الجماعات المحلية بالمغرب
الاحد, 03 اغسطس, 2008

في إطار تعزيز الديمقراطية المحلية، وبلورة الحريات العامة، وبغية إشراك المواطنين في تدبير الشؤون المحلية، اعتمدت المملكة المغربية منذ سنوات الاستقلال الأولى نهج اللامركزية بالبلاد. وهكذا سُجِّل تطور ملموس فيما يتعلق بالجهاز القانوني والموارد المالية والبشرية على مدى أزيد من أربعين عاماً، وعلى مراحل عدة، سعياً إلى تعزيز استقلالية الهيئات المنتخَبة، في سبيل جعل اللامركزية رافعة حقيقية للتنمية.

وشكلت اللامركزية، التي تمثل خياراً لا رجعة فيه وورشاً يحظى بالأولوية، موضوعَ عدد من الإصلاحات، تتوخى تمكين المواطنين من أن تكون لديهم إدارة قريبة وفعالة تصغي إلى انتظاراتهم وتطلعاتهم. وفي هذا الصدد، شكّل الميثاق الجماعي المؤرخ في 23 يونيو 1960 أول نص ذي طابع عام؛ وقد سبقه نصّان ينظّمان انتخاب المجالس البلدية ويرسمان الحدود الترابية للجماعات. وأحدث الظهير المؤرخ في 12 دجنبر 1963 مستوى ثانياً من اللامركزية على مستوى مجالس العمالات والأقاليم.

لقد شهدت اللامركزية على مستوى الجماعات إصلاحاً جذرياً في العام 1976 من خلال اعتماد إطار قانوني جديد خوّل الجماعات مسؤوليات واسعة فيما يتعلق بتدبير الشؤون المحلية، ونقَـل سلطة إجراء مداولات المجالس من ممثل الدولة إلى رئيس المجلس الجماعي باعتباره سلطة منتخَبة. كما تم تعزيز مسلسل اللامركزية عام 1992 من خلال إحداث الجهة، باعتبارها جماعة محلية ذات اختصاص، تشكّل إطاراً ملائماً لتطوير آليات ومناهج جديدة كفيلة بتثمين أمثل للموارد البشرية والطبيعية والبيئية للجهة.

كما أنها تمثل إطاراً حيزياً يضم أبعاداً اقتصادية واجتماعية وثقافية، تقوم على تعزيز أسس الديمقراطية المحلية، والتضامن داخلياً وخارجياً بين الجهات والتنسيق بين مختلف الفاعلين الذين يكوّنون الجهة بغية تحقيق تنمية محلية مندمجة ومتنوعة.

وهكذا حدّد ظهير 2 أبريل 1997 تنظيم الجهة على أساس تعزيز الممارسات الديمقراطية، من خلال تمكين مختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين وباقي مكوّنات المجتمع المدني، من استثمار الجهة باعتبارها فضاء جديداً للتفكير والحوار والعمل. وقد حدت رغبة صاحب الجلالة محمد السادس في ملاءمة اللامركزية عموماً والمؤسسات المحلية على وجه الخصوص مع التغيرات التي يشهدها المغرب، بالسلطات العمومية في 1992 إلى إجراء مراجعة عميقة للنظام القانوني المنظّم للجماعات و العمالات والأقاليم.

ويأتي هذا التجدّد في اللامركزية في سياق عامّ سماته الرئيسية كما يلي :

• تعزيز الديمقراطية، ولا سيما عن طريق مراجعة الدستور سنة 1996 مما يؤكّد تمسّك المملكة المغربية بحقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها دولياً؛

• تعزيز دولة الحق؛

• ظهور المفهوم الجديد للسلطة؛

• تنظيم العمليات الانتخابية على نحو أسفر عن تجديد وتشبيب وتحسين مستوى تكوين المنتخَبين المحليين؛

ويتمحور الإطار القانوني الجديد المنظّم للجماعات المحلية حول المحاور التالية:

• إحداث قانون أساسي للمنتخَب، مع تحديد الواجبات والحقوق، وذلك لأول مرة في تاريخ اللامركزية بالمغرب؛

• توسيع حقل الاستقلالية المحلية من خلال مفهوم جديد لجدول الاختصاصات المحلية يرتكز على مبدأ المساعدة، من أجل تخويل المستوى المحلي صلاحيات أكثر اتساعاً فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية؛

• وضع الإطار القانوني لنقل الصلاحيات التي يمكن أن تفوّضها الدولة للجماعات المحلية لاحقاً؛

• تعزيز آليات مراقبة وتخليق ممارسة الولاية الانتخابية حمايةً للمصلحة العامة والمال العام.

• تعزيز المراقبة الخارجية، ولا سيما من خلال خلق محاكم مالية، أي المحاكم الجهوية للحسابات.

• تخفيف جهاز الوصاية من خلال خفض عدد القرارات التي تخضع للموافقة، وخفض آجال الموافقة، وكذا من خلال تفويض سلطة الموافقة إلى الولاة والعمّال؛

• إحداث نظام جديد للجماعات الحضرية التي يفوق عدد سكانها 500.000 نسمة، عبر إنشاء مجلس جماعي مكلّف بتدبير شؤون الجماعة، وأيضاً من خلال مجالس المقاطعات التي لا تملك شخصية قانونية غير أنها تتمتع باستقلالية إدارية ومالية، وتتولى تدبير شؤون القرب؛

لقد صاحبت قوانينَ اللامركزية إنْ على مستوى الجماعة، أو العمالة أو الإقليم أو الجهة، جملةٌ من إجراءات المواكبة تتوخى تمكين الهيئات المنتخَبة من أداء مهامها في أمثل الظروف التي تضمن الفعالية ونجاعة الأداء. وإذا كانت الموارد المالية التي تملكها الجماعات المحلية تكفل لها الاستقلالية عن الدولة، فإن هذه الكيانات تملك نظاماً جبائياً محلياً، مع تمتعها بالاختصاص في تحديد آليات وضع أساس معدلات بعض أنواع الضريبة، وكذا آليات تحصيلها، وتحديدها. والواقع أن النظام الجبائي الحالي المحدَث بموجب ظهير 21 نونبر 1989 قد عزّز الاستقلالية المالية للجماعات المحلية من خلال توسيع نطاق الموارد الخاصة. وقد تعزّز هذا النظام بتحويل حصة تعادل 30 % على الأقل من ناتج الضريبة على القيمة المضافة إلى الجماعات المحلية، زيادة على ثلاث ضرائب حصّلتها مصالح الدولة وتم تخصيصها للجماعات اللامركزية (ضريبة التجارة، ضريبة النظافة، والضريبة الحضرية)، وكذا الموارد الغابوية التي تستفيد منها الجماعات القروية منذ عام 1977.

وفضلاً عن ذلك، فإن الجماعات المحلية تتوفر على هيئة خاصة من الموظفين، ينظمها القانون الأساسي الخاص بالموظفين الجماعيين المؤرخ في 27 شتنبر 1977 الذي يحدد المقتضيات الخاصة التي يخضع لها هؤلاء الموظفون، الذين يتجاوز عددهم 146 ألف إطار وعون، استفادوا من دورات تكوينية في الشُّعَب التي تلبي حاجيات هذه الجماعات.

ويبدو اليوم لزاماً، بعد الإصلاحات التي طرأت على القوانين المنظِّمة لتنظيم الجماعات، والعمالات والأقاليم، ملاءمة الإطار القانوني والتنظيمي مع السياق الجديد الذي تشهده اللامركزية. ولهذا الغرض تم وضع برنامج لدعم اللامركزية، يشمل مراجعة النصوص المتعلقة بالنظام الجبائي المحلي، وبالتنظيم المالي للجماعات المحلية وبنظام المحاسبة فيها. ويتوخى هذا الجهاز تبسيط وتحسين مردودية النظام الجبائي المحلي، وتأهيل الإدارة الجبائية المحلية، وخلق انسجام ما بين النظام الجبائي المحلي والنظام الجبائي الوطني.

وأخيراً، وفي إطار دعم الجماعات المحلية، تُبذَل جهود في سبيل ضمان نجاح سياسة اللامركزية، ولا سيما عن طريق توفير الدعم القانوني للجماعات المحلية، ودعم برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية محلياً، وأيضاً عن طريق تعزيز قدرات هذه الكيانات على مستوى التسيير وعلى المستوى التقني.

منقول للفائدة