(التفويض الفعال للآخرين ربما يكون هو النشاط الوحيد المتاح، الأعظم قوة، والأشد فعالية).
ستيفن كوفي.
السيد سعيد مدير فرع أحد الشركات الكبرى، يأتي إلى عمله في السابعة صباحًا كل يوم، وما أن يدخل من المدخل الرئيسي للشركة، حتى يندفع إليه أحد موظفيه قائلًا: السلام عليكم، سيدي المدير، لقد قمت بالاتصال بمدير الشركة الفلانية، وسألته عن ردهم على العرض الذي قدمناه لهم، ولكنه مسافرًا في رحلة عمل، فتحدثت إلى أحد مساعديه، وقال أنه لن يستطيع أن يتخذ قرارًا إلا بعد عودة مديره من سفره، ماذا نفعل؟
وما أن انتهى السيد سعيد من هذا الموظف، حتى عاجله آخر بسؤال آخر، وثالثٌ بمشكلة، ورابعٌ بأزمة، وهكذا كل يوم، فهل يا ترى يستطيع السيد سعيد أن يتحمل تلك الضغوطات كل يوم؟! وهل يتمكن السيد سعيد من الوصول لإدارة فعالة لعمله؟!
باختصار إن مشكلة السيد سعيد ليست في عظم الأعباء، وكثرة الضغوطات، ولكن لأن السيد سعيد أغفل قاعدة هامة تكفل له ضغوطات أقل وإنتاجية عالية، ألا وهي قاعدة التفويض.
دعه يعمل:
كان مبدأ التفويض الفعال سر نجاح عملاقٍ من عملاقة تجارة التجزئة في الولايات المتحدة، وهو جي سي بيني، والذي يملك سلسلة من متاجر التجزئة تحمل نفس الإسم، حيث يقول: (إن أفضل وأحكم القرارات التي اتخذتها في حياتي على الإطلاق كان: دعه يعمل)، فكان أفضل القرارات أن يفوض المهام الذي يستطيع أن يؤديها غيره، أو لمن تدرب على أدائها بكفاءة.
ولكن بشروط خمسة:
ولكي يكون التفويض فعالًا، لابد أن يتوفر فيه شروط أساسية، ودعائم رئيسة، حتى يؤتي ثماره، ومن هذه الشروط ما يلي:
1. النتائج وليس الأساليب:
التركيز على النتائج المرجوة وليس على أساليب إنجاز تلك الأهداف، بمعنى أن توضح الهدف من المهمة التي توكلها لغيرك بدقة، ثم تترك له استخدام الأساليب المناسبة التي توصل إلى ذلك الهدف.
2. الدقة والوضوح:
بمعنى تحديد الموارد والمصادر، والذي يساعد بشدة في إنجاز المهمة وتحقيق الأهداف، سواء أكانت تلك مصادر بشرية، أو مالية، أو فنية، أو إدارية.
3. الاتفاق على معايير الإنجاز:
ضع معايير واضحة ومتفق عليها مسبقًا من أجل قياس الأداء، ويتضمن ذلك وضع معايير زمنية لتقديم التقارير ولإنجاز الأهداف.
4. المسئولية لا تفوض:
استمرار المسئولية عن المهمة التي فوضتها، وتذكر دائمًا أنه ليس بمجرد تفويض المهمة فقد أنتهت مسئوليتك عنها، فكما يقول فرانك ف. هوب: (إنه في مقدورك أن تقوم بتفويض عمل ما، لكن ليس في إمكانك التخلي عن مسئوليته).
5. الانسحاب بمجرد التفويض:
الانسحاب من المهمة بمجرد تفويض المختص بها، وعدم التدخل إلا إن دعت الحاجة لذلك؛ فكما يقول الرئيس الأمريكي رونالد ريجان: (قم بتعيين الأشخاص الملائمين، دربهم، فوض إليهم، ولا تتدخل بعد ذلك).
ثمار التفويض الفعال:
وحينما تقوم ـ عزيزي القارئ ـ بالتفويض بشروطه الخمس السابقة، فإن ثمار من شجرة التفويض تتدلى نحوك، فالتفويض الفعال يمنحك إدارة فعالة للوقت؛ فهو علاج فعال للمدراء الذين يشتكون من قلة الأوقات، وكثرة المشاغل والأعمال، ويسعون دائمًا لإنجاز مهام جديدة.
وفي نفس الوقت فهو يعينك على زيادة الإنتاج، فحينما توفر من وقتك الذي كان يضيع سدى في أعمال يمكن لغيرك إتمامها، فإن ذلك يجعلك تركز اهتمامك على اغتنام فرص جديدة، أو ابتكار أفكار مبدعة، أو تعلم مهارات جديدة تعود عليك وعلى مؤسستك وعلى أفراد فريق عملك بنتائج تزيد من إنتاجيتك.
ومن ثم يساعدك التفويض الفعال على إيجاد الوقت الكافي من أجل تدريب فريق عملك؛ فالوقت الذي توفره من جراء تفويض المهام، سيكون موجهًّا إلى حد كبير من أجل تنمية مهارات فريق العمل.
ولكن لماذا يكرهه البعض؟
ولكن إن كان للتفويض كل تلك الثمار، فلماذا يحجم عنه بعض المديرين؟ ولهذا أسباب كثيرة، من أهمها ما يلي:
1. الخوف من فقد السيطرة:
حيث أن المدير الذي يقوم بكل المهام بنفسه، فإنه يحتفظ بجميع أوراق السيطرة في يديه، أما حين يفوض المهام، فإنه قد يظن أن الموظفين سيصبحون في غنى عنه.
2. الخوف من ضياع الوقت:
فقد يظن بعض المديرين أن الوقت المستثمر في تدريب وتعليم الموظف من أجل تفويض المهمة إليه وقتًا ضائعًا، وهذا ليس بالصحيح على الإطلاق، بل إنه يوفر لك كمدير وقتًا كافيًا لإتمام المهام الأكثر أهمية.
3. الخوف من اللوم:
ففي حالة إذا ما فوض أحد المدراء أمرًا ما، ثم قام الموظف المسئول عن هذا الأمر بإتمامه بصورة خاطئة، فإن المدير هو من سيتحمل نتيجة الخطأ وليس الموظف المسئول.
4. الحرص الشديد على الموظفين:
فقد يظن المدير أن تفويض مهمة ما لأحد موظفيه، سوف يثقل كاهله ويزيد أعباءه، ومن ثم يحجم عن ذلك ويفضل القيام بالمهمة وحده.
ماذا بعد الكلام؟
وإليك جملة من الواجبات العملية من أجل تفويض فعال وناجح، وذلك كما يلي:
1. قم بإعداد قائمة بأسماء كل المرؤوسين الذين ترغب في التفويض إليهم، وسجل نقاط ضعفهم ومواطن قوتهم، كما في الجدول التالي:
اسم الموظف
مواطن القوة
مواطن الضعف
أ/ حامد.
جيد في الاتصال والتفاعل مع الآخرين.
يكره الأعمال المكتبية والإدارية والأعمال الروتينية.
أ/ سعيد.
ينجز الأعمال بسرعة كبيرة.
ينجز الأعمال بدرجة إتقان وجودة ضعيفة.
2. سجل ما تريد من الموظف إنجازه كتابة واعطه نسخة واحتفظ بنسخة لنفسك من أجل المتابعة.
3. أشرك من ستفوضه في تحديد الإطار الزمني اللازم لإنجاز المهمة، واحترس من المتفاءل الذي قد يعطيك موعدًا خياليًّا لا يمكن تحقيقه.
4. ضع نظامًا للاتصال وتقديم التقارير، يتضمن موعد تسليم التقارير وكيفية إرسالها.
5. ركز على النتائج وليس التفاصيل، اجعل من الواضح لكل موظف أنك مهتمٌ أكثر بالمحصلةالنهائية لجميع المشاريع، بدلًا من التفاصيل اليومية التي تصاحبها.
6. كلمة السر في نجاح التفويض هي المتابعة، فلا تقم بالتفويض ثم تنسى الأمر نهائيًّا، ولا تنسَ المبدأ الإداري القائل: (المسئولية لا تفوض).
أهم المراجع:
1. أسرار قادة التميز، د.إبراهيم الفقي.
2. العادات السبع، ستيفن كوفي.
3. التفويض الفعال، روبرت مادوكس.