يمثل التدريب عنصرا شديد الأهمية للمؤسسات الخيرية؛ ذلك لأن أغلب العاملين في هذا المجال يغلب عليهم عنصر الهواية؛ نظرًا لكونهم متطوعين في الأساس، أو حديثي العهد بالعمل الخيري، لكن تفتقد هذه المؤسسات لآليات واضحة تستطيع من خلالها إدارة برامج تدريبية على مستوى احترافي.
وفي دراسة متميزة للباحث محمد بن علي الغامدي يقدم فيها رؤية شاملة لأساليب التدريب في الجمعيات الخيرية وسبل إنشاء برنامج تدريبي محترف.
في البداية يقول الغامدي إن الجهات الخيرية مؤسسات غير ربحية أنشئت بهدف نفع ومساعدة فئات محددة من المجتمع فهي مسئولة أمام المجتمع عن تحقيق هذا النفع ولا يتسنى تحقيق هذا الهدف دون مراجعة مستمرة لمحاورها الأساسية وهي القوى العاملة والموارد المالية والإدارة.
وحيث إن القوى العاملة هي مدار نجاح المحاور الأخرى؛ لذا يلزم تعهدها بالتدريب والتطوير ذلك أن انعكاسات تطوير القوى العاملة يبدو أثره واضحاً جلياً على المستفيدين من خدمات الجهة الخيرية، وأبرز ما ينبغي التركيز عليه في قياس نجاح الجهة الخيرية به هو تأهيل المستفيدين ونقلهم من طور العوز والحاجة إلى طور الكفاف ثم إلى العطاء والصدقة. من ذلك يتبين أن التدريب والتأهيل ما هما إلا وجهان لعملة واحدة يمكن أن تسمى تنمية المجتمع.
ثم ينتقل الباحث إلى شرح أهمية التدريب ليؤكد أن التدريب في مفهومه الشامل هو تزويد العاملين بمهارات ترتقي بأدائهم من المستوى الممارس إلى مستوى أفضل بصورة دائمة لتحقيق الأهداف، ولما كان المال يحتل عصب الجهات الخيرية أسوة بمثيلاتها من المصالح الأخرى كان لزاماً على القائمين على الجهات الخيرية التي تكلف تلك الجهات أموالا طائلة يذهل من يحصرها، ولو قدر لراصد أن يحسب تلك الأخطاء التي تعد سبباً لذلك الهدر قدر ما يوفره التدريب منها لبادر بتدريب جميع العاملين مهما كانت التكاليف. أضف إلى ذلك الساعات الطوال التي تهدر جراء إعادة الإجراءات الخاطئة بغرض تصحيحها خصوصا إذا علمنا أننا مع فئة يحتل لها الوقت عنصراً حيوياً إذ قد تكون مضاعفات إعادة إجراء معين أو استبداله سبباً في مضاعفة معاناة المستفيد. تلك الأخطاء التي ترتكب هي في الواقع مقدمات لإعادة إجراء الأعمال الأمر الذي يتطلب بذل جهود إضافية كان من المقرر أن توجه لإنجاز أعمال جديدة لمستفيدين آخرين.
تحديد الاحتياج من البرامج التدريبية
كل الفئات العاملة في الجهات الخيرية بحاجة ماسة إلى التدريب وذلك نظراً لأهميتها البالغة في تطوير وتحسين كفاءة الجهة، ولكن كل فئة بحاجة إلى نوع مختلف من برامج التدريب يعينها على قيامها بدورها على أكمل وجه. فبينما تحتاج فئات الإدارة المختلفة إلى برامج تدريبيه على المهارات الإدارية المختلفة من تخطيط وتنظيم وتوجيه ومراقبة وما يتفرع عن ذلك من برامج تدريبية على ضمان الجودة وحل المشكلات وإدارة الوقت والقيادة الإدارية والإبداع، نجد في المقابل أن الفئات المنفذة تحتاج إلى دورات تدريبية تخصصية في مجال عملها.
ومع أن هذا التصنيف يعد منطقيًّا في توزيعه إلا أنه لا يعمل به على إطلاقه إذ لا يمنع أن تدرب الفئات الدنيا على برامج إدارية والفئات العليا على برامج تخصصية، ولكن ما ذكر أعلاه يعد من سبيل التغليب إذ تحتاج الفئات الإدارية إلا مالا يقل عن (10%) من مجموع البرامج التدريبية في الإدارة والتدرب على الجوانب التخصصية فيما لا يعدو عن (20%) من مجموع البرامج التدريبية المقدمة، وتنعكس النسبة في حالة العمال التنفيذيين فيدربون على ما لا يزيد عن (20%) من الدورات المقدمة لهم في الجوانب الإدارية وما لا يقل من (80%) من الدورات التدريبية المقدمة لهم في البرامج التخصصية، ويتم تحديد نوع البرامج التدريبية بعد مراجعة دقيقه لأداء العاملين في المستويات المختلفة. وبناء عليه تحدد البرامج بدءً بالأهداف وانتهاء بالتقييم، وقد يتم تحديد بعض البرامج بطلب من الموظفين أنفسهم بعد اكتشاف بعض جوانب القصور لديهم أملاً في أن يفي البرنامج التدريبي بتحسينها ولما كان الأمر معقوداً بتحسين مستوى الأداء لزم أن يكون البدء بمستويات الإدارة العليا إذا أنها هي التي ستقود إلى التغيير والتحسين والتطوير، خصوصاً بأن لقرارات الإدارة العليا الأثر البالغ الذي يبلغ مداه كل جوانب العمل والعاملين في الجهة الخيرية.
تنفيذ الإستراتيجية الشاملة للتدريب
تبدأ مراحل تنفيذ الإستراتيجية الشاملة للتدريب بتحديد الوظائف الرئيسة التي تعد أساساً لنجاح الجهة إذ إن في كل مستوى من مستويات الهيكل الهرمي للجهة توجد عدد من الوظائف القيادية والتنفيذية وتحدد أهميتها بمدى صلتها بالأهداف المزمع تحقيقها وبناء عليه تعطى درجة الأهمية والأولوية في برامج التدريب، يقاس الأداء الفعلي في تلك الوظائف ويقارن بمستوى الأداء المطلوب وتحديد الفجوات المهارية المسببة لعدم تطابق الأداء الفعلي مع مستوى الأداء المطلوب وبناء على تحديد تلك الفجوات المهارية تحدد البرامج التدريبية والدورات المناسبة، وتعد لتفي بردم تلك الفجوات إذ إنها تركز على تزويد المتدربين بما يرفع مستوى الأداء لديهم والرقي به ثم ينظر فيما يمكن أن تخصصه الجهة من ميزانية تصرف منها على البرامج التدريبية وتوضع في الحسبان كل مصادر التكلفة ابتداء برسوم الدورات التدريبية وانتهاء بتكلفة تغيب المتدرب عن جهة عمله ويحسن تحديد مستوى الأداء المستهدف قبل بدء الدورات التدريبية من خلال معايير دقيقة وواضحة المعالم قابلة للتطبيق والقياس.
بعد ذلك تنفذ الدورات التدريبية لجميع الفئات المستهدفة حسب طبيعة كل برنامج من خلال الخطة الشاملة المقررة للمستويات المختلفة للموظفين بمنطقية في التسلسل لضمان حسن الأداء والتفاعل بين المتدربين أثناء التطبيق بعد التدريب، ومن خلال المعايير المعدة سلفاً تجري عمليات المقارنة بين الأداء الفعلي بعد التدريب والأداء المستهدف المخطط له قبل التدريب وتبحث الأسباب وتوضع في الحسبان لتلافيها في الدورات اللاحقة.
معايير التدريب الناجح
هناك عدد من المعايير يلزم مراعاتها لضمان نجاح برامج التدريب تتمثل فيما يلي:-
1- ضرورة مشاركة إدارة الجهة ويتم ذلك من خلال الجوانب العملية التالية:-
أ- افتتاح الدورات لحث المتدربين على حسن الأداء.
ب -المتابعة أثناء تنفيذ الدورات.
ج - اختتام الدورات والإجابة عن استفسارات المتدربين.
د- متابعة تنفيذ المهارات بعد التدريب ومكافأة المتميزين في الأداء.
2- ربط كل جزئيات التدريب بأهداف التدريب.
3- تدريب أكبر قدر من الموظفين.
4- قياس وتقييم النتائج.
5- التركيز على المستفيدين.
6- التركيز على التدريب الواقعي لبيئة العمل.
7- اشتراك المتدربين في الإعداد وتعميم برامج التدريب.
ثم ينتقل الباحث إلى نقطة هامة وهي ميزانية التدريب ويقول: إنه ينبغي أن نرشد الصرف حتى في ميزانية التدريب نفسها على الرغم من قناعة كثير من المنظرين بأن ما يصرف على برامج التدريب يعد من قبيل الاستثمار طويل المدى في مجال تطوير كفاءات القوى البشرية ويلزم عدم إغفال أي محور من المالية في ميزانية التدريب والتي تشمل:
1.تكاليف الدورات.
2.تكاليف التنقل للدورات خارج المدينة.
3.تكاليف الاشتراك في الدورات المهنية.
4.تكاليف المعدات الخاصة بالتدريب.
5.تكاليف غياب الموظف عن عمله.
تحويل التدريب
نظراً لعدم تطبيق المتدربين للمهارات المكتسبة من برامج التدريب بصورة فعالة ودائمة فلقد ركز كثير من الباحثين اهتماماتهم بهذه الظاهرة، وخلصوا إلى دراسات تشير إلى عمق المشكلة وضرورة التحرك السريع لتلافي مضاعفاتها فلقد بينت إحدى الدراسات أن المجال الصناعي في أمريكا ينفق مائة بليون دولار سنويًّا على التدريب إلا أن الفائدة من تلك البرامج التدريبية لا تتجاوز (10%)، وخلصت دراسة أخرى إلى أن (40%) من محتويات التدريب تحولت إلى بيئة العمل بعد التدريب مباشرة وأن (24%) منها تطبق بعد ستة أشهر من التدريب و( 15%) تطبق بعد نهاية السنة.
ولضمان تطبيق المتدربين لأكبر قدر من المهارات التي اكتسبوها أثناء التدريب يلزم مراعاة ما يلي:
1. أن يكون محتوى التدريب قابلاً للتطبيق.
2. أن يعرف المتدرب المحتوى الخاص ببرنامج التدريب.
3. أن يحفز المتدرب لتغير سلوكه في العمل حتى يطبق ما تعلمه في برنامج التدريب.
ثم يقسم الباحث الاحتياطات الواجب اتباعها للخروج بتدريب جيد إلى 3 مراحل:
أولا: احتياطات قبل التدريب:
أ. إشراك المتدرب في تخطيط برامج التدريب.
ب. الاكتشاف الفعال للخيارات التدريبية.
ج. مشاركة المتدرب التلقائية في الأنشطة التي تسبق برامج التدريب.
ثانيا: احتياطات أثناء التدريب:
أ. المحاورة مع متدرب آخر.
ب. تدوين الأفكار التطبيقية.
ج. التخطيط للتطبيق.
د. توقع الارتداد.
هـ. التهيئة النفسية لمحاولة التغيير.
ثالثا: احتياطات بعد التدريب:
أ. الحافز النفسي للتغيير.
ب. التطبيق المباشر بعد انتهاء التدريب.
ج. تعليم الآخرين على المهارات نفسها.
د. استمرارية الاتصال مع المتدربين الآخرين.