كان ثقيلاً على الناس .. على زملائه .. جيرانه .. إخوانه .. حتى على أولاده ..
نعم .. كان ثقيل الدم ..
طالما سمعهم مراراً يقولون : يا أخي ما عندك مشاعر !!
لم يكن يتفاعل معهم أبداً ..

أتاه ولده يوماً فرحاً مستبشراً .. يلوّح بدفتر الواجب وقد وقع المدرس فيه كلمة " ممتاز " .. لم يلتفت الأب إليه ..
وإنما قال : طيب .. عادي .. والله لو أنك جايب شهادة الدكتوراه !!
كان المنتظر غير ذلك ..

طالب عنده في الفصل .. كان خفيف الدم .. لاحظ ثقل الدرس ( والمدرس !!) فلطف الجوَّ بنكتة أطلقها .. فلم تتحرك تعابير وجه المدرس وإنما قال : تستخف دمك ؟!
كنت أتمنى أن يكون تصرفه غير ذلك ..

دخل إلى البقالة .. فقال له العامل البسيط : الحمد لله .. جاءتني رسالة من أهلي .. لم يتفاعل ..
هلا سأل نفسه لماذا أخبره أصلاً .. ليشاركه فرحته ..

زار أحد زملائه .. فوضع له القهوة والشاي .. ثم دخل البيت وجاء بطفله الأول حديث لاولاده .. قد لفه في مهاده .. ولو استطاع أن يلفه بجفون عينيه لفعل ..
ثم وقف به بين يديه وقال : ما رأيك في هذا البطل ؟
فنظر إليه ببرود .. وقال .. ما شاء الله .. الله يخلي لك إياه .. ثم رفع فنجال الشاي ليشرب ..
كان المنتظر أن يتفاعل أكثر .. يأخذ الغلام بين يديه .. يقبله .. يمدح جماله .. وصحته ..
لكن صاحبنا كان ( غبياً ) ..

عندما تتعامل مع الناس .. قس الأمور بأهميتها عندهم .. لا عندك أنت ..
فكلمة "ممتاز" بالنسبة لولدك أغلى عنده من شهادة
الدكتوراه عند الدكتور ..

وهذا المولود عند صاحبك أغلى عنده من الدنيا .. كلما رآه ودَّ أن يشق قلبه ويسكنه فيه .. أفلا يستحق منك حبك لصاحبك أن تشاركه ولو بعض شعوره ..

قال عبد الله ابن المبارك :والله إن الرجل ليحدثني بالحديث وأنا أعرفه من قبل أن تلده أمه فأسمعه منه .. وكأني أول مرة أسمعه ..
ما أجمل هذه المهارة ..

..
كان صلى الله عليه وسلم لطيف المعشر .. أنيس المجلس .. متحملاً .. لا يعمل قضية وخلافاً من كل شيء ..
جلس صلى الله عليه وسلم يوماً مع عائشة ..

فأخذت تحدثه بأحاديث نساء .. وهو يتفاعل معها ..
وهي تفصل الكلام وتطيل .. وهو على كثرة مشاغله يستمع ويتفاعل ويعلق ..
حتى قضت حديثها ..ولا يميل مهما اطالت الحديث
فحدثته أنه جلست إحدى عشرة امرأة – في أيام الجاهلية - فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً ..
فجعلن يتذاكرن أزواجهن بما فيهم ولا يكذبن !! وذكرت له ما قالته الاحدى عشرة نساء عن ازواجهن ...

كان صلى الله عليه وسلم يستمع بكل غنصات إلى عائشة وهي تحدثه .. ولم يظهر لها ضجراً ولا مللاً .. مع تعبه وكثرة مشاغله .. وتراكم همومه ..
حتى إذا انتهت عائشة من حديثها :
قال صلى الله عليه وسلم :كنت لك كأبي زرع لأم زرع ..


إذن .. اتفقنا .. على أهمية إظهار اللطف والاهتمام بالناس ..
فإذا جاءك ولدك متزيناً بثوب جميل .. ما رأيك يا أبي ؟ .. تفاعل ..
ابنتك .. زوجتك ..
زوجك .. ولدك .. زميلتك ..
كل من تخالطهم كن حياً متفاعلاً ..
أحياناً تكون ناسياً الموضوع .. قال لك – مثلاً - : أبشرك الوالد شُفي من مرضه ..
فلا تقل : أصلاً .. متى مرض ؟!!
أو : أخي خرج من السجن .. لا تقل : والله ما
دريت أصلاً أنه دخل السجن ..

طور نفسك بالتدريب ..

كن حياً لا ميتاً .. تفاعل بكلامك .. بتعبيرات وجهك .. حتى يأنس الآخرون بك