يقول الإمام ابن القيم رحمه الله
(وقد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم، وأن من آثر الراحة فاتته الراحة، وأنه بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة، فلا فرحة لمن لا هم له ولا لذة لمن لا صبر له ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له، بل إذا تعب العبد قليلًا استراح طويلًا)
[مفتاح دار السعادة، (2/215)].

ولذا قال بعضهم:
وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصى على قوم منال إذا الإقدام كان لهم ركابًا


وربما تبحث أيها الشاب عن وسائل عملية ترتقي بهمتك، فهذه جملة من الوسائل العملية فالتزمها تكن لك عونًا بإذن الله في رفع همتك رويدًا رويدًا حتى تبلغ الثريا:

1- اجتناب الذنوب والمعاصي؛ لأنها تضعف الهمم وتوهن العزائم بآثارها الوخيمة، وتقعد به عن ركب المتسابقين، ولله در الشافعي إذ قال:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي

2- مصاحبة ذوي الهمم العالية، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) [حسنه الألباني]، فمصاحبتهم في الله عبادة، وكفى بالصحبة الطيبة من شرف أن خلد
الله ذكر كلب أصحاب الكهف لما صاحب الأخيار.

3- الثقة في قدرات النفس البشرية، والتي أودع الله فيها قوة وقدرة يجهلها الإنسان ذاته، فكيف لا يفجر هذه القوة ويشخذ الإرادة النائمة لكي يقوم بأعظم مهمة على وجه الأرض.

4- الإكثار من القراءة عن فضائل الأعمال الصالحة وعن فضل علو الهمة، وما أعده الله لأصحابها من أهل الإيمان من النعيم المقيم.

5- التعرف على أحوال السلف في علو هممهم في طاعة ربهم سبحانه وتعالى، وعلى وجه الخصوص صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان فأولئك هم خير القرون.

6- كتابة الأهداف التي المراد تحقيقها طوال السنة في الجوانب المختلفة ثم تقسم أعمال السنة إلى واجبات شهرية، ثم إلى أسبوعية ثم إلى يومية.

انتبه!!!
قد تكون الكلمات أذكت همتك ورفعت عزيمتك للوصول إلى معالي الأمور، ولكني أحذرك من أن تضع لنفسك أهدافًا غير واقعية فتصاب بالإحباط واليأس لعدم تحقيقها، فاعلم أنه (عندما تكون الآمال التي تصبو إليها كبيرة ولكن واقعية،
فإنك سوف تبذل قصارى جهدك للوصول إليها، أما إذا كانت آمالًا بعيدة المنال، فإنك قد تخشى ارتكاب أخطاء)
[ما يحتاجه المراهقون للنجاح، بيتر إل.بينسون، وآخرون، ص(162)].


وها هو بطل من أبطال الهمة العالية محلق في سمائها، يقطع عليك كل تفكير يحول بينك وبين سلوك طريق أهل المعالي، فتعرف عليه…

لقد سأل أبو جعفر المنصور يومًا جلسائه: "أتدرون من هو صقر قريش؟" قالوا: أنت، قال: لا، فعددوا له أسماء مثل معاوية وعبد الملك بن مروان قال: لا… بل عبد الرحمن بن معاوية. دخل الأندلس منفردًا بنفسه
مؤيدًا برأيه، مستصحبًا لعزمه، يعبر القفر، ويركب البحر حتى دخل بلدًا أعجميًا فمصَّر الأمصار، وجند الأجناد وأقام ملكًا بعد انقطاع بحسن تدبيره، وشدة عظمه..

فلله در هذا العملاق، من صقر محلق في سماء الهمة، يدخل الأندلس و هو شاب في الخامسة والعشرين من عمره، مطارد من قبل العباسيين في المشرق، ومطارد من قبل الخوارج في المغرب، كل يريد أن يقتله
وهو وحيد فريد، ليس له إلا عون الله وتوفيقه، ثم شدة بأس، وعزيمة نفس، لا تقف أمامها الصعاب، ولا تفت في عضدها الظروف ومع كل ذلك ينجح بفضل الله تعالى في الوصول إلى الأندلس وتكوين جيش مقاتل، يؤسس به أركان الخلافة الأموية الأندلسية، حتى دخل "عبد الرحمن" قرطبة فصلَّى بالناس، وخطب فيهم،
فكان ذلك بمثابة إعلان ميلاد الدولة الأموية في الأندلس، وبويع له بالخلافة في 10 من ذي الحجة 138هـ ـ 18 من مايو 756م؛ ليصبح أول أموي يدخل الأندلس حاكمًا، ويطلق عليه ذلك اللقب الذي عُرف به "عبد الرحمن الداخل"، ومؤسس تلك الدولة الفتية التي أصبحت حضارتها منبعًا لحضارة أوروبا الحديثة، وظلت منارًا للعلم والمدنية عبر قرون طويلة من الزمان.

ونحن هنا ندعوك أيها الحبيب أن تسائل نفسك، تري أي الأمرين أسهل ما فعله صقر قريش من إقامة دولة كاملة، في ظل تلك الظروف الصعبة التي قد تبدو مستحيلة، من ضعف في الإمكانيات، وقلة في الموارد، ومطاردة شرسة من أقوي دولة على وجه الأرض في ذلك الزمان، وكل هذا وهو مطارد وحيد فريد، ليس معه إلا توفيق ربه، ثم عزم لا يلين، وإرادة حديدية لا تعرف الكلل واليأس،أهذا كله أصعب أم ظروفك التي تتعلل بها، وتستخدمها كشماعة لتعليق تكاسلك وضعف إرادتك؟