تمهيد في دراسة علم النفس الاداري والتنظيمي:
يُعدعلم النفس الاداري والتنظيمي فرع من فروع علم النفس التطبيقية , ويهدف الى رفع الكفاية الانتاجية للعامل , وذلك عن طريق حل المشكلات التي تحدث في المجال الاداري والتنظيمي او الصناعي حلاً علمياً موضوعياً انسانياً بما يضمن راحة العامل النفسية والجسمية من اجل زيادة انتاجه.
ففي السابق كان معظم الاهتمام منصباً نحو تحسين الآلآت من اجل زيادة كمية الانتاج ولتحقيق اكبر قدر من الارباح . غير ان تطور الصناعة وديمومتها لايعتمد على الآلآت ورأس المال وطرائق الانتاج , بل انها تعتمد في المقام الاول على العنصر الانساني , فهو العنصر الاول في اي مشروع ويقع على كاهله تشغيل الالات وصيانتها وتطويرها. وبالتالي فهو المسؤول الاول عن الانتاج وزيادته وتحسينه كماً ونوعاً. لذا فالشخصية الانسانية هي الدعامة الاولى للانتاج فان احسن اختيارها ووضعها في العمل المناسب لها جسمياً ونفسياً وعقلياً ارتفع العمل والانتاج كماً ونوعاً.
وعلم النفس الاداري والتنظيمي يسعى الى تهيئة جميع الظروف المادية والنفسية والاجتماعية التي تكفل اكبر قدراً من الانتاج وباجود نوع وباقل وقت وجهد , وباكبر قدر من الرضا المهني للعامل.
تاريخ علم النفس الاداري والتنظيمي:
يختلف الباحثون في تحديد بدايات علم النفس الاداري والتنظيمي الا اننا يمكننا تحديد بداياته من خلال جملة من الاحداث هي:
اولاً: قيام (وليم فونت) بتاسيس اول مختبر (معمل) لعلم النفس في جامعة ليبزج بالمانيا عام 1879 حيث اتاح هذا دراسة السلوك الانساني دراسة تجريبية ملموسة النتائج . ومن ذلك الوقت انتشرت مختبرات علم النفس في العالم , مما ادى الى شيوع الدراسة التجريبية للسلوك الانساني فتمكن علم النفس من ان يدخل لدراساته وتطبيقاته المباشرة الى مجال الادارة والانتاج.
ثانياً: قيام (هوجو منستربرج) , وهو احد تلامذة فونت بنشر كتاب (علم النفس والكفاية الانتاجية عام 1913) , ويرى العديد من الباحثين ان البداية الحقيقية لعلم النفس الاداري والتنظيمي راجعة اليه في حين يصفه ملتزر Maltzrt,1978 بمدخل علم النفس التطبيقي في الادارة والانتاج , مما يؤيد العلاقة الوثيقة بين نشأة مختبر علم النفس وتأثيره المباشر في مجال الصناعة والانتاج. وكان منستربرج مهتماً بدراسة الانسان في ميدان العمل وبرفع الكفاية الانتاجية لدى العاملين.
ثالثاً: قيام الدراسة العلمية المنظمة للسلوك الانساني المتعلق بأداء واجبات العمل على يد المهندس الامريكي (فردريك تايلور 1856-1915) والذي جعل العمل الانساني اكثر عائداً انتاجياً على الرغم من انه لم يكن اخصائياً نفسياً.

  • كان تايلور يلاحظ اثناء عمله بالشركات والمصانع ان الطرائق التي يتبعها العمال في اداء اعمالهم طرائق عقيمة في اغلب الاحوال مما ينتج عنه خسارة في الاموال ..... لذا اخذ ينصح بعمل دراسة دقيقة منظمة للعمل الصناعي في كل مرحلة من مراحله (مهما كان نوع العمل) تتناول كل مرحلة بالملاحظة والتحليل والتجريب _ تحليل العمل الى حركاته وعملياته الاولية – ثم استبعاد الحركات الزائدة مع تقدير الزمن اللازم لكل حركة , واعادة التوليف بين الحركات الجديدة . وتكون هذه الطريقة في العمل هي الطريقة المثلى التي يجب ان يتبعها كل عامل لاداء العمل.
  • أهتم تايلور بدراسة الادوات والمواد التي يستخدمها العامل في عمله , وخاصة وضعها وشكل ترتيبها حتى ييسر ذلك على العامل تناولها في مجال عمله من اجل تجنب المجهود والحركات الزائدة غير الضرورية.
  • وضع تايلور نظاماً لزيادة الكفاية الانتاجية يقوم على دعائم ثلاث هي: اختيار افضل واكفأ العاملين , وتدريبهم على اكثر الطرائق كفاية واكثر الحركات اقتصادية لاستخدامها في عملهم , والثالثة منح مكافئات تشجيعية في صورة اجور مرتفعة لاحسن العمال.

وحتى يتحقق تايلور من صدق دعواه اخذ يطبق نظامه على نطاق واسع منذ عام 1880 بعد ان استحصل موافقة احدى الشركات الخاصة بصناعة الحديد والصلب في الولايات المتحدة الامريكية باجراء بحث فني حول عملية نقل الحديد الخام وتفريغه. ووقع اختياره على احد اقسام الشركة لاجراء تجربته فيه , وكان القسم يضم (75) عاملاً يقوم كل واحداً منهم بنقل حوالي(12,5) طناً من الحديد في اليوم وهو انتاج يبدو معقولاً في نظر ملاحظي العمال وموظفي الشركة , ولم يتوقعوا انه من الممكن زيادة ذلك. غير ان تايلور اخذ يلاحظ العمال ملاحظة دقيقة اثناء عملهم حتى استقر بهم المطاف على عامل هولندي يتمتع بصحة جيدة , وممن يحبون المال , فجاءه تايلور ووعده بزيادة اجره ان عمل وفقاً لما يمليه عليه من تعليمات وقبل هذا العامل بذلك... وقد توصل تايلور من تجربته لأفضل طريقة لاداء هذا العمل , فاذا بهذا العامل قد اصبح قادراً على ان ينقل في اليوم الواحد (47,5) طناً من الحديد بدلاً من (12,5) طناً – اي بزيادة في الكفاية الانتاجية تساوي اربعة امثالها- وبالمثل زاد اجره من (1,15) الى (1,85).
نقد نظرية تايلور:

  1. اعتبر الحوافز المادية هي الدافع الوحيد للعمل وزيادة الانتاج.
  2. أهمل العامل وأهتم بالعمل يحلله تحليلاً دقيقاً.
  3. نقص عدد العامل يهدد برفع مستوى البطالة بينهم.
  4. أهمل العوامل النفسية والتي تلعب دوراً كبيراً في الزيادة للكفاية الانتاجية أو خفضها.
  5. أخطأ حين جعل اقصى انتاج لاكفأ العمال , في حين ينبغي ان يكون انتاج العامل المتوسط هو الانتاج الانموذجي.
  6. يفرض على العامل (طريقة مثلى واحدة) كأن العمال يتشابهون جميعاً في تكوينهم النفسي والجسمي وسرعتهم في العمل وقدرتهم على التعلم.

وعلى الرغم من كل ماذكر فقد كان نظام تايلور بداية الطريق الى حركات (الاختيار المهني والتوجيه والتاهيل المهني والتدريب المهني , ودراسة الحركة والزمن).
الموقف الراهن في علم النفس الاداري والتنظيمي:
بعد النتائج التي توصلت اليها دراسات (الهاوثورن)[1] والتي اعدت بمثابة بداية لحركة العلاقات الانسانية في علم النفس الاداري والتنظيمي , وبعد نجاح استعمال اختبارات الذكاء في الحرب العالمية الاولى يبدو ان هناك ثلاث حركات مستقلة في علم النفس الاداري والتنظيمي هي:

  1. حركة الاختبارات النفسية: والتي تعرف باسم علم نفس الافراد , والقائمة اساساً على وجهة نظر علم النفس الفارق.

(ب)حركة العلاقات الانسانية: او علم النفس الصناعي –الاجتماعي والتي انبثقت من دراسات الهاوثورن.
(ج)حركة التجريب الهندسي الصناعي: والتي استخدمت طرائق علم النفس التجريبي والهندسة الصناعية.
لقد نما كل حقل من هذه الحقول الثلاث(الحركات) بصورة مستقلة نسبياً عن الآخر في مايختص بموضوعاته وطرائقه. ففي علم نفس الافراد ساعد النمو في الطرائق الاحصائية على تكوين بطاريات الاختبارات , وفي حركة العلاقات الانسانية ظهرت اعمال ماسلو(Maslow ) وروجز(Rogers) كما تطورت علاقة الانسان بالآلة في مايسمى بعلم نفس الهندسة البشرية.
ومع استقلال هذه الحركات على النحو السابق الا ان التداخل بينها والمتمثل في الاعتماد المتبادل بين البناء التنظيمي الاجتماعي وبين نظام تصميم الآلة وخصائص العامل , مما أنتج علم سلوك العمل(The Science Of Work Behavior) وفي عام 1973 تم تغيير اسم القسم(14) في جمعية علم النفس الامريكية من "قسم علم النفس الصناعي" الى " قسم علم النفس الصناعي والتنظيمي".
ومن خلال ماتقدم يمكننا تعريف علم النفس الاداري والتنظيمي على انه((العلم الذي يهتم بدراسة السلوك الانساني في مجال العمل)).

أهداف علم النفس الاداري والتنظيمي:
يهدف علم النفس الاداري والتنظيمي الى تحقيق جملة من الاهداف يمكن حصرها بمايأتي:

  • زيادة الكفاية الانتاجية: يقصد بزيادة الكفاية الانتاجية زيادة القدرة الانسانية على الانتاج ويتأتى ذلك بتوجيه العمال وتكوينهم تكويناً منهجياً صحيحاً.
  • زيادة توافق العامل في عمله: يتحقق توافق العامل في عمله بانتقاء العمال للاعمال التي تتفق وقدراتهم الشخصية وبمساعدتهم على التكيف في اعمالهم مع الاقتصاد بالمجهود.
  • الاستقرار الصناعي: يتحقق الاستقرار الصناعي عن طريق ازالة مصادر الشكوى والمنازعات بين العمال واصحاب العمل وذلك بوضع سياسة للتوظيف والاجور ونظام لتوزيع الارباح الناتجة عن الزيادة في الانتاج , ويتأتى عادة بتصنيف الوظائف وتحديدها وتحليلها لتحديد الجهد اللازم لكل منها , ومراحل تعلمها.


ميادين علم النفس الاداري والتنظيمي:
يتفق الباحثون على تحديد ميادين علم النفس الاداري والتنظيمي في ثلاث ميادين هيتعرف على علم النفس الاداري والتنظيمي وأهدافهالفرد نفسه , العمل نفسه , العلاقات التفاعلية والصحة النفسية). هــــــــــــــــــــذا ماسنتطرق اليه بالتفصيل في المحاضرات الاحقة.









[1] الهاوثورن: أحد الباحثين في مجال علم النفس الاداري والتنظيمي توصل من خلال عدد من الدراسات الى ان هناك ظروف نفسية واجتماعية في بيئة العمل من الممكن ان تكون اكثر اهمية من ظروف العمل الفيزيائية.