[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]



هذه هي الترجمة الحرفية لأهم ثلاث كلمات ذُكرت في فيلم "أفاتار" ونصها “I See You”، ولم أشأ أن أترجمها إلى: "أنا أراك"، وأحوِّل الطرف "الآخر" إلى مجرد ضمير متصل، فهو ليس مجرد جزء من كلمة، بل هو جزء من كل؛ جزء من عالم شامل ومتكامل ومتفاعل.

فيلم "أفاتار" أو "القرين" الذي اخترع لغة جديدة وحطم كل الأرقام القياسية، يصف عالمًا جديدًا، ليس خياليًا ولا واقعيًا، وليس مسالمًا ولا عدوانيًا، وليس بشعًا ولا مثاليًا، بل هو مزيج من هذا وذاك؛ تمامًا كالعالم الذي نعيش فيه.

من وجهة نظرٍ شخصية فإن عبارة "أنا أرى أنت" تمثل أهم جملة ذُكرت في كل سيناريوهات السينما العالمية على مدى تاريخها. وأرى أيضًا أن "جيمس كاميرون" كاتب ومخرج الفيلم يستحق عليها جائزة "نوبل" للسلام، وليس جائزة الأوسكار للسينما!

فعندما التقى الضدان المختلفان، وهما الإنسان المتحول الذي يرى الحقيقة مجسدة فيه وحده، وذلك الكائن الأزرق الغريب الذي يشبه الهنود الحمر أو "الهنود الزرق"، ذلك الإنسان البدائي بملامح القط المتحضر، كانت التحية المتبادلة بينهما هي: "أنا أرى أنت".

"السلام عليكم" هي تحيتنا للعالم، والتي عندما نحيي بها "الآخر" فإننا نرسل له رسالة ضمنية تقول: "أنت في سلام" أي أنت في أمان. ولقد قال تعالى في كتابه الكريم: "وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا." وهذا تمامًا ما قصده "النافيون" أو سكانكوكب "باندورا" عندما جعلوا تحيتهم: "أنا أرى أنت".

تحيي كل شعوب العالم بعضها بهذه العبارة الإنسانية العظيمة، مع اختلاف اللغات وعدد وإيقاع الكلمات. وهي عبارة قوامها الاعتراف بوجود الآخر. فـ"أنا أرى أنت" تعني: أنا أعترف بك وبعالمك وبوجودك، لأن لك كيانًا ماديًا ومعنويًا، وهالة تحيط بك، وأنا أحترم روحك التي نفخها فيك الله. فلأننا مخلوقان من قِبل إله واحد، فليس لواحد منا فضل على الآخر إلا بالقدر الذي يعترف به بوجود الآخر. وعندما يقول الهنود: "نوماسكار" أو "نوماست" بلغتهم الهندوسية فإنهم يقصدون نفس المعنى، ويترجمون نفس العبارة.

تحمل التحية بكل لغات العالم تحمل نفس الروح ونفس الحب ونفس الإيقاع، ولهذا السبب جاء عالم "باندورا" الخيالي موازيًا لعالمنا الإنساني أو البشري. ومثلما تصل بيننا الأرحام أو الطرق أو الهواتف أو الطائرات أو شبكات المعلومات، ففي "باندورا" أيضًا نجد العوالم كلها متصلة.
حتى النباتات وطيور الرخ الخرافية والأشجار العملاقة و"النافيون" - ترجمة كلمة Na’vi باندورا أو Native مواطن - كلهم متشابكون ومتكاملون.

وعندما يقطع أحدهم شجرة، فإنه يغتال الطبيعة فيقال له: "لقد قتلت أمك". وعندما يحاول أحدهم سلب كنزك أو معادنك الثمينة من أرضك، فإنه بذلك يسلب روحك. وعندما يعبر "الآخر" عن احترامه لك، ويعترف بوجودك كشيء أو كنبات أو كحيوان أو كإنسان، فإنه يقول لك: "أنا أرى أنت"، لأن نفس الروح التي نُفخت فيه، نُفخت فيك أنت أيضًا، فأنتما شيء واحد، وكلنا في الحياة وللحياة سواء.

تبدو رسالة "أفاتار" للوهلة الأولى تقليدية، وكأنها تشبه رسائل الأفلام الأخرى، فتعكس نفس الصراع الأبدي والأزلي بين الخير والشر. لكن رسالة "جيمس كاميرون" في هذا الفيلم الأزرق ثلاثي الأبعاد، تلخص جملة صراعات، لا صراعًا واحدًا. فهي تجسد الصراع بين الطبيعة والآلة، وبين الفطرة والصنعة، وبين الحرب والسلام، وبين الدمار والازدهار، وبين الانفصال والاتصال، وبين "أنا أرى أنت" وبين "أنا أرى أنا".

عندما يتم الربط بيننا كمخلوقات، وليس كبشر فقط، فإن كل فرد منا يستطيع رؤية الآخر واستقبال المعلومات منه، وسماعه، وقراءة أفكاره، والإحساس بآلامه، والتفاعل مع آماله، وفهم: "أنا أرى أنت"، سواء كنا "نافيين" من كوكب "باندورا" أو آدميين من كوكب الأرض.

كواكبنا أيضًا متصلة، وهذا التواصل والتشابك والتداخل الذي يوحدنا، يمد جذور التعاطف والتراحم والتفاهم وينير ومضات التواد والحب والسلام بين كل الكائنات، لا بين بني البشر فحسب. فلو كان الإنسان مميزًا حقًا، لكان سبَّاقًا إلى الحب لا إلى الحرب، وإلى الحياة لا إلى الموت، ولسبق الإنسان "النافيين" وسبق الحجر والشجر والمطر والقمر، ولسبق المال والأعمال، والبترول واليورانيوم والبلاتينيوم، ولسبق النووي والحمضي والقلوي، والحلو والمر، والسماء والبحر، ولسبق الأقرب والأبعد، والأعمق والأزرق، والأصفر والأحمر والأخضر، ولقال لكل من هو "آخر": "أنا أرى أنت"