وبناءً عليه فإنه يمكن إيراد بعض التعريفاتللإدارة الإسلامية، والتعليق عليها لتأكيد المعاني والدلالات السابقة
:

التعريف الأول: " هي تلك الإدارة التي يتحلىأفرادها -قيادة وأتباعاً، أفراداً وجماعات، رجالاً ونساء- بالعلم والإيمان عندأدائهم لأعمالهم الموكلة إليهم على اختلاف مستوياتهم ومسؤولياتهم في الدولةالإسلامية.

التعريف الثاني:" هي تلك الإدارة التي يقومأفرادها بتنفيذ الجوانب المختلفة للعملية الإدارية على جميع المستويات وفقاًللسياسة الشرعية.

بالنظر إلى التعريفين السابقين يتبين ما يلي:

01 أن التعريف الأول أكثر عمومية، في حين أن التعريفالثاني أكثر دقة وتحديداً.
02 أن السياسة الشرعية هي الإطار اللازم للإدارةالإسلامية؛ تقوم على مبادئ وأصول الشريعة المستمدة من القرآن الكريم والسنةالنبوية الصحيحة، فيما يتعلق بالعقائد والأحكام والعبادات والمعاملات، وفيما يجلبالمصالح ويدرأ المفاسد عن المجتمع المسلم.
03 أن يتحلى العاملون في الإدارة – من قمة الهرم الإداريإلى أدناه- بالقيم الإسلامية وذلك في أنفسهم أولاً، وفي تعاملهم مع الآخرينثانيا،ً سواءً كانوا رؤساء أو مرؤوسين أو مستفيدين.
04 أن تترجم السياسة الشرعية إلى واقع ملموس عند تنفيذالجوانب المختلفة للعملية الإدارية، من تخطيط وتنظيم وتوجيه ورقابة وإدارة لشؤونالأفراد في جميع المستويات والمجالات والأجهزة الخاصة منها والعامة.
05 أهمية التكامل بين العلم والإيمان في الإدارة وغيرهاوعدم الفصل بينهما؛ لأن العلم الحقيقي - في أي حقل وفق الإسلام- ينبغي أن يعمقالإيمان في النفس، وأن يزيد الخشية لله؛ طمعاً في ثواب الله وخوفاً من عذابه فيالحياة الأخرى، وبالمقابل فإن الإيمان الحقيقي يشجع كل عمل صالح للعباد؛ لتعميرالكون وتحقيق معنى الاستخلاف في الأرض في الحياة الدنيا ، وبناءً عليه فإنه فيحالة حدوث الفصل بينهما تصبح الإدارة علمانية.



و يختلف تعريف الإدارة الإسلامية عن الإدارة الوضعية(العلمانية) في الفكر والغاية والوسيلة.


- فمن حيث الفكر: أوضحنا في المقال السابق عند التعليقعلى تعريفات الإدارة الإسلامية وهو يختلف عن معنى الإدارة في الفكر الوضعيالعلماني بجميع مدارسه التقليدية والمعاصرة، والتي تركز على المفهوم المادي البحتالدنيوي؛ دون أي ارتباط بالحياة الأخرى، وهو ما جعل نتائجه وآثاره على الفردوالجماعة تدور في حلقة مفرغة؛ منذ ظهور تلك النظريات وحتى اليوم؛ لأنها أفكارجزئية قاصرة، وإن اتصف بعضها بشيء من الشمولية فهو تجريدي وتنظيري، بحيث يصعبتطبيقه في أرض الواقع كما في نظرية النظم.

-أما من حيث الغاية: فإن الإدارة الإسلامية تسعى لتحقيقمعنى العبودية لله عز وجل عملاً بقوله تعالى: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، وقوله تعالى: "قل إن صلاتي ونسكيومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين".

بخلاف الغاية في الإدارة الوضعية فهي لا تتجاوز الإطارالدنيوي، وتحقيق الشهوات بأشكالها المختلفة، والتأثر بالشبهات التي تخلخل العقيدةوتضعفها في النفس. ومن ثم يضعف تأثيرها على السلوك فيصبح الفرد فيها مقلداًوتابعاً وإمّعة، كما جاء في حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-، بخلاف من يعمل وفقالمفهوم الإسلامي للإدارة، حيث تكون غايته إرضاء الله سبحانه وتعالى، ورسوخ ذلك فينفسه وانعكاسها على سلوكه وتصرفاته الشخصية متكاملة مستقلة، تكون قائدة لا تابعة،ومؤثرة لا متأثرة إلا بما هو حق وعدل.

- أما من حيث الوسيلة: فهذا نتيجة منطقية للأمرينالسابقين، ففي الإدارة الوضعية المتأثرة بالفكر العلماني نجد أن الفكر الميكافلليهو السائد والمهيمن، فالغاية تبرر الوسيلة، وحيث إن الغايات وفق هذا الفكر تحكمهاالشهوات والشبهات؛ فإن الوسائل المتبعة في هذه الحالة لا تحكمها ضوابط وقيم ومثلعليا أخلاقية، إنما تحكمها المصالح الشخصية والأهواء المادية الدنيوية.

في حين نجد أن الإدارة الإسلامية على النقيض من ذلك فهيمحكومة بضوابط شرعية. فالوسائل لها أحكام المقاصد في الفقه الإسلامي. وبناء عليهفإن الوسائل المتبعة يجب أن تكون مشروعة للوصول إلى الغايات والأهداف المشروعة فيهذه الدنيا، والتي تعد جزءاً من أهداف أكبر وغايات أسمى في الحياة الأخرى تتمثل فيمرضاة الله عز وجل، وبلوغ الجنة والنجاة من النار. ومن ثم فإن الناس يأمنون علىأموالهم وأنفسهم وأعراضهم عندما يشعرون بأن من يتولى الإدارة وفي أي مستوى مناالمستويات هو من هذا الصنف وهذه الشاكلة التي تلتزم بالإسلام فكراً وغاية ومنهجاًوسلوكاً، حتى لو لم تكن بينهم وبينه رابطة قرابة أو صداقة أو معرفة؛ لأن رابطةالإسلام والإيمان فوق كل هذه الاعتبارات.