يقول: د. حزام بن ماطر المطيري
قد لايكون مستغرباً أن نجدالكثير من غير المسلمين يعتقدون بعدم وجود الإدارة الإسلاميةكنظرية،أو كواقع محسوس في الوقت الحاضر، وذلك لأسباب عديدة ليس هذا مجال ذكرها،إلا أن الأغرب من ذلك أن نجدكثيراً من أبناء المسلمين يشاركونهم هذا الاعتقاد،ويظنونأن الكلام عن الإدارة الإسلامية لا يعدو أن يكون كلاماً تاريخياً فقط،ولتصحيح هذا التصور الخاطئ،فإن هذا المقال يهدف إلى :
01
بيان أهم أسبابالانهزامالفكري والسلوكي عند كثير من أبناء المسلمين.
02
بيان معنى الإدارةالإسلامية،وتوضيح اختلافها عن الإدارة الوضعية في الفكر والغاية والوسيلة .

الموضوع :

أولاً: أسباب الفهم الخاطئ عن الإدارة الإسلامية:

ترجع أهم الأسباب في نظر الباحث إلى العوامل الآتية:
*
اعتقاد أنالإدارةمصطلح حديث ظهر في الدول الغربية، وبالذات في الولايات المتحدة الأمريكية،عندما نُشِر مقال عن الإدارةمن قبل الرئيس الأمريكي (ودروا ويلسون) في أواخر القرنالتاسععشر، وما تبع ذلك من نظريات عمقت هذا الفهم، بدعوى إضفاء صفة العلمية علىهذا الحقل، وتمييزه عن غيرهمن العلوم.
*
سقوط الخلافة العثمانية التي كانترمزاًللأمة الإسلامية الواحدة، وقيام الدولة التركية العلمانية على أنقاضها .
*
الاستعمار الغربي، وتقسيم الأمة الإسلامية إلى دويلات،وتطبيق مبدأ " فرَّقتَسُد"ومن ثم ظهور المفاهيم القومية والاشتراكية وغيرها.
*
إنشاء الجامعاتالأمريكية" الكليات الإنجيلية سابقاً" في بعض البلاد العربية كمصر ولبنان،واعتبارها رمزاً للتقدمالعلمي، لأنها تحقق الأهداف العلمانية التي تحققها البعثاتالخارجيةللدول الغربية، وخصوصاً للشباب في سن المراهقة.
*
التدرج في إدخالمفاهيمالعلمانية في البلاد المسلمة في المجالات المختلفة، سواء التعليم أو التربيةأو الإعلام، وذلك بإضعاف دورالجانب العقائدي والإيماني وحصره على أداء شعائرتعبديةمعينة، دون مجالات الحياة الأخرى .
في مجال الإدارة ظهر ذلك واضحاً فينشاطاتجماعة الإدارة العامة المقارنـة ( رجز وزملاؤه) في الستينيات وخلال منتصفالسبعينيات، وذلك بتقسيمالمجمعات إلى قسمين:
أ. زراعية: ووصفها بالنامية أوالمتخلفةأو دول الجنوب.
ب. صناعية: ووصفها بالمتقدمة أو دول الشمال، وبيان أنالعلاقة بينها خطية ذاتاتجاه واحد من الأدنى إلى الأعلى، فما على الصنف الأول إلاتبنيالمنهج الغربي؛ لكي يصل إلى ما وصل إليه الصنف الثاني وفق التقسيم السابق.
الترويج لبعض الوسائل المساعدة في تحقيق الهدف السابق،بضرورة تبني مفاهيمالتنميةبجوانبها المختلفة: الاقتصادية باتباع النظام الرأسمالي . السياسية باتباعالنظام الديمقراطي...الإدارية بتبني النظريات الإدارية المعاصرة القائمة علىالمنهجالعلماني، الذي يفصل بين الدين والعلم بسبب الخلفية التاريخية المرتبطةبالثورة الفرنسية والثورةالصناعية في أوروبا، لمقاومة الكنيسة في العصور الوسطى.


ثانياً : معنى الإدارة الإسلامية واختلافها عن الإدارةالوضعية:

بعد هذا التقرير الموجز للخلفية التاريخية لنشأة الإدارةالمعاصرة، تجدرالإشارةإلى بيان معنى الإدارة الإسلامية، والتعليق على ذلك لبيان اختلافها عنالإدارة الوضعية في الفكروالغاية والوسيلة .
يرى أحد الكتاب المعاصرين بعدإيرادلفظ الإدارة، وبعض ألفاظ التدبير الواردة في القرآن الكريم بأن كلمة التدبيرأعم وأشمل من لفظ الإدارة؛لأنها تتحرى أصلح الطرائق للقيام بعمل ما حول موضوعمعيّن،في حين أن لفظ الإدارة يقتضي التنفيذ فقط.

وهذا اللفظ شائعالاستخدامفي كتابات السلف في مجال الأحكام السلطانية والسياسية الشرعية، وهو مايميز الإدارة عن غيرها منالإدارة الوضعية المعاصرة؛ لأنه يدل على أهمية الربط بينالأمورالحسيّة والأمور المعنوية، أو بين الأمور المادية الدنيوية وبين الأمورالغيبية الأخروية.

....يتبع.....