على الرغم من أن مقاربة الجودة مقاربة مغرية، أحدثت في نظر الكثيرين قفزة نوعية في ميدان الإنتاج الاقتصادي والصناعي، إلا أنه ينبغي الإشارة إلى أن تطبيقاتها لم تكن فكرة ناجحة باستمرار؛ فقد كان الفشل مصير العديد من المشاريع التي حاولت تطبيق هذه الفكرة. ولعل مثل هذه النهايات هي التي دفعت بالبعض إلى نقد مفهوم الجودة. فما هي أهم الاعتراضات التي طالت هذا المفهوم؟ وما قيمتها؟ وما حدودها؟

الاعتراضات
يعتبر داريل وزباراكي وبنك من أبرز من اعترضوا على مقاربة الجودة بشكل عام. فداريل Dar-El يشير إلى أن ثلاث من أربع ممارسات لمبادئ إدارة الجودة الشاملة كانت رديئة جدا. ويضيف زباراكي Zbaracki أن برنامجا واحدا فقط من كل ست برامج لإدارة الجودة الشاملة هو الذي كتب له النجاح، وأن تطبيق إدارة الجودة الشاملة كان ملفوفا معظم الوقت بالمبالغة واللغة الطنانة وبعيدا عن الواقعية.
أما بنك Bank فقد أطلق على المديرين الذين يطبقون فكرة إدارة الجودة الشاملة "مبشري الجودة" على غرار المبشرين بالديانة المسيحية، فهم يوحون إلى العاملين بمؤسساتهم بأن المستقبل الزاهر قريب.
وإذا كانت فكرة إدارة الجودة الشاملة بشكل عام موضوعا لعدة اعتراضات، فهي في مجال التعليم موضوع لاعتراضات أشد رفضا.
فقد بين تاكوراي Thackuray أن فكرة الجودة الشاملة التي ترعرعت في ميدان الصناعة غير ملائمة لميدان التعليم. (Barnabé,1997:51)
كما يعترض كوهن Kohn على المقارنة التي يقوم بها دعاة الجودة بين المدرسة والمؤسسات الصناعية. فهو يعترف بأن الكثير من القيم التي تقترحها الجودة الشاملة تلتقي مع أفضل النظريات التربوية، لكنه يؤاخذ على الأدبيات التي تتحدث عن الجودة الشاملة في التعليم عدة مؤاخذات أهمها التعامل مع التلاميذ على أنهم عمال، وضعف العناية بالبرامج الدراسية والتعلمات. (Barnabé,1997:51)
أما ستاجن Sztajn فيعترض من جهته على التعامل مع المدارس كما لو كانت مؤسسات تجارية أو معامل. ويعتبر أن تطبيق مبادئ الجودة الشاملة في ميدان التعليم لا يعدو أن يكون مجرد لعب بالكلمات. ويدعو إلى اعتبار التربية فن، والمدرسة عملية أصيلة. (Barnabé,1997:51)
وقد تعرض مفهوم الجودة لاعتراضات من نوع آخر من طرف بعض خبراء التربية والتعليم في الدول العربية؛ في هذا السياق نجدأحمد أوزي يتساءل عن جدوى هذا المفهوم وينتقده من موقع أنه مفهوم مستورد؛ وهذا واضح من سلسلة أسئلته النقدية التالية:
- هل مفهوم الجودة الجاهز والمقبول في الدول المتقدمة يلائم مفهوم الجودة المرغوب في الدول النامية، علما أن النفقات على النظام التعليمي تختلف باختلاف المستويات الاقتصادية لهذه الدول؟
- هل هذه الشعارات أو المفاهيم التي قامت المنظمات الدولية بتصديرها إلى الدول النامية تناسب وتيرتها النمائية وتتفق مع أوضاعها الثقافية والاجتماعية والسياسية؟
- أليس المقصود من هذه المفاهيم أو الشعارات إدماج الدول النامية في ركاب السياسة الاجتماعية والاقتصادية للدول الصناعية، التي أفرزت تلك المفاهيم تبعا لمناخها السياسي والثقافي وتركيبتها الاجتماعية الملائمة لها، ومن ثمة تسعى من تصديرها عبر المنظمات الدولية إلى النامية لتشديد وتقوية هيمنتها وسيطرتها الثقافية عليها، إلى جانب الهيمنة على العديد من جوانب حياتها الأخرى؟
- هل استطاعت معظم دول العالم الثالث تأكيد أنها حققت الحد الأدنى من المفاهيم أو الشعارات التي ظهرت في القرن الماضي حتى تتأهب لتنفيذ وإنجاز متطلبات الشعارات والمفاهيم الأخرى الجديدة؟
- هل يمكن تطبيق هذه المفاهيم بغض النظر عن مكان وبيئة التعليم، عندما نعرف أن المنظومة الكلية لأي مجتمع من المجتمعات تتفاعل معها وتتبادل وإياها التأثير والتأثر؟
- هل توجد معايير قياسية دولية كونية واحدة بالنسبة لجميع الدول يمكن تطبيقها على التربية للحكم على جودتها على غرار مؤشر الإيزو الدولي؟
- هل من الممكن تطبيق مفهوم الجودة في مجال التربية والتعليم مادام المفهوم قد ظهر في مجال الاقتصاد الذي يلائم استخدامه وتطبيقه على المنتوج؟ وإذا افترضنا إمكانية تطبيق هذا المفهوم في ميدان التربية فهل سيظل بنفس المعنى الذي يستخدم به في ميدان الاقتصاد؟ وفي حالة الجواب بالنفي أين تنتهي تخوم دلالته الاقتصادية، وأين يبدأ مجال دلالته التربوية؟

الرد على الاعتراضات
إن مجموع هذه الاعتراضات القائمة في وجه فكرة إدارة الجودة الشاملة في التعليم لا تخلو من جوانب وجيهة، ومع ذلك فإن هذه الفكرة تفرض نفسها فرضا وبشكل خاص في مجال التعليم، وذلك لعدة اعتبارات. وقد أشارت (Barnabé,1997:51-52) إلى أهم هذه الاعتبارات فيما يلي:
- يجب التمييز بين اعتماد طرق الجودة والتكييف الذكي لها مع خصوصيات المجال التربوي التعليمي؛
- إننا برفضنا لمقاربة الجودة نحرم التعليم من فرصة جيدة لتأهيله نحو الاحترافية؛
- إن نساء التعليم ورجاله، والساهرين على تدبيره وإدارته بحاجة ماسة لتغيير نظرتهم للتعليم والتعلم، ولمضامين التعليم وأنظمته ونظرياته. والجودة الشاملة وحدها كفيلة، متى اعتمدت بطريقة ذكية، بتحقيق هذا التغيير؛
- إن الجودة ستكون مفيدة بكل تأكيد للتلاميذ، إذ ستخلق لديهم المتعة في التعلم، والتطور والنمو المستمر.