المعايير الشرعية تاج على رأس المصرفية الإسلامية

تؤدي المصارف الإسلامية في المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية للمسلمين وغيرهم خدمات التمويل والاستثمار وجميع الخدمات البنكية الأخرى بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية ويحقق رضا الله تعالى أولا ثم النفع والفائدة لكل من العميل والمصرف.

وحين انطلقت المصرفية الإسلامية قبل أكثر من ثلاثة عقود كان الهدف الأساسي منها هو كسر مبدأ المديونية القائم على الربا وإخراج المتعاملين بالمصرفية التقليدية من دائرة اللعن الوارد على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم.

ولأنها قائمة على أسس أخلاقية, وقبل ذلك على أساسات شرعية, لم تلبث هذه المصرفية أن انتشرت في العالم في فترة وجيزة وفي كل حين, ويوما بعد يوم تتجلى الحكمة الإلهية من مثل هذه التشريعات وتظهر للناس, كان آخرها أيام الأزمة المالية حين صمدت هذه المصرفية في وجه تلك الأزمة.

هذه المميزات وإقبال المتعاملين عليها جعل كثيرا من المستثمرين يتجه نحوها في أنحاء العالم ويوليها مزيدا من الاهتمام, فعلى سبيل المثال فرنسا التي تمنع الحجاب تريد أن تكون عاصمة التمويل الإسلامي، وأقبل الناس على المصرفية الإسلامية من قريب وبعيد وزادت سرعة انتشارها فنتج عن ذلك أنه دخل فيها من لا يفقه حكمتها وأبعادها الشرعية خاصة من غير المسلمين. إن هذا الانتشار السريع يعد من المخاطر التي قد تضر بمستقبل هذه المصرفية ما دعا وبشدة إلى إيجاد معايير ومنهجية يلتزم بها من أراد التعامل بها. وكما هو معلوم فالالتزام بالمعايير ضرورة لأن النمو الكبير والتوسع منقطع النظير في الخدمات المصرفية الإسلامية, الذي قلناه سابقا، لا بد أن يصاحبه التزام بالجودة وإلا كان هذا النمو موجباً لتدهور العمل المصرفي الإسلامي.

إن عنصر الجودة الحقيقي للمنتجات المصرفية الإسلامية هو مدى انضباطها شرعياً، وليس أفضل وسيلة لضمان استمرار هذه الجودة والنوعية من الالتزام بالمعايير الشرعية.

إن الالتزام بالمعايير الشرعية سيكسب المؤسسات المالية ثقة العملاء ويمنحهم الطمأنينة, كما أنها ستنهي إلى حد كبير مشكلة اختلاف الفتوى وتضاربها كونها ستحقق ـ بإذن الله ـ التقارب بين الهيئات الشرعية للمؤسسات المالية من حيث الأساسيات المطلوبة لأي منتج, وهذا يجعل تطوير المنتجات أكثر كفاءة وأقل تكلفة.

لقد سخر الله ـ عز وجل ـ لهذا الأمر هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية AAOIFI التي نشأت عام 1990 ومقرها في البحرين، وقامت هذه الهيئة بجهود عظيمة جبارة في وضع معايير شرعية ومحاسبية للمنتجات المصرفية, حيث جمعت المتخصصين من مختلف بقاع العالم تحت سقف واحد ليتناقشوا ويتحاوروا حتى قدمت للعالم هذا الكنز العظيم الذي يعد مرجعا أساسيا يجب الالتزام به, وإننا نأمل أن تلزم البنوك المركزية في الدول الإسلامية كل من يقدم الخدمات المصرفية الإسلامية بهذه المعايير, وذلك - بإذن الله - سيحقق الانضباط التام لهذه المعاملات ويحمي المصرفية الإسلامية من أن يتلاعب بها كل من لا يفقه روحها وجوهرها، كما أن من المهم التنبيه إلى أنه يجب على البنوك أن تدعم هذه الهيئة ماديا ومعنويا, وأن يكون لها دور في رعاية لقاءاتها ومؤتمراتها ودوراتها التدريبية, فهي سخرت وقتها وجهدها في خدمتهم, وهذا العمل المبارك يحتاج إلى دعم, وأول من يطالب بهذا الدعم هم المستفيدون من هذه المعايير وعلى رأسهم المصارف. الشكر لله أولا على هذه النعمة, ثم الشكر للقائمين على هذه الهيئة المباركة وعلى رأسهم الدكتور محمد نضال الشعار, ونسأل الله لهم التوفيق والسداد.

*نقلاً عن صحيفة "الاقتصادية" السعودية.