة للمجتمع.
ومن ناحية أخرى، كان دوبن مهندساً فرنسياً انطبع بعمل يوري، وقد تعرف على ذلك عندما قام بزيارة المملكة المتحدة في عام 1816 إلى 1818. وقد اعتبر دوبن بمثابة أستاذ في باريس، ولا تزال كتابات ومناهج دوبن منتشرة في فرنسا، ويمكن القول بأن هنري فايول قد تأثر بافكار دوبن خلال مسيرة وتطوير الفكر الإداري.

5- نظرية هنري تاون Henry Towne Theory
كان هنري تاون رئيس شركة Yale and Towne الصناعية الأمريكية للمهندسين الميكانيكيين. وقد ظهرت أفكاره من خلال بحث له بعنوان "المهندس كاقتصادي"، وقد جاء في هذا البحث ما يلي:
"إن الإدارة عمل متميز عن جميع فنون التصرف الأخرى المستخدمة في الصناعة". أي أنها تختلف عن تشغيل الآلات والتجهيزات لأنها تتعلق باستثمار الموارد البشرية بشكل أفضل، وقد اعتبرت هذه المقولة بمثابة نقطة الانطلاقة لحركة الإدارة العلمية التي نسبت لتايلور.
ومن البحوث الأخرى التي قدمها تاون في مجال الإدارة:
- اقتسام الكسب عام 1896: أوضح في هذا البحث أن اقتسام الأرباح لا يعتبر تسوية منصفة أو حلاً سليماً لمشكلة اقتصادية، حيث أن الكسب الذي يستطيع قطاع في الشركة أن يحققه ببذل المزيد من الجهد مكن أن يضيع في قطاع آخر. لذاك يجب أن يكون ما يكسبه العاملون في قطاع ما يمكن أن يعود عليهم وفقاً لجدارتهم.
- نشوء الإدارة الصناعية عام 1921: قارن تاون فيه بين وضع الإدارة العلمية عام 1886ووضعها عام 1921 ملاحظاً ضرورة إنشاء برامج الإدارة الصناعية في الكليات الفنية والجامعات التي أعاد فيها الفضل إلى تايلور.

6- نظرية هنري متكالف Henry Matcalfe Theory
اكتشف هنري متكالف الإدارة في ترسانة فرانكفورت. ونادى بأن الأساليب والطرائق الكلاسيكية للإدارة هي عديمة الجدوى، فقد وضع نظامه في الإدارة والذي اعتمد على نظام للرقابة الذي ظل العمل به حتى بعد رحيله. و قد اعترف فريدريك تايلور بأنه مدين لهنري متكالف ببعض أفكاره. وقد أعلنت جمعية الإدارة الأمريكية أن أفكار ونظام متكالف يتسم بسمة عملية قابلاً للعمل به حتى يومنا هذا.
إن نظرية متكالف تقوم على أساس النظام والرقابة، وتقول بأن المسؤولية يجب أن تنبع من مصدر واحد، مع سيل مرتد من المعلومات إلى هذا المصدر. وهذه المعلومات يجب أن تتعلق بالمصروفات والإنجازات. وهذا لا يعني أن متكالف ابتكر السجلات والتقارير بل على العكس قد استغنى عنها، ولم يترك منها إلا الهام فيها. وقد تم نقل وتطبيق هذه النظرية إلى ترسانات متعددة، وقد ظل متكالف يجري تجاربه على أحسن أساليب الرقابة الإدارية واختتم حياته العملية مدرساً. وقد اهتم بخطط الإدارة والتنظيم وتقسيم العمل بين الأفراد. وهذه هي خطوات إدارة المصنع التي وجدت قبل الإدارة العلمية لتايلور.


ثانياً- المدرسة الكلاسيكية في الإدارة
1- الإدارة العلمية:
على الرغم من التطور الكبير في ميادين العلوم الإدارية والاقتصادية إلا أن نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين يمثلان التحول الكبير في عصر إدارة الأعمال والانتقال بها من التخمين والحدس والتقدير إلى علم له مبادئه وقواعده ونظرياته التي تحكم مسيرته و العلاقات القائمة في الأنشطة والفعاليات المختلفة. وهذه القواعد والمبادئ وضعها الرواد الأوائل للمدرسة العلمية الإدارية أمثال شارلز باباج، فردريك تايلور، فرانك وليليان جلبرت، هنري غانت وهارينغتون اميرسون وغيرهم .ولقد كانت محاولاتهم وتجاربهم جميعاً تنصب في إطار واحد ألا وهو زيادة الكفاية الإنتاجية في مستوى الإدارة التنفيذية من خلال الإدارة الصحيحة للعمل وجدولته وتبسيطه، مما يتيح الفرصة للحصول على اكبر قدر من الإنتاج من خلال استخدام الإمكانات الإنتاجية نفسها. فاستخدام الآلة في الإنتاج أدى إلى ظهور مشاكل تتعلق بنقص المهارات وتدني الكفاءة الإدارية، وحجم وجودة الإنتاج، فكان لا بد من البحث عن أساليب جديدة للتغلب على مثل هذه المشكلات.
وسنتوقف فيما يلي عند كل من هؤلاء الرواد الإداريين موضحين أهمية مساهماتهم ونتائج أبحاثهم الإدارية والإنتاجية وأثرها في تطوير علم إدارة الأعمال.

فردريك تايلور 1856-1915:
يعد الكثيرون من علماء الإدارة تايلور أب الإدارة العلمية في القرن العشرين وأنه أول رائد لهذه المدرسة وقد عمل في عدد كبير من شركات الفولاذ في الولايات المتحدة الأمريكية في المستويات التنفيذية الدنيا وتدرج في السلم الإداري إلى أن وصل رتبة كبير المهندسين لشركة الفولاذ والصلب.
استخدم فريدريك تايلور التحليل العلمي والتجارب العملية لرفع إنتاجية العامل واعتبر أن كثيرًا من المشاكل يمكن تجنبها أو حلها إذا تم تأهيل وتدريب الموظف بشكل منهجي وتحليل العملية الإنتاجية علمياً.
نشر فردريك تايلور ما بين عامي 1903- 1911 كتابيه " إدارة المصنع" و" مبادئ الإدارة العلمية".
ولقد ركز تايلور جل اهتمامه لكي تطبق أفكاره وآراؤه على مستوى إدارة المصانع مع طموحه الكبير في تطبيق مبادئه على نطاق واسع . ولقد كان الشغل الشاغل والاهتمام الكبير لتايلور ينصب في بوتقة رفع الإنتاجية وتخفيض التكاليف للوحدة المصنعة.
كان تايلور من أوائل المهندسين الذين لاحظوا ضياع وهدر وقت العمل في أثناء ممارسة الأعمال الإنتاجية بسبب غياب المعدلات والمعايير وعدم ربط الأجر بالإنتاج والجهد الشخصي المبذول، وهذا يؤدي بدوره إلى إلحاق خسارة كبيرة بالاقتصاد الوطني.
بدأ تايلور تطبيقاته بدراسة وتقسيم العمل إلى مجموعات وعناصر في المنشأة التي عمل فيها وحدد الزمن اللازم لكل عملية وعنصر بطريقة قياسية، وحاول تحليل الأعمال وعناصرها بهدف وضع معايير علمية دقيقة لطريقة وحجم الإنتاج الذي يجب تنفيذه في كل موقع عمل وعلى كل عامل. وكانت نتائج هذا الإجراء على صعيد المنشأة مذهلة حقاً، حيث ارتفعت إنتاجية العمال إلى ثلاثة أضعاف بالمقارنة مع ما كانت عليه قبل إجراء التجربة، لكن أجور العمل لم ترتفع إلاَّ بحدود ٦٠ % فقط وهذا يشكل مأخذاً كبيراً على طريقة تايلور في دفع الأجور التي لا تتناسب إطلاقاً مع حجم الإنتاج والجهد البشري المبذول.
وفي سبيل بلوغ هذه الأهداف، نادى تايلور بضرورة تطبيق المبادئ التالية:
- تحليل العمل والعمليات الإنتاجية إلى عناصرها الأساسية واستبعاد الحركات الزائدة وتحقيق الوفر في المواد.
- فصل مهام التخطيط عن مهام التنفيذ، بحيث تتولى الإدارة مسؤولية التخطيط وتنظيم العمل ويتولى العمال مهام التنفيذ.
- تحقيق التعاون بين العمال والإدارة لإنجاز الأعمال بالطريقة الصحيحة والسليمة.
- استخدام معايير ومقاييس دقيقة لأداء العمال وتنفيذ مبدأ المراقبة الوظيفية.
- الاختيار العلمي السليم للعمال وتدريبهم بما ينسجم والطرق الإنتاجية والأساليب التنظيمية والإدارية المتبعة، وذلك بهدف إتقانهم لأعمالهم وتنمية قدراتهم.

اهتم تايلور فقط بتحفيز العمال الكفؤ ذوي القدرات الإنتاجية العالية وذلك على حساب الاستغناء عن العمال ذو الإمكانات والكفاءات الأقل. تقاضى العمال الكفؤ أجوراً إضافية إذا تجاوز إنتاجهم الحد المعياري. والعمال الذين يقل أداؤهم عن المعايير المحددة يتقاضون فقط أجرة ما تم إنجازه.
مثال:
- معيار الإنتاج في اليوم هو 30 قطعة
- أجرة القطعة على أساس الإنتاج المعياري 5 ليرات،
- إذا بلغ العامل حد الإنتاج المعياري أو أقل منه فإنه يحصل على أجر= عدد القطع المنتجة * 5 ليرات
- إذا زاد الإنتاج عن المستوى المعياري فإن أجر القطعة يزيد ويصبح 6 ليرات وبالتالي تقاضى العامل اجر= عدد القطع المنتجة * 6 ليرات

ومن الانتقادات التي وجهت إلى نظام الحوافز هذا، ما يلي:
- زادت إصابات العمل والحوادث الناجمة عن شدة المنافسة بن العمال مما أدى إلى تحمل الشركات تكاليف إضافية.
- زادت أعطال الآلات بصورة ملحوظة بسبب تحميلها من جانب العمال أعباءً تفوق قدرتها على التحمل مما أدى إلى زيادة التكاليف نتيجة أعمال الصيانة المتكررة.
- الزيادة في وقت العمل المهدور نتيجة ارتفاع معدلات الغياب والإجازات المرضية وأوقات الصيانة، مما رفع من كلفة التشغيل.

إضافة إلى ما سبق توضيحه حول أهم المواضيع التي ركز عليها تايلور في مؤلفاته "إدارة المصنع" و"مبادئ الإدارة العلمية" ، من المفيد تلخيص الأفكار الأساسية التي جاء بها لإغناء نظرية الإدارة العلمية:
- السعي لوضع خطة تفصيلية للفعاليات الإنتاجية كافة في المشروع والتأكيد على ضرورة الفصل بين مهام التخطيط والتنفيذ.
- إن المقياس الوحيد الصحيح الذي يمكن من خلاله تقويم النشاط الإداري والإنتاجي لأية مؤسسة هو تكلفة المنتج والسعي بشكل دائم لرفع الكفاية الإنتاجية.
- ضرورة اعتماد الإدارة على الأساليب والطرائق العلمية الصحيحة وعلى نتائج الأبحاث والتجارب التطبيقية إضافة إلى مجموعة المبادئ والقواعد الراسخة.
- استخدام الأسلوب الوظيفي في النشاط الإداري عوضاً عن الأسلوب الرتبوي لكي تتحقق المرونة والسرعة في أداء الأعمال.

على الرغم من كل الجوانب المضيئة في الأفكار والآراء التي قدمها تايلور، إلا انه لا يمكننا إلا الإشارة إلى بعض الجوانب المظلمة في نظريته، وأهمها اعتباره العامل كالآلة لتنفيذ خططه ومعاييره الإنتاجية مما خلق التفاوت وزرع روح الحقد والمنافسة بين العاملين بسبب تباين خبراتهم وكفاءاتهم وأعمارهم وقدراتهم الذهنية والجسدية. لأن الأجور كما أسلفنا تدفع على أساس حجم الإنتاج ونسبة تنفيذ الخطة المعيارية. وقد أدى هذا لاحقاً إلى حدوث اضطرابات عمالية ونقابية في الولايات المتحدة الأمريكية طالبت بتعديل النظام الإداري الجديد تايلوري الهوية.

فرانك جلبرت 1868-1924 وليليان جلبرت 1878-1972:
كان فرانك جلبرت أحد مهندسي البناء الذين اهتموا بالجوانب الإدارية وعملوا على تحسين الكفاية الإنتاجية من خلال تبسيط العمل والتخلص من الحركات الزائدة غير الضرورية. أما زوجته ليليان فكانت مختصة في علم النفس وقد اهتم كلاهما بمتابعة دراسات تايلور عن الحركة والزمن. ولقد راقب جلبرت باهتمام عمال البناء في أثناء تأديتهم لمهامهم، ولكنه لاحظ بأن طريقة العمل تختلف من عامل لآخر كما تختلف بالنسبة للعامل الواحد من وقت لآخر. لذا قام فرانك جلبرت بتحليل حركات العمال في أثناء أعمال البناء بوساطة استعمال التصوير السينمائي وحاول الوصول إلى أقل عدد من الحركات الممكنة وأكثرها قبولاً من العامل. وعمل على استبعاد الحركات غير اللازمة وأعاد ترتيب الحركات اللازمة والمواد والأدوات مما أدى إلى زيادة الإنتاجية بحدود 200% وارتفعت الأجور المدفوعة للعمال.
إضافة إلى ما تقدم فقد اهتم فرانك جلبرت بالتصميم الداخلي للوحدات الإنتاجية الصناعية من حيث توزيع وتوضع الآلات وترتيبها وكذلك الأمر بالنسبة للأدوات والمواد الأولية الأساسية والمساعدة وكيفية توزيع العمال على الآلات في الأقسام الإنتاجية بما يضمن الاستخدام الأمثل للطاقات الإنتاجية المتاحة.

هنري غانت 1861-1919:
لقد تكاملت دراسات وأبحاث ونظريات وآراء هنري غانت مع فردريك تايلور، حيث ركز اهتمامه على الكفاية الإنتاجية ضمن المنشأة الصناعية ولكنه كان أكثر إنسانية وتفهماً لأوضاع العاملين الإنتاجيين من خلال نظام " المهمة والعلاوة " بالمقارنة مع تايلور. ونظام "المهمة و العلاوة " الذي وضعه هنري غانت في خدمة العاملين لزيادة أجورهم وتثبيت حقوقهم يتلخص في أنه حدد الحجم المعياري لإنتاج العامل في وحدة الزمن مع مراعاة ظروف ومناخ شروط العمل:
- إذا أنجز العامل أقل من الكمية المعيارية حصل على أجره اليومي كاملاً،
- إذا تساوى إنتاج العامل مع الكمية المعيارية فإنه يتقاضى أجراً إضافياً بمعدل 25% من الأجر اليومي،
- إذا أنجز إنتاجاً يفوق حجم الإنتاج المعياري فسيحصل على أجر إضافي يتراوح مابين 25-50% من أجره العادي.

من الواضح أن هنري غانت كان يسعى لوضع نظام للأجور يقدم للعامل تعويضاً عادلاً مهما كانت كمية الإنتاج التي ينجزها، وهذا يختلف عن مبدأ تايلور في دفع الأجور كما درسناه سابقاً.
نظر غانت إلى الإدارة كوظيفة اجتماعية يمكن بواسطتها رفع مستوى المعيشة عن طريق التنمية ورفع مستوى الإنتاجية. كما أنه اهتم بالنواحي النفسية لدى العاملين كوسيلة لزيادة إنتاجيتهم وبالحوافز المالية والمعنوية وأوضح أثرها في زيادة الإنتاج.

كما صمم غانت مجموعة من الخرائط المستخدمة في عمليات التخطيط والرقابة على الإنتاج:
- خريطة سجل الآلة: تحدد حجم الإنتاج المطلوب في وحدة زمن لكل آلة والوقت الذي تبقى فيه متوقفة عن الإنتاج.
- خريطة سجل العامل: وتوضح الوقت الفعلي الذي يستغرقه العامل في العملية الإنتاجية وما هو مقدار الوقت الضائع اليومي.
- خريطة التصميم: تبين هذه الخريطة سير العمليات الإنتاجية وفق الطريقة الفنية والتكنولوجية لانسياب المادة الأولية من بداية العمليات التصنيعية ولغاية خروجها بشكل سلعة جاهزة دون هدر في الطاقة الإنتاجية.
- خريطة حجم الإنتاج: وتبين كمية الإنتاج الواجب تحقيقها أو مقدار الزمن المستغرق في تصنيع سلعة ما.
كما يشتهر غانت بخريطته الزمنية المعروفة والتي تستعمل لأغراض الرقابة على عمليات تنفيذ الخطط الإنتاجية، حيث يتم وضع جدول يبين محوره العمودي الأعمال التي سيتم تنفيذها ومحوره الأفقي يبن تواريخ أو فترات التنفيذ. توضح هذه الخريطة إمكانية البدء بمرحلة لاحقة قبل الانتهاء من مرحلة سابقة، كما تسمح هذه الخريطة بحساب الزمن الكلي اللازم لتنفيذ الخطة الإنتاجية.

ويعد هنري غانت أحد الأوائل الذين اهتموا بالعوامل النفسية والإنسانية مرسخاً بذلك الأسس الأولية للعلاقات الإنسانية من خلال دراسة السلوك البشري في المنشأة.

هارينغتون إميرسون 1853-1931:
يعد إميرسون من أبرز معتمدي مبادئ الكفاية الإنتاجية في الإدارة الأميركية، حيث أكد بأن السكك الحديدية الأميركية يمكن لها أن توفر يومياً بحدود مليون دولار فيما لو اتبعت الأساليب والطرائق العلمية التي تعتمد على العلم والمنطق في التشغيل واتخاذ القرارات الإدارية الصحيحة. ولقد حاول تثبيت وتطبيق آرائه وأفكاره من خلال مجموعة من المبادئ الإدارية لخصها في:
- وضع أهداف محددة وطموحة ومفهومة من قبل جميع العاملين وإداراتهم، على أن تكون ممكنة التنفيذ في ضوء البرامج والخطط المستقبلية.
- دراسة أجزاء وتقسيم العمل بشكل متكامل وتوضيح طبيعة العلاقة والارتباط فيما بينها.
- برمجة العمل ومعايرته، أي وضع برامج زمنية محددة لتنفيذ حجم عمل معين مع تخصيص وتوزيع دقيق للمهمات على المستويات التنفيذية ليتبين مقدرة العاملين على الإنتاج من جهة ومدى تقيدهم بالبرامج والمعايير من جهة ثانية. وهذه المعايير موضوعة بصورة تحقق المصالح الأساسية لمالكي وسائل الإنتاج على حساب العاملين.
- الاعتماد بشكل أساسي ورئيس في اتخاذ القرارات على تحليل البيانات والمعلومات ونتائج الأبحاث والدراسات المتوفرة عن طبيعة المشكلة.
- الاهتمام بالسجلات وضرورة الاحتفاظ بالمعلومات والبيانات المتعلقة بالتشغيل والإنتاج والعمل على تصنيفها وتبويبها وأرشفتها لتسهل العودة إليها حين الحاجة.
- اهتم بمقاييس العمل وبمعايير الأداء ووضع طريقته المعروفة في دفع الأجور والتعويض على ذوي القدرات الإنتاجية العالية من العاملين والإداريين.


وفقًا لما تقدم فإن حركة الإدارة العلمية اعتمدت على المرتكزات التالية:
- ركزت بشكل أساسي على موضوع الكفاية الإنتاجية وعلى العوامل والو سائل التي يمكن إتباعها واستخدامها بغية رفع مستوى الكفاية الإنتاجية.
- اهتم رواد هذه المدرسة بموضوع تقسيم العمل وتجزئته في الأعمال الإدارية والإنتاجية، وكذلك بموضوع التخصص في الإنتاج.
- من أهم دعامات الإدارة العلمية اعتمادها على البحث العلمي والتجارب والدراسات وتقويم تجارب المؤسسات الإنتاجية المتقدمة عوضاً عن اتخاذ القرارات الإدارية في ضوء التوقعات والتخمينات، والتعاون في مجالات البحث العلمي الإداري والاقتصادي وتبادل الخبرات ونتائج الأبحاث والتجارب ودفع عجلة التطور العلمي والإداري إلى الإمام.
- طالما أصبح علم إدارة الأعمال علماً يتصف بالاستقلالية فلابد له من الاعتماد على مجموعة من القواعد والمبادئ والنظريات المعروفة للعاملين جميعًا في الحقل الإداري، والتي تكون صالحة في الأنشطة كافة وعلى المستويات المختلفة مع الاهتمام بخصوصية كل مشروع أو كل قطاع.


إن نظرية الرجل الاقتصادي التي وضعها تايلور في مجال الإدارة العلمية ضمنها مجموعة من العناصر التي يحاول من خلالها أن يثبت بأن الفرد في التجمعات الإدارية والاقتصادية الإنتاجية الذي يمارس نشاطه فيها يمثل ذلك الجانب الأناني في ذات الإنسان الذي يحرص على ضمان وحماية مصلحته الشخصية واضعاً إياها فوق الاعتبارات الإنسانية كافة، مع العلم أن العامل يعد فردًا في مجموعة بشرية كبيرة يجب أن يتفاعل معها في أثناء تأديته المهام الإنتاجية. والعنصر الثاني في نظرية الرجل الاقتصادي هو التركيز على الحوافز التشجيعية والمكافآت الإنتاجية لاستغلال أقصى الطاقات والقدرات للفرد العامل من خلال وضع أنظمة الأجور الهادفة إلى ذلك. وهذا بدوره أدى إلى زيادة إنتاجية وأجور العمال الأكثر كفاية والمهرة والذين يتمتعون بقدرات جسدية عالية، ولكن من هم اضعف واقل كفاية منهم فقد نقلوا إلى أعمال أخرى أو تم الاستغناء عن خدماتهم.

ومن الانتقادات الهامة التي وجهت إلى نظرية الإدارة العلمية هي التالية:
- نظرت إلى العامل على أنه آلة بيولوجية يمكن للمدير أن يتحكم بها وفقًا للمصالح التي يمثلها ومن خلال القرارات التي يتخذها بالاعتماد على عوامل الكسب والإغراء المادي.
- أهملت هذه النظرية الجوانب الإنسانية لأنها وضعت أنظمة الأجور التي تجعل العامل يبذل قصارى جهده على حساب صحته وأسرته ليتقاضى أعلى اجر ممكن ويعطي أكبر إنتاجية عمل.
- اهتمت بالدرجة الأولى بالعمال في المستويات التنفيذية الدنيا وأهملت الجوانب الخاصة بدراسة المستويات الإدارية الأخرى بشكل يتحقق معه التكامل في العملية الإدارية والإنتاجية.
- عدم اهتمام رواد هذه المدرسة بالتنظيم غير الرسمي ولم يقيموا أدنى أهمية للعلاقات الإنسانية القائمة بين بني البشر خارج التجمعات الإنتاجية، مثل الصداقة الشخصية. على العكس من ذلك فقد اعتبرت التنظيمات غير الرسمية مصدر خطر على المنشآت ويجب مكافحتها.
- التنظيم في الوظائف الإدارية، حيث أن تايلور وزع الأعمال بين ثمانية مديرين في حدود تخصصاتهم ومنحهم السلطات والمسؤوليات الواسعة والعامل يتلقى أوامره من ثمانية مديرين. وهذا نظام غير عملي لان الفرد العامل يصعب عليه تحديد أمر مَن مِن المديرين سينفذ أولاً.

2- الإدارة التنظيمية :
في الفترة التي طور فيها فريدريك تايلور مبادئ الإدارة العلمية في الولايات المتحدة الأمريكية، نلاحظ ظهور الإنتاجات العلمية للمهندس الفرنسي هنري فايول في مجال التنظيم الإداري. عمل إلى جانبه في حقل الإدارة التنظيمية كل من أوليفر شيلدون وجيمس موني وليندال أيرويك وآلان رايلي. هؤلاء العلماء هم الذين وضعوا القواعد العامة والأسس والمبادىء الرئيسة.

هنري فايول 1841-1925:
كان هنري فايول مهندساً ومديراً في إحدى شركات استخراج الفحم في فرنسا، حيث أنقذها من الإفلاس وساعدها على الانتعاش وإعادة تقوية مركزها المالي بفضل دراساته وأبحاثه وتطبيقاته العملية الإدارية. تشير دراسات وأبحاث هنري فايول الأولية إلى اهتمامه بالمبادئ والوظائف الإدارية وبالناحية التحليلية والوصفية لهذه الوظائف والأنشطة التي تمارس على مختلف المستويات الإدارية.
ظهر كتاب هنري فايول "الإدارة العامة والصناعية " في فرنسا عام ١٩١٦ ، الذي أشار فيه إلى أن الأبحاث يجب أن تتركز بشكل رئيس على الإنسان الذي يمثل محور العملية الإدارية والإنتاجية، والذي من خلاله يمكن تحقيق التطور الصناعي عن طريق رفع الكفاية الإنتاجية وتخفيض التكاليف الصناعية بعناصرها المباشرة وغير المباشرة. لكن فايول بدأ دراساته وأبحاثه على وظائف المديرين في المستويات الإدارية العليا ثم انتقل إلى المستويات الإدارية الوسطى بعكس تايلور الذي تركزت دراساته في المستويات
الإدارية والإنتاجية الدنيا.

لقد قسم هنري فايول مجموعة النشاطات في المشروع الصناعي إلى ما يلي:
- النشاطات الفنية: وتشتمل على عمليات التحضير والتشغيل والتصنيع والتطوير والبحوث والإنتاج. وتقوم بتنفيذ هذه النشاطات الدائرة الفنية في المشروع الصناعي حسب الطرق التكنولوجية المتبعة والأساليب الإنتاجية المستخدمة. كما تشتمل على النواحي المتعلقة بالبحث والتطوير في مجالات تحسين وتطوير الآلات وخلق واستخدام مواد أكثر اقتصادية، إضافة إلى الاهتمام بمواضيع الأمن الصناعي والصيانات المختلفة.
- النشاطات التجارية: وتشتمل على عمليات البيع والشراء والتبادل ووضع خطط التسويق. تقوم الدائرة التجارية بالتنسيق مع الدوائر الفنية والإنتاجية والتخطيطية بتحديد حجم المنتجات المقبلة لوضع خطط لتأمين المواد اللازمة للمشروع.
- النشاطات المالية: وتنصب هذه النشاطات الإدارية باتجاه البحث عن رؤوس الأموال لتغطية الأعمال الاستثمارية، وتسعى لتحديد الطريقة المثلى التي تمكنها من استخدام رؤوس الأموال هذه بطريقة أكثر عقلانية. والدائرة المالية تبحث عن مصادر الأموال وتحددها سواء أكانت داخلية أم خارجية وتحدد التدفقات النقدية الداخلة والخارجة لتقوم بمواجهة الالتزامات المترتبة عليها مستقبلاً إزاء الغير.
- نشاطات التامين: إن الإدارة الناجحة في المشروع الاقتصادي تعنى بشكل رئيس بأعمال الحفاظ على ممتلكاتها وعلى العاملين فيها، من خلال اتخاذ جملة إجراءات وقائية لمواجهة الحوادث الطارئة بالنسبة للعنصر البشري والمواد والمكنات، إضافة إلى اللجوء إلى توقيع عقود تأمين مع شركات التأمين.
- النشاطات المحاسبية: وتشتمل هذه النشاطات على القيام بأعمال الجرد والميزانيات وتحديد المصاريف والتكاليف التشغيلية والإدارية وإعداد واستخدام البيانات والمعطيات الإحصائية المختلفة. كما تعنى الدوائر المحاسبية بتخطيط الأرباح وطرق توزيعها بالتعاون مع الدائرة المالية.
- الأعمال الإدارية: لقد ركز بشكل رئيس هنري فايول على الأعمال الإدارية التي ضمنها: التخطيط والتنظيم والتنسيق وإصدار الأوامر والرقابة.

إن كتاب " الإدارة الصناعية والعامة " لهنري فايول يبحث في مواضيع رئيسة ثلاثة، حيث يدرس في القسم الأول منه "الكفايات الإدارية والتدريب"، والثاني خصص لدراسة "المبادئ العامة في الإدارة"، والثالث كرسه لدراسة "الوظائف الإدارية".

وفيما يلي سنتوقف عند شرح مضمون كل من هذه الأجزاء الثلاثة بإيجاز:
أولاً: الكفايات الإدارية والتدريب:
يقصد بالكفايات الإدارية هنا مجموعة القيم والصفات التي يجب أن تتوافر في العاملين ضمن حقل النشاطات الإدارية المختلفة، وكيف تتم عملية اختيارهم بما يتلاءم ومجموعة الصفات المحددة، إضافة للاهتمام بعملية وكيفية التدريب الأولي واللاحق للكفايات العاملة في المشروع، والكفايات التي يجب أن يتصف بها العاملون هي:
- الكفايات الجسمية: ويقصد بها توفر مجموعة العوامل المؤهلة للفرد لكي يقوم بأعماله على أكمل وجه كالصحة والقوة والنشاط.
- الكفاية العقلية: وهذا النوع من الكفايات يجب أن يمتاز به الأفراد العاملون كافة في المنشأة من فنيين وإداريين وكتبة مثل القدرة على الفهم والتحليل وحسن التصرف وسرعة البديهة.
- الكفايات الأخلاقية: على الغالب هذا النوع من الكفايات يكتسبه الفرد من البيئة التي تربى وعاش فيها وبخاصة في مجال الأسرة والمدرسة والحي والمجتمع. وتتمثل هذه الكفايات بشعور الفرد العامل بتحمل المسؤولية والإخلاص في العمل والحفاظ على الكرامة. يمكن للشركة بل ويتوجب عليها تنمية وتكريس هذه القيم وتنميتها في عمالها وإدارييها مما ينعكس إيجاباً على العملية الإدارية والإنتاجية.
- الكفايات التربوية والاجتماعية: التي تتمثل بالمعرفة العامة والثقافة متعددة الاتجاهات. وهذا النوع من الكفايات يخدم العملية الإدارية لأن معارف الإنسان العامل الواسعة تمكنه من مواجهة المواقف مهما كانت درجة صعوبتها والخروج منها بحلول مرضية.
- الكفايات الفنية: وهذا النوع من الكفايات يتلخص في العلوم والمعارف الفنية ذات الصلة المباشرة بالاختصاص الذي يمارسه الفرد في مجاله الإنتاجي.
- الخبرة: كما هو معلوم أن الخبرة يكتسبها الفرد من خلال ممارسته لعمل ما وملاحظاته الدقيقة التي قد تؤدي أحيانًا إلى تطوير هذا العمل وتحسينه والخبرة ضرورية جدًا وشرط أساسي من شروط نجاح الإداري أو الفني في أعماله. وقد أدرك هنري فايول بأن المدير كلما ارتقى للمستويات الإدارية العليا كانت الحاجة اكبر للتزود والتمتع بالكفايات الإدارية، وتنخفض الأهمية النسبية والحاجة لهذه الكفايات الإدارية كلما تدرج في سلم المستويات الإدارية الدنيا. لذلك فقد أكد هنري فايول على ضرورة توافر الخبرة لدى الإداري وكذلك لا بد من العمل على تطويرها وتنميتها من خلال المعطيات الإدارية الحديثة والنظريات الجديدة والمتغيرات المحيطة.

ثانيًا: قسم المبادىء العامة في الإدارة:
تعرض هنري فايول في القسم الثاني من كتابه إلى دراسة مجموعة من المبادئ الإدارية التي اعتبر أنه ينبغي على المدير إتباعها وتطبيقها أثناء ممارسته للعملية الإدارية. هذه المبادئ والقواعد هي:
- مبدأ تقسيم العمل: أي تجزئة العمل الواحد إلى مجموعة من الأجزاء ويخصص كل عامل بجزء أو أكثر في أثناء تأديته لمهامه الوظيفية.
- السلطة والمسؤولية: السلطة كما رآها فايول هي صلاحية إعطاء الأوامر للآخرين وإصدارها من قبل المدير بغية تنفيذ عمل محدد. ولقد ميز فايول بين السلطة الرسمية المستمدة من المركز الوظيفي الذي يحتله الإداري، والسلطة الشخصية المستمدة من الصفات الخاصة التي يتمتع بها الإنسان وبخاصة الذكاء والمعارف الخاصة. والمسؤولية التي يتحملها الفرد حسب رأي فايول يجب أن تتساوى مع السلطة الممنوحة له.
- النظام و الانضباط: أي مجموعة القواعد والقرارات والأوامر التي يجب أن يتقيد بها المرؤوسون عند صدورها عن الجهات صاحبة الحق في إصدارها.
- وحدة القيادة والأمر: أي تلقي العامل أو المرؤوس الأوامر والتعليمات من مصدر واحد من مشرف أو رئيس واحد فيما يتعلق بتنفيذ المهمات الوظيفية كي لا يحصل تعارض في الأوامر والتوجيهات مما يؤدي إلى إرباك العاملين والرؤساء كما يعقد عملية تحديد المسؤوليات.
- وحدة التوجيه: أي وجود رئيس واحد وبرنامج أو خطة عمل واحدة لكل قسم أو ورشة أو أي نشاط آخر على أن تكون الأهداف واحدة لمجموعة هذه النشاطات.
- خضوع المصلحة الفردية للمصلحة العامة: لقد ارتأى فايول في حال تعارض المصلحة الفردية مع مصلحة الشركة فيجب إخضاع المصلحة الفردية لصالح المصلحة الجماعية.
- المكافأة العادلة والتعويض: اهتم هنري فايول بموضوع إنصاف العاملين ودفع التعويضات والأجور العادلة التي تتماشى مع الجهود المبذولة من جهة وكمية وجودة المنتج من جهة ثانية.
- المركزية: المركزية تتحدد بشكل أساسي من خلال شخصية المدير وقدرته على تجميع المفاتيح الإدارية بيديه والتصرف بها وإخضاع المرؤوسين لتنفيذ أوامره وقراراته وتعليماته.
- التدرج السلطوي: أي الالتزام بخط السلطة والتسلسل الرئاسي من الأعلى باتجاه الأدنى حسب المراتب الوظيفية.
- الترتيب أو النظام: بما أن المشروع يحتوي على موجودات مادية كالآلات والعدد والتجهيزات والمواد الأولية، فان فايول يرى بأن هذه الموجودات يجب أن يتم ترتيبها بالطريقة التي تضمن استمرارية العملية الإنتاجية بأعلى كفاية ممكنة.
- المساواة والعدل: أي تطبيق القواعد والقوانين والأنظمة في المشروعات الاقتصادية على أساس من العدل والمساواة فيما بين العاملين كافة.
- استقرار العاملين: لقد اهتم هنري فايول بضرورة ثبات العامل والمدير في عملهما لفترة طويلة وهذا يعتبر من مؤشرات الإدارة الناجحة.
- المبادرة: يجب على الإدارات كافة في المشاريع الاقتصادية أن تسعى إلى تشجيع المبادرات الفردية الخلاقة لأن في ذلك ضماناً لاستمرارية التطور والتقدم الإداري والإنتاجي من خلال تقديم الأفكار الجديدة البناءة التي تؤمن وتحقق تحسين الإنتاج وزيادته وتخفيض من تكاليفه.
- روح الجماعة: أي وحدة الجهود في العمل والسعي وبشكل دائم لتحقيق المصالح والأهداف المشتركة لكل من العاملين الفنيين والإداريين من جهة وأصحاب المنشأة ومالكيها من جهة ثانية.

ثالثًا: قسم عناصر الإدارة أو وظائف الإدارة:
لقد كرس فايول جهودًا كثيرة لدراسة الوظائف الإدارية وقسمها إلى:
التخطيط :
قبل أن يحدد معاني التخطيط ومفاهيمه وضح فايول أهمية التنبؤ كمقدمة لعملية وضع الخطة الاقتصادية بأجزائها المختلفة. والتنبؤ كما رآه فايول عبارة عن تقدير المستقبل والتحضير له بالاعتماد على مجموعة من العوامل لها تأثيرها المباشر وغير المباشر على الظاهرة موضوع البحث.
وعملية التخطيط العلمية تحتاج إلى مؤهلات وكفايات متخصصة تستطيع أن تضع الخطة في ضوء المعطيات والطاقات المتوفرة . لهذا نلاحظ بأن مرونة التخطيط ودقته واستمرار يته التي نادى بها وطبقها فايول لا تزال حتى الآن ُتعتمد كمبادئ وقواعد تخطيطية. والتخطيط هنا يعني رسم السياسة المستقبلية التي توضح أهداف المشروع القريبة والبعيدة وتجنيد الطاقات لتنفيذ هذه الأهداف بأقل التكاليف الممكنة.
التنظيم:
ويقصد بالتنظيم هنا مجموعة الأعمال والنشاطات التي يقوم بها المدير و التي تشتمل على اختيار الآلات والتجهيزات والأدوات الإنتاجية والمواد الأولية الرئيسة والمساعدة وكذلك العناصر الإدارية والفنية ثم تحديد الهيكل التنظيمي للمشروع الاقتصادي موضحًا بذلك المستويات الإدارية ومواصفات شاغليها، الأقسام الإنتاجية الأساسية والثانوية، الإدارات المركزية أقسام الصيانة والأمن الصناعي وغير ذلك.
القيادة وإصدار الأوامر:
وهذه الوظيفة حسب رأي فايول تنحصر في توجيه جهود المرؤوسين على المستويات كافة من خلال الأوامر الصادرة والقرارات المتخذة لتحقيق الأهداف الموضوعة أمام المؤسسة، أي وظيفة تنفيذ التنظيم الداخلي والخارجي في المنشأة الذي يتمثل بالعلاقات والاتفاقات والعقود التي تربط المنشأة مع غيرها من الشركات. فوظيفة إصدار الأوامر تهتم إضافة لذلك بالإشراف على العاملين وإرشادهم في أثناء تأدية مهامهم وقبل البدء بها.
التنسيق:
بما أن أي مشروع من المشروعات الاقتصادية يتكون من جملة من النشاطات والفعاليات المهيأة لخدمة أهدافه، فالإدارة هنا يجب أن تتمتع بمقدرة كافية لخلق التفاعل الصحيح بين هذه الأنشطة والفعاليات ولتوحيد الجهود كافة وصهرها في بوتقة واحدة بغية الوصول إلى هدف المنشأة النهائي وهذا ما نسميه بوظيفة التنسيق في المؤسسة الاقتصادية.
الرقابة:
وهي تلك العملية التي يسعى المدير من خلالها للتأكد من أن الخطط الإنتاجية والتنظيمية تنفذ كما هو مرسوم لها أم أن هناك انحرافات وتجاوزات يجب تعديلها في الوقت المناسب والسعي لمنع وقوعها في الأعمال المستقبلية.

أوليفر شيلدون:
إن الأفكار الجديدة التي جاء بها أوليفر شيلدون وساهم من خلالها في بناء الفكر الإداري وتطوره جعلته رائدًا من الرواد الأوائل في هذا المجال العلمي .ضمن آراءه وأفكاره في كتابه "فلسفة الإدار ة" الذي نشر في عام ١٩٢٣ في الولايات المتحدة الاميركية، إذ يقول في هذا الكتاب مايلي:
"إن مسؤولية الإدارة مسؤولية إنسانية ناتجة من رقابتها على البشر، وليس من تطبيقها للطرق الفنية في العمل، وبالتالي فإن للإدارة مسؤوليتان مسؤولية أمام العنصر الإنساني في الصناعة، ومسؤولية أمام العنصر الإنساني الذي تخدمه الصناعة".

ونوجز فيما يلي أهم الأفكار التي نادى بها شيلدون:
1- يعد النشاط الإداري عنصراً هاماً وحيوياً من عناصر الإنتاج، وكذلك يلعب الدور المحدد في نجاح المشروع الاقتصادي أو فشله.
2- تتحمل الإدارة مسؤولية تجاه المجتمع على اعتبار أنها تمتلك أدوات ووسائل وقوى ا لإنتاج فيه، وبالتالي فهي مسؤولة عن تحقيق الرفاه والتقدم الاجتماعيين.
3- تمارس النشاطات الإدارية عن طريق الأشخاص ومن خلالهم وبوساطتهم ولهذا فالعمل الإداري يجب أن يكون له طابعاً إنسانياً.

قام أوليفر شيلدون بتوزيع النشاطات الإدارية إلى ثلاثة مستويات وهي:
1- الإدارة العليا: وهي المستوى الإداري المسؤول عن رسم السياسات وتحديد الأهداف ووضع الخطط ومتابعة تنفيذها من خلال أعمال الرقابة عليها.
2- الإدارة التنفيذية: هي ذلك المستوى الإداري المسؤول عن تنفيذ السياسات والوصول إلى الأهداف من خلال الوظائف التي يقوم بها جهازه مثل البيع و الشراء والإنتاج والتمويل والبحث والتطوير وغير ذلك.
3- التنظيم: الجهاز التنظيمي في المشاريع الاقتصادية تناط به مسؤولية تحضير عناصر الإنتاج المختلفة كإعداد الكوادر الفنية والإدارية وتهيئتها وتدريبها، وتأمين المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج الأخرى لضمان استمرار العمل الإنتاجي بشكل متناسق.

وفيما يلي نورد أهم الجوانب التي ركزت عليها هذه المدارس:
- ركزت الإدارة التنظيمية اهتمامها على النشاطات الإدارية وخاصة في المستويات العليا من خلال وضعها مجموعة من المبادئ المتصفة بالشمولية.
- لقد أهملت أيضًا الإدارة التنظيمية شأنها شأن الإدارة العلمية الجوانب الإنسانية والسلوكية ومدى تأثيرها على التنظيم الإداري.
- كان الشغل الشاغل لرواد مدرسة الإدارة التنظيمية دراسة طرق تنظيم الوحدات الاقتصادي والعمل على تحديد وتعريف ماهية وطبيعة كل الوظائف الإدارية.

3- الإدارة البيروقراطية:
كما هو شائع ومعروف فان كلمة البيروقراطية تعني حكم المكاتب ومن أوائل مستخدمي هذا الاصطلاح مجموعة من الفلاسفة الفرنسيين في القرن الثامن عشر، والذين أكدوا على أن البيروقراطية هي التنظيم الإداري الذي اتبعته المؤسسات والهيئات الحكومية ورمز القوة الذي يمارسها هذا التنظيم.

نظرية ماكس فيبر في الإدارة البيروقراطية 1864-1920
يعد عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر من الرواد الذين طوروا مفهوم البيروقراطية واستخدامها في الهيئات والأجهزة الحكومية بهدف رفع الكفاية الإنتاجية في التجمعات الإنتاجية الضخمة العائدة ملكيتها للدولة لكي يتسنى لها التنافس مع الشركات والمؤسسات الخاصة بالنسبة لعوائد الاستثمار وغيرها. وكانت المدرسة البيروقراطية في الإدارة رداً على المفاهيم والتطبيقات التي جاء بها رواد مدرسة العلاقات الإنسانية والسلوكية، وهذه الأخيرة جاءت بدورها رداً على آراء وقواعد ومبادئ فردريك تايلور في الإدارة العلمية التي حولت الإنسان إلى آلة بيولوجية.
في الوقت الذي عملت مدرسة العلاقات الإنسانية على الاهتمام بالإنسان داخل التنظيم الرسمي وخارجه، فإن المدرسة البيروقراطية حاولت وضع التنظيم الرسمي في مكانه الملائم. إذن جوهر اهتمام ماكس فيبر ينحصر في خلق تصميم وتنظيم إدار ي جديد قادر على رفع المستوى الفني والإنتاجي من خلال الاستخدام العاقل لعناصر الإنتاج في المؤسسات الحكومية الإنتاجية الضخمة بالمقارنة مع مؤسسات ومنظمات الإنتاج الخاص التي تتسابق وتتنافس على الأسواق والأسعار والأرباح والإنتاج. وهذه العوامل الخارجية المذكورة تمثل المحرك الأساسي لرفع الكفاية الإنتاجية في هذه المؤسسات غير الحكومية.
وقبل أن نبدأ بدراسة التنظيم البيروقراطي لماكس فيبر لابد من التوقف قليلاً لنستطلع تحليله حول أنواع السلطة التي قسمها إلى ثلاثة وهي:
- السلطة القانونية: وهي السلطة الرسمية التي تعتمدها الأجهزة الحكومية وتكون موضوعة على أساس وقواعد ومبادئ علمية تلقى القبول الاجتماعي، والشخص الذي يتمتع بالسلطة القانونية يمارسها من خلال موقعه الوظيفي في هيئة حكومية. والسلطة القانونية هي الأكثر استقراراً ورشداً وموضوعية لأنه الوسائل فيها مصممة ومعبر عنها بطريقة واضحة، ولهدف واضح هو إنجاز غايات محددة.
- السلطة التقليدية: وتقوم على التزام القائد الجديد الذي يأتي بعد القائد البطولي وتمسكه بنفس النهج القديم والترويج لنفس القيم والمبادئ السابقة، ويصبح تأييد التابعين للقائد الجديد مرهوناً بهذا التزام.
- السلطة الخارقة أو الكاريزمية: وتقر هذه السلطة بضرورة وجود صفات وخصائص يتميز بها فرد عن الآخرين. وهذه السلطة تمكن الفرد من الحصول على احترام الآخرين له وطاعته، فيصبح الأفراد بمثابة تابعين له ويأتمرون بأمره. وهذه السلطة في نظر ماكس فيبر نوع من الإلهام والقدرة غير الطبيعية.

من خلال تحليل ماكس فيبر للهيئات والمؤسسات الحكومية البيروقراطية التي يجب أن تعتمد على مجموعة من السمات كالرشد والعقلانية والموضوعية التي تضمن العمل بكفاية عالية استطاع أن يتوصل إلى نمطه المثالي وهو ما يسمى بالتنظيم البيروقراطي، الذي ينطبق تماماً على المنظمات العامة الحكومية.
الصفات والخصائص التي يتصف بها التنظيم البيروقراطي هي:
- توزيع العمل: في كل تنظيم مجموعة من المهام والوظائف موضوعة وفق الهيكل التنظيمي الإداري للمنظمة الحكومية ولهذا يجب توزيع الأعمال على المراكز الوظيفية والأشخاص بما يتناسب والمؤهلات مع ضرورة مراعاة الرغبات الشخصية للعاملين إذا توفر المناخ الملائم لذلك.
- التخصص الوظيفي: في ضوء التنظيم البيروقراطي فان كل مؤسسة حكومية لها هيكلها وملاكها الوظيفي الخاص المحكوم بمجموعة من القواعد والمعايير الرسمية المنظمة.
- تسلسل السلطة الرئاسي: التنظيم الإداري البيروقراطي كغيره من أنظمة الإدارة له مستويات إدارية عليا تكون مسؤولة عن الإشراف على المستويات الإدارية الدنيا وتوجيهها وقياس وضبط أدائها. كما أن السلطة التي تعني القدرة والقوة على إصدار القرارات يجب أن يتم توزيعها وتحديد مداها ومجالها لكي يتسنى للقائمين عليها إمكانية أداء الواجبات الملقاة على عاتقهم وممارستها وذلك على أساس التدرج الهرمي.
- تعيين الموظفين: يتم تعيين الموظفين عن طريق التعاقد للعمل في مكان محدد حسب المؤهلات والخبرات والقدرات المطلوبة. والتعيين هذا يتم عن طريق المستويات الإدارية العليا وفق معايير موضوعية وعلمية دقيقة بعيدة كل البعد عن الأهواء الشخصية.
- تحديد طرق الأداء وضوابطه: يعتمد التنظيم البيروقراطي على طرق وأساليب إنتاجية و تنظيمية وإدارية محددة ورسمية وتطبق بصفة دائمة على العاملين كافة في التنظيم الحكومي، ولهذا فالالتزام بهذه الطرق والأساليب عند أداء المهمات الإنتاجية والإدارية أمر مسلم به. كما أن الطرق والأساليب الإدارية والإنتاجية موضوعة وفق ضوابط ومعايير علمية وموضوعية لتحقق الاستخدام الرشيد للطاقات بعيداً عن الميول والأهواء الفردية والشخصية.
- التدوين الكتابي: بما أن هناك مجموعة من الوظائف والإدارات المركزية والفرعية والتخصصات المختلفة في المنظمة الحكومية فان شبكة الاتصال من هذه المراكز الوظيفية وإليها متشعبة ومعقدة لهذا فان انتقال المعلومات وتبادلها يجب أن يتم بصورة مكتوبة وموثقة. كما أن إصدار الأوامر والقرارات واتخاذ بعض الإجراءات يجب أن تبلغ وتنقل بصورة مستندية إلى الدوائر المعنية.
- الاحتراف الوظيفي: بما أن غالبية الاختصاصات والمراكز الوظيفية تحتاج إلى خبرات طويلة في مجالات أعمالها فلابد للموظف الذي يشغل وظيفة معينة في التنظيم الإداري أن يمتهنها، على أن يكون لهذه المهنة مسار محدد إلى الأمام ومستقبل يضمن للموظف العيش الكريم ويتيح له إمكانية تحقيق الذات من خلال إبراز إمكاناته ومبادراته الشخصية في العمل واحتراف العمل الوظيفي والمهني في المؤسسات الحكومية.

الاحتراف الوظيفي: يجب أن يدعم ب:
- ولاء الموظف لمؤسسته وعمله.
- احترام المؤسسة وإدارتها للموظف وتقديره وإحساسه بأهميته.
- التدرج الرتبوي للأعلى بالنسبة للموظف الذي يتمتع بمؤهلات تتيح له الترقية.
- احتفاظ الموظف بوظيفته بشكل دائم مع حصوله على الراتب والأجر الذي يتناسب مع مركزه وجهده المبذول وأدائه الفعلي.

ولكن إذا أردنا أن نقدم الجوانب الايجابية في نظرية ماكس فيبر في التنظيم البيروقراطي فلا بد من التوقف عند ما يلي:
- الاعتماد على الرشد والعقلانية من خلال مجموعة من الضوابط والمعايير لتحقيق أعلى كفاية إنتاجية ممكنة.
- تنظيم ماكس فيبر ينطبق على التنظيمات الحكومية الكبيرة والضخمة الملتزمة بالقوانين والقواعد والأنظمة.
- صفات التسلسل السلطوي الرئاسي والاستمرارية والاستقرار والدقة جعلت تنظيم ماكس فيبر يتقدم على ما عداه من التنظيمات الإدارية.
- عدم خضوع المراكز الوظيفية وشاغليها في التنظيم الإداري البيروقراطي للضغوط السياسية.
- العمل على حماية الموظفين العاملين في المؤسسات والتنظيمات الحكومية عند الضغط عليهم من قبل القيادات السياسية.
- عدم حدوث تغيرات جوهرية في التنظيم البيروقراطي نظراً لما يتمتع به من استقرا ر واستمرارية، وذلك مهما حدث من تغيرات في نظام الدولة أو الفكر السياسي.

كما وجه العديد من الدارسين بعض الانتقادات لتنظيم فيبر البيروقراطي في المؤسسة الحكومية وهي:
- الجمود والروتين وانعدام المرونة.
- تحويل الوسائل إلى غايات.
- إن بعض الفروض المبنية عليها قد تساعد على الإهمال وانخفاض الكفاءة مثل مبدأ الترقية بالأقدمية.
- تركيز اتخاذ القرارات في المستويات الإدارية العليا وعدم مشاركة المستويات الأدنى بمناقشتها وإبداء الرأي في خطط وسياسات المشروع.
- يرى عالم الاجتماع الفرنسي كروزيه بان تركيز السلطة وضغوط الجماعات غير الرسمية لحماية أنفسهم وإهمال العنصر الشخصي الإنساني من المؤثرات السلبية على التنظيمات البيروقراطية.
- إهمال أثر الظروف والعوامل الخارجية في نجاح وفاعلية التنظيم.


خلاصة:
بعد دراستنا لأشهر رواد المدرسة الكلاسيكية بأنواعها الثلاثة: العلمية والتنظيمية والبيروقراطية، لا بد من التأكيد على أن هذه المدارس الفكرية كانت قد ساهمت بشكل كبير في تطوير المفاهيم والأساليب الإدارية العلمية اللازمة للتغلب على المشكلات الإنتاجية الناجمة عن انتشار النهضة الصناعية، استخدام الآلات البخارية على نطاق واسع وتطور أساليب الإنتاج. ولكن ما يؤخذ على هذه المدرسة هو إهمال العنصر البشري وضرورة معاملته كإنسان وليس كآلة.
حيث أنه بالقدر الذي أسهمت فيه النهضة الصناعية في أوروبا في تطوير أساليب الإنتاج وأنماطها، إلا إنها خلقت في المقابل مشاكل اجتماعية وإنسانية كثيرة وخطيرة، أهمها:
1- هجرة السكان من الريف إلى المدن للعمل في القطاع الصناعي حيث تتركز المصانع قرب المدن الكبرى،
2- هجرة السكان من القطاع الزراعي إلى العمل في القطاع الصناعي بحثاً عن أجور أعلى وفرص عمل أفضل،
3- دخول الأطفال والنساء إلى العمل لتتمكن الأسرة من الحصول على أعلى عائد مادي ممكن يشبع احتياجاتها الأساسية،
4- انتشار الجريمة والأمراض نتيجة تكدس أعداد هائلة من العمال مع أسرهم في تجمعات سكنية ضخمة من الصفيح قرب المدن الكبرى في أوروبا،
5- تدني المستوى النسبي للأجور خاصة للنساء العاملات، وتدني الثقة بين العاملين وأرباب العمل،

لهذه الأسباب أولى الباحثون في مجال الإدارة وعلم الاجتماع اهتماماً متزايداً بالتغلب على المشكلات المذكورة وحلها. وأدت هذه الجهود إلى ظهور عدة مدارس فكرية إدارية أخرى جعلت المفكرين والباحثين يركزون اهتمامهم على العامل كإنسان وليس كعنصر بين عناصر الإنتاج أو مجرد قطعة في آلة.
عرفت هذه المدارس الفكرية بمدرسة العلاقات الإنسانية والمدرسة السلوكية والاجتماعية، والتي ستكون المحور التالي في استعراضنا لمدارس الفكر الإداري.


ثالثاُ- مدرسة العلاقات الإنسانية والسلوكية
مقدمة :
انصبت جهود العديد من العلماء في الثلاثينات من القرن الماضي لتطوير المفاهيم الإدارية عن طريق التجارب والأبحاث والاعتماد على العلوم الاجتماعية والسلوكية والنفسية وبعض العلوم الإنسانية الأخرى. واعتبر الباحثون الاجتماعيون والإداريون بأن الإنسان والفرد العامل في المشروع الاقتصادي يندفع للعمل تحت تأثير مجموعة من العوامل النفسية لا تحت تأثير العوامل المادية والحوافز التشجيعية التي ثبت عدم صحتها وحدها، لذا فان إدارة المشروع الاقتصادي يجب أن تضع خططها وتحدد سياساتها وأهدافها في ضوء الاعتبارات الجديدة.
ومن الصعوبة بمكان على أي باحث إداري أو اجتماعي أن يتعرف على المدرسة السلوكية في الإدارة دون العودة إلى مدرسة العلاقات الإنسانية والدراسات والأبحاث التي أجراها العديد من العلماء والمفكرين مثل ايلتون مايو وفريتز روثلز برجر وماري باركر فوليت وغيرهم والنتائج التي تم التوصل إليها والتي أثارت دهشة المهتمين بقضايا ومشاكل الإدارة والإنتاج الصناعي والعلوم النفسية والاجتماعية. ومدرسة العلوم السلوكية اهتمت بالدرجة الأولى بعلم النفس وتأثيراته على العاملين داخل المنظمة وخارجها وكذلك بعلم الاجتماع الذي يهتم بدراسة الإنسان من خلال علاقته بالبيئة المحيطة والعلاقات الاجتماعية والتركيب البيئي المؤثر في سلوك العنصر البشري. وبهذا فان العلاقات الإنسانية تمثل المرحلة الأولى المتقدمة من تطور العلوم السلوكية واستخداماتها الإدارية.

1- مدرسة العلاقات الإنسانية:
ظهرت مدرسة العلاقات الإنسانية في الثلاثينات من القرن الماضي ، وأتت نشأتها ردة فعل للمدرسة الكلاسيكية التقليدية التي افترضت أن الحوافز المادية هي كل ما يهم العاملين , ولم تَعنى كثيراً بالعوامل الاجتماعية والإنسانية، ويشير مصطلح العلاقات الإنسانية إلى تفاعل العاملين في جميع أنواع المجالات.
ويظهر هذا التفاعل بصفة عامة في موقع العمل وأثناء ممارسته والقيام به حيث يرتبط الأفراد بنوع من البناء الهادف . أما العلاقات الإنسانية فتعني في هذا السياق :
"إدماج الأفراد في موقف العمل الذي يدفعهم سوياً كجماعة منتجة متعاونة مع ضمان الحصول على الإشباع الاقتصادي والنفسي والاجتماع" .
يعتبر الإنسان المنطلق الأساسي لهذه المدرسة و هو محور العمل الإداري وعنصره المهم في تحديد الإنتاجية , كما أنها تهدف إلى تَعَرُّف أساليب السلوك الإنساني في الإدارة وأنماط العلاقات بين الأفراد على اختلاف مستوياتهم . إضافة إلى أنها حثت على الاهتمام بالعامل على أساس أنه كائن اجتماعي له آراؤه وتطلعاته , ولم يعد ينظر إليه على أنه آلة أو أداة تستخدم في عملية الإنتاج . ذلك أن تحقيق مزيد من الإنتاجية يعتمد على الظروف والبيئة المحيطة بجو العمل من حيث التجهيز والآلات والأدوات وهناك الأساليب التي تستخدم لتحقيق منافع وفوائد مشتركة بين الإدارة والعاملين .
ويطالب أنصار مدرسة العلاقات الإنسانية بدراسة الإنسان دراسة عميقة بحيث يمكن معرفة ما يحفزه على العمل بأعلى كفاءة ممكنة , ويكون ذلك بإشباع حاجاته في مجال عمله . وقد كان مجال العمل ميداناً وهدفاً لإجراء البحوث والتجارب المتعلقة بالمبادئ الرئيسة للعلاقات الإنسانية .
وقد خرج منظرو هذه المدرسة بنتيجة رئيسة تتلخص في أن العامل ليس أداة طيعة في يد الإدارة تحركه كيف تشاء , بل له شخصيته المستقلة التي تتعامل مع الجماعة تؤثر فيها وتتأثر بها . ولا ينظر إلى أن ما يربط العامل بالمنظمة مجرد علاقات اقتصادية فحسب ، بل إن ذلك لا بد أن يتطور إلى تفاعل أكثر من ذلك بكثير .

وسنحاول ضمن هذه الفقرة استعراض أهم الأعمال التي ساهمت في بناء أفكار هذه المدرسة.

ايتلون مايو وفريتز روثلزبرجر:
من المقومات الأساسية لظهور مدرسة العلاقات الإنسانية في الإدارة هي دراسات وأبحاث هاوثورن، وكانت نتائج أبحاث إيلتون مايو تمثل اللبنة المتينة في ركائز هذه المدرسة الجديدة ودعائمها لأنه كان مستشاراً لهذه الدراسات التي استمرت زهاء خمس سنوات ويعد بحق من مؤسسي حركة العلاقات الإنسانية في الإدارة.
إن أبحاث هاوثورن بدأت في الولايات المتحدة الاميركية في عام ١٩٢٧ من قبل مجموعة من علماء الاجتماع في جامعة هارفارد في إحدى الشركات الصناعية الكبيرة وهي ويسترن اليكتريك. ولقد تم تقسيم وجدولة أعمال الأبحاث هذه إلى ثلاث مراحل وهي كما يلي:
المرحلة الأولى:
بدأ الباحثون بدراسة تأثير الإضاءة على العاملين في الظروف الإنتاجية على مستويات الأداء. ولتحقيق مضمون التجربة وأهدافها تم الاعتماد على مجموعتين من العمال واحدة منهما مجموعة مراقبة والأخرى مجموعة تجربة. ولقد تم زيادة الإضاءة على مجموعة التجربة بينما بقيت الإنارة نفسها على مجموعة المراقبة، ونتيجة لهذا الإجراء تم ملاحظة أن الإنتاج ازداد بقدر متكافئ في المجموعتين معاً، بعد ذلك تم تخفيض الإضاءة وإضعافها في ظروف عمل المجموعتين ومع ذلك فقد بقيت الإنتاجية في حالة تزايد إلى أن وصلت نسبة الإضاءة إلى درجة ضعيفة وغير مقبولة حيث بدأت الإنتاجية حالة التناقص في كل من مجموعتي التجربة والمراقبة . إن هذه النتائج التي تم التوصل إليها من قبل الباحثين لم تكن متوقعة إطلاقًاً، حيث أنهم كانوا على ثقة بأن تغير ظروف العمل وشروطه فيما بين المجموعتين سيؤدي حتماً إلى حدوث تباين في إنتاجية كل منهما وكان هذا سبباً كافياً لاستمرارية الأبحاث والتجارب.
المرحلة الثانية:
وهذه المرحلة كانت مخصصة لدراسة التأثيرات المادية على إنتاجية العاملين في المجموعات المختلفة. فقد أعطيت المجموعة الأولى فترات راحة أطول وقدمت لها وجبة طعام وحصلت على زيادة مادية بينما المجموعة الثانية بقيت تعمل في الظروف والشروط نفسها، لكن مجرد اهتمام الإدارة المعنوي بالمجموعتين معاً أدى إلى تزايد الإنتاجية في كل منهما ولم يكن هناك تأثير واضح للظروف المادية على العمل.
المرحلة الثالثة:
لقد افترض الباحثون في هذه المرحلة أهمية وقوة تأثير العامل الإنساني والنفسي مقارناً بالعوامل المادية والفنية وتبين لهم بأن الإنتاجية مرتبطة ارتفاعاً وانخفاضاً بالعلاقة والرابطة الاجتماعية غير الرسمية فيما بين العاملين أنفسهم إلى جانب توطيد وترسيخ العلاقة على أسس إنسانية مع الملاحظين والمشرفين في المستويات الإدارية الدنيا. ثم قام الباحثون والمشرفون والملاحظون بإجراء مقابلات مباشرة مع العاملين في العديد من المستويات الفنية التنفيذية وذلك للوصول معهم إلى تحديد إنتاجية اليوم العادلة التي تحقق مصلحة الإدارة والعمال. وتم الاختبار على مجموعة من الإفراد العاملين ممن يتصفون بالقدرة الإنتاجية العالية وبعضهم الأخر (في المجموعة نفسها) له طاقة إنتاجية ضعيفة (أو متوسطة) وتم ربط الأجر بعدد القطع المنتجة في ظروف ومناخ وشروط الإنتاج من قبل كل عامل بغية تحفيز العمال ذوي الطاقات الإنتاجية العالية على حساب العمال من ذوي الإمكانات المحدودة.
وكان افتراض الباحثين بأن العمال الأكفاء سيضغطون على العمال ذوي الكفاية الأقل لزيادة عدد القطع المنتجة من قبلهم. وكانت النتائج أيضاً غير متوقعة حيث أن الارتباط الاجتماعي بين العاملين أدى إلى وضع وتحديد مستوى عادل للإنتاجية اليومية ممكنة التحقيق والتنفيذ من العاملين جميعاً. وخلصت مجموعة البحث بنتيجة مفادها أن الروابط الإنسانية أقوى بكثير من الروابط والحوافز المادية.

ومن الأفكار والاستنتاجات التي توصل إليها مايو وروثلزبرجر من خلال تجاربهما وأبحاثهما في هاوثورن
هي التالية:
- من العوامل الأساسية لزيادة إنتاجية العمل هو شعور العمال بالرضى والراحة النفسية وتمتعهم بروح معنوية عالية. وهذا العامل النفسي غير المادي قد يفوق في أهميته الحوافز التشجيعية المادية لزيادة الإنتاجية.
- إن العلاقة التي تربط العاملين بالإدارة ورضى الأفراد عن هذه العلاقة سيؤدي حتماً إلى التفاف وتعاون العمال لتنفيذ البرامج والسياسات والخطط الإنتاجية للمشروع الاقتصادي.
- كما أثبتت التجارب فان الاعتبارات المادية والحوافز التشجيعية لا تعني للعامل كل شيء بالنسبة لزيادة الإنتاج وتحسين نوعيته واستخدام المادة الأولية والآلة بالشكل المطلوب، إلى جانب ذلك فان العوامل النفسية واحترام إنسانية الكائن البشري كفرد وكمجموعة سيكون له وبكل تأكيد الأثر الفعال في زيادة الإنتاج وتحسين المؤشرات النهائية لعمل المنشأة الاقتصادية.
- إن مدرسة العلاقات الإنسانية تؤكد على ضرورة منح العاملين قدراً معيناً من حرية التصرف في أثناء تأدية المهام الإنتاجية لان الإنسان بطبيعته محب للحرية ولإثبات الذات وكاره للتسلط والعلاقة البيروقراطية التي قد تنشأ بين الرئيس والمرؤوسين.

ماري باركر فوليت:
شأنها شأن الكثيرين من علماء الاجتماع قامت ماري باركر فوليت بدور فعال في توضيح وتأكيد أهمية العنصر الإنساني في النشاطات الإدارية والتنفيذية المختلفة من خلال مجموعة من المقالات كتبتها ونشرتها في عام ١٩٤١ وأهم السمات البارزة التي ركزت عليها فوليت هي التالية:

استبعاد المركزية السلطوية:
يعتبر خلق المناخ الوظيفي الملائم والمنسجم مع رغبات وحاجات العاملين من جهة والذي يحقق البرامج المرسومة والمخططة من جهة ثانية، من العوامل الأساسية التي تضمن نجاح العمليات الإدارية في المنشآت الاقتصادية بشكل يحقق أهدافها بأقل التكاليف. وهذا المناخ يتطلب بالدرجة الأولى خلق روح التعاون فيما بين الرئيس والمرؤوس، وهذا لن يتم إلا إذا حاول الرئيس فهم طبيعة مرؤوسيه في إصدار الأوامر واتخاذ القرارات أخذاً بعين الاعتبار الجوانب النفسية والإنسانية للفرد العامل ضمن مجموعة بشرية إنتاجية متكاملة.
جماعية المسؤولية:
ترى ماري فوليت بان المسؤولية ليست فردية بل جماعية لان عدداً كبيراً من الأفراد يشتركون مع بعضهم في تنفيذ أعمال متناسقة ومتكاملة مع بعضها ولا يمكن فصلها. ومسؤولية كل فرد تتحدد من خلال حجم أو قيمة الأعمال التي نفذها قياساً بأهداف المشروع الاقتصادي المراد تحقيقها. كما أن محاسبة المقصرين تتم من خلال توجيه الجهود الجماعية الهادفة لتحسين مستويات الأداء والتنفيذ، مع ضرورة التنويه عن هذا التقصير الفردي بطريقة ليس لها تأثير نفسي سلبي على الفرد.
استخدام السلطة:
ترى فوليت بان كل مركز من المراكز الوظيفية في الهيكل التنظيمي الإداري يحتاج لشخص محدد حسب المؤهلات والكفايات المطلوبة، ويتمتع شاغل هذا المركز الوظيفي بسلطة تتناسب تماماً وطبيعة العمل المسند إليه، لذلك فان السلطة الممنوحة للفرد مستمدة بالدرجة الأولى من الموقع الذي يشغله في المنظمة وليست ممنوحة له من المستويات الإدارية العليا.

2- المدرسة السلوكية والاجتماعية:
إن مدرسة الإدارة السلوكية تعد امتداداً لمدرسة العلاقات الإنسانية، حيث أخذ روادها بإجراء الدراسات والتجارب منذ الخمسينات من القرن الماضي، لكنها اختلفت في استنتاجاتها عن المدرسة التقليدية والإنسانية أيضاً. لم يؤمن رواد المدرسة السلوكية بنظرية الرجل الاقتصادي لتايلور والتي أكد فيها بان الفرد العامل تحكم دوافعه الإنتاجية الحوافز المادية فقط، ولم يؤمنوا أيضاً بنظرية الرجل الاجتماعي التي قدمها ايلتون مايو لرفع الكفاية الإنتاجية في المشروعات الاقتصادية، لكنهم رأوا ضرورة دراسة الإنسان الفرد في المجموعة ودراسة العمل والظروف المحيطة به مع بيان إلى أي حدود ومدى يغذي هذا العمل قدرات الإنسان ويضمن له حاجاته الأساسية.

ومن المواضيع الأساسية التي اهتم بها رواد المدرسة السلوكية في الإدارة:
- تحفيز العاملين ورفع معنوياتهم لزيادة إنتاجياتهم.
- دراسة وظيفة القيادة والعوامل البيئية المؤثرة على نجاح المدير.
- الاتصالات ووضع الهيكل التنظيمي الذي يتيح اعتماد شبكة اتصالات مناسبة.
- العمل على تطوير المديرين ومهاراتهم.
ولهذا نلاحظ بأن العنصر البشري وسلوكه ونفسيته وردود أفعاله في العمل وخارجه أصبح المادة الأساسية للبحث والدراسة من قبل الإداريين مع مرور الوقت، حيث المؤسسات الكبيرة التي تضم مجموعات هائلة من العاملين تبرز أمامها مشكلات من نوع خاص ألا وهي التي يعاني منها العمال داخل وخارج التنظيمات الإنتاجية والتي قد تنعكس بصورة مباشرة على أعمال المنشأة.

ولقد كان للمدرسة السلوكية في الإدارة ثلاثة مداخل لدراسة سلوك الإنسان:

المدخل الأول: مدخل علم النفس الاجتماعي الذي يعنى بدراسة سلوك الإنسان بشكل عام. ويتفرع عن هذا العلم علم النفس الذي يدرس سلوك الفرد وارتباطاته بالمجموعات البشرية وكيف تتم عملية التأثير المباشر للأفراد والجماعات على السلوك. وهناك علم النفس التنظيمي الذي يدرس سلوك الإنسان داخل المنظمة التي يعمل فيها وما هو تأثير الفرد على المنظمة وتأثير هذه الأخيرة عليه وعلى المجموعة الكبيرة.
المدخل الثاني: مدخل علم الاجتماع الذي يعالج سلوك الإنسان في إطار المجموعات الكبيرة والصغيرة إضافة إلى طبيعة هذه الجماعات وتكوينها وأثرها على الإنسان والتنظيم الرسمي في المؤسسة وأثرها على الإفراد والتنظيمات.
المدخل الثالث: مدخل علم دراسة الإنسان _علم الأجناس_ ويبحث في سلوك الفرد البيئي والمكتسب سواء سلوكاً فنياً أو سلوكاً اجتماعياً له علاقة بحضارته وبيئته الأسروية وتأثيرها على حضارات الأمم الأخرى.

من أهم الباحثين في مجال الإدارة السلوكية والاجتماعية:
شيستر برنارد 1887-1961(نظرية النظام التعاوني)
يعد شيستر بارنارد من المساهمين في تطوير وتعميق المفاهيم الإدارية الحديثة ونظرياتها من خلال أبحاثه ودراساته في كبريات الشركات المتخصصة في الاتصالات الهاتفية والتي ضمنها فيما بعد في كتابيه "وظائف المدير" الذي نشر عام ١٩٣٨ و" التنظيم والإدارة " الذي صدر في عام ١٩٤٨ ، وتحدث فيهما عن دور وأهمية وظائف المدير مع تحليل للوظائف الإدارية معتمداً بذلك على العلوم الاجتماعية والإحصائية والنفسية.
ومن خلال مراجعة ودراسة مؤلفات بارنارد يتبين أنه ركز على ما يلي:

الجوانب التنظيمية:
من الملاحظ بان شيستر بارنارد يؤمن بمبدأ المركزية في السلطة شأنه شأن العديد من الباحثين في المدرسة الكلاسيكية، حيث أن التنظيم الجيد هو ذلك النوع الذي يضمن توزيع الأعمال بين الرؤساء والمرؤوسين حسب مراكزهم الوظيفية مع ضرورة إخضاع المرؤوس لسلطة مركزية يتلقى منها الأوامر والتعليمات ويعمل على تنفيذها شريطة أن يحصل التنسيق في الأعمال بين مختلف مواقع العمل والمشتغلين فيها للوصول إلى الأهداف والغايات المرسومة. وقد عمل بارنارد على التمييز بين نوعين من التنظيمات. الأول هو التنظيم الرسمي الذي يقوم على أساس الهيكل التنظيمي الإداري في المشروع بشكل محدد وثابت. والثاني هو التنظيم غير الرسمي الذي ينشأ نتيجة للعلاقات القائمة بين الأفراد العاملين بسبب انسجام في مصالحهم اومعتقداتهم أو افكارهم....
كما أن لهذا التنظيم في العادة قائداً غير رسمي يجب على الإدارة أن تعتمد عليه في حل العديد من القضايا الإدارية وقد يكون له أحياناً تأثير اكبر من تأثير القائد الرسمي على الجماعة. والإدارة يجب أن تسعى بشكل دائم لإزالة التعارض والتناقض بين التنظيمين آنفي الذكر.

السلطة والمسؤولية:
السلطة بالمفهوم التي يراها شيستر بارنارد عبارة عن قوة إصدار الأوامر واتخاذ القرارات من الرئيس نحو مرؤوسيه، والجهة التي تتلقى الأوامر والتعليمات هي التي تقدر فيما إذا كانت هذه الأوامر والتعليمات تتصف بالسلطوية المركزية، لهذا فإن الأوامر الصادرة يجب أن تهدف من خلال الفهم العميق لطبيعة المنظمة والعاملين فيها إلى تحقيق الأهداف المشتركة للأطراف كافة.
والمسؤولية تتحدد من خلال المراكز الوظيفية المشغولة من قبل الأفراد والصلاحيات الممنوحة لهم بما يتلاءم ومواقع أعمالهم. والمسؤولية إذن يجب أن تتوازى مع السلطة وان تقاس بمقاييس أخلاقية وقانونية وتنظيمية محددة.

القيادة والاتصالات:
يتحدد نجاح الأعمال القيادية للمدير في كثير من الحالات من خلال وجود شبكة اتصالات لنقل المعلومات والبيانات من المستويات الإدارية والفنية المختلفة وإليها، شريطة أن لا يكون هناك ازدواجية في إيصال المعلومات وإصدار الأوامر والتعليمات. وأكد بارنارد على مبدأ تفويض السلطة من الأعلى.

ومن أهم المساهمات التي قدمها برنارد للإدارة هي فكرة التوازن التنظيمي Organizational Equilibrium. فهو يرى أن الفرد يتعاون مع التنظيم إذا كانت المغريات والحوافز بأشكالها المختلفة تزيد عن المساهمات التي يطلب من الفرد تقديمها وإذا حدث عكس ذلك، فإن العضو يرفض التعاون والاشتراك معبراً عن ذلك بطرائق متعددة تتراوح في شدتها من التذمر والاحتجاج البسيط إلى تقديم الاستقالة وترك العمل.

هربرت سايمون (نظرية القرارات)
من المواضيع الأساسية التي ركز عليها هربرت سايمون في دراساته هي مشكلة اتخاذ القرارات الإدارية، باعتبار أن المدير يتخذ القرارات بشكل دائم بحكم عمله، كما أن الهيكل التنظيمي في المؤسسة يجب أن يحدد المراكز التي يمكن لها أن تتخذ القرارات الإدارية التي تعبر عن أهداف المنظمة وطريقة وسبل الوصول إليها بأقل التكاليف الممكنة.
ولقد عد سايمون أن النشاط الإداري في المؤسسة يتحقق من خلال الاهتمام باجتماعية وإنسانية الكائن البشري الذي يمثل محور العملية الإدارية والإنتاجية وبالتالي فإن الإدارة في ممارساتها وقراراتها يجب أن تركز على هذه الناحية الاجتماعية الإنسانية لتضمن نجاح مشاريعها. كما رفض سايمون مبادئ الإدارة العلمية التي توجه الكثير من الضغط النفسي على العامل.

يعد هربرت سايمون من المفكرين الإداريين الذين انتقدوا بشدة مبادئ الإدارة التي نادى بها فايول، وقد وضح أفكاره في كتابه "السلوك الإداري Administrative behavior". عرف سايمون التنظيم بأنه:
"عبارة عن هيكل مركب من الاتصالات والعلاقات بين مجموعة من الأفراد، ومن هذه العلاقات يستمد كل فرد جانباً كبيراً من المعلومات والقيم والاتجاهات التي تحكم عملية اتخاذ القرارات. كما ان التنظيم يتكون من توقعات الأعضاء لأنواع السلوك المتبادل".

ومن خلال هذا التعريف نرى ان سايمون يتكلم عن السلوك الإداري. فالمدير لا يعنى باتخاذ القرار فقط وإنما ينظر إلى ردود الفعل الناتجة عنه. وفق سايمون فإن المدير يتخذ القرارات على أساس المعلومات المتوفرة لديه، وتقوم هذه النظرية على العناصر التالية:
1- اتخاذ القرار: إن التنظيم يتكون من هيكل للاتصالات والعلاقات بين الأفراد ويقوم على أساس هرمي بحيث يتعلق كل قرار بنشاط معين لتحقيق هدف معين والذي يصبح خطوة او مرحلة في تحقيق هدف آخر.
2- البيئة: عند اتخاذ أعضاء التنظيم لقراراتهم، فغنهم يستمدون معايير وقيم الاختبار من التنظيم، إلا أن البيئة هي التي تحدد بدائل الاختيار المتاحة.
3- الجماعة: إن اتخاذ القرارات عمل جماعي، ولا بد من تقسيم العمل وتنسيق الجهود على هذا الأساس.
4- التخصص: يتخصص أعضاء الإدارة العليا في التنظيم باتخاذ القرارات، أما الآخرون فيتولون التنفيذ.
5- التأثير: لكي يتمكن التنظيم من تحقيق أهدافه، فلا بد من التزام الأعضاء بالقرارات المتخذة في المستويات العليا. لذلك يمارس التنظيم مؤثرات معينة كالسلطة وخلق الولاء والاتصال والتدريب ووضع معايير الكفاءة... وغيرها.
6- التوازن: إن هدف التنظيم هو تحقيق التوازن بين المغريات التي يقدمها لأعضائه والمساهمات التي يحصل عليها بالمقابل.

إن نظرية اتخاذ القرارات تعتمد على حقيقتين أساسيتين هما:
- الجانب النظري لاتخاذ القرارات.
- الجانب العملي الذي يعبر عن الواقع الاجتماعي.
ففي الجانب الأول يسعى الإداريون لحل المشكلات. أما في الجانب العملي فإن التحليل الدقيق يشكل الأساس المنطقي لكل قرار إداري تتخذه القيادة. والمشكلة الأساسية هي أن القرارات قد لا تقوم على الخبرة وتحقيق الفائدة والعثور على الحلول المناسبة لجميع المشكلات، وإنما تقوم أيضاً على اعتبارات سياسية، وضيق الوقت لاستيفاء الدراسات والتحاليل .

رنسيس ليكارت:
إن تصميم الهيكل التنظيمي الذي وضعه رنسيس ليكارت اعتمد على مدخل الدافعية الذاتية للعامل من خلال خلق روح التعاون المشترك لتحقيق مصالح الأفراد والجماعات والإدارة، على أن يكون أعضاء هذه الجماعات من ذوي الكفايات والمهارات العالية مع ضرورة توفر شبكة اتصال بين العاملين والمواقع الوظيفية مما يرفع من وتيرة الأداء. ولقد ركز رنسيس ليكارت اهتمامه على إنشاء مجموعات عمل متداخلة ومرتبطة مع بعضها من خلال شبكة المشرفين والملاحظين مع حتمية وجود مجموعة تسمى بحلقة الاتصال بين هذه المجموعات العاملة كافة.
كما أن الاجتماعات يجب أن لا تقتصر على مستوى المشرفين المرتبطين بالمديرين بل يجب أن تشمل قاعدة أوسع من الملاحظين في المستويات الإدارية الدنيا .ولهذا فإن محاولات ليكارت قد تركزت على تخفيف حدة الصراع النفسي والسلوك العدائي للعمال تجاه الإدارة والمديرين لذلك ارتأى ضرورة مشاركة العمال في اتخاذ القرارات الإدارية التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بمصالحهم ووجه الإدارة لكي تنحو في هذا الاتجاه.
إن المشاركة في اتخاذ القرارات من قبل العمال تفترض على الإدارة أن تضمن توفر الظروف والشروط التالية:
- العمل على تهيئة المناخ الملائم لخلق الروابط والصلات الموضوعية والايجابية فيما بين العمال والإدارة )الرؤساء (من جهة وفيما بين العمال أنفسهم من جهة ثانية.
- المشاركة في الإشراف واتخاذ القرارات الإدارية.
- وضع أهداف طموحة تتطلب جهدًا جماعيًا لتنفيذها.

كريس آرجيرس (نظرية التناقض بين الفرد والتنظيم)
أوضح في كتابه" الخصائص الفردية والمنظمات "الذي نشر في عام ١٩٥٧ بأن الكائن البشري ينمو ويتطور من الناحية الجسمية والعقلية معاً، لكن نموه الجسدي يتوقف عند سن محدد ونموه العقلي يحافظ على تطوره باستمرار من خلال معارفه وعلومه وخبرته والتأثيرات البيئية عليه.
والإنسان بطبيعة تكوينه يسعى دائماً لإيجاد الذات وذلك من خلال أعمال يقدمها أو معارف أو ابتكارات يتحف بها المجتمع بينما حاجاته المادية كالغذاء والسكن والملبس لا يمكن أن تعادل حاجات الإرضاء المعنوي للذات، وعامة الناس قد تتساوى عندهم عملية إشباع الحاجات المادية والمعنوية. لهذا فالإدارات المتميزة هي تلك التي تسعى لتأمين الشقين من الاحتياجات البشرية لعامليها معاً وتسعى لوضع العاملين في الأماكن المؤهلة للعمل فيها مع ضرورة توافقها مع رغباتهم وميولهم مما سيؤدي حتمًا إلى تنفيذ الأهداف بأقل التكاليف بالنسبة للمؤسسة.
لكن توزيع العمل خلافًا للمؤهلات والرغبات الفردية للعاملين قد يؤدي إلى:
- سيحاول العامل بشتى الوسائل إثبات قدراته في تنفيذ العمل الموكل إليه حتى لو كان هذا العمل يحتاج إلى كفاية أفضل لما يتمتع به العامل، مما يخلق جواً من المنافسة غير المتكافئة بين العاملين ويقطع الطريق على الفرد الذي بنى طموحات كبيرة وحاول الوصول إليها للارتقاء بسلم الوظيفة إلى الأعلى ليتمتع بسلطة إصدار القرارات عوضاً عن تلقيها من الرؤساء. المنافسة هذه قد تودي بطموحات العامل مما يحمله على ترك العمل أو تغييره .
- قد لا تكون الاستقالة أو ترك العامل للعمل الحل الأمثل بالنسبة له فقد يفقد التعويضات المادية عن خدمته الطويلة في العمل وقدمه الوظيفي مما يجعله أحياناً يحجم عن ترك العمل للاستفادة من المميزات المذكورة، لكنه سيلازمه شعور دائم بالخيبة يحمله للقيام بتصرفات غير متوازنة .

يرى كريس آرجيرس بان الإدارة الناجحة يجب أن تسعى لفهم أسباب فشل بعض العاملين في ممارسة نشاطاتهم الإدارية والفنية الإنتاجية والعمل على حلها عن طريق التقليل من المركزية ومشاركتهم باتخاذ القرارات.

باكي و آرجيرس) نظرية الاندماج( :
تقوم هذه النظرية على فكرة أساسية مفادها أن المشكلة الأساسية في حياة جميع المنظمات هي كيف يمكن لمجموعة من الأفراد المختلفين في القدرات والاستعداد أن يندمجوا في نشاط تعاوني يساهم في نجاح المنظمة ويحقق رضاءً وإشباعاً للأفراد وعلى هذا الأساس اتجهت هذه النظرية إلى الناحية الاجتماعية النفسية، وركزت اهتمامها على الطرائق والأساليب التي يتلاءم بها كل من الفرد والمنظمة بما يتفق وحاجات الآخر. وتقوم النظرية على العناصر التالية:
1- المنظمة:
وهي حشد من الأفراد الذين يتزاملون ويحلون المشكلات معاً على مدى فترة من الزمن، وفي حالة اعتماد متبادل بينهم. وهم يستخدمون موارد أساسية مادية وطبيعية بغية تحقيق نتائج تتمثل بتحقيق أهداف المنظمة والفرد، وذلك عن طريق السلوك المنظم. إن جوهر المنظمة نشاط أو سلوك حركي ينطوي على سلوك رسمي وغير رسمي، وينظر إلى التنظيم على انه نظام مفتوح وليس مغلقاً، وإن الدوافع تأتي من الخارج مثلما تأتي من الداخل.

2- الفرد:
يتكون الفرد من مجموعة من الأجزاء المركبة التي يعتمد كل منها على الآخر، وهي تتفاعل مع بعضها لتكون الشخصية الإنسانية. ولدى الفرد ثلاث أنواع من القدرات هي: فسيولوجية، نفسية، اجتماعية.
وهذه القدرات تحركها دوافع تعبر عن حاجات يشعر بها، وبالتالي فهي تعمل على أن يسلك الفرد سلوكاً معيناً يشبع بها حاجاته، وهذا السلوك لا يتحدد بموجب الدوافع فقط، بل يتأثر بالميول والعادات والاتجاهات والعواطف، وكل ذلك يعمل ضمن نظام متكامل هو الشخصية الإنسانية الكلية التي تعمل على تحقيق الذات والمحافظة على النفس وتنميتها والتعبير عنها، حيث يحصل الفرد على تحقيق ذاته عن طريق السلوك الموجه إلى الهدف ضمن نطاق ثقافة معينة يملكها الفرد.

3- الاندماج:
يأتي الاندماج من خلال قيام كل من المنظمة والفرد بالتعبير عن نفسه وتحقيق أهداف معينة يسعى إليها. أي أن هناك نوعين للسلوك:
- سلوك المنظمة: وبموجبه يصبح الأفراد عملاء في التنظيم الرسمي ويسمى بالسلوك الاجتماعي الرسمي الذي يسعى لتحقيق أهداف التنظيم. وقد يكون بالسلوك الاجتماعي غير الرسمي، إذا كان الفرد عميلاً في المجموعة غير الرسمية.
- السلوك الشخصي: وبموجبه يحقق الفرد ذاته، حيث يحاول أن يستخدم جوانب من المنظمة والجوانب غير الرسمية لتحقيق أهدافه.


ابراهام ماسلو ومبادئ السلوك الإنساني:
قدم ابراهام ماسلو نظريته الشهيرة عن الحاجات الإنسانية ورتبها على شكل تسلسل هرمي، وقد لاقت اهتماماً واستحساناً من علماء النفس وبخاصة في أوساط علماء النفس الإداري. وتقسم هذه النظرية حاجات الإنسان إلى:

الحاجات الفسيولوجية:
ويمثل هذا النوع من الحاجات المتطلبات الأساسية والضرورية اللازمة لبقاء الإنسان واستمراريته في الحياة والعمل مثل حاجات الخاصة بالغذاء والكساء والمأوى والماء والهواء والتخلص من الفضلات وغير ذلك. تعد الاحتياجات الفسيولوجية في مقدمة الاحتياجات وأكثرها حيوية لحياة الكائن البشري خارج إطار العمل وداخله.

حاجات الأمن والسلامة:
و يتركز هذا النوع من الحاجات الإنسانية على حماية الفرد من الأمراض والأزمات الاقتصادية والمخاطر والحالات غير المتوقعة. إذن إشباع حاجات الأمن والسلامة للفرد تأتي بالدرجة الثانية بعد الحاجات الفسيولوجية لأنها تمثل قوة الإنسان وصحته ومقدرته على الاستمرار في العمل واستقراره الاقتصادي ونلاحظ بأن الإدارات العلمية والتنظيمات النقابية تسهر على حماية العامل والفرد والمجموعة وضمان هذه الحاجات المتزايدة لتحقيق الاستقرار في العمل المهني وزيادة إنتاجيته.

الحاجات الاجتماعية:
إن الإنسان السليم بطبيعته كائن اجتماعي ومن خلال تواجده شبه الدائم في المجموعات البشرية داخل العمل وخارجه فإنه يسعى لتوطيد عرى الصداقة والتعارف مع الآخرين لأن في ذلك تسهيلا لمهامه العملية الشاقة، نلاحظ العمل في المجموعة التي يسود فيها التعاون وروح الجماعة أن إنتاجية الفرد فيها أعلى من غيرها.

حاجات التقدير والاحترام:
إن تقدير الفرد واحترامه في المجموعة البشرية يأتي من خلال تقويم هذه المجموعة له وحكمها على الصفات المميزة لشخصيته بالمقارنة مع الآخرين كشعور هذه المجموعة بأهميته فيها ومدى حاجة الآخرين إليه من خلال ما يتمتع به من سلوك قويم وأخلاق عالية وكفايات وقدرات جيدة والاندفاع لحل مشاكل زملائه بالقدر الذي يستطيع.

حاجات إرضاء الذات:
إن حاجات إرضاء الذات هي أسمى ما يطمح إليه الفرد في عمله الوظيفي بعد أن يكون قد اشبع احتياجاته من المجموعات الأربع الأولى وكلما ارتقى الإنسان وتقدم في مجال إرضاء الحاجات الذاتية وإشباعها كلما زادت رغبته في تحصيل المزيد منها وذلك من خلال الاعتماد على الذات في تحسين وتطوير كفاياته ومهاراته الإنتاجية ورفع مستواه العلمي عن طريق الدراسة والمتابعة والتجارب والاختبارات مع ضرورة الانتقال بها إلى حيز التطبيق ليشعر فع ً لا الفرد بأهمية أعماله وقيمتها ونتائج أبحاثه وتجاربه ومدى حاجة الآخرين إليها.

افتراضات ماسلو لبناء نظريته:
1- يخضع إشباع الحاجات الإنسانية لأولويات تعبر عن الأهمية النسبية للحاجات
2- يترتب على إشباع الفرد لمجموعة معينة من الحاجات ظهور ضرورة إشباع حاجات أخرى
3- إن الحاجة المشبعة لا تقوم بدفع السلوك أو تحريكه
4- عندما يتجه الفرد لإشباع حاجة أعلى، فهذا يعني أن الحاجات الدنيا مشبعة لديه
5- يؤدي النقص في إشباع حاجة تقع في مجموعة أدنى بعد أن كانت مشبعة سابقاً إلى تحول اهتمام الفرد من إشباع الحاجات التي تعلوها إلى محاولة إشباع الحاجة الأدنى
6- تتوقف سعادة الفرد على مستوى الحاجات التي استطاع إشباعها
7- ترتبط الصحة النفسية للفرد بإشباع المجموعات الخمس كلها وكلما تدنى مستوى الإشباع تدهورت صحته النفسية وجنح نحو عدم السوية في شخصيته

من خلال ما تقدم يتضح بأن المدرسة السلوكية والاجتماعية ركزت على ما يلي:
- لقد رأى السلوكيون أن علم الإدارة يعد بمثابة علم سلوكي تطبيقي لان الإدارة تهدف إلى تنفيذ السياسات والبرامج عن طريق الآخرين، ولهذا فالمدير معني قبل كل شيء بالتعرف على مبادئ السلوك الإنساني والفردي والجماعي في العمل من خلال قيامه بوظائف التخطيط والتنظيم والرقابة والتوجيه.
- العلوم السلوكية تعطي المديرين بعداً كبيراً وجديداً في فهم واستيعاب أعمالهم التطبيقية، بينما اقتصرت النظرية الكلاسيكية على وصف طبيعة أعمال المديرين.
- أضافت المدرسة السلوكية الأبعاد النفسية والاجتماعية وتأثيراتها على عمل الأفراد والجماعات لتحقيق أهدافهم من جهة وتنفيذ خطط وبرامج المؤسسة من جهة ثانية. واهتمت المدرسة السلوكية بمبادئ الدافعية )التحفيز المادي والمعنوي (ودراسة الجماعات وطرق قيادتها.
- نادت المدرسة السلوكية بضرورة توسيع وتعميق و إغناء العمل مما يخفف من سلبيات تقسيم العمل إلى أجزاء بسيطة، إضافة إلى لامركزية الإدارة وطالبت بزيادة عدد المرؤوسين نسبة إلى المدير الواحد.
- ترتيب الحاجات الإنسانية وإشباعها وتسخيرها لخدمة زيادة الكفاية الإنتاجية في المشروعات.

3- ماكريجر و نظرية X و Y:
إن هذه النظرية التوفيقية تهدف لتحقيق الانسجام والتنسيق بين مصالح الأفراد العاملين من جهة ومصالح ومتطلبات إدارة الشركة ومالكيها من جهة ثانية من خلال الوصول إلى الأهداف وتنفيذ السياسات المرسومة عن طريق الاهتمام بوظيفتي الرقابة والتوجيه. ولقد حاول ماكريجر لتطبيق أسلوبه على مستوى المشروع افتراض نظرية ذات شقين:
الشق الأول: أطلق عليه نظرية X ويشير فيه إلى أسلوب المديرين في التعامل مع المستويات الدنيا والى مجموعة الأفكار الأخرى التي يعتمد عليها المديرون في ممارسة نشاطاتهم وأعمالهم الإدارية ورمز إليها برمز X ليشير إلى أنها نظرية غير حقيقية.
الشق الثاني: أطلق عليه نظرية Y والهدف منها التنسيق بين أهداف المؤسسة وأهداف الأفراد العاملين فيها.

ومن الافتراضات الأخرى التي ترتكز عليها نظرية X في الرقابة والتوجيه مايلي:
الافتراض الأول: ينتاب الإنسان شعور بعدم الرغبة في العمل ويحاول تجنبه، ودور المدير هنا ينحصر في توجيه العامل ومراقبته لكي يساهم في تنفيذ أهداف منظمته الاقتصادية، وإذا اقتضى الأمر فمن الممكن التهديد بالعقوبة وفرضها.
الافتراض الثاني: غالبية الأفراد يسعون لتلقي التعليمات والتوجيهات من رؤسائهم مباشرة وذلك خشية تحملهم المسؤولية لضمان استمرارهم في العمل.

أما نظرية Y التوفيقية فترتكز على الأسس التالية في تحقيق أهداف الفرد والمنظمة:
· كل إنسان طبيعي يتمتع بطاقات محددة تتناسب ووضعه الصحي والنفسي والعلمي وهو بحاجة لتفريغها في قوالب مفيدة.
· إن استخدام الأساليب الرقابية والتوجيهية والتلويح والتهديد بفرض العقوبات على العاملين لن يجدي نفعاً بقدر الاعتماد على الرقابة الذاتية للفرد.
· يلتزم الفرد العامل بأهداف المؤسسة التي يعمل فيها بقدر التزام هذه الأخيرة بدفع التعويضات والمكافآت التي تلبي طموحاته الشخصية.
· يتمتع الأفراد بقدرات متفاوتة لكنها معقولة لحل المشاكل التي تعترضهم وتجاوزها في العمل، كما أنهم يتعلمون تحمل المسؤولية في ظروف العمل العادية.
· المستوى المتقدم الصناعي الذي وصلت إليه الدول المتقدمة لم يقلل من أهمية استقلالية الكائن البشري الجزئية في ظروف العمل.


رابعاً- المدرسة الإدارية الحديثة:
مقدمة:
إن عجلة التقدم الفني والتقني تسير باستمرار إلى الإمام لتخلق امكانات جديدة يستطيع الاقتصاديون والمهندسون والإداريون وغيرهم تسخيرها وتجييرها لصالح أغراض التنمية الاقتصادية الشاملة وتحقيق المستويات العالية من الكفاية الإنتاجية من خلال إتباع وسائل وطرق متقدمة في إدارة المنشآت والمنظمات الاقتصادية. والطرق الجديدة هذه تعتمد على استخدام النماذج والموديلات الرياضية والحواسب الإلكترونية في حل المشاكل الإقتصادية والإدارية واتخاذ القرارات الرشيدة. ومنها على وجه التحديد ما يلي:

1- المدخل الرياضي:
نظرًا لاتساع الهياكل الإدارية التنظيمية للوحدات الاقتصادية أفقياً و شاقولياً وزيادة عدد العاملين في المنشأة الواحدة وللتقدم التقني الذي نتج عنه تطور كبير في الإنتاج، فقد كان لزاماً الاعتماد على طر ق بديلة أكثر علمانية واستخدامًا للأساليب المتقدمة في الإدارة، وذلك لحل العديد من المسائل والقضايا والمشاكل العمالية والفنية والإنتاجية التي تعترض الإداري يومياً. ولقد جاءت العلوم الرياضية والبرمجة الخطية واللاخطية والحواسب الالكترونية لتخدم الإنسان في حل المسائل الاقتصادية لمصلحة المؤسسات الإنتاجية والعاملين فيها.
لقد أصبح المدخل الرياضي[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ] الحديث من المداخل الأكثر شيوعًا لدراسة مجموعة من البدائل في موقف معقد بما يكفل توفير أساس كمي للوصول إلى البديل الأنسب الذي يحقق الهد ف.
ومضمون بحوث العمليات يستند إلى تحديد المشكلة موضوع البحث، المراد اتخاذ قرار بشأنها على شكل نموذج رياضي يوضح طبيعة العلاقة بين مجموعة عناصر لظاهرة محددة، لكي يتسنى معرفة اثر كل عنصر من هذه العناصر على الظاهرة موضوع البحث.
إن المدخل الرياضي في إدارة المشاريع الاقتصادية وأقسامها المختلفة والأساليب الكمية المستخدمة ما هي إلا عبارة عن أدوات ووسائل يستخدمها المدير ويسترشد بوساطتها لحل المسائل الإدارية، لكن هذه الأدوات لا يمكن أن تكون بديلاً للمدير الذي يجب أن يتمتع بالكفايات والمهارات والقدرات على التفكير المنطقي والتصور والتحليل العلميين، كما أن التقدير الشخصي للمدير النابع من معارفه وخبراته الطويلة لا يمكن استبعاده عند اتخاذ القرار الإداري على اعتبار أن مجموعة كبيرة من العوامل والمتغيرات لا يمكن صياغتها في صورة كمية أو قياسية.
و تطبيقات بحوث العمليات في الوقت الراهن أصبحت تشمل النشاطات الإنتاجية والفنية والهندسية كالتصميم والتنفيذ والرقابة على العاملين واستخدام المواد والآلات ووسائل الإنتاج الأخرى لبلوغ هدف محدد . كما أن بحوث العمليات تستخدم في المشاريع التجارية والخدمية المختلفة من مصارف وشركات هاتف وكهرباء ومحلات تجارية ضخمة وغيرها.
وهناك عدد من الخصائص التي تتميز بها بحوث بحوث العمليات واستخداماتها الاقتصادية مثل:
§ الاتجاه والهدف الأساسي لبحوث العمليات يتركز في اتخاذ القرارات الإدارية بطابعها العلمي الرشيد.
§ البحث عن الحلول المثلى التي تضمن تحقيق الأهداف بأقل التكاليف الممكنة.
§ استخدام النماذج والموديلات الرياضية للتعبير عن المتغيرات الاقتصادية والإدارية وتأثيرها في المشكلة.
§ استخدام الحواسب الالكترونية لحل المشاكل المدروسة والتي تم وضع نماذج وموديلات رياضية لها.

2- مدرسة النظم:
إن الأساس في هذه المدرسة اعتمادها بشكل أساسي على المحاولات العلمية الهادفة إلى النظر للأشياء كمجموعة من المكونات والعناصر المعقدة والمتشابكة والمتداخلة بعضها مع بعض والتي تشكل فيما بينها وحدة واحدة. ولقد حاول الباحثون والعلماء منذ زمن طويل دراسة النظم ومكوناتها وتفاعلاتها من أجل الحفاظ على البقاء والتطور . وبعد ذلك انتقل العلماء لدراسة وتطبيق نظرية النظم في المجالات الإدارية.
ومن أهم الباحثين في ميدان مدرسة النظم " ميرتون، براون، كاست وروزنزويج ، بيرتالانفي " .


تعريف النظام:
يعرف النظام على أنه:
"مجموعة من الأجزاء أو النظم الفرعية التي تتداخل العلاقات بين بعضها، وبينها وبين النظام الذي نظمها، والتي يعتمد كل جزء منها على الآخر في تحقيق الأهداف التي يسعى إليها هذا النظام الكلي".

ووفقاً للتعريف السابق فإن النظام يتكون من العناصر التالية:
أ#- المدخلات Inputs:
وهي عبارة عن الموارد والعناصر التي تشكل المادة الأساسية اللازمة للعملية الإنتاجية، وعناصر البيئة التي تؤثر في بناء التنظيم وتحديد الأهداف والاستراتيجيات والسياسات، ويمكن تصنيف المدخلات ضمن الأنواع التالية:
- موارد مادية
- موارد بشرية
ب#- العمليات Processes:
ويقصد بها كافة العمليات التمويلية التي تساعد على تغيير طبيعة العناصر بالشكل والمضمون، والذي تم تحديده في شكل مخرجات، ويدخل في هذا الإطار الوظائف الإدارية التي لديها سلطة القرار لتنفيذ عملية التمويل.
أ#- المخرجات Outputs:
وهي النتائج المترتبة على العملية التمويلية. وعادة ما تأخذ في المنظمات شكل سلعة أو خدمة.
د- التغذية العكسية (الراجعة) Feed Back:
عبارة عن تدفق المعلومات المرتدة بين المنظمة والبيئة، أو بين البيئة والمنظمة، ويوضح الشكل التالي عناصر النظام.

[IMG]file:///C:/Users/hp/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.gif[/IMG]





[IMG]file:///C:/Users/hp/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image002.gif[/IMG] البيئة الخارجية

أنواع الأنظمة: كما هو معروف يمكن تقسيم الأنظمة إلى الأنواع التالية:
الأنظمة المفتوحة والأنظمة المغلقة: أما الأولى فهي تلك الأنظمة التي تتبادل وتتفاعل مع البيئة المحيطة وتؤثر وتتأثر بمعطياتها من خلال وسائل وأقنية الاتصال التي تزودها بالمعلومات )الاتصال بين الأنظمة والبيئة (وينطبق ذلك على المشروعات التجارية والصناعية. أما الأنظمة المغلقة فلا تفاعل ولا تبادل بينها وبين البيئة المحيطة.
الأنظمة المادية وغير المادية: والأنظمة المادية تتكون من أشياء ملموسة كما هو الحال التجهيزات والمكائن والخطوط الإنتاجية. أما الأنظمة غير المادية فتتكون من المفاهيم النظرية مثل الأهداف والخطط والبرامج والاستراتيجيات.
أنظمة قابلة للتكيف وغير قابلة للتكيف: أما الأولى فتستجيب لقوى وتأثيرات البيئة المحيطة مما يؤدي إلى إمكانية التغيير في وضع النظام كما هو الحال في المنشآت ذات الطابع التجاري والصناعي والخدمي. أما الأنظمة غير القابلة للتكيف فهي تلك التي لا تستجيب لمتطلبات ومؤثرات البيئة الخارجية.
الأنظمة الطبيعية والاصطناعية: حيث أن الأنظمة الطبيعية هي التي نشاهدها بشكل مستمر في الطبيعة كما هو الحال بالنسبة لنظام الإنسان البيولوجي والذي يتكون من مجموعة من الأنظمة الفرعية الداخلية المترابطة والمتفاعلة كنظام الدورة الدموية ونظام الهضم والجهاز العصبي. أما الأنظمة الاصطناعية فهي تلك التي يكون الإنسان قادراً على إقامتها وتكوينها والعمل على توظيفها وتشغيلها مثل الأنظمة الخاصة بالإنتاج والرقابة والتسويق والتمويل وغير ذلك.

3- مدخل الموقف ( المدخل الوضعي أو الظرفي):
لقد أصبح معروفاً في وقتنا الحاضر بأن الأسلوب الإداري المتبع في الصناعات الالكترونية يختلف عن الأسلوب الإداري في الصناعات الزراعية، كما أن طبيعة التنظيمات الهيكلية الإدارية في هذه المؤسسات لاشك متباينة. كما أن النظريات لا يمكن أن تطبق في كل الأوقات والظروف وفي مختلف الهيئات الإدارية والإنتاجية، فما هو عملي وممكن التطبيق الآن لن يكون ذلك بعد عشر سنوات نظرًا للتقدم والتطور الدائمين في أساليب العمل الإداري والإنتاجي. لذلك فإن استخدام المفاهيم والمبادئ والقواعد والنظريات الإدارية يجب أن تتم بطريقة اختيارية انتقائية تتناسب مع الظروف الحالية للمؤسسة. وردًا على هذه التصورات والتساؤلات ظهر مدخل إداري جديد هو مدخل الموقف الذي يؤكد بأنه لا يوجد طريقة مثلى تعتمد بشكل دائم كأساس للعمل في الأنشطة الإدارية المختلفة في كل زمان ومكان، نظرًا للتغيرات البيئية المحيطة الداخلية والخارجية بالنسبة لكل فرع من الفروع الاقتصادية.
ومن أشهر رواد هذه النظرية جوان ويدورد التي استطاعت بأفكارها أن تلهم الكثير من الباحثين الذين سارعوا إلى تفنيد هذا الاتجاه، وبدأت بالفعل مدرسة جديدة ونظرية حديثة في الإدارة.
تقوم هذه النظرية على الأسس والمفاهيم التالية:
1- ليس هناك طريقة واحدة يمكن اتباعها في الإدارة.
2- إن الممارسات الإدارية يجب أن تتماشى مع المهام المختلفة التي يقوم بها الأفراد مع البيئة الخارجية، ومع حاجات الأفراد في المنظمة.
3- إنها تمثل تحدياً لمقدرة المديرين التحليلية والقدرة على رؤية الذات والبيئة بأنواع مختلفة من الظروف والمواقف وهذا هو الطريق لتطوير وتنمية الشخصيات.
4- إن التنظيم نظام مفتوح يتكون من نظم فرعية مختلفة يتفاعل بعضها مع بعض، وترتبط مع البيئة الخارجية بعلاقات متشابكة.
5- يتكون التنظيم من ثلاثة نظم فرعية هي:
- النظام الفرعي الفني أي إنتاج سلع وخدمات التنظيم.
- النظام الفرعي التنظيمي، أي تنسيق العلاقات الداخلية للتنظيم.
- النظام الفرعي المؤسس، أي تنسيق العلاقات الخارجية مع البيئة.
6- إن الفوائد التي تحققها هذه النظرية هي:
- الوقوف موقف الناقد من فكرة أن هناك طريقة أو أسلوب واحد أمثل في الإدارة.
- تطبيق فكرة السبب والنتيجة في جميع الممارسات الإدارية.
- التزود بوجهات عمل تحدد أكثر الأساليب الإدارية ملاءمة لظروف معينة.
وخلاصة القول أن النظرية الموقفية تعطي قدراً غير محدود من الحرية للمدير في التفكير والتصرف، غير أنها تسهم بطريقة غير مباشرة في إعطاء الفرصة للمديرين لتقديم الكثير من الاعتذارات أو المبررات وراء أي حالة من حالات الفشل.


4- المدخل القانوني:
ظهر هذا المدخل نتيجة لتملك الدولة نسبة عالية من وسائل الإنتاج ولسيطرتها جزئياً على الحياة الاقتصادية، وذلك بهدف تطبيق الإدارة العامة والنهج القانوني لحل المشكلات الإدارية. والهدف من استخدام المدخل القانوني هو تحقيق العدالة والمساواة بين المستفيدين والمستخدمين للسلع والخدمات التي تقدمها المشاريع العامة. والإدارة هنا مسؤولة عن تصرفاتها وقراراتها أمام القوانين والأنظمة النافذة وبما يتماشى مع سياسات وخطط الدولة الاقتصادية والاجتماعية.



[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ] بحوث العمليات